ﰡ
قوله: ﴿بالحق﴾ يجوزُ أَنْ يكونَ حالاً مِنْ فاعلِ «نَتْلو» أو من مفعولِه أي: مُلْتبسين أو مُلْتبساً بالحقِّ، أو متعلقٌ بنفسِ «نَتْلو» بمعنى: نَتْلوه بسببِ الحقِّ. و «لقوم» / متعلقٌ بفعلِ التلاوةِ أي: لأجلِ هؤلاء.
قوله: ﴿يَسْتَضْعِفُ﴾ يجوزُ فيه ثلاثةُ أوجهٍ، أحدها: أنه مستأنِفٌ، بيانٌ بحالِ الأهل الذين جَعَلهم فِرَقاً وأصنافاً. الثاني: أنه حالٌ مِنْ فاعلِ «جَعَل» أي: جعَلَهم كذا حالَ كونِه مُسْتَضْعِفاً طائفةً منههم. الثالث: أنه صفةٌ ل «شِيَعاً».
٣٥٨٤ -........................ | ............. وأرْهَنُهُمْ مالِكاً |
والعامَّة من القرَّاء والمفسرين وأهلِ العلم يقفون على «ولَكَ». ونقل ابن الأنباري بسنده إلى ابن عباس عنه أنه وَقَف على «لا» أي: هو قُرَّةُ عينٍ لي فقط، ولك لا، أي ليس هو لك قرةَ عين، ثم يَبْتَدِىء بقوله «تَقْتُلوه»، وهذا لا ينبغي أن يَصِحَّ عنه، وكيف يَبْقَى «تَقْتُلوه» من غيرِ نونِ رفعٍ ولا مُقْتَضٍ لحَذْفِها؟ ولذلك قال الفراء: «هو لحنٌ.
قوله: ﴿وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ﴾ جملةٌ حاليةٌ. وهل هي من كلامِ الباري تعالى وهو الظاهرُ، أو من كلامِ امرأةِ فرعون؟ كأنَّها لَمَّا رأَتْ مَلأَه أشاروا بقتلِه قالَتْ له كذا أي: افعلَ أنتَ ما أقولُ لك، وقومُك لا يَشْعُرون. وجَعَل الزمخشريُّ الجملةَ مِنْ قولِه: ﴿وَقَالَتِ امرأة فِرْعَوْنَ﴾ معطوفةً على» فالتقطه «، والجملةَ مِنْ قولِه: ﴿إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ﴾ إلى» خاطئين «معترضاً بين المتعاطفين/، وجَعَلَ
٣٥٨٥ - فإنْ يَكُ قَتْلى قد أُصيبَتْ نفوسُهُمْ | فلَنْ يَذْهبُوا فَرْغاً بقَتْلِ حِبالِ |
قوله: ﴿إِن كَادَتْ لَتُبْدِي﴾ «إنْ» : إمَّا مخففةٌ، وإمَّا نافيةٌ. واللامُ: إمَّا فارقةٌ، وإمَّا بمعنى إلاَّ.
قوله: ﴿لولا أَن رَّبَطْنَا﴾ جوابُها محذوفٌ أي: لأَبْدَتْ، كقولِه: {وَهَمَّ بِهَا
قوله: ﴿فَبَصُرَتْ بِهِ﴾ أي: أَبْصَرَتْه، وقرأ قتادةُ «بَصَرَتْ» بفتح الصاد. وعيسى بكسرِها. وتقدَّم معناه في طه.
قوله: ﴿عَن جُنُبٍ﴾ في موضعِ الحال: إمَّا مِنَ الفاعلِ أي: بَصُرَتْ به مُسْتَخْفِيَةً كائنةً عن جُنُبٍ، وإمَّا مِن المجرورِ، أي: بعيداً منها. وقرأ العامَّةُ «جُنُبٍ» بضمتين وهو صفةٌ لمحذوفٍ. أي: مِنْ مكان بعيد. وقال أبو عمرو ابن العلاء: «أي: عن شوق»، وهي لغةُ جُذام يقولون: جَنِبْتُ إليك أي: اشْتَقْتُ. وقرأ قتادة والحسن والأعرج وزيد بن علي بفتح الجيمِ وسكونِ النونِ، وعن قتادةَ أيضاً بفتحهما. وعن الحسن «جُنْبِ» بالضم والسكونِ. وعن سالم «عن جانبٍ» وكلُّها بمعنى واحد. ومثلُه: الجَنَابُ والجَنابَة.
وقيل: جمعُ «مَرْضَعْ» بفتح الميمِ والضاد. ثم جَوَّزوا فيه أَنْ يكونَ مكاناً أي: مكان الإِرضاع وهو الثَّدْيُ، وأَنْ يكونَ مصدراً أي: الإِرْضاعاتِ أي: أنواعَها.
قوله: ﴿مِن قَبْلُ﴾ أي: مِنْ قبلِ قَصِّها أثرَه.
قوله: ﴿وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ﴾ الظاهرُ أنه ضميرُ موسى. وقيل: لفرعون. ومن طريف ما يحكى: أنها لَمَّا قالَتْ لهم ذلك استنكروا حالَها وتفرَّسوا أنها قَرابَتُه. فقالَتْ: إنما أردْتُ: وهم للمَلِكِ ناصحون. فتخلَّصَتْ منهم. قاله ابن جريج. قلت: وهذا يُسَمَّى عند أهلِ البيانِ «الكلامَ المُوَجَّه» ومثلُه لَمَّا سُئل بعضُهم وكان بين أقوامٍ، بعضُهم يُحِبُّ عليَّاً دونَ غيرِه، وبعضُهم أبا بكر، وبعضُهم عمرَ، وبعضُهم عثمانَ، فقيل له: أيُّهم أحبُّ إلى رسول الله؟ فقال: مَنْ كانت ابنتُه تحته.
