تفسير سورة العنكبوت

تفسير القرآن

تفسير سورة سورة العنكبوت من كتاب تفسير القرآن
لمؤلفه الصنعاني . المتوفي سنة 211 هـ
سورة العنكبوت

بسم الله الرحمن الرحيم١
عبد الرزاق قال : أنا معمر عن رجل عن عامر الشعبي قال : لما نزلت آية الهجرة كتب بها المسلمون إلى إخوانهم بمكة فخرجوا، حتى إذا كانوا ببعض الطريق أدركهم المشركون فردوهم، فأنزل الله تعالى :﴿ آلم أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا ءامنا وهم لا يفتنون ﴾ عشر آيات من أول السورة، فتعاهدوا أن يخرجوا إلى المدينة، فخرجوا فتبعهم المشركون، فاقتتلوا فمنهم من قتل ومنهم من نجا، فنزلت فيهم :﴿ ثم إن ربك للذين هاجروا من بعد ما فتنوا ثم جاهدوا وصبروا إن ربك من بعدها لغفور رحيم ﴾.
١ البسملة من (م)..
عبد الرزاق عن معمر عن قتادة في قوله تعالى :﴿ وهم لا يفتنون ﴾ قال : لا يبتلون.
نا عبد الرزاق قال : أنا ابن عيينة عن عمرو بن دينار، قال : سمعت عكرمة يقول : كان ناس بمكة قد شهدوا أن لا إله إلا الله، فلما خرج المشركون إلى بدر أخرجوهم معهم فقتلوا، قال : فنزلت فيهم ﴿ الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم ﴾ إلى قوله :﴿ عسى الله أن يعفو عنهم وكان الله عفوا غفورا ﴾١ قال : فكتب بها المسلمون الذين بالمدينة إلى المسلمين الذين بمكة فخرج ناس من المسلمين، حتى إذا كانوا ببعض الطريق طلبهم المشركون، فأدركوهم، فمنهم من أعطى الفتنة، فأنزل الله :﴿ ومن الناس من يقول آمنا بالله فإذا أوذي في الله جعل فتنة الناس كعذاب الله ﴾ فكتب بها المسلمون الذين بالمدينة إلى المسلمين الذين بمكة، فقال : رجل من بني ضمرة لأهله وكان مريضا : أخرجوني إلى الروح، فأخرجوه، حتى إذا كان بالحصحاص٢، فمات فأنزل الله عز وجل ﴿ ومن يخرج من بيته مهاجرا إلى الله ﴾ إلى آخر الآية، ونزل في أولئك الذين كانوا أعطوا الفتنة، ﴿ ثم إن ربك للذين هاجروا من بعد ما فتنوا ثم جاهدوا وصبروا إن ربك من بعدها لغفور رحيم ﴾.
١ هذه الآيات من سورة النساء ٩٧-٩٩، وقد أورد الإمام عبد الرزاق الروايات المتعلقة بها، لمناسبتها لذكر الفتنة في هذه السورة..
٢ في (م) بالخضخاض، والحصحاص موطن خارج مكة على طريق المدينة..
عبد الرزاق عن معمر عن قتادة في قوله تعالى :﴿ وليحملن أثقالهم ﴾ قال : من دعا قوما إلى ضلالة فعليه مثل أوزارهم من غير أن ينقص من أوزارهم شيء. ١
١ (م) شيئا..
عبد الرزاق قال : أنا معمر عن قتادة في قوله تعالى :﴿ فأخذهم الطوفان ﴾ قال : الماء.
عبد الرزاق عن معمر عن في قوله تعالى :﴿ فأنجيناه وأصحاب السفينة ﴾ قال : أخبرني يونس بن خباب عن مجاهد قال : كانوا سبعة : نوح وثلاثة بنيه ونساء بنيه، قال عبد الرزاق : قال معمر : وحسبت أني سمعت الكلبي يذكر أنهم كانوا ثلاثين أو نحو ذلك.
عبد الرزاق عن معمر عن الحسن في قوله :﴿ وتخلقون إفكا ﴾ قال : تنحتون إفكا.
عبد الرزاق عن معمر عن قتادة في قوله تعالى :﴿ وآتيناه أجره في الدنيا ﴾ قال : هي كقوله ﴿ وآتيناه في الدنيا حسنة ﴾ قال : وقال : ليس من أهل دين إلا وهم يتولّونه.
عبد الرزاق عن معمر عن قتادة في قوله تعالى :﴿ وتأتون في ناديكم المنكر ﴾ قال : في مجالسكم.
نا عبد الرزاق عن معمر قال تلا قتادة ﴿ إن فيها لوطا قالوا نحن أعلم بمن فيها ﴾ قال : لا تجد المؤمن إلا يحوط المؤمن حيث كان.
[ عبد الرزاق عن معمر عن قتادة في قوله تعالى :﴿ سيء بهم ﴾ قال : ساء ظنه بقومه وضاق بضيفه ذرعا ]١.
١ هذه الرواية غير موجودة في (م)..
عبد الرزاق قال : أنا معمر عن قتادة في قوله تعالى :﴿ ولقد تركنا منها آية بيّنة ﴾ قال هي : الحجارة التي أبقاها الله.
عبد الرزاق قال : أنا معمر عن قتادة في قوله تعالى :﴿ وإلى مدين أخاهم شعيبا ﴾ قال : بلغنا أن شعيبا أرسل مرتين إلى أمتين : مدين وأصحاب الأيكة.
عبد الرزاق عن معمر عن قتادة في قوله تعالى :﴿ وكانوا مستبصرين ﴾ أي : معجبين١ بضلالتهم.
١ في (ق) متعجبين..
عبد الرزاق عن معمر عن قتادة في قوله تعالى :﴿ كمثل العنكبوت ﴾ قال : هذا مثل ضربه الله أنه لن يغني عنه شيئا، من ضعفه وقلة إجزائه مثل ضعف بيت العنكبوت.
عبد الرزاق عن معمر عن الكلبي في قوله تعالى :﴿ ولذكر الله أكبر ﴾ قال : إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ما كان فيها، وذكر الله الناس١ أكبر من كل شيء.
عبد الرزاق : قال معمر : وقال قتادة : ليس شيء٢ أفضل من ذكر الله.
عبد الرزاق قال : أنا معمر عن يحيى بن سعيد بن المسيب قال : قال معاذ ابن جبل : لأن أذكر الله من بكرة حتى٣ الليل أحب إلي من أن أحمل على جياد الخيل في سبيل الله من بكرة حتى الليل٤.
عبد الرزاق قال : أخبرنا٥ عمن سمع الحسن يحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :" من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر لم يزدد بها من الله إلا بعدا، ولم يزدد بها عند الله٦ إلا مقتا " ٧.
عبد الرزاق عن الثوري عن إسماعيل عن الحسن في قوله تعالى :﴿ إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ﴾ قال : قال : صلى الله رسول الله عليه وسلم :" من صلى صلاة لم تنهه عن الفحشاء والمنكر لم يزدد بها من الله إلا بعدا ". عبد الرزاق عن الثوري عن الأعمش عن أبي خالد قال : قال ابن مسعود : لا تنفع الصلاة إلا لمن أطاعها. عبد الرزاق عن الثوري عن عطاء بن السائب عن عبد الله بن ربيعة عن ابن عباس قال : سألني عن هذه الآية ﴿ ولذكر الله أكبر ﴾ قال : قلت : التسبيح والتكبير، فقال ابن عباس : ذكر الله إياكم أكبر من ذكركم إياه.
١ كلمة (الناس) من (ق)..
٢ كلمة (شي) من (ق)..
٣ في (م) حتى إلى الليل..
٤ في (م) حتى إلى الليل..
٥ في (م) عبد الرزاق قال: وأرنا معمر عمن سمع الحسن..
٦ في (م) ولم يزدد بها من الله إلا مقتا..
٧ أخرجه عبد بن حميد وابن جرير والبيهقي في شعب الإيمان. انظر الدر ج ٥ ص ١٤٥..
عبد الرزاق عن معمر عن قتادة في قوله تعالى :﴿ ولا تجادلوا أهل الكتب إلا بالتي هي أحسن ﴾ قال : نسختها اقتلوا المشركين، ولا مجادلة أشد من السيف.
عبد الرزاق عن معمر عن قتادة في قوله :﴿ بل هو آيات بينات ﴾ قال :١ النبي صلى الله عليه وسلم آية بينة وكذلك قرأها قتادة. ﴿ في صدور الذين أوتوا العلم ﴾ من أهل الكتاب.
قال عبد الرزاق : قال معمر : وقال الحسن : القرآن آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم يعني المؤمنين.
١ في (م) قال قرأ النبي صلى الله عليه وسلم آية بينة..
عبد الرزاق عن ابن عيينة عن مالك بن مغول عن الربيع بن أبي راشد عن سعيد بن جبير في قوله تعالى :﴿ يا عبادي الذين آمنوا إن أرضي واسعة ﴾ قال : هو الرجل يكون بين ظهراني قوم يعملون بالمعاصي.
عبد الرزاق عن ابن عيينة عن إسماعيل عن قيس قال : كان رجل بين قوم أو قرية يعمل فيها بالمعاصي، وإلى جنبه قرية صالحة، قال : قد أنى لي أن أترك هذه القرية فخرج يريد القرية الصالحة، فمات قبل أن يصل إليها، فاحتج فيه الملك والشيطان قال : فقيض الله له بعض جنوده، فقال : قيسوا ما بين القريتين، فوجدوه أقرب إلى القرية الصالحة بشبر.
عبد الرزاق قال : أنا معمر عن قتادة ﴿ وإن الدار الآخرة لهي الحيوان ﴾ قال : هي الحياة.
سورة العنكبوت
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورة (العنكبوت) من السُّوَر المكية التي جاءت بالحثِّ على جهادِ الفِتَن، والصَّبر عليه، ضاربةً مَثَلَ بيتِ العنكبوت لِمَن يتخذ مِن دون الله أندادًا؛ فمَن يعتمد على غير الله فظهرُه مكسورٌ ضعيف، ومَن أوى إلى الله وآمَن به فقد أوى إلى رُكْنٍ شديدٍ؛ ومن هنا دعَتِ السورةُ إلى التمسُّك بحبلِ الله المتين، وتركِ الوهنِ والوهمِ الذي يعيشه الكفار، ويعيشه كلُّ من يبتعدُ عن صراطِ الله، وهَدْيِ نبيِّه صلى الله عليه وسلم.

