ﰡ
٣٩٠٨ - وَجَدْنا لكم في آلِ حَمَ آيةً | تَأَوَّلَها منا تقيٌّ ومُعْرِبُ |
٣٩١١ - فإلى ابنِ أُمِّ أُناسٍ أَرْحَلُ ناقتي | عمْروٍ فتُبْلِغُ حاجتي أو تُزْحِفُ |
مَلِكٍ إذا نَزَلَ الوفودُ ببابِه | عَرَفُوا موارِدَ مُزْبِدٍ لا يُنْزَفُ |
٣٩١٢ - وكم مِنْ عائبٍ قَوْلاً صحيحاً | وآفَتُه من الفَهْمِ السَّقيمِ |
٣٩١٣ - قد تُنْكِرُ العينُ ضوءَ الشمسِ مِنْ رَمَدٍ | ويُنكِرُ الفَمُ طَعْمَ الماءِ مِنْ سَقَمِ |
و ﴿لاَ إله إِلاَّ هُوَ﴾ يجوزُ أَنْ يكون مستأنفاً، وأَنْ يكونَ حالاً، وهي حالٌ لازمةٌ، وقال أبو البقاء: «يجوزُ أَنْ يكونَ صفةً»، وعلى هذا ظاهرُه فاسدٌ؛ لأنَّ الجملةَ لا تكونُ صفةً للمعارفِ. ويمكنُ أَنْ يريدَ أنه صفةٌ ل «شديد العقاب» لأنَّه لم يتعرَّفْ عنده بالإِضافةِ. والقولُ في «إليه المصيرُ» كالقولِ في الجملةِ قبله، ويجوزُ أَنْ يكونَ حالاً من الجملةِ قبلَه.
٣٩١٤ - فإمَّا تَأْخُذُوني تَقْتُلوني | فكَمْ مِنْ آخِذٍ يَهْوَى خُلودي |
٣٩١٥ - حَسَدُوا الفتى إذ لم يَنالُوا سَعْيَه | فالقومُ أعداءٌ له وخُصومُ |
كضَرائرِ الحَسْناءِ قُلْنَ لِوَجْهها | كَذِباً وزُوْراً إنه لدَمِيمُ |
واللامُ في» لَمَقْتُ «لامُ ابتداءٍ أو قسمٍ. ومفعولُه محذوفٌ أي: لمقتُ اللَّهِ إياكم أو أنفسَكم، فهو مصدرٌ مضافٌ لفاعلِه كالثاني. ولا يجوزُ أَنْ تكون المسألةُ من بابِ التنازع في» أنفسَكم «بين المقتَيْن لئلا يَلزمَ الفصلُ بالخبرِ بين المَقْتِ الأول ومعمولِه على تقديرِ إعمالِه، لكنْ قد اختلف النحاةُ في مسألةٍ: وهي التنازعُ في فِعْلَيْ التعجب، فَمَنْ مَنَعَ اعتَلَّ بما ذكرْتُه؛ لأنه لا يُفْصَلُ بين فعلِ التعجبِ ومعمولِه. ومَنْ جَوَّزَ قال: يُلتزم إعمالُ الثاني؛ حتى لا يَلْزَمَ الفَصْلُ. فليكُنْ هذا منه. والحقُّ عدمُ الجوازِ فإنَّه على خلافِ قاعدةِ التنازع.
وقُرِئ «رفيعَ» بالنصبِ على المدح، و «مِنْ أَمْرِه» متعلِّقٌ ب «يُلْقِي» و «مِنْ» لابتداءِ الغايةِ. ويجوزُ أَن يكونَ متعلِّقاً بمحذوفٍ على أنه حالٌ من «الروح».
