تفسير سورة الأحقاف

المصحف المفسّر

تفسير سورة سورة الأحقاف من كتاب المصحف المفسّر
لمؤلفه فريد وجدي . المتوفي سنة 1373 هـ
سورة الأحقاف مكية وآياتها خمس وثلاثون

تفسير الألفاظ :
﴿ حم ﴾ الأحرف التي تبدأ بها بعض السور، قيل إنها رموز إلهية، وقيل أقسام من الله، وقيل إنها أسماء لله، وقيل إنها إشارة لابتداء كلام وانتهاء كلام، وقيل إنها أسماء لتلك السور.
تفسير المعاني :
حم.
تفسير المعاني :
تنزيل الكتاب من الله العزيز الحكيم، المراد بالكتاب في هذه الآية القرآن الكريم، وقد كرر الله تعالى هذا المعنى في عشرات من آيات كلامه القديم تنبيها للناس أن مثل هذه الحكم البالغة، والآيات الباهرة لا تصدر عن بشر كما كان المشركون يتوهمون ذلك ويقولون إنه افتراه على الله.
تفسير الألفاظ :
﴿ وأجل مسمى ﴾ أي وبتقدير موعد مقرر لها.
تفسير المعاني :
وما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما من العوالم إلا ملتبسة بالحق وبتقدير موعد لها تنتهي فيه.
تفسير الألفاظ :
﴿ ما تدّعون ﴾ أي ما تعبدون. ﴿ شرك ﴾ أي شركة. ﴿ أو أثارة من علم ﴾ أي أو بقية من علم بقيت لديكم من علوم الأولين.
تفسير المعاني :
قل : أرأيتم أي أخبروني عن حال آلهتكم، وبينوا لي ماذا خلقوا من أجزاء الأرض، أم لهم شركة في السماوات مع الله، ائتوني بكتاب من قبل هذا القرآن أو بقية من علم الأولين تشير إلى استحقاقها للعبادة إن كنتم صادقين.
تفسير المعاني :
ومن أكثر ضلالا ممن يدعون من دون الله من لا يجيب دعاءه إلى يوم القيامة، وهم عن دعائهم غافلون ؟
تفسير الألفاظ :
﴿ حشر ﴾ أي جمع. والحشر أصله جمع الناس وسوقهم للحرب، يقال حشر الناس يحشرهم حشرا أي جمعهم.
تفسير المعاني :
وإذا جمع الناس في يوم القيامة كانوا لتلك الآلهة أعداء لأنهم يرونهم سبب هلاكهم، وكانوا بعبادتهم كافرين.
تفسير الألفاظ :
﴿ تتلى ﴾ أي تقرأ. ﴿ بينات ﴾ أي واضحات.
تفسير المعاني :
وإذا تقرأ عليهم آياتنا واضحات قال الذين كفروا في شأن الحق لما جاءهم، أي آيات القرآن : هذا سحر ظاهر أي أنها في خدع النفوس كالسحر المبين.
تفسير الألفاظ :
﴿ تفيضون فيه ﴾ أي تندفعون فيه من القدح في آياته.
تفسير المعاني :
أم يقولون افتراه ؟ قل : إن افتريته وعاجلني الله بالعقوبة فلا تقدرون على دفع شيء منها عني، هو اعلم بما تندفعون فيه من القدح في آياته، كفى به شاهدا بيني وبينكم وهو الغفور الرحيم.
تفسير الألفاظ :
﴿ بدعا ﴾ أي مبدعا، أي لم يتقدمني رسول قال مثل قولي، أو مبدعا بمعنى قلت ما لم يقله أحد قبلي. ﴿ إن أتبع ﴾ أي ما أتبع.
تفسير المعاني :
قل لهم يا محمد : ما كنت بدعا من الرسل، أي لست أنا أول رسول في العالم ولم يسبقني غيري لكل أمة حتى تستغربوا رسالتي، وما أدري ماذا يفعل الله بي ولا بكم، ما أتبع إلا ما يوحى إلي، وما أنا إلا منذر لكم أخوفكم من تماديكم في الضلال بلسان مبين.
تفسير الألفاظ :
