تفسير سورة غافر

معاني القرآن

تفسير سورة سورة غافر من كتاب معاني القرآن
لمؤلفه الأخفش . المتوفي سنة 215 هـ

قال ﴿ حم ﴾ ﴿ تَنزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ ﴾ ( ٢ ) ﴿ غَافِرِ الذَّنبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ﴾ ( ٣ ) فهذا على البدل لأن هذه الصفة.
وأما ﴿ غَافِرِ الذَّنبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ ﴾ فقد يكون معرفة لأنك تقول : هذا ضاربُ زيدٍ مُقْبِلاً " إذا لم ترد به التنوين.
ثم قال ﴿ ذِي الطَّوْلِ ﴾ ( ٣ ) فيكون على البدل وعلى الصفة ويجوز فيه الرفع على الابتداء والنصب على خبر المعرفة إلا في ﴿ ذِي الطَّوْلِ ﴾ فإنه لا يكون فيه النصب على خبر المعرفة لأنه معرفة. و " التَوْبُ " هو جماعة التَوْبَةِ ويقال " عَوْمَةٌ " و " عَوْمٌ " في " عَوْمِ السَّفِينَةِ " وقال الشاعر :[ من البسيط وهو الشاهد الخامس والستون بعد المئتين ] :
[ ١٦٥ ء ] عَوْم السَّفِينِ فَلَمَّا حالَ دُونَهُمُ فَيْدُ القُرَيَّاتِ فالفِتْكَانُ فالكَرَمُ
قال ﴿ وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ ﴾ ( ٥ ) فجمع على " الكُلَّ " لأن " الكُلَّ " مذكر معناه معنى الجماعة.
وقال ﴿ وَكَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُواْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ النَّارِ ﴾ ( ٦ ) أي : لأَِنَّهُم أَوْ بِأَنَّهم وليس ﴿ أَنَّهُمْ ﴾ في موضع مفعول. ليس مثل قولك " أَأَحَقَّت أنهم " لو كان كذلك كان أَحَقَّتْ أَنَّهُمْ*.
وقال ﴿ وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَّحْمَةً وَعِلْماً ﴾ ( ٧ ) فانتصابه كانتصاب " لَكَ مِثْلُه عَبْداً " لأنك قد جعلت " وسعت " ل " كلّ شَيْءٍ " وهو مفعول به والفاعل التاء وجئت ب " الرَّحْمَةِ " و " العِلْم " تفسيرا قد شغل عنها الفعل كما شغل " المِثْلُ " بالهاء فلذلك نصبته تشبيها بالمفعول بعد الفاعل.
وقال ﴿ يُنَادَوْنَ لَمَقْتُ اللَّهِ أَكْبَرُ ﴾ ( ١٠ ) فهذه اللام هي لام الابتداء كأنه " يُنَادَوْنَ " فيقال لهم لأَنَّ النِداءَ قول. ومثله في الإعراب : يقال : " لَزَيْدٌ أَفضْلُ مِِنْ عَمْرٍو ".
وقال ﴿ رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ ذُو الْعَرْشِ ﴾ ( ١٥ ) رفيع [ رَفْعٌ ] على الابتداء. والنصبُ جائز لو كان في الكلام على المدح.
وقال ﴿ يَوْمَ هُم بَارِزُونَ ﴾ ( ١٦ ) فأضاف المعنى فلذلك لا ينون اليوم كما قال ﴿ يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ ﴾، وقال ﴿ هذا يَوْمُ لاَ يَنطِقُونَ ﴾ معناه هذا يوم فتنتهم. ولكن لما ابتدأ الاسم [ ١٦٥ ب ] وبقي عليه لم يقدر على جرّه وكانت الإضافة في المعنى إلى الفتنة. وهذا إنما يكون إذا كان " اليَوْم " في معنى " إِذْ " وإلا فهو قبيح.
ألا ترى أنك تقول " لَقِيتُكَ زَمَنَ زَيْدٌ أَمِيرٌ " أيْ : إِذْ زَيْدٌ اَمِيرْ. ولو قلت " أَلْقَاكَ زَمَنَ زيدٌٍ أَميرْ " لَمْ يحسن.
وقال ﴿ لِّمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ﴾ ( ١٦ ) فهذا على ضمير " يَقُولُ ".
وقال﴿ إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ كَاظِمِينَ ﴾ ( ١٨ ) فانتصاب ﴿ كَاظِمِينَ ﴾ على الحال كأنه أَرَادَ " القلوبُ لدىَ الحَنَاجِرِ في هذه الحالِ ".
وقال ﴿ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ ﴾ ( ٣٥ ) فمن نون جعل " المتكبّر الجبارَ " من صفته ومن لم ينون أضاف " القلبَ " إلى المتكبر.
