مكية في قول الحسن وعكرمة وعطاء، وقال ابن عباس وقتادة إلا آية منها نزلت بين مكة والمدينة، وقيل بالجحفة وهي :﴿ إن الذي فرض عليك القرآن لرادك إلى معاد ﴾الآية.
ﰡ
(ورثنا مجد علقمة بن سيف | أباح لنا حصون المجد دينا) |
ورثنا مجد علقمة بن سيف١ | أباح لنا حصون المجد دينا |
(استغفر الله لذنبي كله | قبلت إنساناً بغير حلّه) |
(مثل الغزال ناعماً في دَله | فانتصف الليل ولم أُصله) |
(وللمنايا تربي كل مرضعةٍ | ودورنا لخراب الدهر نبنيها.) |
أحدهما : أنه التقطه جواري امرأته حين خرجن لاستسقاء الماء فوجدن تابوته فحملنه إليها، قاله ابن عباس.
الثاني : أن امرأة فرعون خرجت إلى البحر وكانت برصاء فوجدت تابوته فأخذته فبرئت من برصها فقالت : هذا الصبي مبارك، قاله عبد الرحمن بن زيد.
﴿ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدوّاً وََحَزَناً ﴾ أي ليكون لهم عَدُوّاً وحزناً في عاقبة أمره، ولم يكن لهم في الحال عدوّاً ولا حزناً ؛ لأن امرأة فرعون فرحت به وأحبته حباً شديداً، فذكر الحال بالمآل كما قال الشاعر :
وللمنايا تربّي كل مرضعةٍ | ودورنا لخراب الدهر نبنيها. |
﴿ لاَ تَقْتُلُوهُ عَسَى أَن يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً ﴾ فقال فرعون : قرة عين لك فأما لي فلا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" وَالَّذِي يُحْلَفُ بِهِ لَوْ أَقَرَّ فِرْعَونُ بِأَنَّهُ يَكُونُ لَهُ قُرَّةُ عَيْنٍ كَمَا أَقَرَّت امْرَأَتُهُ لَهَدَاهُ اللَّهُ بِهِ كَمَا هَدَاهَا وََلَكِنَّ اللَّهَ حَرَمَهُ ذلِكَ "
وفي قرة العين وجهان :
أحدهما : أنه بردها بالسرور مأخوذ من القر وهو البرد.
الثاني : أنه قر فيها دمعها فلم يخرج بالحزن مأخوذ من قر في المكان إذا أقام فيه.
﴿ وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ ﴾ أنّ هلاكهم على يديه وفي زمانه.
(مضى الخلفاء بالأمر الرشيد | وأصبحت المدينة للوليد) |
(فلا تحرمنّي نائلاً عن جنابةٍ | فإني امرؤ وسط القباب غريب) |
(جالت لتصرعني فقلت لها اقصِري | إني امرؤ صرعي عليك حرام) |
﴿ فَبَصُرَتْ بِهِ عَن جُنُبٍ ﴾ وفيه ثلاثة أقاويل :
أحدها : عن جانب، قاله ابن عباس.
الثاني : عن بعد، قاله مجاهد ومنه الأجنبي قال علقمة١ بن عبدة :
فلا تحرمنّي نائلاً عن جنابةٍ | فإني امرؤ وسط القباب غريب |
﴿ وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ ﴾ أنها أخته لأنها كانت تمشي على ساحل البحر حتى رأتهم قد أخذوه.
جالت لتصرعني فقلت لها اقصِري | إني امرؤ صرعي عليك حرام١ |
وقوله :﴿ مِن قَبْلُ ﴾ أي من قبل مجيء أخته وفي قوله :﴿ مِن قَبْلُ ﴾ وجهان :
أحدهما : ما ذكرناه.
الثاني : من قبل ردّه إلى أمه.
﴿ فَقَالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ ﴾ الآية. وهذا قول أخته لهم حين رأته لا يقبل المراضع فقالوا لها عند قولها لهم :
﴿ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ ﴾ وما يُدْريك ؟ لعلك تعرفين أهله، فقالت : لا ولكنهم يحرصون على مسرة الملك ويرغبون في ظئره.
وروي أنه قال لأم موسى حين ارتضع منها : كيف ارتضع منك ولم يرتضع من غيرك ؟ فقالت : لأني امرأة طيبة الريح طيبة اللبن لا أكاد أوتى بصبي إلا ارتضع مني. فكان من لطف الله بموسى أن جعل إلقاء موسى في البحر وهو الهلاك سبباً لنجاته وسخر فرعون لتربيته وهو يقتل الخلق من بني إسرائيل لأجله وهو في بيته وتحت كنفه.
﴿ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ ﴾ في قوله :﴿ إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكَ ﴾ الآية.
﴿ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ ﴾ يعني من قوم فرعون.
﴿ لاَ يَعْلَمُونَ ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : لا يعلمون ما يراد بهم، قاله الضحاك.
الثاني : لا يعملون مثل علمها.