قوله: «لِيُنْذِرَ» العامَّةُ على بنائِه للفاعلِ، ونصبِ اليوم. والفاعلُ هو اللَّهُ تعالى أو الروح أو مَنْ يشاء أو الرسول. ونَصْبُ اليوم: إمَّا على الظرفيَّةِ. والمُنْذَرُ به محذوفٌ تقديرُه: ليُنْذِرَ بالعذابِ يومَ التَّلاق، وإمَّا على المفعول به اتِّساعاً في الظرفِ.
وقرأ أُبَيٌّ وجماعةٌ كذلك، إلاَّ أنه رَفَع اليوم على الفاعليَّةِ مجازاً أي: ليُنْذِر الناسَ العذابَ يومُ التلاق. وقرأ الحسن واليمانيُّ «لِتُنْذِرَ» بالتاءِ من فوقُ. وفيه وجهان، أحدُهما: أنَّ الفاعلَ ضميرُ المخاطبِ، وهو الرسولُ صلَّى الله عليه وسلَّم. والثاني: أنَّ الفاعلَ ضميرُ الروحِ فإنَّها مؤنثةٌ على رَأْيٍ. وقرأ اليمانيُّ أيضاً «لِيُنْذَرَ» مبنياً للمفعول، «يومُ» بالرفعِ، وهي تُؤَيِّدُ نصبَه في قراءةِ الجمهورِ على المفعولِ به اتِّساعاً.
٣٩١٦ - لو بغيرِ الماءِ حَلْقي شَرِقٌ | كُنْتُ كالغَصَّانِ بالماءِ اعتصاري |
٣٩١٧ -........................ | فهَلاَّ نَفْسُ لَيْلى شَفيعُها |
٣٩١٨ - على حينَ عاتَبْتَ المشيبَ على الصِّبا | ............................ |
٣٩١٩ - أَزِف التَّرَحُّلُ غيرَ أنَّ رِكابَنا | لَمَّا تَزَلْ برِحالِنا وكأنْ قَدِ |
٣٩٢٠ - بان الشبابُ وهذا الشيبُ قد أَزِفا | ولا أرَى لشبابٍ بائنٍ خلفا |
قوله: «إذ القلوبُ» بدْلٌ من يومِ الآزِفةِ، أو مِنْ «هم» في «أَنْذِرْهُمْ» بدلُ اشتمالٍ.
قوله: «كاظِمين» نصبٌ على الحالِ. واختلفوا في صاحبها والعاملِ فيها. وقال الحوفي: «القلوبُ» مبتدأ. و «لدى الحناجِر» خبرُه، و «كاظمين» حالٌ من الضميرِ المستكنِّ فيه «. قلت: ولا بُدَّ مِنْ جوابٍ عن جمعِ القلوبِ جمعَ مَنْ يَعْقِل: وهو أنْ يكونَ لَمَّا أَسْند إليهم ما يُسْنَدُ للعقلاءِ جُمِعَتْ جَمْعَه، كقولِه: ﴿رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ﴾ [يوسف: ٤]، ﴿فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ﴾ [الشعراء: ٤]. الثاني: أنها حالٌ من» القلوب «. وفيه السؤالُ والجوابُ المتقدِّمان. الثالث: أنه حالٌ من أصحاب القلوب. قال الزمخشري:» هو حالٌ مِنْ أصحاب القلوب على المعنى؛ إذ المعنى: إذْ قلوبُهم لدى الحناجر كاظمين عليها «. قلت: فكأنَّه في قوةِ أنْ جَعَلَ أل عِوَضاً من الضمير في حناجرهم: الرابع: أَنْ يكونَ حالاً مِنْ» هم «في» أَنْذِرْهم «، وتكونُ حالاً مقدرةً؛ لأنهم وقتَ الإِنذارِ غيرُ كاظمين.
وقال ابن عطية:» كاظِمين حالٌ ممَّا أُبْدِلَ منه «إذ القلوب» أو ممَّا تُضاف القلوبُ إليه؛ إذ المرادُ: إذ قلوبُ الناس لدى حناجرِهم، وهذا كقولِه: ﴿تَشْخَصُ فِيهِ الأبصار﴾ [إبراهيم: ٤٢] أراد: تَشْخَصُ فيه أبصارُهم «. قلت: ظاهرُ قولِه أنه حالٌ ممَّا أُبْدِل منه.
