تفسير سورة القدر

الماوردي

تفسير سورة سورة القدر من كتاب النكت والعيون المعروف بـالماوردي.
لمؤلفه الماوردي . المتوفي سنة 450 هـ

قوله تعالى ﴿ إنا أنزلناه في ليلة القدر ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : يعني جبريل، أنزله الله في ليلة القدر بما نزل به من الوحي.
الثاني : يعني القرآن؛ وفيه قولان :
أحدهما : ما روى ابن عباس قال : نزل القرآن في رمضان وفي ليلة القدر في ليلة مباركة جملة واحدة من عند الله تعالى في اللوح المحفوظ إلى السفرة الكرام الكاتبين في السماء الدنيا، فنجمته السفرة على جبريل في عشرين ليلة، ونجمه جبريل على النبي ﷺ في عشرين سنة، وكان ينزل على مواقع النجوم أرسالاً في الشهور والأيام.
القول الثاني : أن الله تعالى ابتدأ بإنزاله في ليلة القدر، قاله الشعبي.
واختلف في ليلة القدر مع اتفاقهم أنها في العشر الأواخر من رمضان، وأنها في وتر العشر أوجد، إلا ابن عمر فإنه زعم أنها في الشهر كله.
فذهب الشافعي رحمه الله إلى أنها في إحدى وعشرين أو ثلاث وعشرين لحديث أبي سعيد الخدري، وذهب أبيّ بن كعب وابن عباس إلى أنها في ليلة سبع وعشرين.
واختلف في الدليل، فاستدل أبيّ بأن النبي ﷺ قال :« من علامتها أن تصبح الشمس لا شعاع لها »، قال : وقد رأيت ذلك في صبيحة سبع وعشرين، واستدل ابن عباس بأن رسول الله ﷺ قال : سورة القدر ثلاثون كلمة فهي في قوله « سلام » و « هي » الكلمة السابعة والعشرون، فدل أنها فيها.
وقال آخرون : هي في ليلة أربع وعشرين للخبر المروي في تنزيل الصحف، وقال آخرون : إن الله تعالى ينقلها في كل عام من ليلة إلى أخرى ليكون الناس في جميع العشر مجتهدين، ولرؤيتها متوقعين.
وفي تسميتها ليلة القدر أربعة أوجه :
أحدها : لأن الله تعالى قدر فيها إنزال القرآن.
الثاني : لأن الله تعالى يقدر فيها أمور السنة، أي يقضيها، وهو معنى قول مجاهد.
الثالث : لعظم قدرها وجلالة خطرها، من قولهم رجل له قدر، ذكره ابن عيسى.
الرابع : لأن للطاعات فيها قدراً عظيماً وثواباً جزيلاً.
﴿ وما أدْراكَ ما لَيْلَةُ القَدْرِ ﴾ تنبيهاً لرسول الله ﷺ على فضلها، وحثّاً على العمل فياه، قال الشعبي : وليلتها كيومها، ويومها كليلتها.
قال الفراء : كل ما في القرآن من قوله تعالى :« وما أدراك » فقد أدراه، وما كان من قوله « وما يدريك » فلم يدره.
قال الضحاك : لا يقدر الله في ليلة القدر إلا السعادة والنعم، ويقدر في غيرها البلايا والنقم، وقال عكرمة : كان ابن عباس يسمي ليلة القدر ليلة التعظيم، وليلة النصف من شعبان ليلة البراءة، وليلتي العيدين ليلة الجائزة.
﴿ ليلةُ القدْرِ خيرٌ من أَلْفِ شَهْرٍ ﴾ فيه ستة أقاويل :
أحدها : ليلة القدر خير من عمر ألف شهر، قاله الربيع.
440
الثاني : أن العمل في ليلة القدر خير من العمل في غيرها ألف شهر، قاله مجاهد.
الثالث : أن ليلة القدر خير من ألف شهر ليس فيها ليلة القدر، قاله قتادة.
الرابع : أنه كان رجل في بني إسرائيل يقوم الليل حتى يصبح ثم يجاهد العدوّ حتى يمسي، ففعل ذلك ألف شهر، فأخبر الله تعالى أن قيام ليلة القدر خير من عمل ذلك الرجل ألف شهر، رواه ابن أبي نجيح ومجاهد.
الخامس : أن ملك سليمان كان خمسمائة شهر، وملك ذي القرنين كان خمسمائة شهر، فصار ملكهما ألف شهر، فجعل العمل في ليلة القدر خيراً من زمان ملكهما.
﴿ تَنَزَّلُ الملائكةُ والرُّوحُ فيها ﴾ قال أبو هريرة : الملائكة في ليلة القدر في الأرض أكثر من عدد الحصى.
وفي « الروح » ها هنا أربعة أقاويل :
أحدها : جبريل عليه السلام، قاله سعيد بن جبير.
الثاني : حفظة الملائكة، قاله ابن أبي نجيح.
الثالث : أنهم أشرف الملائكة وأقربهم من الله، قاله مقاتل.
الرابع : أنهم جند من الله من غير الملائكة، رواه مجاهد عن ابن عباس مرفوعاً.
ويحتمل إن لم يثبت فيه نص قولاً خامساً : أن الروح والرحمة تنزل بها الملائكة على أهلها، دليله قوله تعالى :﴿ ينزّل الملائكة بالرُّوح من أمْره على من يشَاءُ من عباده ﴾ أي بالرحمة.
﴿ بإذْن ربِّهم ﴾ يعني بأمر ربهم.
﴿ مِن كل أمْرٍ ﴾ يعني يُقضى في تلك الليلة من رزق وأجل إلى مثلها من العام القابل.
وقرأ ابن عباس : من كل امرىء، فتأولها الكلبي على أن جبريل ينزل فيها مع الملائكة فيسلمون على كل امرىء مسلم.
﴿ سلامٌ هي حتى مطلع الفَجْر ﴾ فيه ثلاثة تأويلات :
أحدها : أن ليلة القدر هي ليلة سالمة من كل شر، لا يحدث فيها حدث ولا يرسل فيها شيطان، قاله مجاهد.
الثاني : أن ليلة القدر هي سلام وخير وبركة، قاله قتادة.
الثالث : أن الملائكة تسلم على المؤمنين في ليلة القدر إلى مطلع الفجر، قاله الكلبي.
441
سورة القدر
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورة (القَدْرِ) من السُّوَر المكية، نزلت بعد سورة (عبَسَ)، وقد نزلت في الحديثِ عن (ليلة القَدْر) وفضلها، وأنها إنما اكتسبت هذا الفضلَ لنزولِ القرآن فيها، وتحدَّثتْ عن خواصِّ هذه الليلة؛ من نزولِ الملائكة فيها، وتفضيلِها على ألفِ شهرٍ، وكلُّ ذلك تعظيمًا لشأنِ القرآن الكريم.