٨٩ (بعدد ذي عُدَّةٍ ووكز} ٩
إلا أن الوكز في الصدر واللكز في الظهر. فعل موسى ذلك وهو لا يريد قتله وانما يريد دفعه. ﴿فَقَضَى عَلَيهِ﴾ أي فقتله. و ﴿قَالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ﴾ أي من إغوائه. ﴿إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُّبِينٌ﴾ قال الحسن: لم يكن يحل قتل الكافر يومئذٍ في تلك الحال لأنها كانت حال كف عن القتال. قوله: ﴿قَالَ رَبِّ بِمَآ أَنْعَمْتَ عَلَيَّ﴾ فيه وجهان: أحدهما: من المغفرة. الثاني: من الهداية. ﴿فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيراً لِّلْمُجْرِمِينَ﴾ أي عوناً. قال ابن عباس: قال ذلك فابتلي لأن صاحبه الذي أعانه دل عليه.
أحدها : أنها مصر، قاله ابن شجرة.
الثاني : منف، قاله السدي.
الثالث : عين الشمس، قاله الضحاك.
﴿ عَلَى حِينٍ غَفْلَةٍ مِّنْ أَهْلِهَا ﴾ فيه أربعة أقاويل :
أحدها : نصف النهار والناس قائلون، قاله ابن جبير.
الثاني : ما بين المغرب والعشاء، قاله ابن عباس.
الثالث : يوم عيد لهم وهم في لهوهم، قاله الحسن.
الرابع : لأنهم غفلوا عن ذكره لبعد عهدهم به، حكاه ابن عيسى.
﴿ فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلاَنِ هَذَا مِن شِيعَتِهِ وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ ﴾ وفيه قولان :
أحدهما : من شيعته إسرائيلي ومن عدوه قبطي، قاله ابن عباس.
الثاني : من شيعته مسلم ومن عدوه كافر، قاله ابن إسحاق.
﴿ فاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِن شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ ﴾ حكى ابن سلام أن القبطي سخّر الإسرائيلي ليحمل له حطباً لمطبخ فرعون فأبى عليه فاستغاث بموسى. قال سعيد بن جبير : وكان خبازاً لفرعون ﴿ فَوَكَزَهُ مُوسَى ﴾ قال قتادة : بعصاه وقال مجاهد : بكفّه أي دفعه، الوكز واللكز واحد والدفع.
قال رؤبة :
بعدد ذي عُدَّةٍ ووكز١ ***
إلا أن الوكز في الصدر واللكز في الظهر.
فعل موسى ذلك وهو لا يريد قتله وإنما يريد دفعه.
﴿ فَقَضَى عَلَيهِ ﴾ أي فقتله.
و ﴿ قَالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ ﴾ أي من إغوائه.
﴿ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُّبِينٌ ﴾ قال الحسن : لم يكن يحل قتل الكافر يومئذٍ في تلك الحال لأنها كانت حال كف عن القتال.
وإن حبت أو شاز كل نشز بعدد ذي عدة وركز
والوشز رفع رأس الشيء وكذا الأمر الشديد فأوشاز بمعنى شدائد. والمعنى: فإن سألت بأعداد كثيرة. انظر اللسان – وشز..
أحدهما : من المغفرة.
الثاني : من الهداية.
﴿ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيراً لِّلْمُجْرِمِينَ ﴾ أي عوناً. قال ابن عباس : قال ذلك فابتلي لأن صاحبه الذي أعانه دل عليه.
﴿ قَالَ يَا مُوسَى أَتُرِيدُ أَن تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْساً بِالأَمْسِ ﴾ فيه قولان :
أحدهما : أن الإسرائيلي رأى غضب موسى عليه وقوله إنك لغوي مبين فخاف أن قتله فقال :﴿ أَتُرِيدُ أَن تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْساً بِالأَمْسِ ﴾.
الثاني : أن الإسرائيلي خاف أن يكون موسى يقتل القبطي فيقتل به الإسرائيلي فقال ذلك دفعاً لموسى عن قتله، قاله يحيى بن سلام. قال يحيى : وبلغني أن هذا الإسرائيلي هو السامري.
وخلى الإسرائيلي القبطي فانطلق القبطي وشاع أن المقتول بالأمس قتله موسى.
﴿. . . إلاَّ أن تَكُونَ جَبَّارا فِي الأَرْضِ ﴾ قال السدي : يعني قتالاً.
قال أبو عمران الجوني : وآية الجبابرة القتل بغير [ حق ].
وقال عكرمة : لا يكون الإنسان جباراً حتى يقتل نفسين [ بغير حق ].
﴿ وَمَا تُرِيدُ أَن تَكُونَ مِنَ المُصْلِحِينَ ﴾ أي وما هكذا يكون الإصلاح.
(أرى الناس قد أحدثوا شيمة | وفي كل حادثة يؤتمر) |
(أحارِ بن عمرٍو كأني خَمِرْ | ويعدو على المرء ما يأتمر) |
(أبيتُ على باب القوافي كأنما | أذود بها سِرباً من الوحش نُزَّعا) |
(لقد سلبت عصاك بنو تميم | فما تدري بأيِّ عصى تذود) |
﴿ قَالَ عَسَى رَبِّي أَن يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السَّبِيلِ ﴾ وفيه وجهان :
أحدهما : أنه قال ذلك عند استواء الطرق فأخذ طريق مدين، قاله عكرمة.