﴿ وشهد شاهد من بني إسرائيل على مثله ﴾ شاهد بني إسرائيل هو عبد الله بن سلام، كان من كبار أحبار اليهود فأسلم وشهد أن القرآن حق. ومعنى " على مثله " على مثل ذلك، وهو كونه من عند الله.
تفسير المعاني :
قل : أخبروني إن كان هذا القرآن من عند الله وكفرتم به، وقد شهد شاهد من بني إسرائيل هو عبد الله بن سلام على كونه من عند الله فآمن هو واستكبرتم، ألا تكونون ظالمين ؟ " في الآية الخبر وهو ألا تكونون ظالمين محذوف دلت عليه الآية التي بعدها ".
تفسير الألفاظ :
﴿ إفك ﴾ أي افتراء. أصله أفك الشيء يأفكه أفكا أي صرفه عن وجهه.
تفسير المعاني :
وقال الذين كفروا للذين آمنوا : لو كان خيرا لما سبقنا إليه هؤلاء العامة الفقراء، وإذا لم يهتدوا به فسيقولون : هذا اختلاق من بقايا أساطير الأولين.
تفسير المعاني :
ومن قبله كان كتاب موسى إماما للناس ورحمة بهم، وهذا كتاب مصدق له بلسان عربي لينذر الذين ظلموا وبشرى للمحسنين.
تفسير المعاني :
إن الذين جمعوا بين معرفة الله وتوحيده وبين الاستقامة فلا خوف عليهم من لحوق مكروه ولا هم يحزنون من فوت مطلوب.
تفسير الألفاظ :
﴿ مصدق ﴾ أي لكتاب موسى.
تفسير المعاني :
أولئك أصحاب الجنة خالدين فيها جزاء بما كانوا يعملون.
تفسير الألفاظ :
﴿ حملته أمه كرها ﴾ أي ذات كره أو حملا ذا كره. والكره المشقة. وقرئ كرها بالفتح وهما لغتان، كالفقر والفقر، وقيل المضموم اسم والمفتوح مصدر. ﴿ وفصاله ﴾ أي فطامه. ﴿ بلغ أشده ﴾ أي بلغ غاية نموه. والأشد مفرد جاء على وزن الجمع. ﴿ أوزعني ﴾ أي ألهمني. وأوزعته بكذا، أولعته به، والوزوع هو الولوع بالشيء. ﴿ نعمتك ﴾ أي نعمة الدين أو ما يعمها وغيرها.
تفسير المعاني :
ووصينا الإنسان بوالديه إحسانا، حملته أمه وهي ذات مشقة ووضعته كذلك، وحمل الولد وفطامه ثلاثون شهرا، حتى إذا بلغ غاية نموه وأدرك الأربعين قال : رب ألهمني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والدي، وأن أعمل صالحا تقبله مني، واجعل الصلاح ساريا في ذريتي راسخا فيهم، إني رجعت إليك وإني من المسلمين. " نزلت هذه الآية في أبي بكر ولم يكن أحد أسلم أبوه وأمه سواه ".
تفسير الألفاظ :
﴿ في أصحاب الجنة ﴾ أي في عدادهم. ﴿ وعد الصدق ﴾ مصدر مؤكد لنفسه.
تفسير المعاني :
أولئك الذين نتقبل منهم أحسن أعمالهم ونتجاوز عن سيئاتهم في جملة أصحاب الجنة إنجازا لصادق وعدنا الذي كنا وعدناهم به.
تفسير الألفاظ :
﴿ أفّ ﴾ كلمة تضجّر. ﴿ أن أخرج ﴾ أي أن أخرج من القبر إلى البعث. ﴿ وقد خلت القرون من قبلي ﴾ أي وقد مضت فلم يرجع واحد من أهلها. ﴿ ويلك ﴾ أي هلاك لك أو عذاب لك. ﴿ أساطير الأولين ﴾ أي أباطيلهم جمع أسطورة أو إسطارة.
تفسير المعاني :
والذي قال لوالديه : أف لكما " نزلت هذه الآية في عبد الرحمن بن أبي بكر قبل إسلامه " أتعدانني أن أخرج من القبر إلى البعث بعد أن يكون قد تحلل جسمي، وقد مضت أهل القرون من قبلي ؟ وهما يستغيثان الله قائلين له : ويلك آمن، إن وعد الله بإنزال العذاب على الكافرين حق، فيقول : ما هذا إلا أساطير الأولين.
تفسير الألفاظ :
