﴿ بسم الله ﴾ الذي له كل كمال ﴿ الرحمن ﴾ الذي عم جميع عباده بالنوال ﴿ الرحيم ﴾ الذي خص أولياءه بنعمة الإفضال.
ﰡ
صاح هل ريت أو سمعت براع | رد في الضرع ما قرى في الحلاب |
واختلف فيمن نزل ذلك فيه، فقال مقاتل : في العاص بن وائل السهمي. وقال السديّ : في الوليد بن المغيرة. وقال الضحاك : في عمرو بن عابد المخزومي. وقال عطاء عن ابن عباس رضي الله عنهما : في رجل من المنافقين. وقيل : في أبي جهل.
وقال إبراهيم : هو الذي يلتفت في صلاته. وقال قطرب : هو الذي لا يقرأ ولا يذكر الله تعالى. وقال ابن عباس رضي الله عنهما : لو قال في صلاتهم ساهون لكانت في المؤمنين. وقال عطاء : الحمد لله الذي قال تعالى :﴿ عن صلاتهم ساهون ﴾ ولم يقل في صلاتهم ساهون، فدل على أنّ الآية في المنافقين. وقال قتادة : ساه عنها لا يبالي صلى أم لم يصلّ. وقال مجاهد : غافلون عنها متهاونون بها. وقال الحسن : هو الذي إن صلاها صلاها رياء، وإن فاتته لم يندم. وقيل : هم الذي يسهون عنها قلة مبالاة بها حتى تفوتهم، أو يخرج وقتها، أو لا يصلونها كما صلاها رسول الله صلى الله عليه وسلم والسلف، ولكن ينقرونها نقراً من غير خشوع، ولا اجتناب لما يكره فيها من العبث باللحية والثياب وكثرة التثاؤب والالتفات، لا يدري الواحد منهم عن كم انصرف، ولا ما قرأ من السورة، وكما ترى صلاة أكثر من ترى من الذين عادتهم الرياء بأعمالهم، ومنع حقوق أموالهم، والمعنى : أنّ هؤلاء أحق أن يكون سهوهم عن الصلاة -التي هي عماد الدين،
والفارق بين الإيمان والكفر والرياء الذي هو شعبة من الشرك، ومنع الزكاة التي هي شقيقة الصلاة وقنطرة الإسلام - علماً على أنهم مكذبون بالدين، وكم ترى من المتسمين بالإسلام ؛ بل بالعلم، من هو منهم على هذه الصفة، فيا مصيبتاه.
فإن قيل : كيف جعل المصلين قائماً مقام ضمير الذي يكذب، وهو واحد ؟ أجيب : بأن معناه الجمع ؛ لأنّ المراد به الجنس. فإن قيل : أي فرق بين قوله تعالى :﴿ عن صلاتهم ﴾ وقولك في صلاتهم ؟ أجيب : بأن معنى عن أنهم ساهون عنها سهو ترك وقلة التفات إليها، وذلك فعل المنافقين أو الفسقة الشياطين من المسلمين، ومعنى في أن السهو يعتريهم فيها بوسوسة شيطان أو حديث نفس، وذلك لا يكاد يخلو منه مسلم.
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقع له السهو في صلاته فضلاً عن غيره، ومن ثم أثبت الفقهاء باب سجود السهو في كتبهم. وعن أنس : الحمد لله على أن لم يقل في صلاتهم، وقد مرّت الإشارة إلى بعض ذلك. فإن قيل : ما معنى المراآة ؟ أجيب : بأنها مفاعلة من الإراءة ؛ لأن المرائي يري الناس عمله وهم يرونه الثناء عليه والإعجاب به، ولا يكون الرجل مرائياً بإظهار العمل الصالح إن كان فريضة فمن حق الفرائض الإعلان بها وتشهيرها لقوله صلى الله عليه وسلم «ولا غمة في فرائض الله » ؛ لأنها أعلام الإسلام وشعائر الدين، ولأنّ تاركها يستحق الذم والمقت، فوجب إناطة الهمة بالإظهار، وإن كان تطوّعاً فحقه أن يخفى ؛ لأنه مما لا يلام بتركه ولا تهمة فيه، فإن أظهره قاصداً للاقتدار به كان جميلاً.
وإنما الرياء أن يقصد بالإظهار أن تراه الأعين فتثني عليه بالصلاح. وعن بعضهم : أنه رأى رجلاً في المسجد قد سجد سجدة الشكر فأطال، فقال : ما أحسن هذا لو كان في بيتك، وإنما قال هذا ؛ لأنه توسم فيه الرياء والسمعة، على أنّ اجتناب الرياء صعب إلا على المرتاضين بالإخلاص. ومن ثم قال صلى الله عليه وسلم :«الرياء أخفى من دبيب النملة السوداء في الليلة المظلمة على المسح الأسود ».
وقال قطرب : أصل الماعون من القلة، تقول العرب : ما له سعنة ولا معنة، أي : شيء قليل، فسمى الزكاة والصدقة والمعروف ماعوناً ؛ لأنه قليل من كثير. وقيل : الماعون : ما لا يحل منعه مثل الماء والملح والنار.