تفسير سورة القصص

تفسير غريب القرآن للكواري

تفسير سورة سورة القصص من كتاب تفسير غريب القرآن - الكواري المعروف بـتفسير غريب القرآن للكواري.
لمؤلفه كَامِلَة بنت محمد الكَوارِي .

﴿إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ﴾ في مُلْكِهِ وَسُلْطَانِهِ وَجُنُودِهِ وَجَبَرُوتِهِ، فَصَارَ مِنْ أَهْلِ العُلُوِّ فيها، لا مِنَ الأَعْلَيْنِ فِيهَا.
﴿لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا﴾ أي: لِتَكُونَ العاقبةُ والمآلُ من هذا الالتقاطِ، أن يكون عَدُوًّا لهم وَحَزَنًا يُحْزِنُهُمْ، بِسَبَبِ أن الحذرَ لا يَنْفَعُ من القَدَرِ، وأن الَّذِي خَافُوا منه من بَنِي إسرائيلَ، قَيَّضَ اللهُ أن يكونَ زَعِيمَهُمْ، يَتَرَبَّى تَحْتَ أَيْدِيهِمْ وعلى نَظَرِهِمْ وَبِكَفَالَتِهِمْ.
﴿قُصِّيهِ﴾ اتَّبِعِي أَثَرَهُ.
﴿وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ﴾ من القُوَّةِ والعَقْلِ وَاللُّبِّ، وذلك نحوَ أَرْبَعِينَ سَنَةً في الغَالِبِ.
﴿وَاسْتَوَى﴾ فَكَمُلَتْ فيه تِلْكَ الأُمُورُ.
﴿فَوَكَزَهُ﴾ ضَرَبَهُ بِجُمْعِ كَفِّهِ.
﴿فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا﴾ أي: مُعِينًا وَمُسَاعِدًا.
﴿يَتَرَقَّبُ﴾ أي: يَنْتَظِرُ الطَّلَبَ، هل يَلْحَقُهُ فَيَأْخُذُهُ، وَالتَّرَقُّبُ: انْتِظَارُ المَكْرُوهِ، ثُمَّ لَجَأَ مُوسَى إلى رَبِّهِ تعالى لِعِلْمِهِ أنه لا مَلْجَأَ إلا إليه.
﴿تِلْقَاء مَدْيَنَ﴾ أي: قَاصِدًا بِوَجْهِهِ مَدْيَنَ، وهو جَنُوبِيُّ فِلَسْطِينَ، حيث لا مُلْكَ فيه لِفِرْعَوْنَ.
﴿وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ﴾ أي: وَصَلَ، فَالوُرُودُ هنا معناه الوصولُ والبلوغُ.
﴿تَذُودَانِ﴾ الذَّوْدُ: السَّوْقُ وَالطَّرْدُ وَالدَّفْعُ.
﴿إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ﴾ وَهَذَانِ الوَصْفَانِ يَنْبَغِي اعْتِبَارُهُمَا في كُلِّ مَنْ يَتَوَلَّى للإنسانِ عَمَلًا بِإِجَارَةٍ أو غَيْرِهَا، فإن الخللَ لا يكون إلا بِفَقْدِهِمَا، أو فَقْدِ إِحْدَاهُمَا، وأما بِاجْتِمَاعِهِمَ؛ افإن العملَ يَتِمُّ وَيَكْمُلُ.
﴿جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ﴾ قِطْعَةٌ مِنَ الجَمْرِ، وَالجَذْوَةُ: الجَمْرَةُ المُلْتَهِبَةُ.
﴿كَأَنَّهَا جَانٌّ﴾ حَيَّةٌ تَتَحَرَّكُ وَتَضْطَرِبُ بِسُرْعَةٍ، والجانُّ: ذَكَرُ الحَيَّاتِ العَظِيمُ.
﴿سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ﴾ أي: نُعَاوِنُكَ به وَنُقَوِّيكَ.
﴿بِجَانِبِ الْغَرْبِيِّ﴾ بِجَانِبِ الطُّورِ الْغَرْبِيِّ.
﴿ثَاوِيًا﴾ مُقِيمًا.
﴿وَصَّلْنَا لَهُمُ الْقَوْلَ﴾ تَابَعْنَاهُ وَوَاصَلْنَاهُ وَأَنْزَلْنَاهُ لِأَهْلِ مكةَ شيئًا فشيئًا رَحْمَةً بِهِمْ وَلُطْفًا.