﴿ حق ﴾ أي ثبت ووجب.
تفسير المعاني :
أولئك الذين وجبت عليهم كلمة العذاب في جملة أمم قد مضت من الجن والإنس إنهم كانوا خاسرين.
تفسير الألفاظ :
﴿ أذهبتم طيباتكم ﴾ أي يقال أذهبتم لذائذكم. ﴿ عذاب الهون ﴾ الهون هو الهوان وقد قرئ به. ﴿ تفسقون ﴾ أي تخرجون عن الحدود. يقال فسق يفسق فسوقا أي خرج عن الحد.
تفسير المعاني :
ولكل مراتب مما عملوا وليوفيهم جزاءهم وهم لا يظلمون.
تفسير المعاني :
ويوم يعرض الذين كفروا على النار، أي يعذبون بها، وقيل تعرض النار عليهم فقلب للمبالغة. فيقال لهم : ضيعتم لذائذكم واستنفدتموها في حياتكم الدنيا وتمتعتم بها، فاليوم تجزون عذاب الهوان والذلّ بسبب تكبركم بغير حق وبسبب خروجكم عن الحدود.
تفسير الألفاظ :
﴿ بالأحقاف ﴾ الأحقاف جمع حقف وهو رمل مستدير مرتفع فيه انحناء، من احقوقف الشيء إذا اعوجّ. وبنو عاد كانوا يسكنون بين رمال مشرفة على البحر بالشجر واليمن. ﴿ وقد خلت النذر ﴾ أي وقد مضت النذر، والنذر جمع نذير. ﴿ من بين يديه ومن خلفه ﴾ أي قبله وبعده.
تفسير المعاني :
واذكر أخا بني عاد، يعني هودا، إذ أنذر قومه بالأحقاف وقد مضت النذر قبله وبعده، بألا تعبدوا إلا الله إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم.
تفسير الألفاظ :
﴿ لتأفكنا ﴾ أي لتصرفنا. يقال أفكه يأفكه أفكا، أي صرفه.
تفسير المعاني :
قالوا : أجئتنا لتصرفنا عن آلهتنا ؟ فجئنا بما توعدنا به من العذاب إن كنت من الصادقين.
تفسير المعاني :
فقال لهم : لا علم لي بوقت عذابكم، وإنما أنا أبلغكم ما أرسلني ربي به إليكم، ولكني أراكم تجهلون أن الرسل يرسلون منذرين لا مقترحين للعذاب.
تفسير الألفاظ :
﴿ عارضا ﴾ العارض هو السحاب يعرض في أفق السماء. ﴿ مستقبل أوديتهم ﴾ أي متوجها إلى أوديتهم.
تفسير المعاني :
فلما رأوا سحابا عرض في أفق السماء متجها إلى أوديتهم ظنوه سحابا أتاهم بالمطر. فقال لهم هود : لا، بل هذا هو العذاب الذي استعجلتم به..
تفسير المعاني :
ريح فيها عذاب أليم، تدمر كل شيء بأمر ربها. فأصبحوا لا يرى إلا مساكنهم، أما هم فهلكوا بها، كذلك نجزي المجرمين.
تفسير الألفاظ :
﴿ ولقد مكناهم فيما إن مكناكم فيه ﴾ إن هنا نافية، والمعنى ولقد مكناهم فيما لم نمكنكم فيه، وقيل بل هي شرطية محذوفة الجواب، والتقدير : ولقد مكناهم فيما إن مكناكم فيه كان بغيكم أشد من بغيهم. ﴿ وحاق بهم ﴾ أي وأحاط بهم.
تفسير المعاني :
ولقد مكناهم فيما لم تمكنكم فيه من الثروة والقوة، وجعلنا لهم أسماعا وأبصارا وقلوبا فما أفادتهم هذه الأعضاء بشيء ؛ إذ كانوا يكفرون بآيات الله وأحاط بهم ما كانوا به يستهزئون.
تفسير الألفاظ :
﴿ وصرفنا الآيات ﴾ أي وكررناها على وجوه شتى.
تفسير المعاني :
ولقد أهلكنا ما حولكم من القرى كحجر ثمود وقرى قوم لوط، وكررنا الآيات على وجوه شتى لعلهم يرجعون إلى الله.
تفسير الألفاظ :
﴿ فلولا نصرهم الذين اتخذوا من دون الله قربانا آلهة ﴾ أي فهلا نصرهم الذين اتخذوهم قربانا إلى الله، أي تقربا إلى الله باعتبار أنهم شفعاؤهم إليه. وآلهة بدل أو عطف بيان على قربانا. ﴿ إفكهم ﴾ أي افتراؤهم.