قوله: ﴿وَلاَ شَفِيعٍ يُطَاعُ﴾ » يُطاعُ «يجوزُ أَنْ يُحْكَمَ على موضعِه بالجرِّ نعتاً على اللفظِ، وبالرفعِ نعتاً على المحلِّ؛ لأنه معطوفٌ على المجرور بمِنْ المزيدةِ.
وقوله: ﴿وَلاَ شَفِيعٍ يُطَاعُ﴾ مِنْ باب:
٣٩٢١ - على لاحِبٍ لا يُهْتَدى بمَنارِه | ....................... |
الثالث: أنها متصلةٌ بقولِه ﴿سَرِيعُ الحساب﴾ [غافر: ١٧].
الرابع: أنها متصلة بقولِه: ﴿لاَ يخفى عَلَى الله مِنْهُمْ شَيْءٌ﴾ [غافر: ١٦]. وعلى هذين الوجهين فيُحْتمل أَنْ تكونَ جاريةً مَجْرَى العلةِ، وأنْ تكونَ في محلِّ نصبٍ على الحال.
وخائنةُ الأَعْيُن فيه وجهان، أحدهما: أنه مصدرٌ كالعافيةِ، أي: يَعْلَمُ خيانةَ الأعين. / والثاني: أنها صفةٌ على بابِها، وهو مِنْ بابِ إضافةِ الصفةِ للموصوفِ، والأصلُ: الأعين الخائنة، كقوله:
٣٩٢٢ -............................ | وإن سَقَيْتِ كِرامَ الناسِ فاسْقِينا |
٣٩٢٣ - ألم تَسْأَلْ فتُخْبِرْكَ الرُّسومُ | ........................... |
قوله: «منهم قوةً» قرأ ابنُ عامرٍ «منكم» على سبيلِ الالتفاتِ، والباقون بضميرِ الغَيْبة جَرْياً على ما سَبَقَ من الضمائرِ الغائبةِ.
قوله: «وآثاراً» عطفٌ على «قوةً»، وهو في قوة قولِه: ﴿يَنْحِتُونَ مِنَ الجبال بُيُوتاً آمِنِينَ﴾ [الحجر: ٨٢]، وجعله الزمخشريُّ منصوباً بمقدر قال: «أو أراد: وأكثرَ آثاراً كقولِه:
٣٩٢٤ -.......................
يعني: ومُعْتَقِلاً رمحاً». ولا حاجةَ إلى هذا مع الاستغناء عنه.
٣٩٢٥ - كَتَمْتُكَ هَمَّاً بالجَمومَيْنِ ساهِراً | وهَمَّيْن هَمَّاً مُسْتَكِنَّاً وظاهراً |
أحاديثَ نَفْسٍ تشتكي ما برَبِّها | ووِرْدَ هُمومٍ لَنْ يَجِدْنَ مَصادِرا |
قوله: ﴿أَن يَقُولَ رَبِّيَ﴾ أي: كراهةَ أَنْ يقولَ أو لأَنْ يقولَ. والعامَّةُ على ضَمِّ عين «رَجُل» وهي الفصحى. والأعمش وعبد الوارث على تسكينها، وهي لغةُ تميمٍ ونجد. وقال الزمخشري: «ولك أَنْ تُقَدِّرَ مضافاً محذوفاً أي: وقت أَنْ يقولَ. والمعنى: أتقتلونه ساعةَ سَمِعْتم منه هذا القولَ من غير رَوِيَّةٍ ولا فِكْرٍ». وهذا الذي أجازه رَدَّه الشيخ: بأنَّ تقديرَ هذا الوقتِ لا يجوزُ إلاَّ مع
قوله: «وقد جاءَكم» جملةٌ حالية يجوز أَنْ تكونَ من المفعول. فإنْ قيلَ: هو نكرةٌ. / فالجوابُ: أنه في حيِّزِ الاستفهام وكلُّ ما سَوَّغ الابتداءَ بالنكرةِ سَوَّغ انتصابَ الحال عنها. ويجوز أَنْ يكونَ حالاً من الفاعل.