٣٥٨٦ - فأمَّا عيونُ العاشِقين فَأُسْخِنَتْ | وأمَّا عيونُ الشامتينَ فَقَرَّتِ |
٣٥٨٧ - على حينَ عاتَبْتُ المشيب على الصِّبا | ........................... |
قوله: ﴿يَقْتَتِلاَنِ﴾ صفةٌ ل «رجلين». وقال ابن عطية: «حال منهما» وسيبويه وإنْ كان جَوَّزَها مِن النكرة/ مُطْلقاً. إلاَّ أنَّ غيرَه وهم الأكثرون يَشْتَرِطون فيها ما يُسَوِّغُ الابتداءَ بها وقرأ نعيم بن ميسرة «يَقَتِّلان» بالإِدغام نَقَلَ فتحَة التاءِ الأولى إلى القافِ وأدغمَ.
وقوله: «هذا، وهذا» على حكايةِ الحالِ الماضيةِ فكأنهما حاضران. وقال المبردُ: «العربُ تُشير ب هذا إلى الغائب وأنشد الجرير:
٣٥٨٨ - هذا ابنُ عَمِّي في دمشقَ خليفةً | لو شِئْتُ ساقَكُمُ إليَّ قَطِينا |
قوله: ﴿فَوَكَزَهُ﴾ أي: دَفَعَه بجميع كَفَّه. والفرقُ بين الوَكْزِ واللَّكْزِ: أنَّ الأولَ بجميعِ الكفِّ، والثانيْ بأطرافِ الأصابِع وقيل: بالعكسِ. والنَّكْزُ كاللَّكْزِ. قال:
٣٥٨٩ - يا أَيُّها الجاهِلُ ذو التَّنَزِّي | لا تُوْعِدَنِّي حَيَّةً بالنَّكْزِ |
قوله: ﴿فقضى﴾ أي: موسى، أو الله تعالى، أو ضميرُ الفعلِ ِأي: الوَكْزُ
قوله: ﴿مِنْ عَمَلِ﴾ : مِنْ وَسْوَسَتِه وتَسْوِيْلِه والإِشارةُ إلى القَتْلِ الصادرِ منه.
٣٥٩٠ - لَنْ تَزالُوا كذلِكُمْ ثُمَّ لا زِلْ | تَ لهمْ خالِداً خُلُوْدَ الجبالِ |
قوله: ﴿يَتَرَقَّبُ﴾ يجوزُ أَنْ يكونَ خبراً ثانياً، وأَنْ يكونَ حالاً ثانيةً، وأن يكونَ بدلاً من الحالِ الأولى، أو الخبر الأول، أو حالاً من الضميرِ في «خائفاً» فتكونُ متداخلةً. ومفعولُ «يترقَّبُ» محذوفٌ، أي: يترقَّبُ المكروهَ، أو الفرَجَ، أو الخبر: هل وصل لفرعونَ أم لا؟
قوله: ﴿فَإِذَا الذي﴾ «إذا» فجائيةٌ. و «الذي» مبتدأ. وخبره: إمَّا «إذا»، ف «يَسْتَصْرِخُه» حالٌ، وإمَّا «يَسْتَصْرِخُه» ف «إذا» فَضْلةٌ على بابها. و «بالأمس» معربٌ؛ لأنه متى دَخَلَتْ عليه أل أو أُضيفَ أُعْرِبَ، ومتى عَرِيَ منهما فحالُه معروفٌ: الحجازُ تَبْنيه، والتميميُّون يَمْنعونه الصرفَ كقولِه:
٣٥٩١ - لقد رَأَيْتُ عَجَباً مُذْ أَمْسا... على أنَّه قد يبنى مع أل نُدوراً، كقوله:
٣٥٩٢ - وإنِّي حُبِسْتُ اليومَ والأمسِ قبلَه | إلى الشمسِ حتى كادَتِ الشمسُ تَغْرُبُ |
٣٥٩٣ - أَمَا واللهِ أنْ وكنتُ حُرّاً | ......................... |
٣٥٩٤ - فَأُقْسِمُ أَنْ لو التَقَيْنَا وأنتُمُ | لكان لنا يومٌ مِنْ الشَّرِّ مُظْلِمُ |
قوله: ﴿يَأْتَمِرُونَ﴾ أي: يَتَآمَرُوْنَ بمعنى يَتشاورون، كقولِ النَّمِر ابنِ تَوْلب:
٣٥٩٥ - أرى الناسَ قد أَحْدَثُوا شِيْمَةً | وفي كلِّ حادثةٍ يُؤْتَمَرْ |
قوله: «لك» يجوزُ أَنْ يتعلَّقَ بما يَدُلُّ «الناصحين» عليه أي: ناصحٌ لك من الناصحين، أو بنفسِ «الناصحين» للاتِّساع في الظرف، أو على جهةِ البيان أي: أعني لك.
٣٥٩٦ - فَقام يَذُوْدُ الناسَ عنها بسَيْفِه | .......................... |
قوله: ﴿مَا خَطْبُكُمَا﴾ قد تقدَّم في طه. وقال الزمخشري هنا: «وحقيقتُه ما مَخْطُوْبُكما؟ أي: ما مطلوبُكما من الذِّياد، سمى المخطوبَ خَطْباً، كما سُمِّي المَشْؤُوْن شأناً في قولك: ما شَأْنُك؟ يُقال: شَأَنْتُ شَأْنَه أي: قََصَدْتُ قَصْدَه». وقال ابنُ عطية: «السؤالُ بالخَطْبِ إنما هو في مُصابٍ أو مُضْطَهَدٍ» أو مَنْ يَشْفَقُ عليه، أو يأتي بمنكرٍ من الأمرِ «.
وقرأ شمر» خِطْبُكما «بالكَسْر أي: ما زوجُكما؟ أي: لِمَ تَسْقِيان ولم يَسْقِ زوجُكما؟ وهي شاذَّةٌ جداً.