الثاني : أنه قال ذلك بعد أن اتخذ طريق مدين فقال عسى ربي أن يهديني سواء السبيل أي قصد الطريق إلى مدين، قاله قتادة والسدي. قال قتادة : مدين ماء كان عليه قوم شعيب.
﴿ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِّنَ النَّاسِ ﴾ أي جماعة. قال ابن عباس : الأمة أربعون.
﴿ يَسْقُونَ ﴾ يعني غنمهم ومواشيهم.
﴿ وَوَجَدَ مِن دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودَانِ ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : تحبسان، قاله قطرب، ومنه قول الشاعر١ :
أبيتُ على باب القوافي كأنّما | أذود بها سِرباً من الوحش نُزَّعا |
لقد سلبت عصاك بنو تميم | فما تدري بأيِّ عصى تذود |
أحدها : أنهما تحبسان غنمهما عن الماء لضعفهما عن زحام الناس، قاله أبو مالك والسدي.
الثاني : أنهما تذودان الناس عن غنمهما، قاله قتادة.
الثالث : تمنعان غنمهما أن تختلط بغنم الناس، حكاه يحيى بن سلام.
﴿ قَالَ مَا خَطْبَكُمَا ﴾ أي ما شأنكما، وفي الخطب تضخيم الشيء ومنه الخطبة لأنها من الأمر المعظم.
﴿ قَالَتَا لاَ نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ ﴾ والصدور الانصراف، ومنه الصّدر لأن التدبير يصدر عنه، والمصدر لأن الأفعال تصدر عنه. والرعاء جمع راع.
وفي امتناعهما من السقي حتى يصدر الرعاء وجهان :
أحدهما : تصوّناً عن الاختلاط بالرجال.
الثاني : لضعفهما عن المزاحمة بماشيتهما.
﴿ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ ﴾ وفي قولهما ذلك وجهان :
أحدهما : أنهما قالتا ذلك اعتذاراً إلى موسى عن معاناتهما سقي الغنم بأنفسهما.
الثاني : قالتا ذلك ترقيقاً لموسى ليعاونهما.
٢ هو جرير يهجو الفرزدق..
أحدهما : أنه زحم القوم عن الماء حتى أخرجهم عنه ثم سقى لهما، قاله ابن إسحاق.
الثاني : أنه أتى بئراً عليه صخرة لا يقلها من أهل مدين إلا عشرة فاقتلعها بنفسه وسقى لهما. قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : ولم يستق إلا ذنوباً واحداً حتى رويت الغنم.
﴿ ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ ﴾ قال السدي : إلى ظل الشجرة وذكر أنها سَمْرة.
﴿ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ ﴾ قال ابن عباس : قال موسى ذلك وقد لصق بطنه بظهره من الجوع وهو فقير إلى شق تمرة ولو شاء إنسان لنظر إلى خضرة أمعائه من شدة الجوع.
قال الضحاك : لأنه مكث سبعة أيام لا يذوق طعاماً إلاّ بقل الأرض فعرّض لهما بحاله فقال ﴿ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ ﴾ فيه قولان :
أحدهما : شبعه من طعام، قاله ابن عباس.
الثاني : شبعة يومين، قاله ابن جبير.
﴿ إِنَّ خَيْرَ مَنِ استأجرت الْقَوِيُّ الأَمِينُ ﴾ فيه قولان :
أحدهما : القوي فيما ولي، الأمين فيما استودع، قاله ابن عباس.
الثاني : القوي في بدنه، الأمين في عفافه. وروي أن أباها لما قالت له ذلك دخلته الغيرة فقال لها : وما علمك بقوته وأمانته ؟ قالت : أما قوته فأنه كشف الصخرة التي على بئر آل فلان ولا يكشفها دون عشرة، وأما أمانته فإنه خلفني خلف ظهره حين مشى.
﴿ عَلَى أَن تأجرني ثَمَانِيَ حَجَجٍ ﴾ يعني عمل ثماني حجج فأسقط ذكر العمل واقتصر على المدة لأنه مفهوم منهما. والعمل رعي الغنم.
واختلف في هذه الثماني حجج على قولين :
أحدهما : أنها صداق المنكوحة.
الثاني : أنها شرط الأب في إنكاحها إياه وليس بصداق.
﴿ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرَاً فَمِنْ عِنْدِكَ ﴾ قال ابن عباس كانت على نبي الله موسى ثماني حجج واجبة وكانت سنتان عِدة منه فقضى الله عنه عِدته فأتمها عشراً.
﴿ وَمَآ أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِن شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ ﴾ فيه قولان :
أحدهما : من الصالحين في حسن الصحبة، قاله ابن إسحاق.
الثاني : فيما وعده به.
حكى يحيى بن سلام أنه جعل لموسى كل سخلة توضع على خلاف شبه أمها فأوحى الله إلى موسى أن ألق عصاك في الماء فولدت كلهن خلاف شبههن. وقال غير يحيى : بل جعل له كل بلقاء فولدن كلهن بُلْقاً.
﴿ وَاللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ ﴾ فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : قول السدي : شهيد.
الثاني : حفيظ، قاله قتادة.
الثالث : رقيب، قاله ابن شجرة.
