تفسير سورة القدر

الدر المصون

تفسير سورة سورة القدر من كتاب الدر المصون في علوم الكتاب المكنون المعروف بـالدر المصون.
لمؤلفه السمين الحلبي . المتوفي سنة 756 هـ

قوله: ﴿إِنَّا أَنزَلْنَاهُ﴾ : أي: القرآن، أُضْمِرَ للِعْلمِ به. و «في ليلةِ القَدْر» يجوزُ أَنْ يكونَ ظرفاً للإِنزالِ. وفي التفسير: أنه أَنْزَلَه إلى السماءِ الدنيا في هذه الليلةِ. ثم نَزَلَ مُنَجَّماً إلى الأرض في عشرينَ سنة. وقيل: المعنى: أَنْزَلَ في شأنها وفَضْلِها. فليسَتْ ظرفاً، وإنما هو كقولِ عُمَرَ: «خَشِيْتُ أَنْ يَنْزِلَ فيَّ قرأنٌ» وقولِ عائشة: «لأَنا أَحْقُر في نفسي أَنْ يَنْزِل فيَّ قرآنٌ» وسُمِّيَتْ ليلةَ القَدْرِ: إمَّا لتقديرِ الأمور فيها، وإمَّا لضِيقِها بالملائكةِ.
قوله: ﴿والروح فِيهَا﴾ : يجوزُ أَنْ يرتفعَ «الرُّوحُ» بالابتداءِ، والجارُّ بعدَه الخبرُ، وأن يرتفعَ بالفاعليةِ عطفاً على الملائكةِ، و «فيها» متعلِّقٌ ب «تَنَزَّلُ»
قوله: ﴿بِإِذْنِ رَبِّهِم﴾ : يجوزُ أَنْ يتعلَّقَ ب «تَنَزَّلُ» وأَنْ يتعلَّقَ بمحذوفٍ على أنَّه حالٌ من المرفوع ب «تَنَزَّلُ» أي ملتبساً بإذن ربِّهم.
قوله: ﴿مِّن كُلِّ أَمْرٍ﴾ يجوزُ في «مِنْ» وجهان، أحدهما: أنها
63
بمعنى اللام. ويتعلَّقُ ب «تَنَزَّلُ»، أي: تَنَزَّلُ مِنْ أجلِ كلِّ أمرٍ قُضي إلى العامِ القابل: والثاني: أنَّها بمعنى الباء، أي: تتنزَّلُ بكلِّ أمرٍ، فهي للتعدية، قاله أبو حاتم. وقرأ العامَّةُ «أَمْرٍ» واحدُ الأمور. وابن عباس وعكرمة والكلبي «امْرِئٍ» مُذ‍كَّرُ امرأة، أي: مِنْ أجلِ كلِّ إنسانٍ. وقيل: مِنْ أجل كلِّ مَلَكٍ، وهو بعيدٌ. وقيل: «مِنْ كلِّ أَمْرٍ» ليس متعلقاً ب «تَنَزَّلُ» إنما هو متعلِّقٌ بما بعده، أي: هي سلامٌ مِنْ كلِّ أمرٍ مَخُوفٍ، وهذا لا يتمُّ على ظاهرِه لأنَّ «سَلامٌ» مصدرٌ لا يتقدَّم عليه معمولُه، وإنما المرادُ أنَّه متعلِّقٌ بمحذوفٍ يَدُلُّ عليه هذا المصدرُ.
64
قوله تعالى: ﴿سَلاَمٌ هِيَ﴾ فيه وجهان، أحدُهما: أنَّ «هي» ضمير الملائكة، و «سلام» بمعنى التسليم، أي: الملائكة ذاتُ تَسْليمٍ على المؤمنين. وفي التفسير: أنهم يُسَلِّمون تلك الليلةَ على كلِّ مؤمنِ ومؤمنة بالتحية. والثاني: أنها ضميرُ ليلةِ القَدْرِ، وسلامٌ بمعنى سَلامة، أي: ليلةُ القَدْرِ ذاتُ سلامةٍ مَنْ شيءٍ مَخْوفٍ. ويجوزُ على كلٍ من التقديرَيْن أَنْ يرتفعَ «سلامٌ» على أنه خبرٌ مقدمٌ، و «هي» مبتدأٌ مؤخرٌ، وهذا هو المشهورُ، وأنْ يرتفع بالابتداء و «هي» فاعلٌ به عند الأخفشِ، لأنه لا يَشْتَرِطُ الاعتمادَ في عَمَلِ الوصفِ. وقد تقدَّم أَنْ بعضَهم يجعلُ الكلامُ تامَّاً على قولِه ﴿بِإِذْنِ رَبِّهِم﴾ ويُعَلِّقُ «مِنْ كلِّ أمرٍ» بما بعدَه، وتقدَّم تأويلُه.
وقال أبو الفضل: «وقيل: معناه: هي سلامٌ مِنْ كلِّ أمرٍ
64
أو امرئٍ، أي: سالمةٌ أو مُسَلَّمةٌ منه. ولا يجوزُ أَنْ يكونَ» سلامٌ «- هذه اللفظةُ الظاهرةُ التي هي المصدر - عاملاً فيما قبله لامتناع تقدُّمِ معمولِ المصدرِ على المصدرِ، كما أنَّ الصلةَ كذلك، لا يجوزُ تقديمُها على الموصول» انتهى. وقد تقدَّم أنَّ معنى ذلك عند هذا القائلِ أَنْ تتعلَّقَ بمحذوفٍ مَدْلولٍ عليه ب «سَلام» فهو تفسيرُ معنىً لا تفسيرُ إعرابٍ. وما يروى عن ابنِ عباس أنَّ الكلامَ تَمَّ على قولِه تعالى ﴿سلامٌ﴾ ويُبْتدأ ب «هي» على أنَّها خبرُ مبتدأ، والإِشارةُ ب «ذلك» إلى أنها ليلةُ السابعِ والعشرين، لأن لفظةَ «هي» سابعةٌ وعشرون مِنْ كَلِمِ هذه السورةِ، وكأنَّه قيل: ليلةُ القدر الموافقةُ في العددِ لفظةَ «هي» مِنْ كِلَمِ هذه السورةِ، فلا ينبغي أن يُعْتَقَدَ صحتُه لأنه إلغازٌ وتبتيرٌ لنَظْم فصيحِ الكلامِ.
قوله: ﴿هِيَ حتى مَطْلَعِ﴾ متعلِّقٌ ب «تَنَزَّلُ» أو ب «سَلامٌ» وفيه إشكالٌ للفَصْلِ بين المصدرِ ومعمولِه بالمبتدأ، إلاَّ يُتَوَسَّعَ في الجارِّ. وفي التفسير: أنهم لا يَزالون يُحَيُّون الناس المؤمنين حتى يَطْلُعَ الفجرُ. وقرأ الكسائي «مَطْلِعِ» بكسر اللام، والباقون بفتحها، والفتح هو القِياسُ والكسرُ سماعٌ، وله أخوات يُحْفَظُ فيها الكسرُ ممَّا ضُمَّ مضارعُه أو فُتح نحو: المَشْرِق والمَجْزِر. وهل هما مصدران أو المفتوحُ مصدرٌ والمكسور مكانٌ؟ خِلافٌ. وعلى كلِّ تقديرٍ فالقياسُ في المَفْعِل مطلقاً مِمَّا ضُمَّتْ
65
عينُ مضارعِه أو فُتِحَتْ فَتْحُ العينِ، وإنما يقعُ الفرقُ في المكسور العينِ الصحيح نحو: يَضْرِب.
66
سورة القدر
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورة (القَدْرِ) من السُّوَر المكية، نزلت بعد سورة (عبَسَ)، وقد نزلت في الحديثِ عن (ليلة القَدْر) وفضلها، وأنها إنما اكتسبت هذا الفضلَ لنزولِ القرآن فيها، وتحدَّثتْ عن خواصِّ هذه الليلة؛ من نزولِ الملائكة فيها، وتفضيلِها على ألفِ شهرٍ، وكلُّ ذلك تعظيمًا لشأنِ القرآن الكريم.