وقال ﴿ يا هَامَانُ ابْنِ لِي ﴾ ( ٣٦ ) بعضُهم يضم النون* كأنه اتبعها ضمة النون التي في ﴿ هامان ﴾ كما قالوا " مِنْتِنٌ " فكسروا الميم للكسرة التي في التاء وبينها حرف ساكن فلم يحل. وكذلك لم يحل الباء في قوله ﴿ ابنِ لي ﴾.
وقال ﴿ وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ ﴾ ( ٤٥ ) ﴿ النَّارِ ﴾ ( ٤٦ ) فإن شئت جعلت ﴿ النُارِ ﴾ بدلا من ﴿ سوءُ العذاب ﴾ ورفعتها على ﴿ حاقَ ﴾ وإن شئت جعلتها تفسيرا ورفعتها على الابتداء [ ١٦٦ ء ] كأنك تقول : " هي النار " وان شئت جررت على أن تجعل ﴿ النار ﴾ بدلا من ﴿ العذاب ﴾ كأنك أردت : " سوءُ النارِ ".
وقال ﴿ غُدُوّاً وَعَشِيّاً وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُواْ آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ ﴾ ( ٤٦ ) وفيه ضمير " يقال لهم ادْخُلُوا يا آلَ فِرْعَوْنَ " وقال بعضهم ﴿ أَدْخِلُوا ﴾ فقطع وجعله من " أَدْخَلَ يُدْخِلُ ". وقال ﴿ غُدُوّاً وَعَشِيّاً وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ ﴾ فإنما هو مصدر كما تقول : " آتِيهِ ظَلاماً " تجعله ظرفا وهو مصدر جعل ظرفا ولو قلت " مَوْعِدُكَ غَدْرَةٌ " أو " مَوْعِدُكَ ظلامٌ " فرفعته كما تقول : " مَوْعِدكَ يومُ الجمعة " لم يحسن لأن هذه المصادر وما أشبهها من نحو " سَحَر " لا تجعل إلا ظرفا والظرف كله ليس بمتمكن.
وقال ﴿ أَدْخِلُواْ آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ ﴾ ( ٤٦ ) وقال ﴿ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ ﴾ فيجوز أَنْ يكون آل فرعون أُدْخِلُوا مع المنافقين في الدَّرَكِ الأَسْفَلِ وهو أشد العذاب.
وأَمَّا قولُه ﴿ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَاباً لاَّ أُعَذِّبُهُ أَحَداً مِّنَ الْعَالَمِينَ ﴾ فقوله : لا أُعَذِّبُهُ أَحَداً من عالَمِ أَهْلِ زَمانِهِ.
وقال ﴿ كُنَّا لَكُمْ تَبَعاً ﴾ ( ٤٧ ) لأن " التَبَعَ " يكون واحداً وجماعَةً ويجمع فيقال " أَتْباع ".
وقال ﴿ إِنَّا كُلٌّ فِيهَا ﴾ ( ٤٨ ) فجعل ﴿ كُلٌّ ﴾ اسماً مبتدأً كما تقول : " إِنَّا كُلُّنا فيها ".
وقال ﴿ وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ ﴾ ( ٥١ ) و﴿ تَقُومُ ﴾ كلٌّ جائز وكذلك كل جماعة مذكّر أَو مؤنّث من الإنس فالتذكير والتأنيث في فعله جائز.
وقال ﴿ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالإِبْكَارِ ﴾ ( ٥٥ ) يريد " في الإِبْكارِ " وقد تقول " بالدارِ زَيْدٌ " تريد " زَيْدٌ في الدَّارِ ".
وقال ﴿ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ﴾ ( ٦٠ ) فقوله ﴿ أَسْتَجِبْ ﴾ إِنَّما هو " أَفْعَلُ " هذه الألف سوى ألف الوصل. أَلاَ تَرَى أَنَّك تقول : " بِعْتَ " " تَبِيعُ " ثم تقول " أَبيعُ " [ ١٦٦ ب ] فتجيءُ فيها ألف ل " أَفْعَلُ " فهي نظير الياء والتاء في " يَفْعَلُ " و " تَفْعَلُ " * تقطع كل شيء كان على " أَفْعَلُ " في وصل كان أو قطع.
وقال ﴿ لِتَرْكَبُواْ مِنْهَا ﴾ ( ٧٩ ) كأنه أضمر " شَيْئاً ".
سورة غافر
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورةُ (غافرٍ) من السُّوَر المكِّية، بُدِئت بعد حمدِ الله بإثبات صفةِ المغفرة له عزَّ وجلَّ، ولا تكون مغفرةٌ إلا عن عِزَّةٍ وعلم وقدرة، فأثبتت هذه السورة كثيرًا من صفاتِ الكمال لله عزَّ وجلَّ، كما أظهرت قُدْرتَه عزَّ وجلَّ على العقاب؛ فالله غافرُ الذَّنب وقابلُ التَّوب، لكنه شديدُ العقاب، كما جاءت السورةُ على حُجَجِ المشركين وأدحضَتْها، ودعَتْ إلى الإيمان بالله ورسوله صلى الله عليه وسلم؛ فالله ناصرٌ دِينَه، ومُعْلٍ كتابَه.

ترتيبها المصحفي
40
نوعها
مكية
ألفاظها
1226
ترتيب نزولها
60
العد المدني الأول
84
العد المدني الأخير
84
العد البصري
82
العد الكوفي
85
العد الشامي
86

* سورة (غافرٍ):

سُمِّيت سورةُ (غافرٍ) بهذا الاسم؛ لورود هذه الصفةِ لله في أوَّل السورة.

1. صفات الله تعالى (١-٣).

2. نشاط المشركين العقليُّ ضد الرسول صلى الله عليه وسلم (٤-٦).

3. إعانة المسلمين للتصدي للمشركين (٧-٩).

4. مصير المشركين، وندَمُهم (١٠-١٢).

5. صفاته تعالى، وإفراده بالعبادة (١٣-١٧).

6. يوم الفصل، وأحوالُ الناس فيه (١٨-٢٢).

7. صور من مسيرة الدعاة (٢٣-٢٧).

8. مؤمن آل فرعون (٢٨-٤٥).

9. حُجَجٌ تدعو إلى الإيمان (٢٨-٢٩).

10. نماذجُ تطبيقية (٣٠-٣٤).

11. حُجَج المشركين الداحضةُ (٣٥- ٣٧).

12. حُجَجٌ تستوجب التوبةَ والإيمان (٣٨-٤٥).

13. ندمُ المشركين على كفرهم، وعذابُهم (٤٥-٥٠).

14. عهدٌ من الله لنصرِ المؤمنين (٥١-٥٥).

15. أسباب تمسُّك المشركين بشِرْكِهم (٥٦-٥٩).

16. توجيه المؤمنين لتوثيق رأيِهم بالسُّنَن الكونية (٦٠- ٦٨).

17. وعيدٌ للمشركين بمصيرهم الأُخْروي (٦٩-٧٧).

18. وعد الرسول بالانتصار له، وضربُ الأمثلة من الواقع (٧٨-٨٥).

ينظر: "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (6 /530).

مقصودُها بيانُ اتصافِ الله عزَّ وجلَّ بالعِزَّة الكاملة والعلمِ الشامل، ومغفرتِه لمن يشاء من عباده؛ فإنه لا يَقدِر على غفران ما يشاء لكل من يشاء إلا كاملُ العِزَّة، ولا يَعلَم جميعَ الذُّنوب ليسمى غافرًا لها إلا بالغُ العلم.

ينظر: "مصاعد النظر للإشراف على مقاصد السور" للبقاعي (2 /435).