فروي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" إِنَّ مُوسَى أَجَّرَ نَفْسَهُ بِعِفَّةِ فَرْجِهِ وَطُعْمَةِ بَطْنِهِ، فَقِيلَ لَهُ : أَيُّ الأَجَلَيْنِ قَضَى ؟ فَقَالَ أَبَرُّهُمَا وَأَوفَاهُمَا١ ".
(وألقي على قبس من النار جذوة | شديدٌ عليها حميها والتهابها.) |
﴿ نُودِيَ مِن شاطئ الْوَادِي الأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارََكَةِ ﴾ وهي البقعة التي قال الله فيها لموسى ﴿ اخلَعْ نَعْلَيكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى ﴾.
واحتمل وصفها بالبركة وجهين :
أحدهما : لأن الله كلم فيها موسى وخصّه فيها بالرسالة.
الثاني : أنها كانت من بقاع الخصب وبلاد الريف.
ثم قال تعالى :﴿ مِنَ الشَّجَرَةِ أَن يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ ﴾ فأحل الله كلامه في الشجرة حتى سمعه موسى منها، لأنه لا يستطيع أن يسمعه من الله وهذه أعلى منازل الأنبياء أن يسمعوا كلام الله من غير رسول مبلغ وكان الكلام مقصوراً على تعريفه بأنه الله رب العالمين إثباتاً لوحدانيته ونفياً لربوبية غيره، وصار بهذا الكلام من أصفياء الله لا من رسله لأنه لا يصير رسولاً إلا بعد أمره بالرسالة، والأمر بها إنما كان بعد هذا الكلام.
فإن قيل : فكيف أضاف البركة إلى البقعة دون الشجرة والشجرة بالبركة أخص لأن الكلام عنها صدر ومنها سُمِعَ ؟
قيل : عنه جوابان :
أحدهما : أن الشجرة لما كانت في البقعة أضاف البركة إلى البقعة لدخول الشجرة فيها ولم يخص به الشجرة فتخرج البقعة وصار إضافتها إلى البقعة أعم.
الثاني : أن البركة نفذت من الشجرة إلى البقعة فصارت البقعة بها مباركة فلذلك خصّها الله بذكر البركة، قاله ابن عباس، والشجرة هي العلّيق وهي العوسج.
فإن قيل : فإذا كانت برهاناً إليه وبرهاناً له فلم ولَّى منها هارباً ؟
قيل لأمرين :
أحدهما : رأى ما خالف العادة فخاف.
الثاني : أنه يجوز أن يظن الأمر بإلقائها لأجل أذاها فولَّى هارباً حتى نودي فعلم.
﴿. . . ولَمْ يُعَقِّبْ ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : ولم يثبت، اشتقاقاً من العقب الذي يثبت القدم.
الثاني : ولم يتأخر لسرعة مبادرته.
ويحتمل ثالثاً : أي لم يلتفت إلى عقبه لشدة خوفه وسرعة هربه.
﴿ يَا مُوسَى أَقْبِلْ وَلاَ تَخَفْ إِنَّكَ مَنَ الآمِنِينَ ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : الآمنين من الخوف.
الثاني : من المرسلين لقوله تعالى :﴿ إِنِّي لاَ يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ ﴾. قال ابن بحر : فصار على هذا التأويل رسولاً بهذا القول. وعلى التأويل الأول يصير رسولاً بقوله :﴿ فَذَانِكَ بُرْهَاناَنِ مِنَ رَبِّكَ إلَى فِرْعَونَ وَمَلإئْهِ ﴾ والبرهانان اليد والعصا.
أحدهما : أن الجناح الجيب جيب القميص وكان عليه مدرعة صوف.
الثاني : أن الجيب جنب البدن.
﴿ مِنَ الرَّهْبِ ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : أن الرهب الكُمّ، قاله مؤرج.
الثاني : أنه من الخوف.
(وأسمر خطيّاً كأن كعوبه | نوى القسب قد أردى ذِراعاً على العشر) |
وأسمر خطيّاً كأن كعوبه | نوى القسب قد أردى ذِراعاً على العشر٢ |
٢ وروى أرمى وأربى وهما بمعنى زاد ومثلهما أردى. والقسب التمر اليابس والشاعر يصف رمحا..
أحدهما : زعماء يتبعون على الكفر.
الثاني : أئمة يأتم بهم ذوو العبر ويتعظ بهم أهل البصائر.
﴿ يدعون إلى النار ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : يدعون إلى عمل أهل النار.
الثاني : يدعون إلى ما يوجب النار.
أحدهما : يعني خزيا وغضبا.
الثاني : طردا منها بالهلاك فيها.
﴿ ويوم القيامة هم من المقبوحين ﴾ فيه أربعة أوجه :
أحدها : من المقبحين بسواد الوجوه وزرقة الأعين، قاله الكلبي.
الثاني : من المشوهين بالعذاب، قاله مقاتل.
الثالث : من المهلكين، قاله الأخفش وقطرب.
الرابع : من المغلولين، قاله ابن بحر.
أحدهما : نودي يا أمة محمد استجبت لكم قبل أن تدعوني وأعطيتكم قبل أن تسألوني، قاله أبو هريرة.
الثاني : أنهم نودوا في أصلاب آبائهم أن يؤمنوا بك إذا بُعِثْتَ، قاله مقاتل.