قوله: ﴿بَعْضُ الذي يَعِدُكُمْ﴾ «بعض» على بابِها، وإنما قال ذلك ليهضِمَ موسى عليه السلام بعضَ حقه في ظاهرِ الكلام، فيُرِيَهم أنه ليس بكلامِ مَنْ أعطاه حقه وافياً فَضْلاً أَنْ يتعصَّبَ له، قاله الزمخشري. وهذا أَحسنُ مِنْ قولِ غيرِه: إنَّها بمعنى كل، وأنشدوا قولَ لبيد:
٣٩٢٦ - تَرَّاكُ أَمْكنةٍ إذا لم يَرْضَها | أو يَرْتَبِطْ بعضُ النفوسِ حِمامُها |
٣٩٢٧ - قد يُدْرِكُ المتأنِّي بعضَ حاجتِه | وقد يكونُ مع المستعجِلِ الزَّلَلُ |
٣٩٢٨ - إنَّ الأمورَ إذا الأحداثُ دَبَّرها | دون الشيوخِ ترى في بعضِها خَلَلا |
٣٩٣١ - تنادَوْا بالرحيلِ غَداً | وفي تَرْحالِهم نَفْسي |
٣٩٣٢ - وبَثَّ الخَلْقَ فيها إذ دَحاها | فهُمْ سُكَّانُها حتى التنادي |
٣٩٣٣ - يا ناقُ سِيْري عَنَقاً فَسِيحا | إلى سليمانَ فَنَسْتريحا/ |
٣٩٣٤ - لَيْتَ الشبابَ هو الرَّجيعُ على الفتى | والشيبُ كان هو البَدِئُ الأولُ |
قوله: ﴿وتدعونني إِلَى النار﴾ هذه الجملةُ مستأنفةٌ أخبر عنهم بذلك بعد استفهامِه عن دعاءِ نفسِه. ويجوز أن يكونَ التقديرُ: وما لكم تَدْعُونني إلى النارِ، وهو الظاهرُ. ويَضْعُفُ أَنْ تكونَ الجملةُ حالاً أي: ما لكم أدعوكم إلى النجاةِ حالَ دعائِكم إياي إلى النار؟
وقد تقدَّم الخلافُ في ﴿لاَ جَرَمَ﴾ [غافر: ٤٣]. وقال الزمخشري هنا: ورُوي عن العرب «لا جُرْمَ أنه يفعل كذا» بضم الجيم وسكونِ الراء بمعنى لا بُدَّ، وفُعْل وفَعَل أخَوان كرُشْد ورَشَد وعُدْم وعَدَم «.
قوله: «ويومَ تقومُ» فيه ثلاثةُ أوجهٍ، أظهرها: أنه معمولٌ لقولٍ مضمرٍ، وذلك القولُ المضمرُ محكيٌّ به الجملةُ الأمريَّةُ من قوله «أدخِلوا» والتقدير: ويُقال له/ يومَ تقومُ الساعةُ: أدْخِلوا. الثاني: أنه منصوبٌ بأَدخِلوا أي: أدْخِلوا يومَ تقومُ. وعلى هذين الوجهين فالوقفُ تامٌّ على قوله «وعَشِيَّاً». والثالث: أنه معطوفٌ على الظرفَيْن قبلَه، فيكونُ معمولاً ل «يُعْرَضُون». فالوقفُ على هذا على قولِه «الساعة» و «أَدْخِلوا» معمولٌ لقولٍ مضمرٍ أي: يُقال لهم كذا وكذا.