﴿نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا﴾ أي: بالقتلِ والأَسْرِ، وَنَهْبِ الأموالِ؛ فإن الناسَ قد عَادَوْكَ وَخَالَفُوكَ، فلو تَابَعْنَاكَ لَتَعَرَّضْنَا لمُعَادَاةِ الناسِ كُلِّهِمْ، ولم يكن لنا بِهِمْ طَاقَةٌ، وهذا الكلامُ منهم يَدُلُّ عَلَى سُوءِ الظَّنِّ باللهِ تعالى، وأنه لا يَنْصُرُ دِينَهُ، ولا يُعْلِي كَلِمَتَهُ.
﴿فَعَمِيَتْ﴾ فَخَفِيَتْ.
﴿سَرْمَدًا﴾ دَائِمًا لا يَنْقَطِعُ.
﴿لَتَنُوأُ﴾ أي: مَفَاتِحُ خَزَائِنِ كُنُوزِهِ لَتُثْقِلُ الجماعةَ القَوِيَّةَ، وتَمِيلُ بهم لِثِقَلِهَا، يُقَالُ: نَاءَ بِالحِمْلِ: نَهَضَ به مُثْقَلًا وَنَاءَ به الحِمْلُ: أَثْقَلَهُ، والعصبة من الرجال: ما بَيْنَ العَشَرَةِ إلى الأَرْبَعِينَ.
﴿وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا﴾ أي: لَا نَأْمُرُكَ أن تتصدقَ بجميعِ مَالِكَ، وَتَبْقَى ضَائِعًا، بل أَنْفِقْ لِآخِرَتِكَ، وَاسْتَمْتِعْ بالدُّنْيَا اسْتِمْتَاعًا لا يَثْلُمُ دِينَكَ، وَلَا يَضُرُّ بِآخِرَتِكَ.
﴿وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ﴾ الَّذِينَ عَرَفُوا حقائقَ الأشياءِ، وَنَظَرُوا إلى بَاطِنِ الدنيا، حِينَ نَظَرَ غيرُهم إلى ظَاهِرِهَا.
﴿وَيْلَكُمْ﴾ مُتَوَجِّعِينَ مما تَمنَّوْا لِأَنْفُسِهِمْ، رَائِينَ لِحَالِهمْ، مُنْكِرِينَ لِمَقَالِهمْ.
﴿وَيْكَأَنَّهُ﴾ وَيْ: كَلِمَةُ تَعَجُّبٍ، أي: عَجَبًا.
﴿فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ﴾ أَنْزَلَ عليكَ القُرْآنَ وَأَوْجَبَ عليكَ العملَ به.
﴿إِلَى مَعَادٍ﴾ إلى مكانٍ تَعُودُ إليه، وَاخْتَلَفَ المفسرونَ فيه عَلَى أقوالٍ منها: أنه المقامُ المحمودُ، وقيل: بَلَدُكَ مكةُ، وقيل: الجنةُ، وقيل: البعثُ، وقيل: الموتُ.
﴿وَلَا يَصُدُّنَّكَ﴾ لا يَصْرِفَنَّكَ عن العملِ بآياتِ اللهِ بَعْدَ أن أَنْزَلَها اللهُ عَلَيْكَ، فَأَبْلِغِ الآيَاتِ وَلَا تُبَالِ بِمَكْرِهِمْ، وَلَا يَخْدَعُنَّكَ عَنْهَا، وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ.
87
سُورة العَنكُبوت
سورة القصص
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورة (القَصَص) من السُّوَر المكية التي جاءت ببيانِ إعجاز هذا الكتاب، وبيانِ صِدْقِ نبوة مُحمَّد صلى الله عليه وسلم؛ من خلال قَصِّ القِصَص التي علَّمها اللهُ نبيَّه صلى الله عليه وسلم، وذكَرتِ السورةُ قصةَ موسى عليه السلام مع فِرْعون، وخروجَه من (مِصْرَ) إلى (مَدْيَنَ)، والتقاءَه بابنتَيْ شُعَيبٍ عليه السلام، وما تَبِع ذلك من التفاصيل التي كان مقصودُها بيانَ صراعِ الحقِّ والباطل، وأن النُّصرةَ لهذا الدِّين، وكذلك بيَّنت السورةُ تواضع الأنبياء مع الله عز وجل، ورَدَّ الأمرِ والفضل كلِّه لله عز وجل.

ترتيبها المصحفي
28
نوعها
مكية
ألفاظها
1438
ترتيب نزولها
49
العد المدني الأول
88
العد المدني الأخير
88
العد البصري
88
العد الكوفي
88
العد الشامي
88

* قوله تعالى: {إِنَّكَ ‌لَا ‌تَهْدِي ‌مَنْ ‌أَحْبَبْتَ وَلَٰكِنَّ اْللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَآءُۚ} [القصص: 56]:

عن أبي هُرَيرةَ رضي الله عنه، قال: «قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم لعَمِّه: «قُلْ: لا إلهَ إلا اللهُ، أشهَدُ لك بها يومَ القيامةِ»، قال: لولا أن تُعيِّرَني قُرَيشٌ، يقولون: إنَّما حمَلَه على ذلك الجَزَعُ؛ لأقرَرْتُ بها عينَك؛ فأنزَلَ اللهُ: {إِنَّكَ ‌لَا ‌تَهْدِي ‌مَنْ ‌أَحْبَبْتَ وَلَٰكِنَّ اْللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَآءُۚ} [القصص: 56]». أخرجه مسلم (٢٥).

* سورة (القَصَص):

سُمِّيت سورةُ (القَصَص) بذلك؛ لوقوع لفظ (القَصَص) فيها في قوله تعالى: {فَلَمَّا جَآءَهُۥ وَقَصَّ عَلَيْهِ ‌اْلْقَصَصَ} [القصص: 25].

اشتملت سورةُ (القَصَص) على الموضوعات الآتية:

1. طغيان فرعون، ووعد الله تعالى بإنقاذ المضطهدين، وعقوبة المفسدين (١-٦).

2. ميلاد موسى ونجاته من القتل (٧-١٣).

3. قتل القِبْطي خطأً، والخروج إلى (مَدْيَنَ) (١٤-٢١).

4. اللجوء إلى (مَدْيَنَ)، وزواج موسى عليه السلام (٢٢-٢٨).

5. بعثة موسى وهارون عليهما السلام، وتأييدهما (٢٩-٣٥).

6. بَدْء الدعوة، وتكذيب فرعون وجنوده، ونزول العقاب بهما (٣٦-٤٢).

7. إيتاء التوراة لموسى والقرآن لمُحمَّد عليهما السلام (٤٣-٥٠).

8. الإشارة إلى مؤمني أهلِ الكتاب، وتحذير كفار قريش من الرُّكون إلى الدنيا (٥١-٦١).

9. موقف المشركين يوم القيامة ودعوتهم للتوبة /توحيد الله تعالى (٦٢-٧٥).

10. قصة قارون وعاقبة البَغْي والتكبُّر (٧٦-٨٤).

11. بشارة النبيِّ بالعودة إلى مكَّةَ سالمًا (٨٥-٨٨).

ينظر: "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (5 /516).

مقصدُ سورة (القَصَص): هو بيانُ صراع الحقِّ والباطل، ونُصْرة الله لهذا الدِّين، وبيانُ تواضع الأنبياء لله عزَّ وجلَّ، ونتج عن هذا التواضعِ ردُّ الأمر كلِّه لله؛ كما تَجلَّى ذلك في قصة موسى عليه السلام مع المرأتين، ومردُّ ذلك إلى الإيمان بالآخرة، والإيمانِ بنبوَّة مُحمَّد صلى الله عليه وسلم، الثابتةِ بإعجاز القرآن، الذي أخبر بالغيب الذي لم يطَّلِعْ عليه أحد، وإنما هو من عند الله عزَّ وجلَّ، بما علَّمه اللهُ من القِصص الصادقة.

ينظر: "مصاعد النظر للإشراف على مقاصد السور" للبقاعي (2 /338).