﴿ وَلَكِن رَّحْمَةَ مِّن رَّبِّكَ ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : أن ما نودي به موسى من جانب الطور من ذكرك نعمة من ربك.
الثاني : أن إرسالك نبياً إلى قومك نعمة من ربك.
﴿ لِتُنذِرَ قَوْماً مَّا أَتَاهُم مِّن نَّذِيرٍ مِّن قَبْلِكَ ﴾ يعني العرب.
أحدها : معناه بيَّنا لهم القول، قاله السدي.
الثاني : أتممنا كصلتك الشيء بالشيء، قاله الأخفش.
الثالث : أتبعنا بعضه بعضاً، قاله علي بن عيسى.
وفي ﴿ الْقَوْلَ ﴾ وجهان :
أحدهما : أن الخبر عن الدنيا والآخرة، قاله ابن زيد.
الثاني : إخبارهم بمن أهلكنا من قوم نوح بكذا وقوم صالح بكذا وقوم هود بكذا.
﴿ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ ﴾ فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : يتذكرون محمداً فيؤمنوا به، قاله ابن عباس.
الثاني : يتذكرون فيخافون أن ينزل بهم ما نزل بمن قبلهم، قاله ابن عيسى.
الثالث : لعلهم يتعظون بالقرآن عن عبادة الأوثان، حكاه النقاش.
أحدهما : يعني الذين آتيناهم التوراة والإنجيل من قبل القرآن هم بالقرآن يؤمنون، قاله يحيى بن سلام.
الثاني : الذي آتيناهم التوراة والإنجيل من قبل محمد هم بمحمد يؤمنون، قاله ابن شجرة.
وفيمن نزلت قولان :
أحدهما : نزلت في عبد الله بن سلام وتميم الداري والجارود العبدي وسلمان الفارسي أسلموا فنزلت فيهم هذه الآية والتي بعدها، قاله قتادة.
الثاني : أنها نزلت في أربعين رجلاً من أهل الإنجيل كانوا مسلمين بالنبي صلى الله عليه وسلم قبل مبعثه، اثنان وثلاثون رجلاً من الحبشة أقبلوا مع جعفر بن أبي طالب وقت قدومه وثمانية قدموا من الشام. منهم بحيراً وأبرهة والأشراف وعامر وأيمن وإدريس ونافع فأنزل الله فيهم هذه الآية، والتي بعدها إلى قوله ﴿ أُوْلَئِكَ يُؤْتُوْنَ أَجْرَهُم مَّرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُوا ﴾ قال قتادة :[ بإيمانهم ] بالكتاب الأول وإيمانهم بالكتاب الآخر.
وفي قوله بما صبروا ثلاثة أوجه :
أحدها : بما صبروا على الإيمان، قاله ابن شجرة.
الثاني : على الأذى، قاله مجاهد.
الثالث : على طاعة الله وصبروا عن معصية الله، قاله قتادة.
﴿... وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ ﴾ فيه خمسة أوجه :
أحدها : يدفعون بالعمل الصالح ما تقدم من ذنب، قاله ابن شجرة.
الثاني : يدفعون بالحلم جهل الجاهل، وهذا معنى قول يحيى بن سلام.
الثالث : يدفعون بالسلام قبح اللقاء، وهذا معنى قول النقاش.
الرابع : يدفعون بالمعروف المنكر، قاله ابن جبير.
الخامس : يدفعون بالخير الشر، قاله ابن زيد.
ويحتمل سادساً : يدفعون بالتوبة ما تقدم من المعصية.
﴿ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ ﴾ فيه ثلاثة تأويلات :
أحدها : يؤتون الزكاة احتساباً، قاله ابن عباس.
الثاني : نفقة الرجل على أهله وهذا قبل نزول الزكاة، قاله السدي.
الثالث : يتصدقون من أكسابهم، قاله قتادة.
أحدهما : يعني الذين آتيناهم التوراة والإنجيل من قبل القرآن هم بالقرآن يؤمنون، قاله يحيى بن سلام.
الثاني : الذي آتيناهم التوراة والإنجيل من قبل محمد هم بمحمد يؤمنون، قاله ابن شجرة.
وفيمن نزلت قولان :
أحدهما : نزلت في عبد الله بن سلام وتميم الداري والجارود العبدي وسلمان الفارسي أسلموا فنزلت فيهم هذه الآية والتي بعدها، قاله قتادة.
الثاني : أنها نزلت في أربعين رجلاً من أهل الإنجيل كانوا مسلمين بالنبي صلى الله عليه وسلم قبل مبعثه، اثنان وثلاثون رجلاً من الحبشة أقبلوا مع جعفر بن أبي طالب وقت قدومه وثمانية قدموا من الشام. منهم بحيراً وأبرهة والأشراف وعامر وأيمن وإدريس ونافع فأنزل الله فيهم هذه الآية، والتي بعدها إلى قوله ﴿ أُوْلَئِكَ يُؤْتُوْنَ أَجْرَهُم مَّرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُوا ﴾ قال قتادة :[ بإيمانهم ] بالكتاب الأول وإيمانهم بالكتاب الآخر.
وفي قوله بما صبروا ثلاثة أوجه :
أحدها : بما صبروا على الإيمان، قاله ابن شجرة.
