تفسير سورة القدر

البحر المحيط في التفسير

تفسير سورة سورة القدر من كتاب البحر المحيط في التفسير
لمؤلفه أبو حيان الأندلسي . المتوفي سنة 745 هـ
سورة القدر
هذه السورة مدنية في قول الأكثر. وحكى الماوردي عكسه. وذكر الواحدي أنها أول سورة نزلت بالمدينة. وفي الحديث :«أن أربعة عبدوا الله تعالى ثمانين سنة لم يعصوه طرفة عين : أيوب وزكريا وحزقيل ويوشع »، فعجب الصحابة من ذلك، فقرأ :﴿ إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِى لَيْلَةِ الْقَدْرِ ﴾ السورة، فسروا بذلك.

سورة القدر
[سورة القدر (٩٧) : الآيات ١ الى ٥]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (١) وَما أَدْراكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ (٢) لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ (٣) تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيها بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ (٤)
سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ (٥)
إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ، وَما أَدْراكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ، لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ، تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيها بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ، سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ.
هَذِهِ السُّورَةُ مَدَنِيَّةٌ فِي قَوْلِ الْأَكْثَرِ. وَحَكَى الْمَاوَرْدِيُّ عَكْسَهُ. وَذَكَرَ الْوَاحِدِيُّ أَنَّهَا أَوَّلُ سُورَةٍ نَزَلَتْ بِالْمَدِينَةِ.
وَفِي الْحَدِيثِ: «أَنَّ أَرْبَعَةً عَبَدُوا اللَّهَ تَعَالَى ثَمَانِينَ سَنَةً لَمْ يَعْصُوهُ طَرْفَةَ عَيْنٍ: أَيُّوبُ وَزَكَرِيَّا وَحِزْقِيلُ وَيُوشَعُ»، فَعَجِبَ الصَّحَابَةُ مِنْ ذَلِكَ، فَقَرَأَ: إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ السُّورَةَ
، فُسُّرُوا بِذَلِكَ. وَمُنَاسَبَتُهَا لِمَا قَبْلَهَا ظَاهِرٌ. لَمَّا قَالَ: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ «١»، فَكَأَنَّهُ قَالَ: اقْرَأْ مَا أَنْزَلْنَاهُ عَلَيْكَ مِنْ كَلَامِنَا، إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ، وَالضَّمِيرُ عَائِدٌ عَلَى مَا دَلَّ عَلَيْهِ الْمَعْنَى، وَهُوَ ضَمِيرُ الْقُرْآنِ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَغَيْرُهُ: أَنْزَلَهُ اللَّهُ تَعَالَى لَيْلَةَ الْقَدْرِ إِلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا جُمْلَةً، ثُمَّ نَجَّمَهُ عَلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ فِي عِشْرِينَ سَنَةً. وَقَالَ الشَّعْبِيُّ وَغَيْرُهُ: إِنَّا ابْتَدَأْنَا إِنْزَالَ هَذَا الْقُرْآنِ إِلَيْكَ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ.
وَرُوِيَ أَنَّ نُزُولَ الْمَلَكِ فِي حِرَاءَ كَانَ فِي العشر الأواخر من رمضان.
وَقِيلَ الْمَعْنَى: إِنَّا أَنْزَلْنَا هَذِهِ السُّورَةَ فِي شَأْنِ لَيْلَةِ الْقَدْرِ وَفَضْلِهَا. وَلَمَّا كَانَتِ السُّورَةُ مِنَ الْقُرْآنِ، جَاءَ الضَّمِيرُ لِلْقُرْآنِ تَفْخِيمًا وتحسينا، فليست ليلة
(١) سورة العلق: ٩٦/ ١.
513
