تفسير سورة الزخرف

تفسير ابن عباس

تفسير سورة سورة الزخرف من كتاب تنوير المقباس من تفسير ابن عباس المعروف بـتفسير ابن عباس.
لمؤلفه الفيروزآبادي . المتوفي سنة 817 هـ

وبإسناده عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى ﴿حم﴾ يَقُول قضى مَا هُوَ كَائِن أى بَين
﴿وَالْكتاب الْمُبين﴾ يَقُول وَأقسم بِالْكتاب الْمُبين بالحلال وَالْحرَام وَالنَّهْي وَالْأَمر أَن قد قضى مَا هُوَ كَائِن أَي بَين قَالَ حَكِيم:
(أَلا يَا لقومى كل مَا حم وَاقع... وَذَا الطير يسري والنجوم الطوالع) وَيُقَال قسم أقسم بِهِ بِالْحَاء وَالْمِيم وَالْكتاب الْمُبين بالحلال وَالْحرَام وَالْأَمر وَالنَّهْي
﴿إِنَّا جَعَلْنَاهُ﴾ قُلْنَاهُ ووضعناه ﴿قُرْآناً عَرَبِيّاً﴾ على مجْرى لُغَة الْعَرَب وَلِهَذَا كَانَ الْقسم ﴿لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾ لكَي تعلمُوا مَا فِي الْقُرْآن من الْحَلَال وَالْحرَام وَالْأَمر وَالنَّهْي
﴿وَإِنَّهُ﴾ يَعْنِي الْقُرْآن ﴿فِي أُمِّ الْكتاب﴾ فِي اللَّوْح الْمَحْفُوظ مَكْتُوب ﴿لَدَيْنَا﴾ عندنَا ﴿لَعَلِيٌّ﴾ كريم شرِيف مُرْتَفع ﴿حَكِيمٌ﴾ مُحكم بالحلال وَالْحرَام
﴿أَفَنَضْرِبُ عَنكُمُ الذّكر﴾ أفنرفع عَنْكُم الْوَحْي وَالرَّسُول يَا أهل مَكَّة ﴿صَفْحاً﴾ أَو نترككم هملاً بِلَا أَمر وَلَا نهي ﴿أَن كُنتُمْ قَوْماً مُّسْرِفِينَ﴾ بِأَن كُنْتُم قوما مُشْرِكين لَا تؤمنون فِي علم الله
﴿وَكَمْ أَرْسَلْنَا مِن نَّبِيٍّ﴾ قبلك يَا مُحَمَّد ﴿فِي الْأَوَّلين﴾ فِي الْأُمَم الْمَاضِيَة قد علمنَا أَنهم لَا يُؤمنُونَ فَلم نتركهم بِلَا كتاب وَلَا رَسُول
﴿وَمَا يَأْتِيهِم﴾ أَي الْأَوَّلين ﴿مِّنْ نَّبِيٍّ إِلاَّ كَانُوا بِهِ﴾ بالنبى ﴿يستهزؤون﴾ يهزءون بالنبى
﴿فَأَهْلَكْنَآ أَشَدَّ مِنْهُم﴾ من أهل مَكَّة ