تفسير سورة العنكبوت

أحكام القرآن

تفسير سورة سورة العنكبوت من كتاب أحكام القرآن
لمؤلفه ابن الفرس . المتوفي سنة 595 هـ
مكية. قال بعض المفسرين إلا العشر الآيات التي في صدرها فإنها مدنية نزلت في شأن من كان من المسلمين بمكة ١. وفيها مواضع من الأحكام والنسخ ٢.
١ قاله ابن عطية في المحرر الوجيز ١٢/ ١٩٩. وعن القرطبي عن الحسن وعكرمة وعطاء وجابر أنها مكية كلها. راجع الجامع لأحكام القرآن ١٣/ ٣٢٣..
٢ أوصلها ابن الفرس إلى أربع آيات..

– قوله تعالى :﴿ ووصينا الإنسان بوالديه حسنا وإن جاهداك لتشرك بي ما ليس لك به علم... ﴾ الآية :
سيأتي الكلام على هذه الآية في سورة لقمان.
– قوله تعالى :﴿ فأنجيناه وأصحاب السفينة ﴾ :
استدل بعضهم بهذه الآية على أن ساكن الدار يدعى صاحبها وإن لم تكن له ملكا.
– قوله تعالى :﴿ ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن ﴾ :
اختلف هل هي محكمة أو منسوخة. والذين ذهبوا إلى أنها محكمة اختلفوا. فذهب ابن زيد إلى أنها محكمة يراد بها من آمن من أهل الكتاب لأنه قال :( لا تجادلوا المؤمنين منهم إذا أسلموا ) لعلهم يحدثون بالشيء فيكون كما قالوا فذلك أنهم كانوا يفسرون التوراة بالعربية. روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " لا تصدقوهم فيما يقولون ولا تكذبوهم " ١.
وقوله :﴿ إلا الذين ظلموا منهم ﴾ :
أي إلا من أقام على الكفر فإنه يجادل ولا يقبل منه قول. وذهب مجاهد إلى أنها محكمة يراد بها ذوو العهد ألا يجادلوا، وإنما يجادل من لم يعط الجزية ويقاتل. وذهب قتادة إلى أنها منسوخة بقوله تعالى :﴿ قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ﴾ ٢ [ التوبة : ٢٩ ].
١ الحديث أخرجه أحمد في مسنده ٤/ ١٣٦. والبخاري في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه كتاب الاعتصام، باب: قول النبي صلى الله عليه وسلم: "لا تسألوا أهل الكتاب عن شيء" ٨/ ١٦٠..
٢ راجع المحرر الوجيز ١٢/ ٢٢٨، ٢٢٩، والجامع لأحكام القرآن ١٣/ ٣٥٠..
– قوله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم :﴿ وما كنت تتلوا من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك إذا لارتاب المبطلون ( ٤٨ ) ﴾ :
اختلف هل كتب النبي صلى الله عليه وسلم أم لا ؟ فذهب الشعبي إلى أنه كتب. قال ما مات النبي صلى الله عليه وسلم حتى كتب ومن حجته أنه عليه الصلاة والسلام رأى ١ صحيفة لعيينة بن حصن فأخبر بمعناها ٢. ومن ذلك حديثه صلى الله عليه وسلم في كتب اسمه في صحيفة المهادنة يوم الحديبية. خرج البخاري أنه قال لعلي : " أرني اسمي " فمحاه وكتب بيده ٣ وإلى هذا ذهب الباجي في المسألة المشهورة ٤. والأصح من القول أنه صلى الله عليه وسلم لم يكتب وحجة ذلك الآية وأكثر النقلة عليه.
١ في (ج)، (ح)، (و): "قرأ"..
٢ راجع القول في المحرر الوجيز ١٢/ ٢٣١..
٣ الحديث أخرجه البخاري في صحيحه كتاب الجزية، باب: المصالحة على ثلاثة أيام أو وقت معلوم ٣/ ١١٦٣..
٤ قال ابن عطية: وهذا كله ضعيف، وقول الباجي رحمه الله تعالى منه. راجع المحرر الوجيز ١٢/ ٢٣١..
سورة العنكبوت
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورة (العنكبوت) من السُّوَر المكية التي جاءت بالحثِّ على جهادِ الفِتَن، والصَّبر عليه، ضاربةً مَثَلَ بيتِ العنكبوت لِمَن يتخذ مِن دون الله أندادًا؛ فمَن يعتمد على غير الله فظهرُه مكسورٌ ضعيف، ومَن أوى إلى الله وآمَن به فقد أوى إلى رُكْنٍ شديدٍ؛ ومن هنا دعَتِ السورةُ إلى التمسُّك بحبلِ الله المتين، وتركِ الوهنِ والوهمِ الذي يعيشه الكفار، ويعيشه كلُّ من يبتعدُ عن صراطِ الله، وهَدْيِ نبيِّه صلى الله عليه وسلم.

