تفسير سورة الأحقاف

الصراط المستقيم في تبيان القرآن الكريم

تفسير سورة سورة الأحقاف من كتاب الصراط المستقيم في تبيان القرآن الكريم
لمؤلفه الكَازَرُوني . المتوفي سنة 923 هـ

إلَّا آية:﴿ قُلْ أَرَأَيْتُمْ ﴾[الأحقاف: ٤] وآية:﴿ وَوَصَّيْنَا ﴾[الأحقاف: ١٥] إلى ثلاث آيات. لَّا بين ربوبينه العالم بين أنه ما خلقه عبثا فقال: ﴿ بِسمِ ٱللهِ ٱلرَّحْمٰنِ ٱلرَّحِيـمِ * حـمۤ * تَنزِيلُ ٱلْكِتَابِ ﴾: كائن ﴿ مِنَ ٱللَّهِ ٱلْعَزِيزِ ٱلْحَكِيمِ ﴾: كما مر ﴿ مَا خَلَقْنَا ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَآ إِلاَّ ﴾: خلقا ملبسا ﴿ بِٱلْحَقِّ ﴾: كما مر ﴿ وَ ﴾: بتقدير ﴿ أَجَلٍ مُّسَمًّى ﴾: القيامة ﴿ وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ عَمَّآ أُنذِرُواْ ﴾: به في ذلك اليوم ﴿ مُعْرِضُونَ * قُلْ أَرَأَيْتُمْ ﴾: أخبروني ﴿ مَّا تَدْعُونَ ﴾: تعبدون ﴿ مِن دُونِ ٱللَّهِ ﴾: من أصنامكم ﴿ أَرُونِي ﴾: تأكيد ﴿ مَاذَا خَلَقُواْ مِنَ ﴾: أجزاء ﴿ ٱلأَرْضِ أَمْ ﴾: بل ﴿ أَ ﴾: ﴿ لَهُمْ شِرْكٌ ﴾: شرك لله كائن ﴿ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ ﴾: خصها بعدم الشرك دون الأرض لأن بعضهم يثبت الوسائط من السموات في المحدثات الأرضية ﴿ ٱئْتُونِي بِكِتَابٍ مِّن قَبْلِ هَـٰذَآ ﴾: القرآن ﴿ أَوْ أَثَارَةٍ ﴾: بقية، وبكسر الهمزة: مناظرة ﴿ مِّنْ عِلْمٍ ﴾: للأولين يدل على ألوهيتهم ﴿ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ﴾: فيها ﴿ وَمَنْ ﴾: أي: لا ﴿ أَضَلُّ مِمَّن يَدْعُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَن لاَّ يَسْتَجِيبُ لَهُ ﴾: دعاءه ﴿ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ ﴾: أي: أبدا ﴿ وَهُمْ عَن دُعَآئِهِمْ غَافِلُونَ ﴾: لأنهم جماد ﴿ وَإِذَا حُشِرَ ٱلنَّاسُ كَانُواْ ﴾: آلهتهم ﴿ لَهُمْ أَعْدَآءً وَكَانُواْ بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ ﴾: جاحدين ﴿ وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ ﴾: واضحات المعنى ﴿ قَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لِلْحَقِّ ﴾: أي: قالوا للحق، أي: لأجل الأيات، وضع المظهرين مكان المضمرين تسجيلا على كفرهم، وحقيتهما ﴿ لَمَّا جَآءَهُمْ هَـٰذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ ﴾: لخرقه العادة ﴿ أَمْ ﴾: بل ﴿ أَ ﴾: ﴿ يَقُولُونَ ٱفْتَرَاهُ قُلْ إِنِ ٱفْتَرَيْتُهُ ﴾: فرضا ﴿ فَلاَ تَمْلِكُونَ لِي مِنَ ﴾: رد عذاب ﴿ ٱللَّهِ شَيْئاً ﴾: فكيف أجترئ عليه لأجلكم ﴿ هُوَ أَعْلَمُ بِمَا تُفِيضُونَ ﴾: تقولون ﴿ فِيهِ ﴾: في القرآن ﴿ كَفَىٰ بِهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَهُوَ ٱلْغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ ﴾: لمن تاب ﴿ قُلْ مَا كُنتُ بِدْعاً ﴾: بديعا ﴿ مِّنَ ٱلرُّسُلِ ﴾: بل سبقت بمثل ذلك ﴿ وَمَآ أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلاَ بِكُمْ ﴾: تفصيلا إذ لا أعلم الغيب، وقيل: أي: حالي وحالكم في الآخرة ثم بنزول: إنا فتحنا: الآيتين: علمهما: ﴿ إِنْ ﴾: أي: ما ﴿ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَىٰ إِلَيَّ ﴾: جواب عن اقتراحهم إخبار عن الغيب ﴿ وَمَآ أَنَاْ إِلاَّ نَذِيرٌ مُّبِينٌ ﴾: إنذاره ﴿ قُلْ أَرَأَيْتُمْ ﴾: أخبروني ﴿ إِن كَانَ ﴾: القرآن ﴿ مِنْ عِندِ ٱللَّهِ ﴾: قد ﴿ وَكَفَرْتُمْ بِهِ وَشَهِدَ شَاهِدٌ ﴾: عدل ﴿ مِّن بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ ﴾: كابن سلام - رضي الله عنه - ﴿ عَلَىٰ مِثْلِهِ ﴾: وهو كونه من عند الله ﴿ فَآمَنَ ﴾: الشاهد ﴿ وَٱسْتَكْبَرْتُمْ ﴾: جوابه: ألستم بظالمين، يدل عليه: ﴿ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلظَّالِمِينَ * وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لِلَّذِينَ ﴾: في حق الذين ﴿ آمَنُواْ لَوْ كَانَ ﴾: الإيمان ﴿ خَيْراً مَّا سَبَقُونَآ إِلَيْهِ ﴾: فإنّا أشرف منهم والأشْرافُ للأشْرف ﴿ وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُواْ بِهِ فَسَيَقُولُونَ ﴾: سببية لمجرد التأكيد ﴿ هَـٰذَآ إِفْكٌ ﴾: كذب ﴿ قَدِيمٌ * وَ ﴾: كأين ﴿ مِن قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَىٰ ﴾: حال كونه ﴿ إِمَاماً ﴾: يقتدى به ﴿ وَرَحْمَةً ﴾: للمؤمنين ﴿ وَهَـٰذَا كِتَابٌ مُّصَدِّقٌ ﴾: له حال كونه ﴿ لِّسَاناً عَرَبِيّاً لِّيُنذِرَ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ وَبُشْرَىٰ لِلْمُحْسِنِينَ * إِنَّ ٱلَّذِينَ قَالُواْ رَبُّنَا ٱللَّهُ ﴾: وحده لإفادة تأخر رتبة العمل عن التوحيد ﴿ ثُمَّ ٱسْتَقَامُواْ ﴾: على طاعته ﴿ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾: كما مر ﴿ أُوْلَـٰئِكَ أَصْحَابُ ٱلْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا ﴾: حَالٌ من ضمير﴿ فِيۤ أَصْحَابِ ٱلْجَنَّةِ ﴾[الأحقاف: ١٦] يُجوَوْنَ ﴿ جَزَآءً بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ * وَوَصَّيْنَا ﴾: أمرنا ﴿ ٱلإِنسَانَ ﴾: أن يحسن ﴿ بِوَٰلِدَيْهِ إِحْسَاناً حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً ﴾: ذات كره، اي: مشقة ﴿ وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً وَحَمْلُهُ وَفِصَٰلُهُ ﴾: فطامه، أي: مدتهما ﴿ ثَلٰثُونَ شَهْراً ﴾: المراد بيان كمال مدة الرضاع وعبر عنه بالفطام، لأنه منتاه، وأفاد أن أقل الحمل ستة أشهر لآية:﴿ وَٱلْوَالِدَاتُ ﴾[البقرة: ٢٣٣].
.. إلى آخره، وخص أقل الحمل وأكثر الرضاع لتحقيق ارتباط حكم النسب والرضاع بهما، قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: " إذا وضعت لتسعة أرضعت إحدى وعشرين، ولستة أربعة وعشرين "، وعاش ﴿ حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً ﴾: هو في الصديق ولو يسلم أحد من أبويه من الصحب سواه ﴿ قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِيۤ ﴾: ألهمني وأصله أولعني ﴿ أَنْ أَشكُرَ نِعْمَتَكَ ٱلَّتِيۤ أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَىٰ وَالِدَيَّ ﴾: بالإسلام ﴿ وَأَنْ أَعْمَلَ صَٰلِحاً تَرْضَٰهُ وَأَصْلِحْ ﴾: اجعل الصلاح ﴿ لِي فِي