ﰡ
وقوله تعالى :﴿ وَمَآ أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلاَ بِكُمْ ﴾ قال ابن عباس : نزل بعدها ﴿ لِّيَغْفِرَ لَكَ الله مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ ﴾ [ الفتح : ٢ ] وقال الضحاك :﴿ وَمَآ أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلاَ بِكُمْ ﴾ أي ما أدري بماذا أومر وبماذا أنهى بعد هذا؟ وقال الحسن البصري في قوله تعالى :﴿ وَمَآ أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلاَ بِكُمْ ﴾ أما في الآخرة فمعاذ الله وقد علم أنه في الجنة، ولكن قال : لا أدري ما يفعل بي ولا بكم في الدنيا، أخرج كما أخرجت الأنبياء؟ أم أُقْتل كما قتلت الأنبياء من قبلي؟ ولا أدري أيخسف بكم أو ترمون بالحجارة؟ ولا شك أن هذا هو اللائق به ﷺ، فإنه بانسبة إلى الآخرة جازم أنه يصير إلى الجنة هو ومن ابتعه؛ وأما في الدنيا فلم يدر ما كان يؤول إليه أمره وأمر مشركي قريش، إلى ماذا أيؤمنون أم يكفرون فيعذبون، فيستأصلون بكفرهم؟ فأما الحديث الذي رواه ابن شهاب عن خارجة بن زيد بن ثابت عن أم العلاء -
﴿ قَالَ رَبِّ أوزعني ﴾ أي ألهمني ﴿ أَنْ أَشكُرَ نِعْمَتَكَ التي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وعلى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً تَرْضَاهُ ﴾ أي في المستقبل، ﴿ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذريتي ﴾ أي نسلي وعقبي، ﴿ إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ المسلمين ﴾ وهذا فيه إرشاد لمن بلغ الأربعين أن يجدّد التوبة والإنابة إلى الله عزَّ وجلَّ ويعزم عليها، وقد روى أبو داود في « سننه » عن ابن مسعود رضي الله عنه « أن رسول الله ﷺ كان يعلمهم أن يقولوا في التشهد :» الهم ألف بين قلوبنا وأصلح ذات بيننا، واهدنا سبل السلام، ونجنا من الظلمات إلى النور، وجنبنا الفواحش ما ظهر منها وما بطن، وبارك لنا في أسماعنا وأبصارنا وقلوبنا وأزواجنا وذرياتنا، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم، واجعلنا شاكرين لنعمتك، مثنين بها عليك قابليها، وأتممها علينا « قال الله عزَّ وجلَّ :﴿ أولئك الذين نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُواْ وَنَتَجَاوَزُ عَن سَيِّئَاتِهِمْ في أَصْحَابِ الجنة ﴾ أي هؤلاء المتصفون بما ذكرنا، التائبون إلى الله المنيبون إليه، المستدركون ما فات بالتوبة والاستغفار، هم الذين نتقبل منهم اليسير من العمل ﴿ أَصْحَابِ الجنة ﴾ أي هم في جملة أصحاب الجنة، وهذا حكمهم عند الله كما وعد الله عزَّ وجلَّ من تاب إليه وأناب، ولهذا قال تعالى :﴿ وَعْدَ الصدق الذي كَانُواْ يُوعَدُونَ ﴾، روى ابن أبي حاتم، عن محمد بن حاطب قال : لقد شهدت أمير المؤمنين علياً رضي الله عنه، وعنده ( عمار ) و ( صعصعة ) و ( الأشتر ) و ( محمد بنأبي بكر ) رضي الله عنهم، فذكروا عثمان رضي الله عنه فنالوا منه، فكان علي على السرير ومعه عود في يده، فقال قائل منهم : إن عندكم من يفصل بينكم، فسألوه، فقال علي رضي الله عنه : كان عثمان رضي الله عنه من الذين قال الله تعالى :﴿ أولئك الذين نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُواْ وَنَتَجَاوَزُ عَن سَيِّئَاتِهِمْ في أَصْحَابِ الجنة وَعْدَ الصدق الذي كَانُواْ يُوعَدُونَ ﴾ قال : والله عثمان وأصحاب عثمان رضي الله عنهم، قالها ثلاثاً. قال يوسف : فقلت لمحمد بن حاطب : آلله لسمعت هذا من علي رضي الله عنه؟ قال : آلله لسمعت هذا من علي رضي الله عنه.
قال الله تعالى :﴿ أولئك الذين حَقَّ عَلَيْهِمُ القول في أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِمْ مِّنَ الجن والإنس إِنَّهُمْ كَانُواْ خَاسِرِينَ ﴾ أي دخلوا في زمرة أشباههم وأضرابهم من الكافرين الخاسرين أنفسهم وأهليهم يوم القيامة، وقوله :﴿ أولئك ﴾ بعد قوله ﴿ والذي قَالَ ﴾ دليل على ما ذكرناه من أنه جنس يعم كل من كان كذلك، وقال الحسن وقتادة : هو الكافر الفاجر العاق لوالديه المكذب بالبعث، وقوله تبارك وتعالى :﴿ وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِّمَّا عَمِلُواْ ﴾ أي لكل عذاب بحسب عمله، ﴿ وَلِيُوَفِّيَهُمْ أَعْمَالَهُمْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ ﴾ أي لا يظلمهم مثقال ذرة فما دونها، قال عبد الرحمن بن زيد : درجات النار تذهب سَفَالاً، ودرجات الجنة تذهب علواً، وقوله عزّ وجلّ :﴿ وَيَوْمَ يُعْرَضُ الذين كَفَرُواْ عَلَى النار أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدنيا واستمتعتم بِهَا ﴾، أي يقال لهم ذلك تقريعاً وتوبيخاً، وقد تورع أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن كثير من طيبات المآكل والمشارب وتنزه عنها وقال : إني أخاف أن أكون من الذين قال الله لهم :﴿ أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدنيا واستمتعتم بِهَا ﴾، وقوله عزّ وجلّ :﴿ فاليوم تُجْزَوْنَ عَذَابَ الهون بِمَا كُنتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الأرض بِغَيْرِ الحق وَبِمَا كُنتُمْ تَفْسُقُونَ ﴾ جوزوا من جنس عملهم، فكما متعوا أنفسهم واستكبروا عن اتباع الحق، وتعاطوا الفسق والمعاصي، وجازاهم الله تبارك وتعالى بعذاب الهون، وهو الإهانة والخزي والآلام الموجعة، والحسرات المتتابعة، والمنازل في الدركات المفظِعة، أجارنا الله سبحانه وتعالى من ذلك كله.
يروى أن عاداً قحطوا فبعثوا وفداً له ( قيل ) فمر بمعاوية بن بكر، فأقام عنده شهراً يسقيه الخمر، وتغنيه جاريتان، يقال لهما الجرادتان، فلما مضى الشهر خرج إلى جبال مهرة، فقال : اللهم إنك تعلم أني لم أجىء إلى مريض فأدوايه، ولا إلى أسير فأفاديه، الله اسق عاداً ما كنت تسقيه، فمرت به سحابات سود، فنودي منها اختر، فأومأ إلى سحابة سوداء، فنودي منها خذها رماداً رمدداً، لا تبقي من عاداً أحداً، فما أرسل عليهم من الريح إلاّ قدر ما يجري في الخاتم حتى هلكوا، قال أبو وائل : وكانت المرأة والرجل إذا بعثوا وافداً لهم، قالوا : لا تكن كوافد عاد، وروى الإمام أحمد، عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت :
روى الإمام مسلم، عن عامر قال : سألت علقمة : هل كان ابن مسعود رضي الله عنه شهد مع رسول الله ﷺ ليلة الجن؟ قال : فقال علقمة : أنا سألت ابن مسعود رضي الله عنه فقلت :
ألم تر الجن وإبلاسها | ويأسها من بعد إنكاسها |