وقرأ أبو عمرٍو في روايةٍ بفتحِ الراءِ. قال أبو الفضل:» هو مصدرٌ أُقيم مُقامَ الصفةِ؛ فلذلك استوى فيه الواحدُ والجمعُ «، أو على حَذْفِ مضافٍ. وقُرِىء بضمِّها وهو اسمُ جمعٍ ك رُخَال، وثُناء.
وقرأ ابن مصرف» لا نُسْقي «بضمِّ النونِ مِنْ أسقى، وقد تقدَّم الفرقُ بين سقى وأسقى في النحل.
قلت: يعني أنَّ افْتَقَرَ يتعدَّى ب «مِنْ»، فإمَّا أن تجعلَه من بابِ التضمين، وإمَّا أَنْ تُعَلِّقَه بمحذوفٍ. و «أَنْزَلْتَ» قيل: ماضٍ على أصلِه. ويعني بالخيرِ ما تقدَّم مِنْ خيرِ الدين. وقيل: بمعنى المستقبل.
٣٥٩٧ - يا با المُغيرة رُبَّ أَمْرٍ مُعْضِلٍ | فَرَّجْتُه بالمَكْرِ مني والدَّها |
٣٥٩٨ - وَيْلُمِّها خُلَّةً لو أنَّها صَدَقَتْ | ......................... |
قوله: ﴿على أَن تَأْجُرَنِي﴾ في محلِّ نصبٍ على الحالِ: إمَّا من الفاعلِ أو من المفعول أي: مَشْروطاً على، أو عليك ذلك. «وتَأْجُرَني» مضارعُ أَجَرْتُه: كنتُ له أَجيراً. ومفعولُه الثاني محذوفٌ أي: تَأْجُرني نفسَك. و «ثماني حِجَج» ظرفٌ له. ونقل الشيخ عن الزمخشري أنها هي المفعولُ الثاني: قلتُ: الزمخشريُّ لم يَجْعَلها مفعولاً ثانياً على هذا الوجهِ، وإنما جَعَلَها مفعولاً ثانياً على وجهٍ آخرَ. وأمَّا على هذا الوجهِ فلم يَجْعَلْها غيرَ ظرفٍ. وهذا نصُّه ليتبيَّنَ لك. قال: «تَأْجُرُني مِنْ أَجَرْتُه إذا كنتَ له أَجيراً، كقولك: أَبَوْتُه إذا كنتَ له أباً. وثماني حِججٍ ظرفٌ، أو مِنْ آجَرْتُه [كذا] : إذا أَثْبَتَّه [إياه]. ومنه تعزيةٌ/ رسولِ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم:» آجَرَكم اللهُ ورَحِمَكم «و» ثمانيَ حِجَجٍ «مفعولٌ به. ومعناه رِعْيَةَ ثَمانِي حِججٍ». فنقل الشيخُ عنه الوجهَ الأولَ من المعنيَيْن المذكورَيْن ل «تَأْجُرَني» فقط، وحكى عنه أنه أعربَ «ثمانيَ حِجَج» مفعولاً به. وكيف يَسْتقيم ذلك أو يَتَّجه؟ وانظر إلى الزمخشريِّ كيف
قوله: ﴿فَمِنْ عِندِكَ﴾ يجوزُ أَنْ يكونَ في محلِّ رفع خبراً لمبتدأ محذوفٍ، تقديرُه: فهي مِنْ عندِك، أو نصبٍ أي: فقَد زِدْتها أو تَفَضَّلْتَ بها مِنْ عندِك.
قوله: ﴿أَنْ أَشُقَّ﴾ مفعولُ «أُرِيْدُ». وحقيقةُ قولِهم «شَقَّ عليه» أي: شَقَّ ظَنَّه نِصْفَيْن، فتارةً يقول: أُطيق، وتارة: لا أُطيق. وهو مِنْ أحسنِ مجازٍ.
٣٥٩٩ -....................... | ......... بين الدَّخولِ فَحَوْمَلِ |
قوله: ﴿أَيَّمَا الأجلين﴾ «أيّ» شرطيةٌ. وجوابُها «فلا عُدْوانَ» عليَّ. وفي «ما» هذه قولان، أشهرُهما: أنها زائدةٌ كزيادتِها في أخواتِها مِنْ أدواتِ الشرط. والثاني: أنها نكرةٌ. والأَجَلَيْن بدلٌ منها. وقرأ الحسن وأبو عمرٍو في رواية «
٣٦٠٠ - تَنَظَّرْتُ نَصْراً والسِّماكَيْنِ أَيْهُما | عليَّ من الغَيْثِ اسْتَهَلَّتْ مواطِرُهْ |
وقرأ أبو حيوةَ وابنُ قطيب «عِدْوان». قال الزمخشري: «فإنْ قلتَ: تَصَوُّرُ العُدْوان إنما هو في أحد الأجلَيْن الذي هو أقصرُهما، وهو المطالبةُ بتتمَّة العَشْر، فما معنى تعلُّقِ العُدْوانِ بهما جميعاً؟ قلت: معناه كما أنِّي إنْ طُوْلِبْتُ بالزيادةِ على العشر [كان عدواناً] لا شك فيه، فكذلك إنْ طولِبْتُ بالزيادةِ على الثمان. أراد بذلك تقريرَ ِأمرِ الخِيارِ، وأنه ثابتٌ مستقرٌّ، وأن الأجلَيْنِ على السَّواء: إمَّا هذا وإمَّا هذا». ثم قال: «وقيل: معناه: فلا أكونُ متعدياً. وهو
وقال المبرد: «وقد عَلِم أنه لا عُدْوانَ عليه في أتَمِّهما، ولكنْ جَمَعَهما ليجعلَ الأولَ كالأَتَمِّ في الوفاء».