تفسير المعاني :
فهلا نصرهم الذين اتخذوهم آلهة ليقربوهم إلى الله ويشفعوا لهم عنده، بل غابوا عنهم، وذلك كان اختلاقهم وما كانوا يفترون من الأضاليل.
تفسير الألفاظ :
﴿ صرفنا إليك ﴾ أملناهم إليك. ﴿ نفرا ﴾ أي جماعة دون العشرة.
تفسير المعاني :
وإذ أملنا إليك طائفة دون العشرة من الجن يستمعون القرآن، فلما حضروه وأنت تقرؤه قالوا : اصغوا إليه، فلما أتممت قراءته ذهبوا إلى قومهم ينذرونهم.
تفسير المعاني :
فقالوا لهم : إننا سمعنا كتابا أنزل من بعد موسى مصدقا للكتب التي تقدمته، يهدي إلى الحق وإلى طريق مستقيم.
تفسير المعاني :
يا قومنا " هذا تتمة قول الجن لقومهم " أجيبوا الداعي إلى الله، وهو محمد، وآمنوا به يغفر لكم بعض ذنوبكم أي ما كان منها يخص الله تعالى. أما المظالم التي تخص العباد فإنها لا تغفر حتى يستوفي أهلها حقهم من عذاب أليم.
تفسير الألفاظ :
﴿ فليس بمعجز ﴾ أي فليس بمعجز لله إذ لا يستطيع أن يفلت منه. ﴿ أولياء ﴾ أي نصراء.
تفسير المعاني :
ومن لا يجب الداعي إلى الله فليس بمفلت من الله في الأرض، وليس له من دونه نصراء يدفعون عنه عذابه، أولئك المعرضون عن الداعي في ضلالا مبين.
تفسير الألفاظ :
﴿ ولم يعي ﴾ أي ولم يعجز. ﴿ بلى ﴾ حرف جواب تأتي جوابا لاستفهام منفي كما في الآية، وردا لنفي نحو إنك ما قلت لي ذلك.
تفسير المعاني :
أو لم يروا أن الله الذي خلق السماوات والأرض ولم يعجز عن خلقهن، بقادر على أن يبعث الموتى ؟ نعم إنه على كل شيء قدير.
تفسير الألفاظ :
﴿ وربنا ﴾ أي وحق ربنا.
تفسير المعاني :
ويوم تعرض النار على الذين كفروا " الآية فيها قلب للمبالغة "، ويقال لهم : أليس هذا العذاب بحق ؟ قالوا : نعم، وحق ربنا، قال : فذوقوا العذاب بسبب ما كنتم تكفرون.
تفسير الألفاظ :
﴿ أولوا العزم من الرسل ﴾ أي أصحاب الثبات والجد من الرسل فإنك من جملتهم. وأولوا العزم أصحاب الشرائع الذين اجتهدوا في تأسيسها، وتحملوا العناء في سبيلها، وأشهرهم نوح وإبراهيم وموسى وعيسى. ﴿ بلاغ ﴾ أي هذا الذي وعظتم به، أو هذه السورة بلاغ، أي كفاية أو تبليغ. وقيل بلاغ مبتدأ خبره محذوف تقديره بلاغ لهم.
تفسير المعاني :
فاصبر يا محمد كما صبر أصحاب الجد والثبات من الرسل فإنك منهم، ولا تستعجل للكفار بالعذاب، كأنهم يوم يرون ما يوعدون به يخيل إليهم أنهم لم يمكثوا في الدنيا إلا ساعة من نهار.. هذا تبليغ لهم، فهل يهلك إلا القوم الفاسقون ؟
سورة الأحقاف
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورة (الأحقاف) من السُّوَر المكية، وقد افتُتحت بدعوة هذا الكتابِ إلى التوحيد والإيمان بالله عز وجل: المتصِفِ بصفات الكمال، المستحِقِّ للعبودية، واشتملت على مقصدٍ عظيم؛ وهو: إنذارُ الكفار؛ بتذكيرهم بقصةِ (عادٍ)، وما أنزَل اللهُ بهم من عذاب في (الأحقاف)، وفي ذلك دلالةٌ وآية واضحة على قدرة الله على البعث وحساب الناس.