الْقَدْرِ ظَرْفًا لِلنُّزُولِ، بَلْ عَلَى نَحْوِ قَوْلُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ: لَقَدْ خَشِيتُ أَنْ يَنْزِلَ فِيَّ قُرْآنٌ. وَقَوْلُ عَائِشَةَ: لَأَنَا أَحْقَرُ فِي نَفْسِي مِنْ أَنْ يَنْزِلَ فِيَّ قُرْآنٌ. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: عَظَّمَ مِنَ الْقُرْآنِ مِنْ إِسْنَادِ إِنْزَالِهِ إِلَيَّ مُخْتَصًّا بِهِ، وَمِنْ مَجِيئِهِ بِضَمِيرِهِ دُونَ اسْمِهِ الظَّاهِرِ شَهَادَةً لَهُ بِالنَّبَاهَةِ وَالِاسْتِغْنَاءِ عَنِ التَّنْبِيهِ عَلَيْهِ، وَبِالرَّفْعِ مِنْ مِقْدَارِ الْوَقْتِ الَّذِي أُنْزِلُ فِيهِ. انْتَهَى، وَفِيهِ بَعْضُ تَلْخِيصٍ. وَسُمِّيَتْ لَيْلَةَ الْقَدْرِ، لِأَنَّهُ تُقَدَّرُ فِيهَا الْآجَالُ وَالْأَرْزَاقُ وَحَوَادِثُ الْعَالَمِ كُلُّهَا وَتُدْفَعُ إِلَى الْمَلَائِكَةِ لِتَمْتَثِلَهُ، قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَقَتَادَةُ وَغَيْرُهُمَا. وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: مَعْنَاهُ لَيْلَةُ الْقَدْرِ الْعَظِيمِ وَالشَّرَفِ، وَعِظَمُ الشَّأْنِ مِنْ قَوْلِكَ: رَجُلٌ له قدر. وقال أبوبكر الْوَرَّاقُ:
سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّهَا تُكْسِبُ مَنْ أَحْيَاهَا قَدْرًا عَظِيمًا لَمْ يَكُنْ لَهُ قَبْلُ، وَتَرُدُّهُ عَظِيمًا عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى. وَقِيلَ: سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّ كُلَّ الْعَمَلِ فِيهَا لَهُ قَدْرٌ وَخَطَرٌ. وَقِيلَ: لِأَنَّهُ أَنْزَلَ فِيهَا كِتَابًا ذَا قَدْرٍ، عَلَى رَسُولٍ ذِي قَدْرٍ، لِأُمَّةٍ ذَاتِ قَدْرٍ. وَقِيلَ: لِأَنَّهُ يَنْزِلُ فِيهَا مَلَائِكَةٌ ذَاتُ قدر وخطر.
وقيل: لأنه قَدَّرَ فِيهَا الرَّحْمَةَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ. وَقَالَ الْخَلِيلُ: لِأَنَّ الْأَرْضَ تَضِيقُ فِيهَا بِالْمَلَائِكَةِ، كَقَوْلِهِ: وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ «١»، أَيْ ضُيِّقَ. وَقَدِ اخْتَلَفَ السَّلَفُ وَالْخَلَفُ فِي تَعْيِينِ وَقْتِهَا اخْتِلَافًا مُتَعَارِضًا جِدًّا، وَبَعْضُهُمْ قَالَ: رُفِعَتْ، وَالَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ الْحَدِيثُ أَنَّهَا لَمْ تُرْفَعْ، وَأَنَّ الْعَشْرَ الْأَخِيرَ تَكُونُ فِيهِ، وَأَنَّهَا فِي أَوْتَارِهِ، كَمَا
قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «الْتَمَسُوهَا فِي الثَّالِثَةِ وَالْخَامِسَةِ وَالسَّابِعَةِ وَالتَّاسِعَةِ».
وَفِي الصَّحِيحِ: «مَنْ قَامَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ».
وَما أَدْراكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ: تَفْخِيمٌ لِشَأْنِهَا، أَيْ لَمْ تَبْلُغْ دِرَايَتُكَ غَايَةَ فَضْلِهَا، ثُمَّ بَيَّنَ لَهُ ذَلِكَ. قَالَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ: مَا كَانَ فِي الْقُرْآنِ وَما أَدْراكَ، فَقَدْ أَعْلَمَهُ، وَمَا قَالَ: وَمَا يُدْرِيكَ، فَإِنَّهُ لَمْ يَعْلَمْهُ. قِيلَ: وَأَخْفَاهَا اللَّهُ تَعَالَى عَنْ عِبَادِهِ لِيَجِدُّوا فِي الْعَمَلِ وَلَا يَتَّكِلُوا عَلَى فَضْلِهَا وَيُقَصِّرُوا فِي غَيْرِهَا. وَالظَّاهِرُ أَنَّ أَلْفِ شَهْرٍ يُرَادُ بِهِ حَقِيقَةُ الْعَدَدِ، وَهِيَ ثَمَانُونَ سَنَةً وَثَلَاثَةُ أَعْوَامٍ. وَالْحَسَنُ: فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ أَفْضَلُ مِنَ الْعَمَلِ فِي هَذِهِ الشُّهُورِ، وَالْمُرَادُ: خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ عَارٍ مِنْ لَيْلَةِ الْقَدْرِ، وَعَلَى هَذَا أَكْثَرُ الْمُفَسِّرِينَ. وَقَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ: خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ: رَمَضَانَ لَا يَكُونُ فِيهَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ. وَقِيلَ: الْمَعْنَى خَيْرٌ مِنَ الدَّهْرِ كُلِّهِ، لِأَنَّ الْعَرَبَ تَذْكُرُ الْأَلْفَ فِي غَايَةِ الْأَشْيَاءِ كُلِّهَا، قَالَ تَعَالَى: يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ «٢»، يَعْنِي جَمِيعَ الدَّهْرِ.
وَعُوتِبَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ عَلَى تَسْلِيمِهِ الْأَمْرَ لِمُعَاوِيَةَ فَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَرَى فِي الْمَنَامِ نَبِيَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَنِي أُمَيَّةَ يَنْزُونَ عَلَى مَقْبَرِهِ نَزْوَ القردة،
(١) سورة الطلاق: ٦٥/ ٧.
(٢) سورة البقرة: ٢/ ٩٦.
514
فَاهْتَمَّ لِذَلِكَ، فَأَعْطَاهُ اللَّهُ تَعَالَى لَيْلَةَ الْقَدْرِ، وَهِيَ خَيْرٌ مِنْ مُدَّةِ مُلُوكِ بَنِي أُمَيَّةَ، وَأَعْلَمَهُ أَنَّهُمْ يَمْلِكُونَ هَذَا الْقَدْرُ مِنَ الزَّمَانِ.
قَالَ الْقَاسِمُ بْنُ الْفَضْلِ الْجُذَامِيُّ: فَعَدَدْنَا ذَلِكَ فَإِذَا هِيَ أَلْفُ شَهْرٍ لَا تَزِيدُ يَوْمًا وَلَا تَنْقُصُ يَوْمًا. وَخَرَّجَ قَرِيبًا مِنْ مَعْنَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: حَدِيثٌ غَرِيبٌ، انْتَهَى.
وَقِيلَ: آخِرُ مُلُوكِهِمْ مَرْوَانُ الْجَعْدِيُّ فِي آخِرِ هَذَا الْقَدْرُ مِنَ الزَّمَانِ، وَلَا يُعَارِضُ هَذَا تَمَلُّكُ بَنِي أُمَيَّةَ فِي جَزِيرَةِ الْأَنْدَلُسِ مُدَّةً غَيْرَ هَذِهِ، لِأَنَّهُمْ كَانُوا فِي بَعْضِ أَطْرَافِ الْأَرْضِ وَآخِرِ عِمَارَةِ الْعَرَبِ، بِحَيْثُ كَانَ فِي إِقْلِيمِ الْعَرَبِ إِذْ ذَاكَ مُلُوكٌ كَثِيرُونَ غَيْرُهُمْ.
وَذُكِرَ أَيْضًا فِي تَخْصِيصِ هَذِهِ الْمُدَّةِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَكَرَ رَجُلًا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَبِسَ السِّلَاحَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَلْفَ شَهْرٍ، فَعَجِبَ الْمُؤْمِنُونَ مِنْ ذَلِكَ وَتَقَاصَرَتْ أَعْمَالُهُمْ، فَأُعْطُوا لَيْلَةً هِيَ خَيْرٌ مِنْ مُدَّةِ ذَلِكَ الْغَازِي.
وَقِيلَ: إِنَّ الرَّجُلَ فِيمَا مَضَى مَا كَانَ يُقَالُ لَهُ عَابِدٌ حَتَّى يَعْبُدَ اللَّهَ تَعَالَى أَلْفَ شَهْرٍ، فَأُعْطُوا لَيْلَةً، إِنْ أَحْيَوْهَا، كَانُوا أَحَقَّ بِأَنْ يُسَمَّوْا عَابِدِينَ مِنْ أُولَئِكَ الْعُبَّادِ. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الْوَرَّاقُ: مَلَكَ كُلٌّ مِنْ سُلَيْمَانَ وَذِي الْقَرْنَيْنِ خَمْسَمِائَةِ سَنَةٍ، فَصَارَ أَلْفَ شَهْرٍ، فَجَعَلَ اللَّهُ الْعَمَلَ فِي هَذِهِ اللَّيْلَةِ لِمَنْ أَدْرَكَهَا خَيْرًا مِنْ مُلْكِهِمَا.
تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ: تَقَدَّمَ الْخِلَافُ فِي الرُّوحِ، أَهُوَ جِبْرِيلُ، أَمْ رَحْمَةٌ يَنْزِلُ بِهَا، أَمْ ملك غيره، أم أشراف الْمَلَائِكَةِ، أَمْ جُنْدٌ مِنْ غَيْرِهِمْ، أَمْ حَفَظَةٌ عَلَى غَيْرِهِمْ مِنَ الْمَلَائِكَةِ؟ وَالتَّنَزُّلُ إِمَّا إِلَى الْأَرْضِ، وَإِمَّا إِلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا. بِإِذْنِ رَبِّهِمْ: مُتَعَلِّقٌ بِتَنَزَّلُ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ: مُتَعَلِّقٌ بِتَنَزَّلُ وَمِنْ لِلسَّبَبِ، أَيْ تَتَنَزَّلُ مِنْ أَجْلِ كُلِّ أَمْرٍ قَضَاهُ اللَّهُ لِتِلْكَ السَّنَةِ إِلَى قَابِلٍ. وسَلامٌ: مُسْتَأْنَفٌ خَبَرٌ لِلْمُبْتَدَأِ الَّذِي هُوَ هِيَ، أَيْ هِيَ سَلَامٌ إِلَى أَوَّلِ يَوْمِهَا، قَالَهُ أَبُو الْعَالِيَةِ وَنَافِعٌ الْمُقْرِي وَالْفَرَّاءُ، وَهَذَا عَلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ: إِنَّ تَنَزُّلَهُمْ التقدير: الْأُمُورِ لَهُمْ. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: مِنْ بِمَعْنَى الْبَاءِ، أَيْ بِكُلِّ أَمْرٍ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَعِكْرِمَةُ وَالْكَلْبِيُّ: مِنْ كُلِّ امْرِئٍ، أَيْ مِنْ أَجْلِ كُلِّ إِنْسَانٍ. وَقِيلَ: يُرَادُ بِكُلِّ امْرِئٍ الْمَلَائِكَةُ، أَيْ مِنْ كُلِّ مَلَكٍ تَحِيَّةً عَلَى الْمُؤْمِنِينَ الْعَامِلِينَ بِالْعِبَادَةِ. وَأَنْكَرَ هَذَا الْقَوْلَ أَبُو حَاتِمٍ. سَلامٌ هِيَ: أَيْ هِيَ سَلَامٌ، جَعَلَهَا سَلَامًا لِكَثْرَةِ السَّلَامِ فِيهَا. قِيلَ: لَا يَلْقَوْنَ مُؤْمِنًا وَلَا مُؤْمِنَةً إِلَّا سَلَّمُوا عَلَيْهِ فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ. وَقَالَ مَنْصُورٌ وَالشَّعْبِيُّ: سَلَامٌ بِمَعْنَى التَّحِيَّةِ، أَيْ تُسَلِّمُ الْمَلَائِكَةُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ.
وَمَنْ قَالَ: تَنَزُّلُهُمْ لَيْسَ لِتَقْدِيرِ الْأُمُورِ فِي تِلْكَ السَّنَةِ، جَعَلَ الْكَلَامَ تَامًّا عِنْدَ قَوْلِهِ: بِإِذْنِ رَبِّهِمْ. وَقَالَ: مِنْ كُلِّ أَمْرٍ مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ: سَلامٌ هِيَ، أَيْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ مُخَوِّفٍ يَنْبَغِي أَنْ يُسَلَّمَ مِنْهُ هِيَ سَلَامٌ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: لَا يُصِيبُ أَحَدًا فِيهَا دَاءٌ. وَقَالَ صَاحِبُ اللَّوَامِحِ:
وَقِيلَ مَعْنَاهُ هِيَ سَلَامٌ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ، وَأَمْرِي سَالِمَةٌ أَوْ مُسَلَّمَةٌ مِنْهُ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ سَلَامٌ
515
بِهَذِهِ اللَّفْظَةِ الظَّاهِرَةِ الَّتِي هِيَ الْمَصْدَرُ عَامِلًا فِيمَا قَبْلَهُ لِامْتِنَاعِ تَقَدُّمِ مَعْمُولِ الْمَصْدَرِ عَلَى الْمَصْدَرِ. كَمَا أَنَّ الصِّلَةَ كَذَلِكَ لَا يَجُوزُ تَقْدِيمُهَا عَلَى الْمَوْصُولِ، انْتَهَى.
وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: تَمَّ الْكَلَامُ عِنْدَ قَوْلِهِ: سَلامٌ، وَلَفْظَةُ هِيَ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّهَا لَيْلَةَ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ مِنْ الشَّهْرِ، إِذْ هَذِهِ الْكَلِمَةُ هِيَ السَّابِعَةُ وَالْعِشْرُونَ مِنْ كَلِمَاتِ هَذِهِ السُّورَةِ، انْتَهَى. وَلَا يَصِحُّ مِثْلُ هَذَا عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَإِنَّمَا هَذَا مِنْ بَابِ اللُّغْزِ الْمُنَزَّهِ عَنْهُ كَلَامُ اللَّهِ تَعَالَى. وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ: مَطْلَعِ بِفَتْحِ اللَّامِ وَأَبُو رَجَاءٍ وَالْأَعْمَشُ وَابْنُ وَثَّابٍ وَطَلْحَةُ وَابْنُ مُحَيْصِنٍ وَالْكِسَائِيُّ وَأَبُو عَمْرٍو: بِخِلَافٍ عَنْهُ بِكَسْرِهَا، فَقِيلَ: هُمَا مَصْدَرَانِ فِي لُغَةِ بَنِي تَمِيمٍ. وَقِيلَ: الْمَصْدَرُ بِالْفَتْحِ، وَمَوْضِعُ الطُّلُوعِ بِالْكَسْرِ عِنْدَ أَهْلِ الْحِجَازِ.
516
سورة القدر
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورة (القَدْرِ) من السُّوَر المكية، نزلت بعد سورة (عبَسَ)، وقد نزلت في الحديثِ عن (ليلة القَدْر) وفضلها، وأنها إنما اكتسبت هذا الفضلَ لنزولِ القرآن فيها، وتحدَّثتْ عن خواصِّ هذه الليلة؛ من نزولِ الملائكة فيها، وتفضيلِها على ألفِ شهرٍ، وكلُّ ذلك تعظيمًا لشأنِ القرآن الكريم.