٣٦٠١ - حمى حُبِّ هذي النارِ حُبُّ خليلتي | وحُبُّ الغواني فهو دونَ الحُباحُبِ |
وبُدِّلْتُ بعد المِسْكِ والبانِ شِقْوةً | دخانَ الجُذا في رأسِ أشمطَ شاحبِ |
٣٦٠٢ - باتَتْ حواطِبُ ليلى يَلْتَمِسْنَ لها | جَزْلَ الجُذا غَيرَ خَوَّارٍ ولا دَعِرِ |
٣٦٠٣ - وأَلْقَى على قَبْسٍ من النارِ جَذْوةً | شديداً عليها حَمْيُها والتهابُها |
قوله: ﴿مِّنَ النار﴾ صفةٌ ل جَذْوَةٍ، ولا يجوزُ تَعَلُّقها ب «آتِيْكُمْ» كما تَعَلَّق به «منها» ؛ لأنَّ هذه النارَ ليسَتْ النارَ المذكورةَ، والعربُ إذا تقدَّمَتْ نكرةٌ وأرادَتْ إعادَتَها أعادَتْها مضمرةً، أو معرَّفَةً ب أل العهديةِ، وقد جُمِع الأمران هنا.
قوله: ﴿فِي البقعة﴾ متعلقٌ ب «نُوْدِيَ» أو بمحذوفٍ على أنها حالٌ من
قوله: ﴿مِنَ الشجرة﴾ هذا بدلٌ مِنْ «شاطىء» بإعادةِ العاملِ، وهو بدلُ اشتمال.
قوله: ﴿أَن ياموسى﴾ «أنْ» هي المفسِّرةُ. وجُوِّز فيها أَنْ تكونَ المخففةَ. واسمُها ضميرُ الشأنِ. وجملةُ النداءِ مفسِّرةٌ له. وفيه بُعدٌ.
قوله: ﴿إني أَنَا الله﴾ العامَّةُ على الكسرِ على إضمار القولِ، أو على تضمينِ النداءِ معناه. وقُرِىء بالفتح. وفيه إشكالٌ؛ لأنه إنْ جُعِلَتْ «أَنْ» تفسيريةً وَجَبَ كسرُ «إِنِّي» للاستئنافِ المفسِّر للنداء بماذا كان؟ وإنْ جَعلْتَها مخففةً لَزِم تقديرُ «أَنِّي» بمصدرٍ، والمصدرُ مفردٌ، وضميرُ الشأن لا يُفَسَّرُ بمفردٍ. والذي ينبغي أَنْ تُخَرَّج عليه هذه القراءةُ أَنْ تكون «أَنْ» تفسيريةً و «أني» معمولةٌ لفعلٍ مضمرٍ، تقديرُه: أنْ يا موسى اعلَمْ أنِّي أنا الله.
قال الشيخ: «هذا مرويٌّ عن الأصمعي، وهو ثقةٌ سمعهم يقولون: أَعْطِني ما رَهْبِك أي: كُمِّك. وأمَّا قولُه كيف موقعُه؟ فقالوا: معناه أخرِجْ يدَك مِنْ كُمِّك» قلت: كيف يَسْتقيم هذا التفسير؟ يُفَسِّرون اضْمُمْ بمعنى أَخْرِجْ.
وقال الزمخشري: «فإنْ قلتَ: قد جُعِل الجناحُ وهو اليدُ في أحد الموضعين مضموماً، وفي الآخر مضموماً إليه، وذلك قوله: ﴿واضمم إِلَيْكَ جَنَاحَكَ﴾ وقوله ﴿واضمم يَدَكَ إلى جَنَاحِكَ﴾ فما التوفيقُ بينهما؟ قلت: المرادُ بالجناحِ المضمومِ [هو] اليدُ اليمنى، وبالجناح المضمومِ إليه هو اليدُ اليسرى، وكلُّ واحدةٍ مِنْ يُمْنى اليدين ويُسْراهما جناح».
٣٦٠٤ - على أَحْوَذِيَّيْنَ اسْتَقلَّتْ عَشِيَّةً | فما هي إلاَّ لَمْحَةٌ وتَغيبُ |
و «ذانِكَ» إشارةٌ إلى العصا واليد وهما مؤنثتان، وإنما ذُكِّر ما أُشير به إليهما لتذكيرِ خبرِهما وهو برهانان، كما أنه قد يُؤَنَّثُ لتأنيثِ خبرِه كقراءةِ ﴿ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتَهُمْ إِلاَّ أَن قَالُواْ﴾ [الأنعام: ٢٣] فيمَنْ أََنَّثَ، ونَصَبَ «فِتْنَتَهم»، وكذا قولُ
٣٦٠٥ -......................... | فقد خابَ مَنْ كانَتْ سَرِيْرَتَه الغَدْرُ |
وقال الزمخشري هنا: «فإنْ قلتَ: لِمَ سُمِّيَتِ الحُجَّةُ بُرْهاناً؟ قلت: لبياضِها وإنارتِها، مِنْ قولِهم للمرأةِ البيضاء» بَرَهْرَهَةُ «بتكريرِ العين واللام. والدليلُ على زيادةِ النون قولهم: أَبْرَهَ الرجلُ إذا جاء بالبُرْهان. ونظيرُه تسميتُهم إياها سُلْطاناً، من السَّليطِ وهو الزيتُ لإِنارتِها».
قوله: ﴿إلى فِرْعَوْنَ﴾ متعلقٌ بمحذوفٍ فقدَّره أبو البقاء «مُرْسَلاً إلى فرعونَ» وغيرُه: اذهَبْ إلى فرعون. وهذا المقدَّرُ ينبغي أن يكونَ حالاً مِنْ «برهانان» أي: مُرْسَلاً بهما إلى فرعونَ. والعاملُ في هذه الحالِ ما في اسمِ الإِشارةِ.
٣٦٠٦ -..........................