ذُرِّيَّتِيۤ ﴾: فآمن ولده عبد الرحمن ﴿ إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ ٱلْمُسْلِمِينَ * أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُواْ ﴾: أي: الطاعات، فإن المباح لا يثاب عليه، أو بمعنى حسن ﴿ وَنَتَجَاوَزُ عَن سَيِّئَاتِهِمْ ﴾: كائنين ﴿ فِيۤ أَصْحَابِ ٱلْجَنَّةِ وَعْدَ ٱلصِّدْقِ ﴾: مصدر مؤكد لنفسه ﴿ ٱلَّذِي كَانُواْ يُوعَدُونَ * وَٱلَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ ﴾: قبحا ﴿ لَّكُمَآ ﴾: كما مر ﴿ أَتَعِدَانِنِيۤ أَنْ أُخْرَجَ ﴾: أبعث ﴿ وَقَدْ خَلَتِ ٱلْقُرُونُ مِن قَبْلِي ﴾: وما رجع احد منهم ﴿ وَهُمَا يَسْتَغِيثَانِ ٱللَّهَ ﴾: يسألانه إغاثته لهدايته قائلين: ﴿ وَيْلَكَ ﴾: دعاء بالبثور للحث على ما يخاف على تركه ﴿ آمِنْ إِنَّ وَعْدَ ٱللَّهِ حَقٌّ فَيَقُولُ مَا هَـٰذَآ ﴾: الموعود ﴿ إِلاَّ أَسَاطِيرُ ﴾: أكاذيب ﴿ ٱلأَوَّلِينَ * أُوْلَـٰئِكَ ﴾: الجنس ﴿ ٱلَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ ٱلْقَوْلُ ﴾: بالعذاب كائنين ﴿ فِيۤ أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِمْ مِّنَ ٱلْجِنِّ وَٱلإِنسِ إِنَّهُمْ كَانُواْ خَاسِرِينَ ﴾: لما طعن عبد الرحمن بن أبي بكر في خلافه يزيد قال له: مروان نزلت فيك:
﴿ وَٱلَّذِي قَالَ ﴾[الأحقاف: ١٧] إلى آخره، فلما بلغ عائشة قالت: ما هو به ولو شئت لأُسمِّي من نزلت فيه، وسياق الآية يؤديها ﴿ وَلِكُلٍّ ﴾: من الفريقين ﴿ دَرَجَٰتٌ مِّمَّا عَمِلُواْ ﴾: لكن للأول عالية، وللثاني سافلة، أو من التغليب ﴿ وَ ﴾: قدر لهم درجاتهم ﴿ لِيُوَفِّيَهُمْ أَعْمَٰلَهُمْ ﴾: أي: جزاءَها ﴿ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ * وَيَوْمَ يُعْرَضُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ عَلَى ٱلنَّارِ ﴾: في الحديث:" إن لها عينا وكلاما "وقيل: قلب مبالغة، يقال لهم: ﴿ أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَـٰتِكُمْ ﴾: لذائذكم ﴿ فِي حَيَاتِكُمُ ٱلدُّنْيَا وَٱسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا ﴾: فما بقيت لكم لذة ﴿ فَٱلْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ ٱلْهُونِ ﴾: كما مر ﴿ بِمَا كُنتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي ٱلأَرْضِ بِغَيْرِ ٱلْحَقِّ ﴾: وتكبر المؤمن على الكافر لإيمانه بالحق ﴿ وَبِمَا كُنتُمْ تَفْسُقُونَ * وَٱذْكُرْ أَخَا عَادٍ ﴾: هودا ﴿ إِذْ أَنذَرَ قَوْمَهُ بِٱلأَحْقَافِ ﴾: أي: فيهما، وهي رمال مرتفعة مستطيلة، إذ كانوا بين رمال مشرفة على البحر في شحر اليمن ﴿ وَقَدْ خَلَتِ ٱلنُّذُرُ ﴾: المنذرون ﴿ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ ﴾: قبله ﴿ وَمِنْ خَلْفِهِ ﴾: معترضة ﴿ أَن ﴾: بأنْ ﴿ لاَّ تَعْبُدُوۤاْ إِلاَّ ٱللَّهَ ﴾: إذ النهي عن الشيء إنذار بمضرته ﴿ إِنَّيۤ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ * قَالُوۤاْ أَجِئْتَنَا لِتَأْفِكَنَا ﴾: لتصرفنا ﴿ عَنْ آلِهَتِنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَآ ﴾: من العذاب ﴿ إِن كُنتَ مِنَ ٱلصَّادِقِينَ * قَالَ إِنَّمَا ٱلْعِلْمُ ﴾: بوقت إتيانه ﴿ عِندَ ٱللَّهِ وَأُبَلِّغُكُمْ مَّآ أُرْسِلْتُ بِهِ ﴾: إليكم ﴿ وَلَـٰكِنِّيۤ أَرَاكُمْ قَوْماً تَجْهَلُونَ ﴾: لاستعجالكم عذابا يمكن وقوعه ﴿ فَلَمَّا رَأَوْهُ ﴾: أي: ما وعد ﴿ عَارِضاً ﴾: سحابا ﴿ مُّسْتَقْبِلَ ﴾: متوجه ﴿ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُواْ ﴾: استبشارا ﴿ هَـٰذَا عَارِضٌ مُّمْطِرُنَا ﴾: فقال هود ﴿ بَلْ هُوَ مَا ٱسْتَعْجَلْتُم بِهِ ﴾: هو ﴿ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ * تُدَمِّرُ ﴾: تهلك ﴿ كُلَّ شَيْءٍ ﴾: من نفوسهم وأموالهم ﴿ بِأَمْرِ رَبِّهَا ﴾: فطارت بهم ومزقتهم، وقيل: أمالت عليهم الأحقاف فكانوا تحتها سبع ليال وثمانية أيام، واعتزل هود بالمؤمنين في الحظيرة ﴿ فَأْصْبَحُواْ لاَ يُرَىٰ إِلاَّ مَسَاكِنُهُمْ كَذَلِكَ ﴾: الجزاء ﴿ نَجْزِي ٱلْقَوْمَ ٱلْمُجْرِمِينَ * وَلَقَدْ مَكَّنَاهُمْ فِيمَآ ﴾: في الذي ﴿ إِن ﴾: ما ﴿ مَّكَّنَّاكُمْ فِيهِ ﴾: مالا، وقوة، وعمرا ﴿ وَجَعَلْنَا لَهُمْ سَمْعاً وَأَبْصَاراً وَأَفْئِدَةً ﴾: ليشكروا بها ﴿ فَمَآ أَغْنَىٰ ﴾: دفع ﴿ عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلاَ أَبْصَارُهُمْ وَلاَ أَفْئِدَتُهُمْ مِّن شَيْءٍ ﴾: من الإغناء ﴿ إِذْ كَانُواْ يَجْحَدُونَ بِآيَاتِ ٱللَّهِ وَحَاقَ ﴾: حل ﴿ بِهم مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ ﴾: من العذاب ﴿ وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا مَا حَوْلَكُمْ ﴾: يا أهل مكة ﴿ مِّنَ ﴾: أهل ﴿ ٱلْقُرَىٰ ﴾: كما مر ﴿ وَصَرَّفْنَا ﴾: بينا، مكررا ﴿ ٱلآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ﴾: عن ضلالهم ﴿ فَلَوْلاَ ﴾: هلا ﴿ نَصَرَهُمُ ٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ قُرْبَاناً ﴾: تقربا إليهم ﴿ آلِهَةَ بَلْ ضَلُّواْ ﴾: غابوا ﴿ عَنْهُمْ ﴾: عن نصرهم يومئذ ﴿ وَذَلِكَ ﴾: الاتخاذ ﴿ إِفْكُهُمْ ﴾: صرفهم عن الحق ﴿ وَمَا كَانُواْ يَفْتَرُونَ ﴾: افتراؤهم ﴿ وَ ﴾: اذكر ﴿ إِذْ صَرَفْنَآ ﴾: أملنا ﴿ إِلَيْكَ نَفَراً ﴾: دون عشرة ﴿ مِّنَ ٱلْجِنِّ ﴾: نصيبين من اليمن، أو نينوى، حين صلى النبي صلى الله عليه وسلم الفجر ببطن النخل في انصرافه من الطائف، وكانوا سبعة أو تسعة، ومنهم زوبعة ﴿ يَسْتَمِعُونَ ٱلْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ ﴾: القرآن ﴿ قَالُوۤاْ أَنصِتُواْ ﴾: نسمعه ﴿ فَلَمَّا قُضِيَ ﴾: قراءته ﴿ وَلَّوْاْ ﴾: رجعوا ﴿ إِلَىٰ قَوْمِهِم مُّنذِرِينَ ﴾: قومهم، أو سماعهم كان مرات ﴿ قَالُواْ يٰقَوْمَنَآ إِنَّا سَمِعْنَا كِتَاباً أُنزِلَ مِن بَعْدِ مُوسَىٰ ﴾: ما ذكروا عيسى لأنهم كانوا من اليهود ﴿ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ ﴾: من الكتب ﴿ يَهْدِيۤ إِلَى ٱلْحَقِّ ﴾: من العقائد ﴿ وَإِلَىٰ طَرِيقٍ مُّسْتَقِيمٍ ﴾: من الشرائع ﴿ يٰقَوْمَنَآ أَجِيبُواْ دَاعِيَ ٱللَّهِ ﴾: إلى الإيمان ﴿ يَغْفِرْ لَكُمْ مِّن ﴾: بعض ﴿ ذُنُوبِكُمْ ﴾: وهو خالص حق الله ومظالم