تفسير سورة العنكبوت

الصراط المستقيم في تبيان القرآن الكريم

تفسير سورة سورة العنكبوت من كتاب الصراط المستقيم في تبيان القرآن الكريم
لمؤلفه الكَازَرُوني . المتوفي سنة 923 هـ

لمَّا أمر باتباع آيات الله تعالى ونهى عن الشّرْك حَثَّ على التثبت والصبر بعد الإيمان فقال: ﴿ بِسمِ ٱللهِ ٱلرَّحْمٰنِ ٱلرَّحِيـمِ * الۤـمۤ * أَحَسِبَ ٱلنَّاسُ ﴾: حسب كظن إلا أنه محظور أحد النقيضين فقط، فالظن محضورهما وترجيح أحدهما ﴿ أَن يُتْرَكُوۤاْ أَن ﴾: بأن ﴿ يَقُولُوۤاْ آمَنَّا وَهُمْ لاَ يُفْتَنُونَ ﴾: يختبرون بمشاق التكاليف والبليات ليتميز المخلص ولينال عالي الدرجات على صبره ﴿ وَلَقَدْ فَتَنَّا ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ﴾: كمن نصف بالمنشار ﴿ فَلَيَعْلَمَنَّ ٱللَّهُ ﴾: علم ظهور ﴿ ٱلَّذِينَ صَدَقُواْ ﴾: في إيمانهم ﴿ وَلَيَعْلَمَنَّ ٱلْكَاذِبِينَ * أَمْ ﴾: بل أَ ﴿ حَسِبَ ٱلَّذِينَ يَعْمَلُونَ ٱلسَّيِّئَاتِ أَن يَسْبِقُونَا ﴾: يفوتوننا فلا نقدر عليهم ﴿ سَآءَ مَا يَحْكُمُونَ ﴾: حكمهم به ﴿ مَن كَانَ يَرْجُواْ لِقَآءَ ٱللَّهِ ﴾: في الجنة ﴿ فَإِنَّ أَجَلَ ٱللَّهِ ﴾: وقت لقائه ﴿ لآتٍ ﴾: فليستعد له ﴿ وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ ﴾: لأقوالكم ﴿ ٱلْعَلِيمُ ﴾: بعقائدكم ﴿ وَمَن جَاهَدَ ﴾: نفسه أو الكفرة ﴿ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ ﴾: نفعه له ﴿ إِنَّ ٱللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ ٱلْعَالَمِينَ ﴾: فكلَّفُكم رحمةً عليكم ﴿ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ لَنُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَحْسَنَ ٱلَّذِي كَانُواْ يَعْمَلُونَ ﴾: إذا أقله حسنة بعشرة أمثالها ﴿ وَ ﴾: مما فتناهم أنا ﴿ وَصَّيْنَا ﴾: أمرنا ﴿ ٱلإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْناً ﴾: فعلا ذا حسن كالبر ﴿ وَإِن جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ ﴾: بإلهيته ﴿ عِلْمٌ ﴾: فكيف بما علم بطلانه ﴿ فَلاَ تُطِعْهُمَآ ﴾: فيه ﴿ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾: بالجزاء عليه، هذا وما في لقمان والأحقاف في سعد بن أبي وقاص وأمه، إذ دعاه أبو بكر - رضي الله تعالى عنه - إلى الإسلام ﴿ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِي ﴾: مدخل ﴿ ٱلصَّالِحِينَ ﴾: الجنة ﴿ وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يِقُولُ ءَامَنَّا بِٱللَّهِ فَإِذَآ أُوذِيَ ﴾: من الكفار ﴿ فِي ﴾: دين ﴿ ٱللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ ﴾: أذى ﴿ ٱلنَّاسِ ﴾: في ترك الدين ﴿ كَعَذَابِ ٱللَّهِ ﴾: في ترك الكفار ﴿ وَلَئِنْ جَآءَ نَصْرٌ مِّن رَّبِّكَ ﴾: كغنيمة ﴿ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ ﴾: في لبدين فأشركونا فهم يعبدوه على حرف ﴿ أَ ﴾: قولهم ينجيهم ﴿ وَ لَيْسَ ٱللَّهُ بِأَعْلَمَ بِمَا فِي صُدُورِ ٱلْعَالَمِينَ ﴾: من الإيمان والنفاق ﴿ وَلَيَعْلَمَنَّ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ﴾: حقيقة ﴿ وَلَيَعْلَمَنَّ ٱلْمُنَافِقِينَ * وَ ﴾: من الفتن أنه ﴿ قَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لِلَّذِينَ آمَنُواْ ٱتَّبِعُواْ سَبِيلَنَا ﴾: ارجعوا إلى ديننا ﴿ وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ ﴾: إن كان خطيءة الأمر مجاز عن الخبر للمبالغة ﴿ وَمَا هُمْ بِحَامِلِينَ مِنْ خَطَايَاهُمْ مِّن شَيْءٍ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ ﴾: في إنجاز وعدهم ﴿ وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ ﴾: أوزارهم لضلالهم، وقد مر بيانه في الأنعام ﴿ وَأَثْقَالاً ﴾: أخرى ﴿ مَّعَ أَثْقَالِهِمْ ﴾: لإضلالهم ﴿ وَلَيُسْأَلُنَّ ﴾: توبيخا ﴿ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ عَمَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ * وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَىٰ قَوْمِهِ ﴾: على رأس أربعين سنة ﴿ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلاَّ خَمْسِينَ عَاماً ﴾: اختاره على تسعمائة وخمسين لما فيه من تخل الطول تسلية للرسول واختلاف المميزين لبشاعة التكرار بلا غرض، فكذبوه ﴿ فَأَخَذَهُمُ ٱلطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ ﴾: بالكفر ﴿ فأَنْجَيْناهُ وأَصْحَابَ ٱلسَّفِينَةِ ﴾: الثمانية وعاش بعده ستين سنة ﴿ وَجَعَلْنَاهَآ ﴾: السفينة ﴿ آيَةً ﴾: عبرة ﴿ لِّلْعَالَمِينَ ﴾: إذ كانت على الماء ستة أشهر آخرها عاشوراء وما بقى في الدنيا ديار ﴿ وَ ﴾: أرسلنا ﴿ إِبْرَاهِيمَ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ وَٱتَّقُوهُ ذٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ ﴾: من عبادتكم الأصنام ﴿ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾: الخير والشر ﴿ إِنَّمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ أَوْثَاناً وَتَخْلُقُونَ ﴾: تكذبون ﴿ إِفْكاً ﴾: في تسميتها آلهة ﴿ إِنَّ ٱلَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ لاَ يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقاً ﴾: قليلا، والمعبود هو الرازق ﴿ فَٱبْتَغُواْ عِندَ ٱللَّهِ ٱلرِّزْقَ ﴾: كله ﴿ وَٱعْبُدُوهُ وَٱشْكُرُواْ لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ * وَإِن تُكَذِّبُواْ ﴾: ني فلا بدع ﴿ فَقَدْ كَذَّبَ أُمَمٌ مِّن قَبْلِكُمْ ﴾: رسلهم ﴿ وَمَا عَلَى ٱلرَّسُولِ إِلاَّ ٱلْبَلاَغُ ٱلْمُبِينُ ﴾: البين، ثم اعتراض بين قصة خليلة قصة حبيبه تسلية له وتشبيها له به فقال: ﴿ أَوَلَمْ يَرَوْاْ ﴾: قومك يا محمد ﴿ كَيْفَ يُبْدِئُ ٱللَّهُ ٱلْخَلْقَ ﴾: من العدم ﴿ ثُمَّ يُعِيدُهُ ﴾: عطف على أو لم يروا لعدم وقوع الرؤية أو على يبدئ بمعنى ينشيء كل سنة من النبات مثل ما في السنة السابقة ﴿ إِنَّ ذٰلِكَ ﴾: الأمر ﴿ عَلَى ٱللَّهِ يَسِيرٌ * قُلْ سِيرُواْ فِي ٱلأَرْضِ فَٱنظُرُواْ كَيْفَ بَدَأَ ٱلْخَلْقَ ﴾: لمن قبلكم ﴿ ثُمَّ ٱللَّهُ يُنشِىءُ ﴾: الخلق ﴿ ٱلنَّشْأَةَ ٱلآخِرَةَ ﴾: والإعادة أيضاً نشأة من حيث إن كُلاًّ منهما اختراع، وآثر الإظهار اهتماماً بشأن الإعادة ﴿ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾: ومنه إعادتكم ﴿ يُعَذِّبُ مَن يَشَآءُ ﴾: بشغله بالدنيا ونحوه ﴿ وَيَرْحَمُ مَن يَشَآءُ ﴾: بحفظه منه ﴿ وَإِلَيْهِ تُقْلَبُونَ ﴾: تردون ﴿ وَمَآ أَنتُمْ بِمُعْجِزِينَ ﴾: الله عن إدراككم ﴿ فِي ٱلأَرْضِ وَلاَ فِي ٱلسَّمَآءِ ﴾: لو فررتم إلى أقاصيهما ﴿ وَمَا لَكُمْ مِّن دُونِ ٱللَّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ ﴾: يمنعانكم عن عذابه ﴿ وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ﴾: وكذبوا ﴿ بِآيَاتِ ٱللَّهِ ﴾: كتبه ﴿ وَلِقَآئِهِ ﴾: البعث ﴿ أُوْلَـٰئِكَ يَئِسُواْ ﴾: ييئسون ﴿ مِن رَّحْمَتِي ﴾: في القيامة ﴿ وَأُوْلَـٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾: ثم رجع إلى قصة إبراهيم بقوله ﴿ فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ ﴾: له ﴿ إِلاَّ أَن قَالُواْ ٱقْتُلُوهُ أَوْ حَرِّقُوهُ فَأَنْجَاهُ ٱللَّهُ مِنَ ٱلنَّارِ ﴾: بجعلها عليه بردا وسلاما ﴿ لنَّارِ إِنَّ فِي ذٰلِكَ ﴾: الانجاء ﴿ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ * وَقَالَ إِنَّمَا ٱتَّخَذْتُمْ مِّن دُونِ ٱللَّهِ أَوْثَاناً مَّوَدَّةَ ﴾: لتوادوا بعبادته وبالرفع أي: هي مودودة ﴿ بَيْنِكُمْ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا ثُمَّ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ ﴾: يتبرأ المتبوع من الأتباع ﴿ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ ﴾: الأتباع ﴿ بَعْضاً ﴾: المتبوعين ﴿ وَمَأْوَاكُمُ ٱلنَّارُ وَمَا لَكُمْ مِّن نَّاصِرِينَ * فَآمَنَ لَهُ ﴾: لإبراهيم ﴿ لُوطٌ ﴾: ابن أخيه هاران وهو أول من آمن به، فقول إبراهيم لامرأته: لا مؤمن غيرنا يعني وزجين مسلمين ﴿ وَقَالَ ﴾: إبراهيم: ﴿ إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَىٰ ﴾: حيث أمرني ﴿ رَبِّيۤ ﴾: فهاجر من لوط وسارة من سواد الكوفة إلى الشام فنزل لوط بسدوم وهما بفلسطين ﴿ إِنَّهُ هُوَ ٱلْعَزِيزُ ﴾: يدفع أعدائي ﴿ ٱلْحَكِيمُ ﴾: فيما أمر
﴿ وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ ﴾: ولده، ذكرهما لحصولهما بعد يأسه من الولد ﴿ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِ ﴾: إبراهيم ﴿ ٱلنُّبُوَّةَ وَٱلْكِتَابَ ﴾: منه الكتب الأربعة ﴿ وَآتَيْنَاهُ أَجْرَهُ فِي ٱلدُّنْيَا ﴾: كاستمرار النبوة في أولاده ومدحه في كل دين بلا نقص في أجر آخرته كما دل عليه ﴿ وَإِنَّهُ فِي ٱلآخِرَةِ لَمِنَ ٱلصَّالِحِينَ * وَ ﴾: أرسلنا ﴿ لُوطاً إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ ﴾: أهل سدوم ﴿ إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ ٱلْفَاحِشَةَ ﴾: اللواطة ﴿ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِّنَ ٱلْعَالَمِينَ * أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ ٱلرِّجَالَ وَتَقْطَعُونَ ٱلسَّبِيلَ ﴾: للمارين بكم ﴿ وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ ﴾: متحدثكم ﴿ ٱلْمُنْكَرَ ﴾: اللواطة أو الضراطة، وقيل: العلك ﴿ فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ ﴾: له ﴿ قَوْمِهِ إِلاَّ أَن قَالُواْ ٱئْتِنَا بِعَذَابِ ٱللَّهِ إِن كُنتَ مِنَ ٱلصَّادِقِينَ ﴾: في الوعيد ﴿ قَالَ رَبِّ ٱنصُرْنِي عَلَى ٱلْقَوْمِ ٱلْمُفْسِدِينَ ﴾: أي: عليهم بتحقيق الوعيد ﴿ وَلَمَّا جَآءَتْ رُسُلُنَآ إِبْرَاهِيمَ بِٱلْبُشْرَىٰ ﴾: كما مر ﴿ قَالُوۤاْ إِنَّا مُهْلِكُوۤ أَهْلِ هَـٰذِهِ ٱلْقَرْيَةِ ﴾: مدينة سدوم المتبوعة لقرياتها الحاضرة في ذهن المخاطب ﴿ إِنَّ أَهْلَهَا كَانُواْ ظَالِمِينَ ﴾: مستمرين على ظلمهم ﴿ قَالَ ﴾: إبراهيم ﴿ إِنَّ فِيهَا لُوطاً ﴾: وهو غير ظالم ﴿ قَالُواْ ﴾: الرسل ﴿ نَحْنُ أَعْلَمُ ﴾: منك ﴿ بِمَن فِيهَا لَنُنَجِّيَنَّهُ ﴾: لوطا ﴿ وَأَهْلَهُ إِلاَّ ٱمْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ ٱلْغَابِرِينَ ﴾: الباقين ﴿ وَلَمَّآ أَن ﴾: صلة ﴿ جَآءَتْ رُسُلُنَا لُوطاً سِيءَ ﴾: حزن بهم ﴿ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعاً ﴾: صدراً، لحسن صورتهم ﴿ وَقَالُواْ لاَ تَخَفْ وَلاَ تَحْزَنْ ﴾: علينا ﴿ إِنَّا مُنَجُّوكَ ﴾: ننجي ﴿ وَأَهْلَكَ إِلاَّ ٱمْرَأَتَكَ كَانَتْ مِنَ ٱلْغَابِرينَ ﴾: الباقين في الشهوات ﴿ إِنَّا مُنزِلُونَ عَلَىٰ أَهْلِ هَـٰذِهِ ٱلْقَرْيَةِ رِجْزاً ﴾: عذابا ﴿ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ ﴾: باستمرار فسقهم، قال تعالى: ﴿ وَلَقَد تَّرَكْنَا مِنْهَآ آيَةً بَيِّنَةً لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ﴾: كأنهارهم المسودة وأحجارهم الممطورة ﴿ وَ ﴾: أرسلنا ﴿ إِلَىٰ مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْباً فَقَالَ يٰقَوْمِ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ ﴾: وحده ﴿ وَٱرْجُواْ ﴾: خافوا ﴿ ٱلْيَوْمَ ٱلأَخِرَ وَلاَ تَعْثَوْاْ ﴾: لا تفسدوا ﴿ فِي ٱلأَرْضِ مُفْسِدِينَ ﴾: كما مر ﴿ فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَتْهُمُ ٱلرَّجْفَةُ ﴾: الزلزلة كما مر ﴿ فَأَصْبَحُواْ فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ ﴾: نازلين على الركب ميتين ﴿ وَ ﴾: اذكر ﴿ عَاداً وَثَمُودَاْ وَقَد تَّبَيَّنَ لَكُم مِّن ﴾: بعض ﴿ مَّسَاكِنِهِمْ ﴾: باليمن والحجر ﴿ وَزَيَّنَ لَهُمُ ٱلشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ ٱلسَّبِيلِ ﴾: المستقيم ﴿ وَكَانُواْ مُسْتَبْصِرِينَ ﴾: ذوي البصائر، فقصروا في النظر ﴿ وَ ﴾: اذكر ﴿ قَارُونَ ﴾: قدمه لشرف نسبه ﴿ وَفِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَلَقَدْ جَآءَهُمْ مُّوسَىٰ بِٱلْبَيِّنَاتِ فَٱسْتَكْبَرُواْ فِي ٱلأَرْضِ وَمَا كَانُواْ سَابِقِينَ ﴾: فائتين عذابنا ﴿ فَكُلاًّ أَخَذْنَا بِذَنبِهِ فَمِنْهُم مَّن أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِباً ﴾: ريحا عاصفا فيها حَصْباء كعاد أو ملكا رماهم بها كقوم لوط ﴿ وَمِنْهُمْ مَّنْ أَخَذَتْهُ ٱلصَّيْحَةُ ﴾: ثمود ومدين ﴿ وَمِنْهُمْ مَّنْ خَسَفْنَا بِهِ ٱلأَرْضَ ﴾: قارون ﴿ وَمِنْهُمْ مَّنْ أَغْرَقْنَا ﴾: كقومي نوح وموسى ﴿ وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ ﴾: يعاملهم معاملة ظالم بعقابهم بلاَ جُرْم ﴿ وَلَـٰكِن كَانُوۤاْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ﴾: بفعل ما استحقوا به غضبه ﴿ مَثَلُ ٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ أَوْلِيَآءَ ﴾: في الوهن ﴿ كَمَثَلِ ٱلْعَنكَبُوتِ ٱتَّخَذَتْ بَيْتاً ﴾: يعتمد عليه بالنسبة إلى رجل بنى بيتا مضبوطا بالحجر والحصباءَ ﴿ وَإِنَّ أَوْهَنَ ٱلْبُيُوتِ لَبَيْتُ ٱلْعَنكَبُوتِ ﴾: وقاية وسترا ﴿ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ ﴾: لكما اتخذوهم أولياء، وهذا اولى من جعل مثلهم كمثله إذا في بيته نفع ﴿ إِنَّ ٱللَّهَ يَعْلَمُ مَا ﴾: الذي ﴿ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ مِن شَيْءٍ ﴾: فيجازيهم ﴿ وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ﴾: في الانتقام ﴿ ٱلْحَكِيمُ ﴾: في فعله ﴿ وَتِلْكَ ٱلأَمْثَالُ ﴾: هذا ونظائره ﴿ نَضْرِبُهَا ﴾: نبينها ﴿ لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَآ ﴾: يعرف فائدتها ﴿ إِلاَّ ٱلْعَالِمُونَ ﴾: المتدبرون ﴿ خَلَقَ ٱللَّهُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ بِٱلْحَقِّ ﴾: محقا ﴿ إِنَّ فِي ذٰلِكَ ﴾: الخلق ﴿ لآيَةً ﴾: عظيمة ﴿ لِّلْمُؤْمِنِينَ ﴾: لأنهم المتفكرون ﴿ ٱتْلُ مَا أُوْحِيَ إِلَيْكَ مِنَ ٱلْكِتَابِ ﴾: القرآن تقربا وتحفظا واستكشافا ﴿ وَأَقِمِ ٱلصَّلاَةَ إِنَّ ٱلصَّلاَةَ ﴾: مواظبتها ﴿ تَنْهَىٰ عَنِ ٱلْفَحْشَآءِ ﴾: ما تناهى قبحه ﴿ وَٱلْمُنْكَرِ ﴾: شرعاً ﴿ وَلَذِكْرُ ٱللَّهِ ﴾: ومنه الصلاة ﴿ أَكْبَرُ ﴾: من بواقي الطاعات، وصلاة الجماعة أفضل الذكر لأنها ذكر الله تعالى في النفس والملأ ذكره إيانا برحمته أكبر من ذكرنا إياه بطاعته ﴿ وَٱللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ ﴾: فيجازيكم
﴿ وَلاَ تُجَادِلُوۤاْ أَهْلَ ٱلْكِتَابِ إِلاَّ بِٱلَّتِي ﴾: بالطريقة التي ﴿ هِيَ أَحْسَنُ ﴾: كالعوة إلى الاسلام وبيان الحجج، ثم أخذ الجزيو ثم السيف، وقيل: نسخ بالسيف ﴿ إِلاَّ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنْهُمْ ﴾: بالامتناع عما يلزمهم شرعا ﴿ وَقُولُوۤاْ آمَنَّا بِٱلَّذِيۤ أُنزِلَ إِلَيْنَا وَأُنزِلَ إِلَيْكُمْ ﴾: لا تصدقوهم ولا تكذبوهم ﴿ وَإِلَـٰهُنَا وَإِلَـٰهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ ﴾: خاصة ﴿ لَهُ مُسْلِمُونَ ﴾: وهذه مجادلة حسنا ﴿ وَكَذَلِكَ ﴾: الإنزال لكتبهم ﴿ أَنزَلْنَآ إِلَيْكَ ٱلْكِتَابَ ﴾: المصدق للكتب ﴿ فَٱلَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ ٱلْكِتَابَ ﴾: مؤمنوهم ﴿ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمِنْ هَـٰؤُلاۤءِ ﴾: العرب ﴿ مَن يُؤْمِنُ بِهِ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَآ ﴾: مع ظهورها ﴿ إِلاَّ ٱلْكَافِرونَ ﴾: المتوغلون في الكفر ﴿ وَمَا كُنتَ تَتْلُواْ مِن قَبْلِهِ ﴾: قبل نزوله ﴿ مِن كِتَابٍ وَلاَ تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ ﴾: ذكر اليمين لنفي التجوز ﴿ إِذاً ﴾: لو كان شيء منهما ﴿ لاَّرْتَابَ ٱلْمُبْطِلُونَ ﴾: أهل الكتاب المريدون لإبطال دينك لما في التوراة أن محمد لا يخط ولا يقرأ ﴿ بَلْ هُوَ ﴾: القرآن ﴿ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْعِلْمَ ﴾: المؤمنين، إذا أنا جيلهم في صدورهم ﴿ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَآ إِلاَّ ٱلظَّالِمُونَ ﴾: خصة بالظلم لأنه جحد بعد الحجج والأول بالكفر لأنه قسيم المؤمنين ﴿ وَقَالُواْ ﴾: المشركون ﴿ لَوْلاَ ﴾: هلا ﴿ أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَاتٌ مِّن رَّبِّهِ ﴾: كالعصا والناقة ﴿ قُلْ إِنَّمَا ٱلآيَاتُ عِندَ ٱللَّهِ ﴾: لا بقدرتي ﴿ وَإِنَّمَآ أَنَاْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ ﴾: بالعذاب ﴿ أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ ﴾: فيما طلبوا ﴿ أَنَّآ أَنزَلْنَا عَلَيْكَ ٱلْكِتَابَ يُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ ﴾: فإنه من أمي مثلك آية واضحة ﴿ إِنَّ فِي ذٰلِكَ ﴾: القرآن ﴿ لَرَحْمَةً وَذِكْرَىٰ ﴾: تذكرة ﴿ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ * قُلْ كَفَىٰ بِٱللَّهِ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ شَهِيداً ﴾: بتبليغي وتكذيبكم ﴿ يَعْلَمُ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ بِٱلْبَاطِلِ وَكَفَرُواْ بِٱللَّهِ ﴾: بتكذيب رسله ﴿ أُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْخَاسِرُونَ ﴾: باشتراء الكفر بالإيمان ﴿ وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِٱلْعَذَابِ وَلَوْلاَ أَجَلٌ مُّسَمًّى ﴾: له ﴿ لَّجَآءَهُمُ ٱلْعَذَابُ ﴾: عاجلاً ﴿ وَلَيَأْتِيَنَّهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ ﴾: به ﴿ يَسْتَعْجِلُونَكَ بِٱلْعَذَابِ ﴾: كرره تعجيبا ﴿ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِٱلْكَافِرِينَ * يَوْمَ يَغْشَاهُمُ ٱلْعَذَابُ مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ وَيِقُولُ ﴾: الله تقريعا ﴿ ذُوقُواْ ﴾: وبال ﴿ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ * يٰعِبَادِيَ ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ ﴾: فإن لم تتمكنوا من عبادتي في أرْضٍ ﴿ فَإِيَّايَ فَٱعْبُدُونِ ﴾: في غيرها ومن فر بدينه ولو قدر شر فله الجنة ورفاقه إبراهيم ومحمد صلى الله عليهما وسلم ﴿ كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ ٱلْمَوْتِ ﴾: فلا تخافوا من بعد الوطن ﴿ ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ * وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ ﴾: بالنون، لننزلنهم، وبالثاء المثلثية: لنقيمنهم ﴿ مِّنَ ٱلْجَنَّةِ غُرَفَاً تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نِعْمَ أَجْرُ ٱلْعَامِلِينَ ﴾: ذلك هم ﴿ ٱلَّذِينَ صَبَرُواْ ﴾: على المشاق كالهجرة ﴿ وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ * وَكَأَيِّن ﴾: كثيرا ﴿ مِّن دَآبَّةٍ لاَّ تَحْمِلُ ﴾: معها ﴿ رِزْقَهَا ٱللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ ﴾: فهاجروا ولا تخافوا من فقد الزاد كسائر الحيوان المدخر منه النمل والفأر والنسر ﴿ وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ ﴾: لقولكم ﴿ ٱلْعَلِيمُ ﴾: بكم فلا يغفل عنكم ﴿ وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ مَّنْ خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ وَسَخَّرَ ٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ ٱللَّهُ فَأَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ ﴾: يصرفون عن توحيده ﴿ ٱللَّهُ يَبْسُطُ ٱلرِّزْقَ لِمَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ ﴾: يضيق ﴿ لَهُ ﴾: الضمير لمن من باب: عندي درهم ونصفه أي: نصف درهم آخر او على التعاقب ﴿ إِنَّ ٱللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴾: منه من يستحق البسط والتضييق ﴿ وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ مَّن نَّزَّلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً فَأَحْيَا بِهِ ٱلأَرْضَ مِن بَعْدِ مَوْتِهَا لَيَقُولُنَّ ٱللَّهُ قُلِ ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ ﴾: على ظهور حجتي ﴿ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ ﴾: فيشركون بعد هذا الإقرار ﴿ وَمَا هَـٰذِهِ ﴾: إشارة للتحقير ﴿ ٱلْحَيَاةُ ٱلدُّنْيَآ إِلاَّ لَهْوٌ وَلَعِبٌ ﴾: كم يلعب الصبي مبتهجا به وما معه إلا التعب ﴿ وَإِنَّ ٱلدَّارَ ٱلآخِرَةَ لَهِيَ ٱلْحَيَوَانُ ﴾: الحياة الحقيقة أي: دراها ﴿ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ ﴾: لعملوا لها ﴿ فَإِذَا رَكِبُواْ فِي ٱلْفُلْكِ دَعَوُاْ ٱللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ ٱلدِّينَ ﴾: أي: صورة ﴿ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى ٱلْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ ﴾: يعادون إلى الشرك ﴿ لِيَكْفُرُواْ بِمَآ آتَيْنَاهُمْ ﴾: من نعمة النجاة ﴿ وَلِيَتَمَتَّعُواْ ﴾: بنوادهم على عبادة الأصنام أو أمر للتهديد ﴿ فَسَوْفَ يَعلَمُونَ ﴾: عاقبتهم ﴿ أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا جَعَلْنَا ﴾: بلدهم ﴿ حَرَماً آمِناً ﴾: لا يغار عليه ﴿ وَيُتَخَطَّفُ ﴾: يختلس ﴿ ٱلنَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ ﴾: قتلا وسبيا ﴿ أَفَبِٱلْبَاطِلِ ﴾: كالصنم ﴿ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ ٱللَّهِ يَكْفُرُونَ ﴾: بالشرك، والتقديم فيهما للاهتمام ﴿ وَمَنْ ﴾: لا ﴿ أَظْلَمُ مِمَّنْ ٱفْتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِباً ﴾: كالإشراك ﴿ أَوْ كَذَّبَ بِٱلْحَقِّ ﴾: القرآن أو الرسُول ﴿ لَمَّا جَآءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى ﴾: منزلاً ﴿ لِّلْكَافِرِينَ ﴾: والمفترى والمكذب منهم ﴿ وَٱلَّذِينَ جَاهَدُواْ فِينَا ﴾: حقّنا، ظاهرا أو باطناً ﴿ لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا ﴾: المواصلة إلينا أو نزيد هدايتهم وعلمهم ﴿ وَإِنَّ ٱللَّهَ لَمَعَ ٱلْمُحْسِنِينَ ﴾: بلإعانة، وفي الحديث" الإحسان أنْ تعبد الله "إلى آخره، وقال عيسى عليه الصلاة والسلام " الإحسان: أنْ تُحْسنَ إلى مَن أَساءَ إليك ". والله أعْلَمُ بالصَّواب، وألْيهِ المرجعُ والمآب.
سورة العنكبوت
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورة (العنكبوت) من السُّوَر المكية التي جاءت بالحثِّ على جهادِ الفِتَن، والصَّبر عليه، ضاربةً مَثَلَ بيتِ العنكبوت لِمَن يتخذ مِن دون الله أندادًا؛ فمَن يعتمد على غير الله فظهرُه مكسورٌ ضعيف، ومَن أوى إلى الله وآمَن به فقد أوى إلى رُكْنٍ شديدٍ؛ ومن هنا دعَتِ السورةُ إلى التمسُّك بحبلِ الله المتين، وتركِ الوهنِ والوهمِ الذي يعيشه الكفار، ويعيشه كلُّ من يبتعدُ عن صراطِ الله، وهَدْيِ نبيِّه صلى الله عليه وسلم.