ترتيبها المصحفي
97
نوعها
مكية
ألفاظها
30
ترتيب نزولها
25
العد المدني الأول
5
العد المدني الأخير
5
العد البصري
5
العد الكوفي
5
العد الشامي
6

* سورة (القَدْرِ):

سُمِّيت سورة (القَدْرِ) بهذا الاسم؛ لذكرِ هذا اللفظ في افتتاحها، وتَكْرارِه فيها، ووصفِ القرآن بأنه نزل في هذه الليلة، وكونِ السورة كلِّها تتحدث عن (ليلة القَدْر).

1. عِظَمُ ليلة القدر (١-٣).

2. خواصُّ هذه الليلة (٤-٥).

ينظر: "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (9 /264).

يقول ابنُ عاشور عن مقاصدها: «التنويه بفضلِ القرآن وعظمتِه؛ بإسناد إنزاله إلى الله تعالى.
والرد على الذين جحَدوا أن يكونَ القرآن منزلًا من الله تعالى.
ورفعُ شأن الوقت الذي أُنزِل فيه.

ونزول الملائكة في ليلة إنزاله.

وتفضيل الليلة التي توافِقُ ليلةَ إنزاله من كلِّ عام.
ويستتبِعُ ذلك تحريضَ المسلمين على تحيُّنِ ليلة القَدْرِ بالقيام والتصدُّق». "التحرير والتنوير" لابن عاشور (30 /455).