تفسير سورة المرسلات

الصراط المستقيم في تبيان القرآن الكريم

تفسير سورة سورة المرسلات من كتاب الصراط المستقيم في تبيان القرآن الكريم
لمؤلفه الكَازَرُوني . المتوفي سنة 923 هـ

لَمَّا قال:﴿ يُدْخِلُ مَن يَشَآءُ... ﴾[الإنسان: ٣١] إلى آخره، أقسم على وقوع هذا الوعد والوعيد فقال: ﴿ بِسمِ ٱللهِ ٱلرَّحْمٰنِ ٱلرَّحِيـمِ * وَ ﴾: الملائكة ﴿ ٱلْمُرْسَلاَتِ ﴾: بأوامر الله تعالى ﴿ عُرْفاً ﴾: متتابعات، أو للمعروف ﴿ فَٱلْعَاصِفَاتِ ﴾: كالرياح في سرعة امتثال أمره تعالى ﴿ عَصْفاً * و ﴾:: الملائكة ﴿ ٱلنَّاشِرَاتِ ﴾: للعلم والشرع في الأرض ﴿ نَشْراً * فَٱلْفَارِقَاتِ ﴾: بين الحق والباطل بما مر ﴿ فَرْقاً * فَٱلْمُلْقِيَٰتِ ﴾: إلى الأنبياء ﴿ ذِكْراً ﴾: كتبا ﴿ عُذْراً ﴾: من الله عز وجل إلى عباده ﴿ أَوْ نُذْراً ﴾: أي: إنذارا لهم من عذابه، والمراد بالأخير: جبريل، وجمع تعظما، وأتى بالفاء فيما يصتل بسابقه كسرعة امتثالهم وإرساله، وبالواو فيما لم يتصل كانتشار الشرع بعد امتثالهم المذكور، فإن بينهما أذيات وتكذيبات، وكذا في الباقي ﴿ إِنَّمَا تُوعَدُونَ ﴾: من البعث وغيره ﴿ لَوَٰقِعٌ * فَإِذَا ٱلنُّجُومُ طُمِسَتْ ﴾: محي نورها ﴿ وَإِذَا ٱلسَّمَآءُ فُرِجَتْ ﴾: انشقت ﴿ وَإِذَا ٱلْجِبَالُ نُسِفَتْ ﴾: فتتت كالحب ينسف ﴿ وَإِذَا ٱلرُّسُلُ أُقِّتَتْ ﴾: بلغت ميقاتها الموعود لتعذيب مكذيبهم، ثم قال تعجبا من هو له: ﴿ لأَيِّ يَوْمٍ أُجِّلَتْ ﴾: ضرب أجل جمعهم لذلك، ولم يعجل، فبين سبب تأجليه بقوله: ﴿ لِيَوْمِ ٱلْفَصْلِ ﴾: بين الخلق ﴿ وَمَآ أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ ٱلْفَصْلِ ﴾: لعظمته وهو له ﴿ وَيْلٌ ﴾: هو أعظم واد في جهنم، او مجتمع صديد أهلها ﴿ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ ﴾: بذلك اليوم ومثل ذلك التكرار شائع عند البلغاء ﴿ أَلَمْ نُهْلِكِ ﴾: المذكبين ﴿ ٱلأَوَّلِينَ * ثُمَّ نُتْبِعُهُمُ ﴾: المكذبين ﴿ ٱلآخِرِينَ * كَذَلِكَ نَفْعَلُ بِٱلْمُجْرِمِينَ ﴾: مشركي مكة ﴿ وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ ﴾: بآيات الله تعالى ﴿ أَلَمْ نَخْلُقكُّم مِّن مَّآءٍ مَّهِينٍ ﴾: نطفة قذرة ﴿ فَجَعَلْنَاهُ فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ ﴾: أي: مكان حريز وهو الرحم ﴿ إِلَىٰ قَدَرٍ ﴾: مقدر ﴿ مَّعْلُومٍ ﴾: عندنا للولادة ﴿ فَقَدَرْنَا ﴾: على ذلك أو قدرناه ﴿ فَنِعْمَ ٱلْقَادِرُونَ ﴾: نحن ﴿ وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ ﴾: يقدرتنا عليه أو على إعادته ﴿ أَلَمْ نَجْعَلِ ٱلأَرْضَ كِفَاتاً ﴾: كافية جامعة ﴿ أَحْيَآءً ﴾: في طهرها ﴿ وَأَمْوٰتاً ﴾: في بطنها ﴿ وَجَعَلْنَا فِيهَا ﴾: جبالا ﴿ رَوَاسِيَ ﴾: ثوابت ﴿ شَامِخَاتٍ ﴾: طوالا ﴿ وَأَسْقَيْنَاكُم مَّآءً فُرَاتاً ﴾: عذبا ﴿ وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ ﴾: بأمثال هذه النعم، يقال لهم يومئذ: ﴿ ٱنطَلِقُوۤاْ إِلَىٰ مَا كُنتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ ﴾: من العذاب ﴿ ٱنطَلِقُوۤاْ إِلَىٰ ظِلٍّ ﴾: لدخان جهنم ﴿ ذِي ثَلاَثِ شُعَبٍ ﴾: تشعب لعظمه، أو هي اللهب والشرر والدخان ﴿ لاَّ ظَلِيلٍ ﴾: يظلهم من الحر ﴿ وَلاَ يُغْنِي ﴾: لا يدفع ﴿ مِنَ ﴾: حر ﴿ ٱللَّهَبِ * إِنَّهَا تَرْمِي بِشَرَرٍ ﴾: ما يتطاير من النار كل شررة ﴿ كَٱلْقَصْرِ ﴾: عظمة وارتفاعها ﴿ كَأَنَّهُ ﴾: في اللون والكثرة والتتابع ﴿ جِمَٰلَتٌ ﴾: جمع جمل ﴿ صُفْرٌ ﴾: قيل: يمعنى سود ﴿ وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ ﴾: بذلك ﴿ هَـٰذَا يَوْمُ ﴾: أي: وقت ﴿ لاَ يَنطِقُونَ ﴾: لدهشتهم، وهذا في بعض المواقف ﴿ وَلاَ يُؤْذَنُ لَهُمْ ﴾: في الاعتذار ﴿ فَيَعْتَذِرُونَ * وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ ﴾: بذلك ﴿ هَـٰذَا يَوْمُ ٱلْفَصْلِ ﴾: بين الخلق ﴿ جَمَعْنَٰكُمْ ﴾: أيها المذكبون ﴿ وَ ﴾: المكذبين ﴿ ٱلأَوَّلِينَ * فَإِن كَانَ لَكمُ كَيْدٌ ﴾: حيلة في الفرار وغيره ﴿ فَكِيدُونِ * وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ ﴾: بذلك ﴿ إِنَّ ٱلْمُتَّقِينَ فِي ظِلاَلٍ ﴾: تحت أشجار ﴿ وَعُيُونٍ * وَفَوَاكِهَ مِمَّا يَشْتَهُونَ ﴾: مقولالهم ﴿ كُلُواْ وَٱشْرَبُواْ هَنِيـۤئاً ﴾: متهنين ﴿ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ * إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي ٱلْمُحْسِنِينَ * وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ ﴾ بذلك ﴿ كُلُواْ ﴾ أمر تحسير تذكير لحالهم في الدنيا، أي: ويل لهم في حالة يقال بهم كلوا ﴿ وَتَمَتَّعُواْ قَلِيلاً إِنَّكُمْ مُّجْرِمُونَ ﴾ بالتكذيب ﴿ وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ ﴾ ﴿ وَإذَا قِيلَ لَهُمُ ٱرْكَعُواْ ﴾: أي: صلوا ﴿ لاَ يَرْكَعُونَ ﴾: تكذيبا لوجوبها، نزلت في ثقيف ﴿ وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ ﴾: بذلك ﴿ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ ﴾: أي: بعد القرآن ﴿ يُؤْمِنُونَ ﴾: به إذا لم يؤمنوا به مع ظهور معجزاته، والله تعالى أعلم بالصواب وإليه المرجع والمآب.
سورة المرسلات
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورة (المُرسَلات) من السُّوَر المكية، نزلت بعد سورة (الهُمَزة)، وقد جاءت ببيانِ قدرة الله على بعثِ الناس بعد هلاكهم؛ فهو المتصفُ بالرُّبوبية والألوهية، وقد افتُتحت بمَشاهدِ القيامة، والتذكير بمَصارعِ الغابرين، وذكَرتْ تأمُّلات في خَلْقِ الإنسان والكون؛ ليعودَ الخلقُ إلى أوامرِ الله، وليستجيبوا له سبحانه، و(المُرسَلات): هي الرِّياحُ التي تهُبُّ متتابِعةً.