ترتيبها المصحفي
29
نوعها
مكية
ألفاظها
982
ترتيب نزولها
85
العد المدني الأول
69
العد المدني الأخير
69
العد البصري
69
العد الكوفي
69
العد الشامي
69

* قوله تعالى: {وَوَصَّيْنَا اْلْإِنسَٰنَ بِوَٰلِدَيْهِ حُسْنٗاۖ وَإِن جَٰهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِۦ عِلْمٞ فَلَا تُطِعْهُمَآۚ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} [العنكبوت: 8]:

عن سعدِ بن أبي وقَّاصٍ رضي الله عنه: أنَّه نزَلتْ فيه آياتٌ مِن القرآنِ، قال: «حلَفتْ أمُّ سعدٍ ألَّا تُكلِّمَه أبدًا حتى يكفُرَ بدِينِه، ولا تأكُلَ ولا تَشرَبَ، قالت: زعَمْتَ أنَّ اللهَ وصَّاك بوالدَيْكَ، وأنا أمُّك، وأنا آمُرُك بهذا، قال: مكَثتْ ثلاثًا حتى غُشِيَ عليها مِن الجَهْدِ، فقامَ ابنٌ لها يقالُ له: عُمَارةُ، فسقَاها، فجعَلتْ تدعو على سعدٍ؛ فأنزَلَ اللهُ عز وجل في القرآنِ هذه الآيةَ: {وَوَصَّيْنَا ‌اْلْإِنسَٰنَ ‌بِوَٰلِدَيْهِ حُسْنٗاۖ} [العنكبوت: 8]، {وَإِن جَٰهَدَاكَ عَلَىٰٓ أَن تُشْرِكَ بِي} [لقمان: 15]،  وفيها: {وَصَاحِبْهُمَا فِي اْلدُّنْيَا مَعْرُوفٗاۖ} [لقمان: 15]». أخرجه مسلم (١٧٤٨).