الثاني : على الأذى، قاله مجاهد.
الثالث : على طاعة الله وصبروا عن معصية الله، قاله قتادة.
﴿... وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ ﴾ فيه خمسة أوجه :
أحدها : يدفعون بالعمل الصالح ما تقدم من ذنب، قاله ابن شجرة.
الثاني : يدفعون بالحلم جهل الجاهل، وهذا معنى قول يحيى بن سلام.
الثالث : يدفعون بالسلام قبح اللقاء، وهذا معنى قول النقاش.
الرابع : يدفعون بالمعروف المنكر، قاله ابن جبير.
الخامس : يدفعون بالخير الشر، قاله ابن زيد.
ويحتمل سادساً : يدفعون بالتوبة ما تقدم من المعصية.
﴿ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ ﴾ فيه ثلاثة تأويلات :
أحدها : يؤتون الزكاة احتساباً، قاله ابن عباس.
الثاني : نفقة الرجل على أهله وهذا قبل نزول الزكاة، قاله السدي.
الثالث : يتصدقون من أكسابهم، قاله قتادة.
أحدها : أنهم قوم من اليهود أسلموا فكان اليهود يتلقونهم بالشتم والسب فيعرضون عنهم، قاله مجاهد.
الثاني : أنهم قوم من اليهود أسلموا فكانوا إذا سمعوا ما غَيّره اليهود من التوراة وبدلوه من نعت محمد صلى الله عليه وسلم وصفته أعرضوا عنه وكرهوا تبديله، قاله عبد الرحمن بن زيد بن أسلم.
الثالث : أنهم المؤمنون إذا سمعوا الشرك أعرضوا عنه، قاله الضحاك ومكحول.
الرابع : أنهم أناس من أهل الكتاب لم يكونوا يهوداً ولا نصارى وكانوا على دين أنبياء الله وكانوا ينتظرون بعثة رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما سمعوا بظهوره بمكة قصدوه، فعرض عليهم القرآن وأسلموا.
وكان أبو جهل ومن معه من كفار قريش يلقونهم فيقولون لهم : أفٍّ لكم من قوم منظور إليكم تبعتم غلاماً قد كرهه قومه وهم أعلم به منكم. فإذا ذلك لهم أعرضوا عنهم، قاله الكلبي.
﴿ قَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : لنا ديننا ولكم دينكم، حكاه النقاش.
الثاني : لنا حلمنا ولكم سفهكم.
﴿ سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ لاَ نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ ﴾ رَدّوا خيراً واستكفوا شراً، وفيه تأويلان :
أحدهما : لا نجازي الجاهلين، قاله قتادة.
الثاني : لا نتبع الجاهلين، قاله مقاتل.
﴿ أَوَلَمْ نُمَكِّن لَّهُمْ حَرَماً آمِناً ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : أنه جعله آمناً بما طبع النفوس عليه من السكون إليه حتى لا ينفر منه الغزال والذئب والحمام والحدأة.
الثاني : أنه جعله آمناً بالأمر الوارد من جهته بأمان من دخله ولاذ به، قاله يحيى بن سلام.
يقول كنتم آمنين في حرمي تأكلون رزقي وتعبدون غيري أفتخافون إذا عبدتموني وآمنتم بي.
﴿ يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ ﴾ أي تجمع إليه ثمرات كل أرض وبلد. وحكى مجاهد أن كتاباً وجد عند المقام فيه : إني أنا الله ذو بكة، وضعتها يوم خلقت الشمس والقمر، وحرمتها يوم خلقت السموات والأرض، وحففتها بسبعة أملاك حنفاء، يأتيها رزقها من ثلاثة سبل، مبارك لأهلها في الماء واللحم، أول من يحلها أهلها.
﴿ رِّزْقاً مِّن لَّدُنَّا ﴾ أي عطاء من عندنا.
﴿ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : لا يعقلون، قاله الضحاك.
الثاني : لا يتدبرون، قاله ابن شجرة.
أحدها : في أوائلها، قاله الحسن.
الثاني : في معظم القرى من سائر الدنيا، حكاه ابن عيسى.
الثالث : أن أم القرى مكة، قاله قتادة.
أحدهما : هو حمزة بن عبد المطلب والوعد الحسن الجنة و ﴿ لاَقِيهِ ﴾ دخولها، قاله السدي.
الثاني : هو النبي صلى الله عليه وسلم والوعد الحسن النصر في الدنيا والجنة في الآخرة، قاله الضحاك.
﴿ كَمَن مَّتَّعْنَاهُ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ﴾ قال السدي والضحاك : هو أبو جهل.
﴿ ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ ﴾ فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : من المحضرين للجزاء، قاله ابن عباس.
الثاني : من المحضرين في النار، قاله يحيى بن سلام.
الثالث : من المحضرين : المحمولين، قاله الكلبي.
أحدهما : الحجج، قاله مجاهد.
الثاني : الأخبار، قاله السدي.
﴿ فَهُمْ لاَ يَتَسَاءَلُونَ ﴾ فيه أربعة أوجه :
أحدها : لا يسألون بالأنساب، قاله مجاهد.
