تفسير سورة المرسلات

تفسير ابن أبي زمنين

تفسير سورة سورة المرسلات من كتاب تفسير القرآن العزيز المعروف بـتفسير ابن أبي زمنين.
لمؤلفه ابن أبي زَمَنِين . المتوفي سنة 399 هـ
تفسير سورة والمرسلات وهي مكية كلها.

قَوْله: ﴿والمرسلات عرفا﴾ تَفْسِيرُ الْحَسَنِ: أَنَّهَا الرِّيَاحُ، وَقَالَ: عُرْفُهَا: جَرْيها. قَالَ مُحَمَّدٌ يُقَالُ: هُمْ إِلَيْهِ عُرْفٌ وَاحِدٌ إِذَا تتابعوا
﴿فالعاصفات عصفا﴾ الرِّيَاح إِذا إشتدت
﴿والناشرات نشرا﴾ الرِّيَاح أَيْضا
﴿فالفارقات فرقا﴾ يَعْنِي: الْمَلائِكَةَ تَنْزِلُ بِالْوَحْيِ فَتَفْرِقُ بَيْنَ الْكُفْرِ وَالإِيمَانِ، وَبَيْنَ الْحَلالِ وَالْحرَام
﴿فالملقيات ذكرا﴾ الْمَلائِكَةُ تُلْقِي الْوَحْيَ، أَيْ: تَنْزِلُ بِهِ على الْأَنْبِيَاء
﴿عذرا أَو نذرا﴾ أَيْ: يَعْذِرُ اللَّهُ بِهِ إِلَى عِبَادِهِ وَيُنْذِرُهُمْ.
قَالَ السُّدي: الْمَعْنَى: عُذْرًا وَنُذْرًا، وَالْأَلِفُ صِلَةٌ.
77
قَالَ مُحَمَّدٌ: نَصْبُ عُذْرًا أَوْ نُذْرًا عَلَى مَعْنَى الْإِعْذَارِ وَالْإِنْذَارِ. وَقَرَأَهُ نَافِعٌ (عُذْرًا) بِالتَّخْفِيفِ (ونُذْرًا) بِالتَّثْقِيلِ وَهَذَا قَسَمٌ أَقْسَمَ بِهِ.
78
﴿إِنَّمَا توعدون﴾ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ، يقُولُهُ لِلْمُشْرِكِينَ ﴿لَوَاقِعٌ﴾.
﴿فَإِذا النُّجُوم طمست﴾ أَيْ: يَنْزِلُ عَذَابُ اللَّهِ يَوْمَ تُطْمَسُ فِيهِ النُّجُومُ، فَيَذْهَبُ ضَوْؤُهَا
﴿وَإِذا السَّمَاء فرجت﴾ إنشقت ﴿وَإِذا الْجبَال نسفت﴾ ذَهَبَتْ مِنْ أُصُولِهَا وسوِّيت بِالْأَرْضِ
﴿ وإذا الجبال نسفت( ١٠ ) ﴾ ذهبت من أصولها وسويت بالأرض.
﴿وَإِذا الرُّسُل أقتت﴾ أجلت فِي تَفْسِير الْحسن
﴿لأي يَوْم أجلت﴾ يعظم ذَلِك الْيَوْم
﴿ليَوْم الْفَصْل﴾ الْقَضَاء
﴿وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الْفَصْلِ﴾ تَفْسِيرُ الْحَسَنِ: أَيْ: أَنَّكَ لَمْ تَكُنْ تَدْرِي مَا يَوْمُ الْفَصْلِ حَتَّى أعلمتك (ل ٣٨٣)
﴿ألم نهلك الْأَوَّلين﴾ عَلَى الِاسْتِفْهَامِ؛ أَيْ: بَلَى قَدْ أَهْلَكْنَاهُمْ؛ يَعْنِي: الْأُمَمَ السَّالِفَةَ حِينَ كذبُوا رسلهم
﴿ثمَّ نتبعهم الآخرين﴾ يَعْنِي: كفار آخر هَذِه الْأمة الَّذِينَ تَقُومُ عَلَيْهِمُ السَّاعَةُ.
قَالَ مُحَمَّدٌ: مَنْ قَرَأَ (ثُمَّ نُتْبِعُهُمُ) بِالرَّفْعِ فَعَلَى الِاسْتِئْنَافِ، وَمَنْ قَرَأَ (نُتْبِعْهُمْ) بِالْجَزْمِ فَهُوَ عَطْفٌ عَلَى (نهلك).
تَفْسِير سُورَة المرسلات من آيَة (٢٠ - ٢٨)
﴿أَلَمْ نَخْلُقْكُمْ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ﴾ ضَعِيف؛ يَعْنِي: النُّطْفَة
﴿فجعلناه فِي قَرَار مكين﴾ الرَّحِم.
﴿إِلَى قدر مَعْلُوم﴾ الْيَوْمَ الَّذِي يُولَدُ فِيهِ الْمَخْلُوقُ
﴿فقدرنا﴾ مَنْ قَرَأَهَا بِالتَّثْقِيلِ فَهِيَ مِنْ بَابِ التَّقْدِيرِ، وَمَنْ قَرَأَهَا مُخَفَّفَةً فَمِنْ بَابِ الْقُدْرَةِ ﴿فَنِعْمَ الْقَادِرُونَ﴾
﴿ألم نجْعَل الأَرْض كفاتا﴾ تَكْفِتُهُمْ، أَيْ: تَضُمُّهُمْ، والكفتُ: الضمُّ وَالْجمع
﴿أَحيَاء وأمواتا﴾ أَيْ: يَكُونُونَ عَلَى ظَهْرِهَا أَحْيَاءً، وَيَكُونُونَ فِي بَطْنِهَا أَمْوَاتًا.
قَالَ مُحَمَّدٌ: تَقُولُ: كَفَتُّ الشَّيْءَ أَكْفِتُه وَتَقُولُ: أَكْفِتْ إِلَيْكَ كَذَا، أَيْ: ضُمَّه، وَكَانُوا يُسَمُّونَ الْمَقْبُرَةَ كَفْتَةً؛ لِأَنَّهَا تضمُّ الْمَوْتَى.
﴿وَجَعَلنَا فِيهَا رواسي شامخات﴾ يَعْنِي: الْجِبَالَ الْمُرْتَفِعَةَ ﴿وَأَسْقَيْنَاكُمْ مَاءً فراتا﴾ عذبًا