ترتيبها المصحفي
97
نوعها
مكية
ألفاظها
30
ترتيب نزولها
25
العد المدني الأول
5
العد المدني الأخير
5
العد البصري
5
العد الكوفي
5
العد الشامي
6

* سورة (القَدْرِ):

سُمِّيت سورة (القَدْرِ) بهذا الاسم؛ لذكرِ هذا اللفظ في افتتاحها، وتَكْرارِه فيها، ووصفِ القرآن بأنه نزل في هذه الليلة، وكونِ السورة كلِّها تتحدث عن (ليلة القَدْر).

1. عِظَمُ ليلة القدر (١-٣).

2. خواصُّ هذه الليلة (٤-٥).

ينظر: "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (9 /264).

يقول ابنُ عاشور عن مقاصدها: «التنويه بفضلِ القرآن وعظمتِه؛ بإسناد إنزاله إلى الله تعالى.
والرد على الذين جحَدوا أن يكونَ القرآن منزلًا من الله تعالى.
ورفعُ شأن الوقت الذي أُنزِل فيه.

ونزول الملائكة في ليلة إنزاله.

وتفضيل الليلة التي توافِقُ ليلةَ إنزاله من كلِّ عام.
ويستتبِعُ ذلك تحريضَ المسلمين على تحيُّنِ ليلة القَدْرِ بالقيام والتصدُّق». "التحرير والتنوير" لابن عاشور (30 /455).