الثاني : لا يسأل بعضهم بعضاً أن يحتمل من ذنوبه، حكاه ابن عيسى.
الثالث :١ لا يسأل بعضهم بعضاً عن حاله، حكاه ابن شجرة.
الرابع : لا يسأل بعضهم بعضاً عن الحجة، وهذا قول الضحاك.
أحدهما : أخرجنا من كل أمة رسولا مبعوثا إليها.
الثاني : أحضرنا من كل أمة رسولا يشهد عليها أن قد بلغ رسالة ربه إليها، قاله قتادة.
﴿ فقلنا هاتوا برهانكم ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : حجتكم، قاله أبو العالية.
الثاني : بينتكم، قاله قتادة.
﴿ فعلموا أن الحق لله ﴾ فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : أن العدل لله، قاله ابن جبير.
الثاني : التوحيد لله، قاله السدي.
الثالث : الحجة لله.
﴿ وضلّ عنهم ﴾ يعني في القيامة.
﴿ ما كانوا يفترون ﴾ في الدنيا من الكذب.
(ينأوْن عنا وما تنأى مودتهم | والقلب فيهم رهين حيثما كانوا) |
(إنّا وجدنا خلفَاً بئس الخلف | عبداً إذا ما ناء بالحمل خضف) |
(ولست بمفراحٍ إذا الدهر سَرَّني | ولا جازعٍ من صرفه المتغلب) |
أحدهما : طلب الحلال في كسبه، قاله الحسن.
الثاني : أنه الصدقة وصلة الرحم، قاله السدي.
ويحتمل ثالثاً : وهو أعم أن يتقرب بنعم الله إليه. والمراد بالدار الآخرة الجنة.
﴿ وَلاَ تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا ﴾ فيه ثلاثة تأويلات.
أحدها : لا تنس حظك من الدنيا أن تعمل فيها لآخرتك، قاله ابن عباس.
الثاني : لا تنس استغناءك بما أحل الله لك عما حرمه عليك، قاله قتادة.
الثالث : لا تنس ما أنعم الله عليك أن تشكره عليه بالطاعة وهذا معنى قول مجاهد ويكون معناه : لا تنس شكر نصيبك.
﴿ وأحسن كما أحسن الله إليك ﴾ فيه ثلاث تأويلات :
أحدها : اعط فضل مالك كلما زاد على قدر حاجتك، وهذا معنى قول ابن زيد.
الثاني : وأحسن فيما افترض الله عليك كما أحسن في إنعامه عليك، وهذا معنى قول يحيى بن سلام.
الثالث : أحسن في طلب الحلال كما أحسن إليك في الإحلال.
﴿ وَلاَ تَبْغِ الْفَسَادِ فِي الأَرْضِ ﴾ يحتمل وجهين :
أحدهما : لا تعمل فيها بالمعاصي.
الثاني : لا تقطع١.
﴿ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : لا يحب أعمال المفسدين، قاله ابن عباس.
الثاني : لا يقرب المفسدين، قاله ابن قتيبة.
(ولقد شفى نفسي وأبْرأ سقمها | قيل الفوارس ويك عنتر أقدامِ) |
أحدها : معناه أو لا يعلم أن الله ؟ رواه معمر عن قتادة.
الثاني : أو لا يرى ؟ رواه سعيد عن قتادة.
الثالث :﴿ وَلكِنَّ اللَّهَ ﴾ بلغة حمير، قاله الضحاك.
الرابع :﴿ وَإِنَّ اللَّهَ ﴾ والياء، والكاف صلتان زائدتان، حكاه النقاش.
الخامس :﴿ وَكَأَنَّ اللَّهَ ﴾ والياء وحدها صلة زائدة. وقال ابن عيسى بهذا التأويل غير أنه جعل الياء للتنبيه.
السادس : معناه ويك أن الله ففصل بين الكاف والألف وجعل ويك بمعنى ويح فأبدل الحاء كافاً ومنه قول عنترة :
ولقد شفى نفسي وأبْرأ سقمها | قيل الفوارس ويك عنتر أقدمِ |
الثامن : وي منفصلة على طريق التعجب ثم استأنف فقال كأن الله، قاله الخليل.
﴿ يَبْسُطُ الرِّزْقُ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ ﴾ فيه ثلاثة تأويلات :
أحدها : معنى يقدر أن يختار له، قاله ابن عباس.
الثاني : ينظر له فإن كان الغنى خيراً له أغناه وإن كان الفقر خيراً له أفقره، قاله الحسن.
الثالث : يضيق، وهذا معنى قول ابن زيد.
(أستغفر الله ذنباً لست محصيه | رب العباد إليه الوجه والعمل) |
مكية كلها في قول الحسن وعكرمة وعطاء وجابر. ومدنية كلها في أحد قولي ابن عباس وقتادة. وفي القول الثاني لهما وهو قول يحيى بن سلام مكية كلها إلا عشر آيات من أولها مدنية إلى قوله ﴿وليعلمن المنافقين﴾ وقال علي رضي الله عنه نزلت بين مكة والمدينة. بسم الله الرحمن الرحيم
أحدها : معناه إلا هو، قاله الضحاك.
الثاني : إلا ما أريد به وجهه، قاله سفيان الثوري.