* سورة (العنكبوت):

سُمِّيت سورة (العنكبوت) بذلك؛ لأنَّها اختصَّتْ بذِكْرِ مَثَلِ العنكبوت؛ قال تعالى: {مَثَلُ اْلَّذِينَ اْتَّخَذُواْ مِن دُونِ اْللَّهِ أَوْلِيَآءَ كَمَثَلِ اْلْعَنكَبُوتِ اْتَّخَذَتْ بَيْتٗاۖ وَإِنَّ أَوْهَنَ اْلْبُيُوتِ لَبَيْتُ اْلْعَنكَبُوتِۚ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ} [العنكبوت: 41].

اشتمَلتْ سورةُ (العنكبوت) على الموضوعات الآتية:

1. اختبار الناس وجزاؤهم (١-٧).

2. التوصية بحُسْنِ معاملة الوالدَينِ، وبيان خِسَّة المنافقين (٨-١٣).

3. قصص الأنبياء عليهم السلام (١٤-٤٣).

4. قصة نُوحٍ عليه السلام (١٤-١٥).

5. قصة إبراهيمَ عليه السلام (١٦-٢٧).

6. قصة لُوطٍ عليه السلام (٢٨-٣٥).

7. قصة شُعَيب وهُودٍ وصالح وموسى عليهم السلام (٣٦-٤٣).

8. خَلْقُ السموات والأرض، تلاوة القرآن، إقامة الصلاة (٤٤-٤٥).

9. مناقشة أهل الكتاب، ومطالبُهم التعجيزية (٤٦-٥٥).

10. حض المؤمنين على الهجرة عند التضييق عليهم (٥٦-٦٠).

11. حال الدنيا والآخرة، واعتراف المشركين بالله الخالق، الرزَّاق، المُحيي (٦١ -٦٩).

ينظر: "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (5 /581).

تعلَّقَ مقصودُ سورة (العنكبوت) بالإيمان والفتنة؛ فحثَّتْ على الاجتهاد في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكَر، والدعاء إلى الله تعالى وَحْده، من غير تعريجٍ على غيره سبحانه؛ لئلا يكون مَثَلُ المُعرِّج كمَثَلِ العنكبوت؛ فإن ذلك مَثَلُ كلِّ مَن عرَّجَ عنه سبحانه، والتجأ إلى غيره، وتعوَّضَ عِوَضًا منه؛ فهي سورة تُظهِر قوَّة المؤمنين، وضَعْفَ الكافرين.

ينظر: "مصاعد النظر للإشراف على مقاصد السور" للبقاعي (2 /345).