ترتيبها المصحفي
97
نوعها
مكية
ألفاظها
30
ترتيب نزولها
25
العد المدني الأول
5
العد المدني الأخير
5
العد البصري
5
العد الكوفي
5
العد الشامي
6

* سورة (القَدْرِ):

سُمِّيت سورة (القَدْرِ) بهذا الاسم؛ لذكرِ هذا اللفظ في افتتاحها، وتَكْرارِه فيها، ووصفِ القرآن بأنه نزل في هذه الليلة، وكونِ السورة كلِّها تتحدث عن (ليلة القَدْر).

1. عِظَمُ ليلة القدر (١-٣).

2. خواصُّ هذه الليلة (٤-٥).

ينظر: "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (9 /264).

يقول ابنُ عاشور عن مقاصدها: «التنويه بفضلِ القرآن وعظمتِه؛ بإسناد إنزاله إلى الله تعالى.
والرد على الذين جحَدوا أن يكونَ القرآن منزلًا من الله تعالى.
ورفعُ شأن الوقت الذي أُنزِل فيه.

ونزول الملائكة في ليلة إنزاله.

وتفضيل الليلة التي توافِقُ ليلةَ إنزاله من كلِّ عام.
ويستتبِعُ ذلك تحريضَ المسلمين على تحيُّنِ ليلة القَدْرِ بالقيام والتصدُّق». "التحرير والتنوير" لابن عاشور (30 /455).