الحربي، وهو كانوا أهل الذمة، لتهودهم ﴿ وَيُجِرْكُمْ مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ ﴾: [أفادَ أنه - عليه الصّلاةُ والسلامُ - بُثَ إلى الجنِّ أيضًا، وما كانَ نبيٌّ قبله كذلكَ - قاله مقاتلٌ وعن ابن عباسٍ: أنَّ هامَ بن هيم بن لاَقيس بن إبليس جاءَ إلى النبي صلى الله عليه وسلم وذكر أنه حضر مقتل هابيل، وكان معَ نوح وهُود ومع إبراهيم في ناره، ومع يوسف في جُبه، ومع موسى، ومع موسى، وأنه أمرني أن أقرَأ عليك السلام، وأنه تعلم التوراة والإنجيل من موسى وعيسى، ثم طلب تعلم القرآن، فعلمه عليه الصلاة والسلام عشر سُورٍ - هذا حاصل حديث أبي شيبة هل يثابُ الجن أم لا؟... على الأول، وبعضهم على الثاني، بدليل: ﴿ وَيُجِرْكُمْ مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ ﴾: ويؤيد الأول﴿ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنسٌ ﴾[الرحمن: ٥٦] إلى آخره وبعض الأحاديث وسيأتي بيانه] ﴿ وَمَن لاَّ يُجِبْ دَاعِيَ ٱللَّهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ ﴾: الله ﴿ فِي ٱلأَرْضِ ﴾: فيفوته ﴿ وَلَيْسَ لَهُ مِن دُونِهِ أَوْلِيَآءُ ﴾: ينصرونه ﴿ أُوْلَـٰئِكَ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ ﴾: قال تعالى: ﴿ أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّ ٱللَّهَ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ ﴾: لم يعجز ﴿ بِخَلْقِهِنَّ ﴾: إذ قدرته واجبة لا تنقص بالإيجاد ﴿ بِقَادِرٍ عَلَىٰ أَن يُحْيِـيَ ٱلْمَوْتَىٰ بَلَىٰ إِنَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾: ومنه البعث ﴿ وَيَوْمَ يُعْرَضُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ عَلَىٰ ٱلنَّارِ ﴾: قيل لهم: ﴿ أَلَيْسَ هَـٰذَا ﴾: العذاب ﴿ بِٱلْحَقِّ قَالُواْ بَلَىٰ وَرَبِّنَا قَالَ فَذُوقُواْ ٱلْعَذَابَ ﴾: أمر إهانة ﴿ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ * فَٱصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُواْ ٱلْعَزْمِ ﴾: الثبات والصبر ﴿ مِنَ ٱلرُّسُلِ ﴾: فخرج آدم ويونس، أو أولوا الشرع الصابرون على مشاقة، كنوح وإبراهيم وموسى وعيسى عليهم الصلاة والسلام ﴿ وَلاَ تَسْتَعْجِل لَّهُمْ ﴾: بالعذاب، فإنه سيلحقهم ﴿ كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ ﴾: من العذاب ﴿ لَمْ يَلْبَثُوۤاْ ﴾: في الدنيا في ظننهم ﴿ إِلاَّ سَاعَةً مِّن نَّهَارٍ ﴾: يستقصرنه لشده هو لهم، هَذَا الذي وعظهم به ﴿ بَلاَغٌ ﴾: كفايةٌ ﴿ فَهَلْ ﴾: فلا ﴿ يُهْلَكُ إِلاَّ ٱلْقَوْمُ ٱلْفَاسِقُونَ ﴾: الخارجون عن الاتعاظ والطاعة.
سورة الأحقاف
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورة (الأحقاف) من السُّوَر المكية، وقد افتُتحت بدعوة هذا الكتابِ إلى التوحيد والإيمان بالله عز وجل: المتصِفِ بصفات الكمال، المستحِقِّ للعبودية، واشتملت على مقصدٍ عظيم؛ وهو: إنذارُ الكفار؛ بتذكيرهم بقصةِ (عادٍ)، وما أنزَل اللهُ بهم من عذاب في (الأحقاف)، وفي ذلك دلالةٌ وآية واضحة على قدرة الله على البعث وحساب الناس.