قوله: «تَبَعاً» فيه ثلاثةُ أوجه، أحدُها: أنه اسمُ جمعٍ لتابعٍ، ونحوه: خادِم وخَدَم، وغائِب، وغَيَبَ، وأَديم وأَدَم. والثاني: أنه مصدرٌ واقع موقعَ اسمِ الفاعلِ أي: تابِعين. والثالث: أنه مصدرٌ أيضاً، ولكنْ على حَذْفِ مضاف أي: ذوي تَبَع.
قوله: «نصيباً» فيه ثلاثةُ أوجهٍ، أحدُها: أَنْ ينتصبَ بفعلٍ مقدرٍ يَدُلُّ عليه
٣٩٣٥ - رَهْطُ ابنِ كُوْزٍ مُحقِبيْ أَدْراعِهم | فيهمْ ورَهْطُ ربيعةَ بنِ حُذار |
٣٩٣٦ - دعا فَأَجَبْنَا وَهْو بادِيَ ذلَّةٍ | لديكمْ وكان النصرُ غيرَ بعيدِ |
قلت: الزمخشريُّ مَنْعُه صحيحٌ لأنه ماشٍ على مذهبِ الجمهور، وأمَّا تمثيلُه بما ذَكَر فلا يَضُرُّه لأنه في محلِّ المَنْعِ، فعدمُ تجويزِه صحيحٌ.
الثالث أنَّ» كلاً «بدلٌ مِنْ» ن «في» إنَّا «، لأَنَّ» كلاً «قد وَلِيَتْ العوامِل/ فكأنه قيل: إنَّ كلاً فيها.
وإذا كانوا قد تأوَّلوا قولَه:
٢٩٣٧ -.................... حَوْلاً أَكْتعاً... [وقوله:].
٢٩٣٨ -...................... وحَوْلاً أَجْمعا | على البدلِ مع عدم تصرُّفِ أكتع وأَجْمع فلأَنْ يجوزَ ذلك في «كل» أَوْلَى |
٣٩٣٩ - أنا سيفُ العشيرةِ فاعْرِفوني | حُمَيْداً قد تَذَّرَّيْتُ السَّناما |
٣٩٤٠ - فما بَرِحَتْ أقدامنا في مكانِنا | ثلاثتِنا حتى أُزِيْرُوا المنَائيا |
قوله: «تَتَذَكَّرون» قرأ الكوفيون بتاء الخطاب، والباقون بياءِ الغَيْبة. فالخطابُ على الالتفاتِ للمذكورَيْن بعد الإِخبار عنهم، والغيبةُ نظراً لقولِه: ﴿إِنَّ الذين يُجَادِلُونَ﴾ وهم الذين التفتَ إليهم في قراءةِ الخطاب.
قوله: «والسَّلاسِلُ» العامَّةُ على رَفْعِها. وفيه ثلاثةُ أوجهٍ، أحدُها: أنه معطوفٌ على الأغلال، وأخبر عن النوعَيْن بالجارِ، فالجارُّ في نية التأخير. والتقديرُ: إذ الأغلالُ والسَّلاسلُ في أعناقِهم. الثاني: أنه مبتدأٌ، وخبرُه محذوفٌ لدلالةِ خبر الأولِ عليه. الثالث: أنه مبتدأٌ أيضاً، وخبرُه الجملةُ مِنْ قولِه «يُسْحَبُون». ولا بُدَّ مِنْ ذِكْرٍ يعودُ عليه منها. والتقديرُ: والسَّلاسل يُسْحَبُون بها حُذِفَ لقوةِ الدلالةِ عليه. فَيُسْحَبُون مرفوع المحلِّ على هذا الوجهِ. وأمَّا في الوجهَيْن المتقدِّمين فيجوز فيه النصبُ على الحالِ من الضمير المَنْوِيِّ في الجارِّ، ويجوزُ أَنْ يكونَ مستأنفاً.