ومنه فَصُحَ الرجل: جادَتْ لغُته. وأَفْصَحَ: تكلَّم بالعربية. وقيل: بالعكس. وقيل: الفصيح الذي يَنْطِقُ. والأعجمُ: الذي لا ينطقُ. وعن هذا اسْتُعير أَفْصَح الصبحُ أي: بدا ضَوْءُه. وأفصح النصرانيُّ: دنا فِصْحُه بكسرِ الفاءِ وهو عيدٌ لهم. وأمَّا في اصطلاحِ أهل البيانِ فهي خُلُوصُ الكلمة من تنافرِ الحروفِ كقوله: «ترعى الهِعْخِع». ومن الغرابةِ. كقوله:
٣٦٠٧ -................... ومَرْسِناً مُسَرَّجاً... ومِنْ مخالفةِ القياس اللغوي كقوله:
٣٦٠٨ -....................
٣٦٠٩ - جزى ربُّه عني عَدِيَّ بنَ حاتمٍ | ........................... |
٣٦١٠ - وقبرُ حربٍ بمكانٍ قَفْرِ | وليسَ قربَ قبرِ حَرْبٍ قبرُ |
٣٦١١ - وما مثلُه في الناسِ إلاَّ مُمَلَّكاً | أبو أمِّه حيٌّ أبوه يُقارِبُهْ |
٣٦١٢ - سأطلبُ بُعْدَ الدارِ عنكم لِتَقْرَبُوا | وَتَسْكُبُ عينايَ الدموعَ لتَجْمُدا |
و [قوله] :«لِساناً» تمييز.
قوله: «رِدْءاً» منصوبٌ على الحال. والرِّدْءُ: العَوْنُ وهو فِعْلٌ بمعنى مَفْعول كالدِّفْءِ بمعنى المَدْفوء به. ورَدَأْتُه على عَدُوِّه أَعَنْتُه عليه. ورَدَأْتُ الحائط: دَعَمْتُه بخشَبَة كيلا يَسْقُطَ. وقال النحاس: «يقال:» رَدَأْته وأَرْدَأْته «.
وقال سلامة بن جندل:
٣٦١٣ - ورِدْئي كلُّ أبيضَ مَشْرَفيٍّ | شَحيذِ الحَدِّ أبيضَ ذي فُلولِ |
٣٦١٤ - ألم تَرَ أنَّ أَصْرَمَ كان رِدْئي | وخيرَ الناسِ في قُلٍّ ومالِ |
٣٦١٥ - وأسمرَ خَطِّيّاً كأنَّ كُعُوبَه | نوى القَسْبِ قد أردى ذِراعاً على العَشْرِ |
قوله: ﴿يُصَدِّقُنِي﴾ قرأ حمزةُ وعاصمٌ بالرفع على الاستئناف أو الصفةِ ل» رِدْءاً «أو الحالِ من هاء» أَرْسِلْه «، أو من الضميرِ في» رِدْءاً «. والباقون بالجزمِ جواباً للأمرِ. وزيد بن علي واُبَيٌّ» يُصَدِّقوني «ِأي: فرعونُ ومَلَؤُه. قال ابن خالويه:» وهذا شاهدٌ لِمَنْ جَزَم؛ لأنه لو كان رفعاً لقال «يُصَدِّقونَني» يعني بنونين «.
وهذا سهوٌ من ابن خالويه؛ لأنه متى اجتمعَتْ نونُ الرفعِ من نون الوقايةِ جازَتْ أوجهٌ، أحدها: الحذفُ، فهذا يجوزُ أن يكونَ مرفوعاً، وحَذْفُ نونِه لما ذكرْتُ لك. وقد تقدم تحقيقُ هذا في الأنعام وغيرِها. وحكاه الشيخُ عن ابنِ خالَويه ولم يُعْقِبْه بنَكير.
قوله: ﴿بِآيَاتِنَآ﴾ يجوزُ فيه أوجهٌ: أَنْ يتعلَّقَ ب «نَجْعَلُ» أو ب «يَصِلُوْن»، أو بمحذوفٍ أي: اذْهبا، أو على البيان، فيتعلَّقُ بمحذوفٍ أيضاً، أو ب «الغالبون»، على أنَّ أل ليست موصولةً، أو موصولةٌ واتُّسِعَ فيه ما لا يُتَّسَعُ في غيرِه، أو قَسَمٌ وجوابُه متقدِّمٌ وهو «فلا يَصِلُون»، أو مِنْ لَغْوِ القسمِ. قالهما الزمخشري. ورَدَّ عليه الشيخُ بأنَّ جوابَ القسمِ لا تدخُلُه الفاءُ عند الجمهور. ويريدُ بلَغْوِ القسمِ أنَّ جوابَه محذوفٌ أي: وحَقِّ آياتِنَا لتَغْلُبُنَّ.
قوله: ﴿وَمَن تَكُونُ﴾ قرأ العامَّةُ «تكون» بالتأنيث و «له» خبرُها «وعاقبةُ» اسمُها. ويجوزُ أَنْ يكونَ اسمُها ضميرَ القصةِ، والتأنيثُ لأجلِ ذلك، و ﴿لَهُ عَاقِبَةُ الدار﴾ جملةٌ في موضع الخبرِ. وقرىء بالياء مِنْ تحتُ، على أَنْ تكونَ «
قوله: ﴿لاَ يُرْجَعُونَ﴾ قرأ نافعٌ والأخوان مبنياً للفاعل. والباقون للمفعول.
قوله: ﴿وَيَوْمَ القِيَامَةِ﴾ فيه أوجهٌ، أحدها: أَنْ يتعلَّقَ ب «المقبوحين» على أنّ أل ليست موصولةً، أو موصولةٌ واتُّسِع فيه، وأن يتعلَّقَ بمحذوفٍ يُفَسِّره المقبوحين، كأنه قيل: وقُبِّحُوا يومَ القيامةِ نحو: ﴿لِعَمَلِكُمْ مِّنَ القالين﴾ [الشعراء: ١٦٨] أو يُعْطَفَ على موضع «في الدنيا» أي: وأَتْبَعْناهم لعنةً يوم القيامة، أو معطوفةٌ على «لعنةً» على حذفِ مضافٍ أي: ولعنةَ يوم القيامة. والوجهُ الثاني أظهرُها.
والمقبوحُ: المطرودُ. قبَّحه الله: طرده. قال:
٣٦١٦ - ألا قَبَّح اللهُ البراجِمَ كلِّها | وجَدَّعَ يَرْبُوعاً وعَقَّر دارِما |
قوله: ﴿ثَاوِياً﴾ أي: مُقيماً يقال: ثوى يَثْوِي ثَواءً وَثَوِّياً، فهو ثاوٍ ومَثْوِيٌّ. قال ذو الرمة:
٣٦١٧ - لقد كانَ في حَوْلٍ ثَواءٍ ثوَيْتُه | تَقَضِّي لُباناتٍ ويُسْأَمُ سائِمُ |
٣٦١٨ - طال الثَّواءُ على رُسومِ المنزلِ | .................... |
٣٦١٩ - فباتَ حيث يَدْخُلُ الثَّوِيُّ... يعني: الضيفَ المقيم.
قوله: ﴿تَتْلُواْ﴾ يجوز أن يكونَ حالاً مِن الضميرِ في «ثاويا»، وأَنْ يكونَ خبراً ثانياً، وأنْ يكونَ هو الخبرَ و «ثاوياً» حالٌ. وجعله الفراء منقطعاً مِمَّا قبلَه أي: مستأنفاً كأنه قيل: وها أنت تَتْلُو على أمَّتِك. وفيه بُعدٌ.
[قوله:] ﴿ولكن رَّحْمَةً﴾ أي: أَرْسَلْناك رحمةً أو أَعْلمناك بذلك رحمةً. وقرأ عيسى وأبو حيوةَ بالرفع أي: أنت رحمةٌ.
و «فَيَقولوا» عطفٌ [على] «تُصيبَهم»، و «لولا» الثانيةُ تحضيضٌ و «فنَتَّبِعَ» جوابُه، فلذلك نُصِبَ بإضمار «أَنْ». قال الزمخشري: «فإن قلتَ: كيف استقامَ هذا المعنى، وقد جُعِلَتْ العقوبةُ هي السببية لا القولُ؛ لدخولِ حرفِ الامتناعِ عليه دونَه؟ قلت: القولُ هو المقصودُ بأَنْ يكونَ سبباً للإِرسال ولكنَّ العقوبةَ لَمَّا كانت هي السببَ للقولِ، وكان وجودُه بوجودِها جُعِلَتِ العقوبةُ كأنها سببٌ للإِرسالِ بواسطة القولِ فَأُدْخلَتْ عليها» لولا «. وجيْءَ بالقول معطوفاً عليها بالفاءِ المُعْطِيَةِ معنى السببية، ويَؤُول معناه إلى قولِك:» ولولا قولُهم هذا إذا أصابَتْهم مصيبةٌ لَمَا أَرْسَلْنا «ولكن اخْتِيْرَتْ هذه الطريقةُ لنُكتةٍ: وهي أنهم لو لم يُعاقَبوا مثلاً على كفرِهم وقد عاينوا ما أُلْجِئوا به إلى العلمِ اليقين لم يقولوا: لولا أَرْسَلْتَ إلينا رسولاً، وإنما السببُ في قولِهم هذا هو العقابُ لا غيرَ، لا التأسُّفُ على ما فاتهم من الإِيمان بخالِقهم».
قوله: ﴿تَظَاهَرَا﴾ العامَّةُ على تخفيفِ الظاءِ فعلاً ماضياً صفةً ل «سِحْران» أو «ساحران» أي: تَعاوَنا. وقرأ الحسن ويحيى بن الحارث الذِّماري وأبو حيوة واليزيدي بشديدِها. وقد لحَّنهم الناسُ. قال ابن خالويه: «تشديدُه لَحْنٌ؛ لأنه فعلٌ ماضٍ. وإنما يُشَدَّد في المضارع». وقال الهُذَلي: «لا معنى له» وقال أبو الفضل: «لا أعرفُ وجهَه». وهذا عجيبٌ من هؤلاءِ وقد حُذِفَتْ نونُ الرفع في مواضعَ، حتى في الفصيح، كقولِه عليه السلام: «لا تَدْخلوا الجنةَ حتى تؤْمِنوا ولا تُؤْمنوا حتى تحابُّوا» ولا فرقَ بين كونِها بعد واوٍ وألفٍ أو ياءٍ، فهذا أصلُه «تَتَظاهران» فَأُدْغِم وحُذِفت نونُه تخفيفاً.
وقرأ الأعمش وطلحة وكذا في مصحف عبد الله «اظَّاهَرا» بهمزةِ وصلٍ وشدِّ الظاءِ، وأصلُها «تَظاهرا» كقراءةِ العامةِ، فلمَّا أُريد الإِدغامُ سَكَّنْتَ الأولَ فاجْتُلبَتْ همزةُ الوصل.
٣٦٢٠ -..................... | فلم يَسْتَجِبْه عند ذاك مُجِيْبُ |
وداعٍ دَعا يا مَنْ يُجيب إلى الندى | فلم يَسْتَجِبْه عند ذاك مُجيبُ |
٣٦٢١ - فَقُلْ لبني مروانَ ما بالُ ذِمَّتي | بحبلٍ ضعيفِ لا يَزال يُوَصَّل |
٣٦٢٢ - مَنْ يَفْعَلِ الحسناتِ اللهُ يَشْكرها | ....................... |
قوله: ﴿أَوَلَمْ نُمَكِّن لَّهُمْ حَرَماً﴾ قال أبو البقاء: «عَدَّاه بنفسه لأنه بمعنى جَعَلَ. وقد صَرَّح به في قولِه ﴿أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا جَعَلْنَا حَرَماً﴾ [العنكبوت: ٦٧] ومَكَّن متعدٍّ بنفسِه مِنْ غيرِ أنُ يُضَمِّنَ معنى» جَعَلَ «كقوله: ﴿مَكَّنَّاهم﴾. وقد تقدَّم تحقيقُه في الأنعام.