﴿انْطَلِقُوا إِلَى مَا كُنْتُمْ بِهِ تكذبون﴾ يُقَالُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: انْطَلِقُوا إِلَى مَا كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ فِي الدُّنْيَا من الْعَذَاب. تَفْسِير سُورَة المرسلات من آيَة (٢٩ - ٤٠)
﴿انْطَلِقُوا إِلَى ظِلٍّ ذِي ثَلاثِ شعب﴾ يَخْرُجُ مِنَ النَّارِ لِسَانَانِ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلُوا النَّارَ فَيُحِيطُ بِالْمُشْرِكِينَ، ثُمَّ يَسْطَعُ مِنَ النَّارِ دخانٌ أَسْوَدٌ، ثُمَّ يَصِيرُ ثَلاثَ فِرَقٍ؛ فَيَلْجَئُونَ إِلَيْهِ يَرْجُونَ أَنْ يُظِلَّهُمْ مِنْ شِدَّةِ حَرِّ النَّارِ، فَلا يُظِلُّهُمْ وَيَجِدُونَ مِنْهُ مِنَ الْحَرِّ مِثْلَ مَا وَجَدُوا قَبْلَ أَنْ يلجئوا إِلَيْهِ
﴿لَا ظَلِيلٍ وَلا يُغْنِي مِنَ اللهب﴾ أَيْ: لَا بَارِدٍ فِي الظِّلِ وَلَا كريم فِي الْمنزل
﴿إِنَّهَا ترمي﴾ يَعْنِي: النَّار ﴿بشرر كالقصر﴾ يَعْنِي: قصْرًا مِنَ الْقُصُورِ فِي قِرَاءَةِ مَنْ قَرَأَهَا بِجَزْمِ الصَّادِ
﴿كَأَنَّهُ جِمَالاتٌ صُفْرٌ﴾ يَعْنِي: النُّوقَ السُّودَ فِي قِرَاءَةِ مَنْ قَرَأَهَا بِكَسْرِ الْجِيمِ.
قَالَ مُحَمَّدٌ: يُقَالُ لِلْإِبِلِ الَّتِي هِيَ سودٌ تَضْرِبُ إِلَى الصُّفرة: إِبِلٌ صُفْرٌ وجمالاتٌ بِكَسْر الْجِيم جمع جمال.
﴿هَذَا يَوْم لَا ينطقون﴾ بحُجّة
﴿وَلَا يُؤذن لَهُم فيعتذرون﴾ وَقَدْ يُؤْذَنُ لَهُمْ فِي الْكَلامِ فِي بعض المواطن، ولايؤذن لَهُمْ فِي بَعْضٍ؛ فَإِذَا أُذِنَ لَهُمْ فِي الْكَلامِ لَمْ يَعْتَذِرُوا بِعُذْرٍ.
قَالَ مُحَمَّدٌ: يُقْرَأُ (يومُ) بِالرَّفْعِ والنَّصْبِ؛ فَمَنْ نَصَبَ جَعَلَهُ ظَرْفًا بِمَعْنَى: هَذَا الْوَعِيدُ يَوْمًا، وَمَنْ رَفَعَ جَعَلَ هَذَا لِلْيَوْمِ؛ كَمَا تَقول هَذَا يَوْمك.
﴿فَإِن كَانَ لكم كيد﴾ تَنْجُوْنَ بِهِ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ ﴿فكيدون﴾ أَيْ: أَنَّكُمْ لَا تَقْدِرُونَ عَلَى ذَلِك.
تَفْسِير سُورَة المرسلات من آيَة (٤١ - ٥٠)
﴿كلوا وتمتعوا﴾ الْآيَةُ يَقُولُهُ لِلْمُشْرِكِينَ وَعِيدًا لَهُمْ، وَانْقَطَعَتِ القَّصة الْأُولَى مِنْ أَمْرِ أهل النَّار.
﴿وَإِذا قيل لَهُم ارْكَعُوا﴾ أَيْ: صلُّوا ﴿لَا يَرْكَعُونَ﴾
﴿فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بعده﴾ يَعْنِي: الْقُرْآن ﴿يُؤمنُونَ﴾.
يَحْيَى: عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أُمَيَّةَ، عَنْ أَبِي الْيَسَعِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: ((إِذَا خَتَمَ أَحَدُكُمْ وَالْمُرْسَلاتِ فَلَيَقُلْ: آمَنَتُ بِاللَّهِ وَبِمَا أَنْزَلَ)) مِنْ حَدِيثِ يَحْيَى بْنِ مُحَمَّدٍ.
81
تَفْسِيرُ سُورَةِ عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ وَهِيَ مَكِّيَّة كلهَا
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيم تَفْسِير سُورَة النبأ من آيَة (١ - ١٦)
82
﴿ فبأي حديث بعده ﴾ يعني : القرآن ﴿ يؤمنون( ٥٠ ) ﴾ يحيى : عن إبراهيم، عن إسماعيل بن أمية، عن أبي اليسع، عن أبي هريرة قال :" إذا ختم أحدكم والمرسلات فليقل : آمنت بالله وبما أنزل " ١ من حديث يحيى بن محمد.
١ لم أجده هكذا..
سورة المرسلات
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورة (المُرسَلات) من السُّوَر المكية، نزلت بعد سورة (الهُمَزة)، وقد جاءت ببيانِ قدرة الله على بعثِ الناس بعد هلاكهم؛ فهو المتصفُ بالرُّبوبية والألوهية، وقد افتُتحت بمَشاهدِ القيامة، والتذكير بمَصارعِ الغابرين، وذكَرتْ تأمُّلات في خَلْقِ الإنسان والكون؛ ليعودَ الخلقُ إلى أوامرِ الله، وليستجيبوا له سبحانه، و(المُرسَلات): هي الرِّياحُ التي تهُبُّ متتابِعةً.