وقرأ ابن مسعود وابنُ عباس وزيد بن علي وابن وثاب والمسيبي في اختيارِه «والسلاسلَ» نَصْباً «يَسْحَبون» بفتح الياءِ مبنياً للفاعلِ، فيكون «السلاسلَ» مفعولاً مقدماً، ويكونُ قد عَطَفَ جملةً فعليةً على جملةٍ اسميةٍ. قال ابن عباس في معنى/ هذه القراءة: «إذ كانوا يَجُرُّوْنها، فهو أشدُّ عليهم يُكَلَّفون ذلك، ولا يُطيقونه». وقرأ ابنُ عباس وجماعةٌ «والسلاسلِ» بالجرِّ، «يُسْحَبون» مبنياً للمفعولِ. وفيها ثلاثةُ تأويلاتٍ، أحدُها: الحَمْلُ على المعنى تقديرُه: إذ أعناقُهم في الأغلالِ والسلاسلِ، فلمَّا كان معنى الكلام ذلك حُمِل عليه في العطف. قال الزمخشري: «ووجهُه أنه لو قيل: إذ أعناقُهم
ونظيرُه:
٣٩٤١ - مَشائيمُ ليسوا مُصْلِحين عشيرةً | ولا ناعِبٍ إلاَّ بِبَيْنٍ غُرابُها |
٣٩٤٢ - أجِدَّكَ لن تَرَى بثُعَيْلِباتٍ | ولا بَيْداءَ ناجيةً ذَمُوْلا |
ولا متدارِكٍ والليلُ طَفْلٌ | ببعضِ نواشِغِ الوادي حُمُوْلا |
٣٩٤٣ -........................ | عليكِ ورحمةُ اللَّهِ السَّلامُ |
والسِّلْسِلَةُ معروفةٌ. قال الراغب «وتَسَلْسَلَ الشيءُ: اضطرَبَ كأنه تُصُوِّرَ منه تَسَلُّلٌ مترددٌ، فتَرَدُّدُ لفظِه تنبيهٌ على تردُّد معناه. وماءٌ سَلسَلٌ متردد في مقرِّه». والسَّحْبُ: الجرّ بعنفٍ، والسَّحابُ من ذلك؛ لأنَّ الريحَ تجرُّه، أو لأنه يجرُّ الماءَ. وسَجَرْتُ التنُّورَ أي: ملأتُه ناراً وهَيَّجْتُها. ومنه البحر المَسْجُور أي: المملوء. وقيل: المضطرِمُ ناراً. قال الشاعر:
٣٩٤٤ - إذا شاءَ طالعَ مَسْجُوْرَةً | تَرَى حَوْلَها النَّبْعَ والشَّوْحَطا |
قوله: «فإلينا يُرْجَعُون» ليس جواباً للشرطِ الأولِ، بل جواباً لِما عُطِفَ عليه، وجوابُ الأولِ محذوفٌ. قال الزمخشري: «فإلينا يُرْجَعُون» متعلِّق بقولِه: «نَتَوَفَّيَنَّك» وجوابُ «نُرِيَنَّك» محذوفٌ تقديرُه: فإنْ نُرِيَنَّك بعضَ الذي نَعِدُهم مِنَ العذابِ وهو القَتْلُ يومَ بدرٍ فذاك، وإنْ نَتَوَفَّيَنَّكَ قبلَ يومِ بَدْرٍ فإلينا
وقرأ السُّلميُّ ويعقوبُ» يَرْجَعون «بفتح ياءِ الغَيْبَةِ مبنياً للفاعلِ. وابنُ مصرف ويعقوب أيضاً بفتح تاءِ الخطابِ.