ترتيبها المصحفي
46
نوعها
مكية
ألفاظها
645
ترتيب نزولها
66
العد المدني الأول
34
العد المدني الأخير
34
العد البصري
34
العد الكوفي
35
العد الشامي
34

* قوله تعالى: {قُلْ أَرَءَيْتُمْ إِن كَانَ مِنْ عِندِ اْللَّهِ وَكَفَرْتُم بِهِۦ وَشَهِدَ شَاهِدٞ مِّنۢ بَنِيٓ إِسْرَٰٓءِيلَ عَلَىٰ مِثْلِهِۦ فَـَٔامَنَ وَاْسْتَكْبَرْتُمْۚ إِنَّ اْللَّهَ لَا يَهْدِي اْلْقَوْمَ اْلظَّٰلِمِينَ} [الأحقاف: 10]:

عن عوفِ بن مالكٍ الأشجَعيِّ رضي الله عنه، قال: «انطلَقَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم وأنا معه حتى دخَلْنا كنيسةَ اليهودِ يومَ عيدِهم، فكَرِهوا دخولَنا عليهم، فقال لهم رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «يا معشرَ اليهودِ، أَرُوني اثنَيْ عشَرَ رجُلًا منكم، يَشهَدون أنْ لا إلهَ إلا اللهُ وأنَّ مُحمَّدًا رسولُ اللهِ؛ يُحبِطِ اللهُ عن كلِّ يهوديٍّ تحتَ أديمِ السماءِ الغضَبَ الذي عليه»، قال: فأَسْكَتُوا ما أجابه منهم أحدٌ، ثم رَدَّ عليهم فلم يُجِبْهُ أحدٌ، ثم ثلَّثَ فلم يُجِبْهُ أحدٌ، فقال: «أبَيْتم؛ فواللهِ، إنِّي لأنا الحاشرُ، وأنا العاقبُ، وأنا النبيُّ المصطفى، آمَنْتم أو كذَّبْتم»، ثم انصرَفَ وأنا معه، حتى إذا كِدْنا أن نخرُجَ، نادى رجُلٌ مِن خَلْفِنا، فقال: كما أنتَ يا مُحمَّدُ، قال: فأقبَلَ، فقال ذلك الرجُلُ: أيَّ رجُلٍ تَعلَموني فيكم يا معشرَ اليهودِ؟ قالوا: واللهِ، ما نَعلَمُ أنَّه كان فينا رجُلٌ أعلَمَ بكتابِ اللهِ منك، ولا أفقَهَ منك، ولا مِن أبيك قَبْلَك، ولا مِن جَدِّكَ قَبْلَ أبيك، قال: فإنِّي أشهَدُ أنَّه نبيُّ اللهِ الذي تَجِدُونه في التَّوْراةِ، قالوا: كذَبْتَ، ثم رَدُّوا عليه وقالوا فيه شرًّا، قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «كذَبْتُم؛ لن يُقبَلَ قولُكم، أمَّا آنفًا فتُثْنُون عليه مِن الخيرِ ما أثنَيْتم، ولمَّا آمَنَ أكذَبْتموه، وقُلْتم فيه ما قُلْتم؛ فلن يُقبَلَ قولُكم»، قال: فخرَجْنا ونحن ثلاثةٌ: رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وأنا، وعبدُ اللهِ بنُ سَلَامٍ، وأنزَلَ اللهُ عز وجل فيه: {قُلْ أَرَءَيْتُمْ إِن كَانَ مِنْ عِندِ اْللَّهِ وَكَفَرْتُم بِهِۦ وَشَهِدَ شَاهِدٞ مِّنۢ بَنِيٓ إِسْرَٰٓءِيلَ عَلَىٰ مِثْلِهِۦ فَـَٔامَنَ وَاْسْتَكْبَرْتُمْۚ إِنَّ اْللَّهَ لَا يَهْدِي اْلْقَوْمَ اْلظَّٰلِمِينَ} [الأحقاف: 10]». أخرجه أحمد (23984).