ترتيبها المصحفي
77
نوعها
مكية
ألفاظها
181
ترتيب نزولها
33
العد المدني الأول
50
العد المدني الأخير
50
العد البصري
50
العد الكوفي
50
العد الشامي
50

* سورة (المُرسَلات):

سُمِّيت سورة (المُرسَلات) بذلك؛ لافتتاحها بالقَسَمِ الإلهيِّ بـ(المُرسَلات)؛ وهي: الرِّياح التي تهُبُّ متتابِعةً.

سورة (المُرسَلات) من السُّوَر التي شيَّبتْ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم:

عن ابنِ عباسٍ رضي الله عنهما، قال: «قال أبو بكرٍ الصِّدِّيقُ رضي الله عنه لرسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم: يا رسولَ اللهِ، أراكَ قد شِبْتَ! قال: «شيَّبتْني هُودٌ، والواقعةُ، والمُرسَلاتُ، و{عَمَّ يَتَسَآءَلُونَ}، و{إِذَا اْلشَّمْسُ كُوِّرَتْ}». أخرجه الحاكم (3314).

1. مَشاهد القيامة (١-١٥).

2. مَصارع الغابرين (١٦-١٩).

3. تأمُّلات في خَلْقِ الإنسان والكون (٢٠-٢٨).

4. عودٌ لمَشاهد القيامة (٢٩-٥٠).

ينظر: "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (8 /540).

مقصدُ سورة (المُرسَلات): الاستدلالُ على وقوع البعث بعد فَناء الدنيا، والاستدلال على إمكانِ إعادة الخَلْقِ بما سبَق من خَلْقِ الإنسان وخلق الأرض، وفي ذلك دلائلُ على قدرة الله، واتصافِه بالوَحْدانية والرُّبوبية.

ينظر: "التحرير والتنوير" لابن عاشور (29 /419).