و» آمِناً «قيل: بمعنى مُؤَمَّن/ أي: يُؤَمَّن مَنْ دخله. وقيل: هو على حَذْفِ مضافٍ أي: آمناً أهلُه. وقيل: فاعِل بمعنى النَّسبِ أي: ذا أَمنٍ.
قوله: ﴿يجبى﴾ قرأ نافعٌ بتاءِ التأنيثِ مراعاةً للفظِ» ثَمَرات «. والباقون
قوله:» رِزْقاً «إنْ جَعَلْتَه مصدراً جاز انتصابُه على المصدر المؤكِّد؛ لأنَّ معنى» يجبى إليه «: يَرْزُقهم، وأَنْ ينتصِبَ على المفعولِ له. والعاملُ محذوفٌ أي نَسُوْقه إليه رِزْقاً، وأَنْ يكونَ في موضعِ الحالِ مِنْ» ثَمَرات «لتخصيصِها بالإِضافةِ، وإنْ جَعَلْتَه اسماً للمرزوقِ انتصبَ على الحال مِنْ» ثَمَرات «.
قوله: ﴿لَمْ تُسْكَن﴾ جملةٌ حاليةٌ، والعاملُ فيها معنى «تلك». ويجوزُ أَنْ يكونَ خبراً ثانياً.
قوله: ﴿إِلاَّ قَلِيلاً﴾ أي: إلاَّ سَكَناً قليلاً كسكونِ المسافر ونحوِه، أو إلاَّ زمناً قليلاً، أو إلاَّ مكاناً قليلاً. يعني أن القليلَ منها قد سكن.
قوله: ﴿تَعْقِلُونَ﴾ قرأ أبو عمرو بالياءِ مِنْ تحتُ التفاتاً. والباقون بالخطاب جَرْياً على ما تقدَّم.
قوله: ﴿ثُمَّ هُوَ﴾ : الكسائي وقالون بسكونِ الهاءِ إجراءً ل ثم مجرى الواو والفاء. والباقون بالضمِّ على الأصل.
قوله: ﴿مَا كانوا إِيَّانَا يَعْبُدُونَ﴾ «إيَّانا» مفعولُ «يَعْبُدون» قدِّم لأجلِ الفاصلةِ. وفي «ما» وجهان، أحدهما: هي نافيةٌ، والثانيةُ مصدريةٌ. ولا بُدَّ مِنْ تقديرِ حرفِ جرٍّ أي: تَبَرَّأْنا مِنْ ما كانوا أي: مِنْ عبادتِهم إيانا. وفيه بُعدٌ.
الثالث: أَنْ تكونَ بمعنى الذي، والعائدُ محذوفٌ أي: ما كان لهم الخيرةُ فيه كقولِه: ﴿وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الأمور﴾ [الشورى: ٤٣] أي: منه.
وجَوَّزَ ابنُ عطية أَنْ تكونَ «كان» تامةً و «لهم الخِيَرَةُ» جملةٌ مستأنفةٌ. قال: «ويَتَّجه عندي أن تكون» ما «مفعولةً إذا قدَّرْنا كان التامةَ أي: إنَّ اللهَ يختار كلِّ كائنٍ. و» لهم الخيرةُ «مستأنفٌ. معناه تعديدُ النِّعمِ عليهم في اختيار الله لهم لو قَبلوا». وجعل بعضُهم في «كان» ضميرَ الشأن/ وأنشد:
٣٦٣٣ - أمِنْ سُمَيَّةَ دَمْعُ العين تَذْرِيْفُ | لو كان ذا منك قبل اليوم معروفُ |
٣٦٢٤ - لَعَمْرُكَ ما أَمْريْ عليَّ بغُمَّةٍ | نهاري ولا لَيْلي عَلَيَّ بسَرْمَدِ |
قوله: ﴿إلى يَوْمِ﴾ متعلقٌ ب «جَعَل»، أو ب «سَرْمداً»، أو بمحذوفٍ على أنه صفةٌ ل «سَرْمَداً».
٣٦٢٥ - كأنَّ قلوبَ الطيرِ رَطْباً ويابساً | لدى وَكْرِها العُنَّابُ والحَشَفُ البالي |
٣٦٢٦ - تَنُوْءُ بأُخْراها فَلأْياً قِيامُها | وَتَمْشِي الهوينى عن قَريبٍ فَتَبْهَرُ |
٣٦٢٧ - إذا وَجَدْنا خَلَفاً بِئْسَ الخَلَفْ | عبداً إذا ما ناء بالحِمْلِ وَقَفْ |
والثاني: أنَّ في الكلام قَلْباً، والأصلُ: لَتَنُوْءُ العُصْبةُ بالمفاتحِ، أي:
وقرأ بُدَيْل بن مَيْسَرة «لَيَنُوْءُ» بالياء مِنْ تحتُ والتذكير؛ لأنه راعى المضافَ المحذوفَ. إذ التقديرُ: حِمْلُها أو ثِقْلُها. وقيل: الضَمير في «مفاتِحَه» لقارون، فاكتسب المضافُ من المضاف إليه التذكيرَ كقولِهم: «ذهبَتْ أهلُ اليمامةِ» قاله الزمخشري. يعني كما اكتسبَ «أهلُ» التأنيثَ اكتسَبَ هذا التذكيرَ.
قوله: ﴿إِذْ قَالَ﴾ فيه أوجهٌ: أَنْ يكونَ معمولاً لتنوءُ. قاله الزمخشري: أو ل «بغى» قاله ابنُ عطية. ورَدَّهما الشيخُ: / بأنَّ المعنى ليس على التقييد بهذا الوقتِ. أو ل «آتيناه» قاله أبو البقاء. ورَدَّه الشيخ: بأن الإِتياءَ لم يكنْ ذلك الوقتَ، أو لمحذوفٍ فقدَّره أبو البقاء: بَغَى عليهم. وهذا يَنْبغي أَنْ يُرَدَّ
وقُرِىء «الفارِحين» حكاها عيسى الحجازي.