٣٩٤٥ - بأيِّ كتابٍ أم بأيةِ سُنَّةٍ | ترى حُبَّهم عاراً عليَّ وتَحْسَبُ |
قوله: «سُنَّةَ اللَّهِ» يجوزُ انتصابُها على المصدرِ المؤكِّدِ لمضمونِ الجملةِ، يعني: أنَّ الذي فَعَلَ اللَّهُ بهم سُنَّةٌ سابقةٌ من الله. ويجوزُ انتصابُها على التحذيرِ أي: احذروا سنةَ اللَّهِ في المكذِّبين التي قد خَلَتْ في عبادِه. و «هنالك» في الأصل مكان. قيل: واسْتُعير هنا للزمانِ، ولا حاجةَ له، فالمكانيَّةُ فيه ظاهرةٌ.
سورة غافر
سورةُ (غافرٍ) من السُّوَر المكِّية، بُدِئت بعد حمدِ الله بإثبات صفةِ المغفرة له عزَّ وجلَّ، ولا تكون مغفرةٌ إلا عن عِزَّةٍ وعلم وقدرة، فأثبتت هذه السورة كثيرًا من صفاتِ الكمال لله عزَّ وجلَّ، كما أظهرت قُدْرتَه عزَّ وجلَّ على العقاب؛ فالله غافرُ الذَّنب وقابلُ التَّوب، لكنه شديدُ العقاب، كما جاءت السورةُ على حُجَجِ المشركين وأدحضَتْها، ودعَتْ إلى الإيمان بالله ورسوله صلى الله عليه وسلم؛ فالله ناصرٌ دِينَه، ومُعْلٍ كتابَه.
ترتيبها المصحفي
40نوعها
مكيةألفاظها
1226ترتيب نزولها
60العد المدني الأول
84العد المدني الأخير
84العد البصري
82العد الكوفي
85العد الشامي
86* سورة (غافرٍ):
سُمِّيت سورةُ (غافرٍ) بهذا الاسم؛ لورود هذه الصفةِ لله في أوَّل السورة.
1. صفات الله تعالى (١-٣).
2. نشاط المشركين العقليُّ ضد الرسول صلى الله عليه وسلم (٤-٦).
3. إعانة المسلمين للتصدي للمشركين (٧-٩).
4. مصير المشركين، وندَمُهم (١٠-١٢).
5. صفاته تعالى، وإفراده بالعبادة (١٣-١٧).
6. يوم الفصل، وأحوالُ الناس فيه (١٨-٢٢).
7. صور من مسيرة الدعاة (٢٣-٢٧).
8. مؤمن آل فرعون (٢٨-٤٥).
9. حُجَجٌ تدعو إلى الإيمان (٢٨-٢٩).
10. نماذجُ تطبيقية (٣٠-٣٤).
11. حُجَج المشركين الداحضةُ (٣٥- ٣٧).
12. حُجَجٌ تستوجب التوبةَ والإيمان (٣٨-٤٥).
13. ندمُ المشركين على كفرهم، وعذابُهم (٤٥-٥٠).
14. عهدٌ من الله لنصرِ المؤمنين (٥١-٥٥).
15. أسباب تمسُّك المشركين بشِرْكِهم (٥٦-٥٩).
16. توجيه المؤمنين لتوثيق رأيِهم بالسُّنَن الكونية (٦٠- ٦٨).
17. وعيدٌ للمشركين بمصيرهم الأُخْروي (٦٩-٧٧).
18. وعد الرسول بالانتصار له، وضربُ الأمثلة من الواقع (٧٨-٨٥).
ينظر: "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (6 /530).
مقصودُها بيانُ اتصافِ الله عزَّ وجلَّ بالعِزَّة الكاملة والعلمِ الشامل، ومغفرتِه لمن يشاء من عباده؛ فإنه لا يَقدِر على غفران ما يشاء لكل من يشاء إلا كاملُ العِزَّة، ولا يَعلَم جميعَ الذُّنوب ليسمى غافرًا لها إلا بالغُ العلم.
ينظر: "مصاعد النظر للإشراف على مقاصد السور" للبقاعي (2 /435).