الثالث : إلا ملكه، حكاه محمد بن إسماعيل البخاري.
الرابع : إلا العلماء فإن علمهم باق، قاله مجاهد.
الخامس : إلا جاهه كما يقال لفلان وجه في الناس أي جاه، قاله أبو عبيدة.
السادس : الوجه العمل ومنه قولهم : من صلى بالليل حسن وجهه بالنهار أي عمله. وقال الشاعر :
أستغفر الله ذنباً لست محصيه | ربّ العباد إليه الوجه والعمل |
أحدهما : القضاء في خلقه بما يشاء من أمره، قاله الضحاك وابن شجرة.
الثاني : أن ليس لعباده أن يحكموا إلا بأمره، قاله ابن عيسى.
﴿ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ﴾ يوم القيامة فيثيب المحسن ويعاقب المسيء، والله أعلم.
سورة القصص
سورة (القَصَص) من السُّوَر المكية التي جاءت ببيانِ إعجاز هذا الكتاب، وبيانِ صِدْقِ نبوة مُحمَّد صلى الله عليه وسلم؛ من خلال قَصِّ القِصَص التي علَّمها اللهُ نبيَّه صلى الله عليه وسلم، وذكَرتِ السورةُ قصةَ موسى عليه السلام مع فِرْعون، وخروجَه من (مِصْرَ) إلى (مَدْيَنَ)، والتقاءَه بابنتَيْ شُعَيبٍ عليه السلام، وما تَبِع ذلك من التفاصيل التي كان مقصودُها بيانَ صراعِ الحقِّ والباطل، وأن النُّصرةَ لهذا الدِّين، وكذلك بيَّنت السورةُ تواضع الأنبياء مع الله عز وجل، ورَدَّ الأمرِ والفضل كلِّه لله عز وجل.
ترتيبها المصحفي
28نوعها
مكيةألفاظها
1438ترتيب نزولها
49العد المدني الأول
88العد المدني الأخير
88العد البصري
88العد الكوفي
88العد الشامي
88* قوله تعالى: {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَٰكِنَّ اْللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَآءُۚ} [القصص: 56]:
عن أبي هُرَيرةَ رضي الله عنه، قال: «قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم لعَمِّه: «قُلْ: لا إلهَ إلا اللهُ، أشهَدُ لك بها يومَ القيامةِ»، قال: لولا أن تُعيِّرَني قُرَيشٌ، يقولون: إنَّما حمَلَه على ذلك الجَزَعُ؛ لأقرَرْتُ بها عينَك؛ فأنزَلَ اللهُ: {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَٰكِنَّ اْللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَآءُۚ} [القصص: 56]». أخرجه مسلم (٢٥).
* سورة (القَصَص):
سُمِّيت سورةُ (القَصَص) بذلك؛ لوقوع لفظ (القَصَص) فيها في قوله تعالى: {فَلَمَّا جَآءَهُۥ وَقَصَّ عَلَيْهِ اْلْقَصَصَ} [القصص: 25].
اشتملت سورةُ (القَصَص) على الموضوعات الآتية:
1. طغيان فرعون، ووعد الله تعالى بإنقاذ المضطهدين، وعقوبة المفسدين (١-٦).
2. ميلاد موسى ونجاته من القتل (٧-١٣).
3. قتل القِبْطي خطأً، والخروج إلى (مَدْيَنَ) (١٤-٢١).
4. اللجوء إلى (مَدْيَنَ)، وزواج موسى عليه السلام (٢٢-٢٨).
5. بعثة موسى وهارون عليهما السلام، وتأييدهما (٢٩-٣٥).
6. بَدْء الدعوة، وتكذيب فرعون وجنوده، ونزول العقاب بهما (٣٦-٤٢).
7. إيتاء التوراة لموسى والقرآن لمُحمَّد عليهما السلام (٤٣-٥٠).
8. الإشارة إلى مؤمني أهلِ الكتاب، وتحذير كفار قريش من الرُّكون إلى الدنيا (٥١-٦١).
9. موقف المشركين يوم القيامة ودعوتهم للتوبة /توحيد الله تعالى (٦٢-٧٥).
10. قصة قارون وعاقبة البَغْي والتكبُّر (٧٦-٨٤).
11. بشارة النبيِّ بالعودة إلى مكَّةَ سالمًا (٨٥-٨٨).
ينظر: "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (5 /516).
مقصدُ سورة (القَصَص): هو بيانُ صراع الحقِّ والباطل، ونُصْرة الله لهذا الدِّين، وبيانُ تواضع الأنبياء لله عزَّ وجلَّ، ونتج عن هذا التواضعِ ردُّ الأمر كلِّه لله؛ كما تَجلَّى ذلك في قصة موسى عليه السلام مع المرأتين، ومردُّ ذلك إلى الإيمان بالآخرة، والإيمانِ بنبوَّة مُحمَّد صلى الله عليه وسلم، الثابتةِ بإعجاز القرآن، الذي أخبر بالغيب الذي لم يطَّلِعْ عليه أحد، وإنما هو من عند الله عزَّ وجلَّ، بما علَّمه اللهُ من القِصص الصادقة.
ينظر: "مصاعد النظر للإشراف على مقاصد السور" للبقاعي (2 /338).