ترتيبها المصحفي
46
نوعها
مكية
ألفاظها
645
ترتيب نزولها
66
العد المدني الأول
34
العد المدني الأخير
34
العد البصري
34
العد الكوفي
35
العد الشامي
34

* قوله تعالى: {قُلْ أَرَءَيْتُمْ إِن كَانَ مِنْ عِندِ اْللَّهِ وَكَفَرْتُم بِهِۦ وَشَهِدَ شَاهِدٞ مِّنۢ بَنِيٓ إِسْرَٰٓءِيلَ عَلَىٰ مِثْلِهِۦ فَـَٔامَنَ وَاْسْتَكْبَرْتُمْۚ إِنَّ اْللَّهَ لَا يَهْدِي اْلْقَوْمَ اْلظَّٰلِمِينَ} [الأحقاف: 10]:

عن عوفِ بن مالكٍ الأشجَعيِّ رضي الله عنه، قال: «انطلَقَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم وأنا معه حتى دخَلْنا كنيسةَ اليهودِ يومَ عيدِهم، فكَرِهوا دخولَنا عليهم، فقال لهم رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «يا معشرَ اليهودِ، أَرُوني اثنَيْ عشَرَ رجُلًا منكم، يَشهَدون أنْ لا إلهَ إلا اللهُ وأنَّ مُحمَّدًا رسولُ اللهِ؛ يُحبِطِ اللهُ عن كلِّ يهوديٍّ تحتَ أديمِ السماءِ الغضَبَ الذي عليه»، قال: فأَسْكَتُوا ما أجابه منهم أحدٌ، ثم رَدَّ عليهم فلم يُجِبْهُ أحدٌ، ثم ثلَّثَ فلم يُجِبْهُ أحدٌ، فقال: «أبَيْتم؛ فواللهِ، إنِّي لأنا الحاشرُ، وأنا العاقبُ، وأنا النبيُّ المصطفى، آمَنْتم أو كذَّبْتم»، ثم انصرَفَ وأنا معه، حتى إذا كِدْنا أن نخرُجَ، نادى رجُلٌ مِن خَلْفِنا، فقال: كما أنتَ يا مُحمَّدُ، قال: فأقبَلَ، فقال ذلك الرجُلُ: أيَّ رجُلٍ تَعلَموني فيكم يا معشرَ اليهودِ؟ قالوا: واللهِ، ما نَعلَمُ أنَّه كان فينا رجُلٌ أعلَمَ بكتابِ اللهِ منك، ولا أفقَهَ منك، ولا مِن أبيك قَبْلَك، ولا مِن جَدِّكَ قَبْلَ أبيك، قال: فإنِّي أشهَدُ أنَّه نبيُّ اللهِ الذي تَجِدُونه في التَّوْراةِ، قالوا: كذَبْتَ، ثم رَدُّوا عليه وقالوا فيه شرًّا، قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «كذَبْتُم؛ لن يُقبَلَ قولُكم، أمَّا آنفًا فتُثْنُون عليه مِن الخيرِ ما أثنَيْتم، ولمَّا آمَنَ أكذَبْتموه، وقُلْتم فيه ما قُلْتم؛ فلن يُقبَلَ قولُكم»، قال: فخرَجْنا ونحن ثلاثةٌ: رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وأنا، وعبدُ اللهِ بنُ سَلَامٍ، وأنزَلَ اللهُ عز وجل فيه: {قُلْ أَرَءَيْتُمْ إِن كَانَ مِنْ عِندِ اْللَّهِ وَكَفَرْتُم بِهِۦ وَشَهِدَ شَاهِدٞ مِّنۢ بَنِيٓ إِسْرَٰٓءِيلَ عَلَىٰ مِثْلِهِۦ فَـَٔامَنَ وَاْسْتَكْبَرْتُمْۚ إِنَّ اْللَّهَ لَا يَهْدِي اْلْقَوْمَ اْلظَّٰلِمِينَ} [الأحقاف: 10]». أخرجه أحمد (23984).