ترتيبها المصحفي
77
نوعها
مكية
ألفاظها
181
ترتيب نزولها
33
العد المدني الأول
50
العد المدني الأخير
50
العد البصري
50
العد الكوفي
50
العد الشامي
50

* سورة (المُرسَلات):

سُمِّيت سورة (المُرسَلات) بذلك؛ لافتتاحها بالقَسَمِ الإلهيِّ بـ(المُرسَلات)؛ وهي: الرِّياح التي تهُبُّ متتابِعةً.

سورة (المُرسَلات) من السُّوَر التي شيَّبتْ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم:

عن ابنِ عباسٍ رضي الله عنهما، قال: «قال أبو بكرٍ الصِّدِّيقُ رضي الله عنه لرسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم: يا رسولَ اللهِ، أراكَ قد شِبْتَ! قال: «شيَّبتْني هُودٌ، والواقعةُ، والمُرسَلاتُ، و{عَمَّ يَتَسَآءَلُونَ}، و{إِذَا اْلشَّمْسُ كُوِّرَتْ}». أخرجه الحاكم (3314).

1. مَشاهد القيامة (١-١٥).

2. مَصارع الغابرين (١٦-١٩).

3. تأمُّلات في خَلْقِ الإنسان والكون (٢٠-٢٨).

4. عودٌ لمَشاهد القيامة (٢٩-٥٠).

ينظر: "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (8 /540).

مقصدُ سورة (المُرسَلات): الاستدلالُ على وقوع البعث بعد فَناء الدنيا، والاستدلال على إمكانِ إعادة الخَلْقِ بما سبَق من خَلْقِ الإنسان وخلق الأرض، وفي ذلك دلائلُ على قدرة الله، واتصافِه بالوَحْدانية والرُّبوبية.

ينظر: "التحرير والتنوير" لابن عاشور (29 /419).