قوله: ﴿كَمَآ أَحْسَنَ﴾ أي: إحْساناً كإحسانه إليك.
قوله: ﴿فِي الأرض﴾ يجوز أَنْ يتعلَّقَ ب «تَبْغِ» أو بالفساد، أو بمحذوفٍ على أنه حالٌ وهو بعيدٌ.
قوله: ﴿عندي﴾ إمَّا ظرفٌ ل «أُوْتِيْتُه»، وإمَّا صفةٌ للعلم.
قوله: ﴿مَنْ هُوَ أَشَدُّ﴾ :«مَنْ» موصولةٌ أو نكرةٌ موصوفةٌ. وهو في موضع المفعولِ ب «أَهْلَكَ». و «مِنْ قبلِه» متعلقٌ به. و «مِنَ القرون» يجوزُ فيه ذلك، ويجوزُ أَنْ يكونَ حالاً مِنْ «مَنْ هو أشدُّ».
قوله: ﴿وَلاَ يُسْأَلُ﴾ هذه قراءةُ العامَّةِ على البناء للمفعول، وبالياءِ مِنْ تحتُ ورَفْعِ الفعلِ. وقرأ أبو جعفر «ولا تُسْأَلْ» بالتاء مِنْ فوقُ والجزم. وابنُ سيرين وأبو العالية كذلك، إلاَّ أنه مبنيٌّ للفاعل وهو المخاطَبُ. قال ابن أبي إسحاق: «
قوله: ﴿وَلاَ يُلَقَّاهَآ﴾ أي: هذه الخَصْلَةُ، وهي الزهدُ في الدنيا والرغبةُ فيما عند الله.
٣٦٢٨ - وَيْ كأنْ مَنْ يكنْ له نَشَبٌ يُحْ | بَبْ ومَنْ يَفْتَقِرْ يَعِشْ عيشَ ضُرِّ |
٣٦٢٩ - كأنني حين أُمْسِي لا تُكَلِّمُني | مُتَيَّمٌ يَشْتهي ما ليس موجودا |
٣٦٣٠ - ألا وَيْكَ المَسَرَّةُ لا تَدُوْمُ | ولا يَبْقى على البؤسِ النعيمُ |
٣٦٣١ - ولقد شَفَى نفسي وأَبْرَأَ سُقْمَها/ | قيلُ الفوارسِ وَيْكَ عنترَ أَقْدمِ |
الرابع: أنَّ أصلَها وَيْلك فحذف. وإليه ذهب الكسائيُّ ويونس وأبو حاتم. وحقُّهم أَنْ يقفوا على الكافِ كما فعل أبو عمرٍو. ومَنْ قال بهذا استشهد بالبيتين المتقدمين؛ فإنه يُحتمل أَنْ يكونَ الأصلُ فيهما: وَيْلَكَ، فحذف. ولم يُرسَمْ في القرآن إلاَّ: وَيْكأنَّ، ويْكَأنَّه متصلةً في الموضعين، فعامَّةُ القراءِ اتَّبعوة الرسمَ، والكسائيُّ وقف على «وَيْ»، وأبو عمرٍو على وَيْكَ. وهذا كلُّه في وَقْفِ الاختبارِ دونَ الاختيارِ كنظائرَ تقدَّمَتْ.
الخامس: أنَّ «وَيْكأنَّ» كلَّها كلمةٌ متصلةٌ بسيطةٌ، ومعناها: ألم تَرَ، ورُبَّما
قوله: ﴿لولا أَن مَّنَّ﴾ قرأ الأعمشُ «لولا مَنَّ» بحذفِ «أنْ» وهي مُرادةٌ؛ لأنَّ «لولا» هذه لا يَليها إلاَّ المبتدأُ. وعنه «مَنُّ» برفع النونِ وجَرِّ الجلالةِ وهي واضحةٌ.
قوله: ﴿لَخَسَفَ﴾ حفص: «لَخَسَفَ» مبنياً للفاعل أي: الله تعالى. والباقون ببنائِه للمفعولِ. و «بنا» هو القائمُ مَقامَ الفاعلِ. وعبد الله وطلحةُ «لا نْخُسِفَ بنا» أي: المكان. وقيل: «بنا» هو القائمُ مَقامَ الفاعلِ، كقولك «انقُطِع بنا» وهي عبارةٌ... وقيل: الفاعلُ ضميرُ المَصدرِ أي: لا نخسَفَ الانخسافَ، وهي عِيٌّ أيضاً. وعن عبدِ الله «لَتُخُسِّفَ» بتاءٍ من فوقُ وتشديدِ السين مبنياً للمفعولِ، و «بنا» قائمةٌ مقامَه.
قوله: ﴿وَلاَ فَسَاداً﴾ كَرَّر «لا» ليُفيدَ أنَّ كلاً منهما مستقلٌ في الآية لا مجموعُهما.
قوله: ﴿إِلاَّ مَا كَانُواْ﴾ أي: إلاَّ مثلَ ما كانوا.
قوله: ﴿مَن جَآءَ بالهدى﴾ منصوبٌ بمضمرٍ أي: يعلمُ أو ب أَعْلم، إنْ جَعَلْناها بمعنى عالم وأَعْمَلْناها إعمالَه.
قوله: ﴿وَلاَ يَصُدُّنَّكَ﴾ قرأ العامَّةُ بفتح الياء وضمِّ الصاد، مِنْ صَدَّه، يَصُدَّه. وقٌرِىء بضمِّ الياء وكسرِ الصاد مِنْ أصَدَّه بمعنى صَدَّه، حكاها أبو زيدٍ عن كلبٍ. قال:
٣٦٣٢ - أناسٌ أَصَدُّوا الناسَ بالسيفِ عنهم | صُدودَ السَّوافي عن أُنوفِ المَخارِمِ |