* قوله تعالى: {وَإِذْ صَرَفْنَآ إِلَيْكَ نَفَرٗا مِّنَ اْلْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ اْلْقُرْءَانَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوٓاْ أَنصِتُواْۖ فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْاْ إِلَىٰ قَوْمِهِم مُّنذِرِينَ} [الأحقاف: 29]:

عن عبدِ اللهِ بن مسعودٍ رضي الله عنه، قال: «هبَطوا على النبيِّ صلى الله عليه وسلم وهو يَقرأُ القرآنَ ببطنِ نَخْلةَ، فلمَّا سَمِعوه، قالوا: أنصِتوا، قال: صَهْ، وكانوا تسعةً، أحدُهم زَوْبعةُ؛ فأنزَلَ اللهُ عز وجل: {وَإِذْ صَرَفْنَآ إِلَيْكَ نَفَرٗا مِّنَ اْلْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ اْلْقُرْءَانَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوٓاْ أَنصِتُواْۖ فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْاْ إِلَىٰ قَوْمِهِم مُّنذِرِينَ} [الأحقاف: 29]». أخرجه ابن أبي شيبة؛ كما في "تفسير القرآن العظيم" (4 /176).

* سورة (الأحقاف):

سُمِّيت سورة (الأحقاف) بهذا الاسمِ؛ لذِكْرِ (الأحقاف) فيها؛ كما في قوله تعالى: {وَاْذْكُرْ أَخَا عَادٍ إِذْ أَنذَرَ قَوْمَهُۥ بِاْلْأَحْقَافِ وَقَدْ خَلَتِ اْلنُّذُرُ مِنۢ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِۦٓ أَلَّا تَعْبُدُوٓاْ إِلَّا اْللَّهَ إِنِّيٓ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٖ} [الأحقاف: 21].
و(الأحقافُ): هي مَسكَنُ (عادٍ) الذين أهلكهم اللهُ.

1. القرآن حقٌّ من عند الله تعالى يدعو للتوحيد (١-١٤).

2. الفِطْرة في استقامتها وانحرافها (١٥-٢٠).

3. خسران المكذبين عِبْرةٌ لمن يعتبر (٢١-٢٨).

4. الرسول مُصدَّقٌ من عند الثَّقَلين (٢٩-٣٥).

ينظر: "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (7 /179).

مقصدُ هذه السورة هو إنذارُ الكافرين بعذابِ الله قومَ هُودٍ عليه السلام بـ(الأحقاف)، وفي ذلك دلالةٌ واضحة على صدقِ الوعد في قيام الساعة؛ فالله لا يُخلِف وعدَه، وفي هذا دعوةٌ لهم إلى توحيد الله، والاستجابةِ لأمره، وأخذِ العِبْرة من عذاب الله العزيز الحكيم لقومِ هُودٍ عليه السلام.

ينظر: "مصاعد النظر للإشراف على مقاصد السور" (2 /481).