ترتيبها المصحفي
29
نوعها
مكية
ألفاظها
982
ترتيب نزولها
85
العد المدني الأول
69
العد المدني الأخير
69
العد البصري
69
العد الكوفي
69
العد الشامي
69

* قوله تعالى: {وَوَصَّيْنَا اْلْإِنسَٰنَ بِوَٰلِدَيْهِ حُسْنٗاۖ وَإِن جَٰهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِۦ عِلْمٞ فَلَا تُطِعْهُمَآۚ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} [العنكبوت: 8]:

عن سعدِ بن أبي وقَّاصٍ رضي الله عنه: أنَّه نزَلتْ فيه آياتٌ مِن القرآنِ، قال: «حلَفتْ أمُّ سعدٍ ألَّا تُكلِّمَه أبدًا حتى يكفُرَ بدِينِه، ولا تأكُلَ ولا تَشرَبَ، قالت: زعَمْتَ أنَّ اللهَ وصَّاك بوالدَيْكَ، وأنا أمُّك، وأنا آمُرُك بهذا، قال: مكَثتْ ثلاثًا حتى غُشِيَ عليها مِن الجَهْدِ، فقامَ ابنٌ لها يقالُ له: عُمَارةُ، فسقَاها، فجعَلتْ تدعو على سعدٍ؛ فأنزَلَ اللهُ عز وجل في القرآنِ هذه الآيةَ: {وَوَصَّيْنَا ‌اْلْإِنسَٰنَ ‌بِوَٰلِدَيْهِ حُسْنٗاۖ} [العنكبوت: 8]، {وَإِن جَٰهَدَاكَ عَلَىٰٓ أَن تُشْرِكَ بِي} [لقمان: 15]،  وفيها: {وَصَاحِبْهُمَا فِي اْلدُّنْيَا مَعْرُوفٗاۖ} [لقمان: 15]». أخرجه مسلم (١٧٤٨).

* سورة (العنكبوت):

سُمِّيت سورة (العنكبوت) بذلك؛ لأنَّها اختصَّتْ بذِكْرِ مَثَلِ العنكبوت؛ قال تعالى: {مَثَلُ اْلَّذِينَ اْتَّخَذُواْ مِن دُونِ اْللَّهِ أَوْلِيَآءَ كَمَثَلِ اْلْعَنكَبُوتِ اْتَّخَذَتْ بَيْتٗاۖ وَإِنَّ أَوْهَنَ اْلْبُيُوتِ لَبَيْتُ اْلْعَنكَبُوتِۚ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ} [العنكبوت: 41].

اشتمَلتْ سورةُ (العنكبوت) على الموضوعات الآتية:

1. اختبار الناس وجزاؤهم (١-٧).

2. التوصية بحُسْنِ معاملة الوالدَينِ، وبيان خِسَّة المنافقين (٨-١٣).

3. قصص الأنبياء عليهم السلام (١٤-٤٣).

4. قصة نُوحٍ عليه السلام (١٤-١٥).

5. قصة إبراهيمَ عليه السلام (١٦-٢٧).

6. قصة لُوطٍ عليه السلام (٢٨-٣٥).

7. قصة شُعَيب وهُودٍ وصالح وموسى عليهم السلام (٣٦-٤٣).

8. خَلْقُ السموات والأرض، تلاوة القرآن، إقامة الصلاة (٤٤-٤٥).

9. مناقشة أهل الكتاب، ومطالبُهم التعجيزية (٤٦-٥٥).

10. حض المؤمنين على الهجرة عند التضييق عليهم (٥٦-٦٠).

11. حال الدنيا والآخرة، واعتراف المشركين بالله الخالق، الرزَّاق، المُحيي (٦١ -٦٩).

ينظر: "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (5 /581).

تعلَّقَ مقصودُ سورة (العنكبوت) بالإيمان والفتنة؛ فحثَّتْ على الاجتهاد في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكَر، والدعاء إلى الله تعالى وَحْده، من غير تعريجٍ على غيره سبحانه؛ لئلا يكون مَثَلُ المُعرِّج كمَثَلِ العنكبوت؛ فإن ذلك مَثَلُ كلِّ مَن عرَّجَ عنه سبحانه، والتجأ إلى غيره، وتعوَّضَ عِوَضًا منه؛ فهي سورة تُظهِر قوَّة المؤمنين، وضَعْفَ الكافرين.

ينظر: "مصاعد النظر للإشراف على مقاصد السور" للبقاعي (2 /345).