ترتيبها المصحفي
29
نوعها
مكية
ألفاظها
982
ترتيب نزولها
85
العد المدني الأول
69
العد المدني الأخير
69
العد البصري
69
العد الكوفي
69
العد الشامي
69

* قوله تعالى: {وَوَصَّيْنَا اْلْإِنسَٰنَ بِوَٰلِدَيْهِ حُسْنٗاۖ وَإِن جَٰهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِۦ عِلْمٞ فَلَا تُطِعْهُمَآۚ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} [العنكبوت: 8]:

عن سعدِ بن أبي وقَّاصٍ رضي الله عنه: أنَّه نزَلتْ فيه آياتٌ مِن القرآنِ، قال: «حلَفتْ أمُّ سعدٍ ألَّا تُكلِّمَه أبدًا حتى يكفُرَ بدِينِه، ولا تأكُلَ ولا تَشرَبَ، قالت: زعَمْتَ أنَّ اللهَ وصَّاك بوالدَيْكَ، وأنا أمُّك، وأنا آمُرُك بهذا، قال: مكَثتْ ثلاثًا حتى غُشِيَ عليها مِن الجَهْدِ، فقامَ ابنٌ لها يقالُ له: عُمَارةُ، فسقَاها، فجعَلتْ تدعو على سعدٍ؛ فأنزَلَ اللهُ عز وجل في القرآنِ هذه الآيةَ: {وَوَصَّيْنَا ‌اْلْإِنسَٰنَ ‌بِوَٰلِدَيْهِ حُسْنٗاۖ} [العنكبوت: 8]، {وَإِن جَٰهَدَاكَ عَلَىٰٓ أَن تُشْرِكَ بِي} [لقمان: 15]،  وفيها: {وَصَاحِبْهُمَا فِي اْلدُّنْيَا مَعْرُوفٗاۖ} [لقمان: 15]». أخرجه مسلم (١٧٤٨).

* سورة (العنكبوت):

سُمِّيت سورة (العنكبوت) بذلك؛ لأنَّها اختصَّتْ بذِكْرِ مَثَلِ العنكبوت؛ قال تعالى: {مَثَلُ اْلَّذِينَ اْتَّخَذُواْ مِن دُونِ اْللَّهِ أَوْلِيَآءَ كَمَثَلِ اْلْعَنكَبُوتِ اْتَّخَذَتْ بَيْتٗاۖ وَإِنَّ أَوْهَنَ اْلْبُيُوتِ لَبَيْتُ اْلْعَنكَبُوتِۚ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ} [العنكبوت: 41].

اشتمَلتْ سورةُ (العنكبوت) على الموضوعات الآتية:

1. اختبار الناس وجزاؤهم (١-٧).

2. التوصية بحُسْنِ معاملة الوالدَينِ، وبيان خِسَّة المنافقين (٨-١٣).

3. قصص الأنبياء عليهم السلام (١٤-٤٣).

4. قصة نُوحٍ عليه السلام (١٤-١٥).

5. قصة إبراهيمَ عليه السلام (١٦-٢٧).

6. قصة لُوطٍ عليه السلام (٢٨-٣٥).

7. قصة شُعَيب وهُودٍ وصالح وموسى عليهم السلام (٣٦-٤٣).

8. خَلْقُ السموات والأرض، تلاوة القرآن، إقامة الصلاة (٤٤-٤٥).

9. مناقشة أهل الكتاب، ومطالبُهم التعجيزية (٤٦-٥٥).

10. حض المؤمنين على الهجرة عند التضييق عليهم (٥٦-٦٠).

11. حال الدنيا والآخرة، واعتراف المشركين بالله الخالق، الرزَّاق، المُحيي (٦١ -٦٩).

ينظر: "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (5 /581).

تعلَّقَ مقصودُ سورة (العنكبوت) بالإيمان والفتنة؛ فحثَّتْ على الاجتهاد في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكَر، والدعاء إلى الله تعالى وَحْده، من غير تعريجٍ على غيره سبحانه؛ لئلا يكون مَثَلُ المُعرِّج كمَثَلِ العنكبوت؛ فإن ذلك مَثَلُ كلِّ مَن عرَّجَ عنه سبحانه، والتجأ إلى غيره، وتعوَّضَ عِوَضًا منه؛ فهي سورة تُظهِر قوَّة المؤمنين، وضَعْفَ الكافرين.

ينظر: "مصاعد النظر للإشراف على مقاصد السور" للبقاعي (2 /345).