* قوله تعالى: {وَإِذْ صَرَفْنَآ إِلَيْكَ نَفَرٗا مِّنَ اْلْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ اْلْقُرْءَانَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوٓاْ أَنصِتُواْۖ فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْاْ إِلَىٰ قَوْمِهِم مُّنذِرِينَ} [الأحقاف: 29]:

عن عبدِ اللهِ بن مسعودٍ رضي الله عنه، قال: «هبَطوا على النبيِّ صلى الله عليه وسلم وهو يَقرأُ القرآنَ ببطنِ نَخْلةَ، فلمَّا سَمِعوه، قالوا: أنصِتوا، قال: صَهْ، وكانوا تسعةً، أحدُهم زَوْبعةُ؛ فأنزَلَ اللهُ عز وجل: {وَإِذْ صَرَفْنَآ إِلَيْكَ نَفَرٗا مِّنَ اْلْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ اْلْقُرْءَانَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوٓاْ أَنصِتُواْۖ فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْاْ إِلَىٰ قَوْمِهِم مُّنذِرِينَ} [الأحقاف: 29]». أخرجه ابن أبي شيبة؛ كما في "تفسير القرآن العظيم" (4 /176).

* سورة (الأحقاف):

سُمِّيت سورة (الأحقاف) بهذا الاسمِ؛ لذِكْرِ (الأحقاف) فيها؛ كما في قوله تعالى: {وَاْذْكُرْ أَخَا عَادٍ إِذْ أَنذَرَ قَوْمَهُۥ بِاْلْأَحْقَافِ وَقَدْ خَلَتِ اْلنُّذُرُ مِنۢ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِۦٓ أَلَّا تَعْبُدُوٓاْ إِلَّا اْللَّهَ إِنِّيٓ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٖ} [الأحقاف: 21].
و(الأحقافُ): هي مَسكَنُ (عادٍ) الذين أهلكهم اللهُ.

1. القرآن حقٌّ من عند الله تعالى يدعو للتوحيد (١-١٤).

2. الفِطْرة في استقامتها وانحرافها (١٥-٢٠).

3. خسران المكذبين عِبْرةٌ لمن يعتبر (٢١-٢٨).

4. الرسول مُصدَّقٌ من عند الثَّقَلين (٢٩-٣٥).

ينظر: "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (7 /179).

مقصدُ هذه السورة هو إنذارُ الكافرين بعذابِ الله قومَ هُودٍ عليه السلام بـ(الأحقاف)، وفي ذلك دلالةٌ واضحة على صدقِ الوعد في قيام الساعة؛ فالله لا يُخلِف وعدَه، وفي هذا دعوةٌ لهم إلى توحيد الله، والاستجابةِ لأمره، وأخذِ العِبْرة من عذاب الله العزيز الحكيم لقومِ هُودٍ عليه السلام.

ينظر: "مصاعد النظر للإشراف على مقاصد السور" (2 /481).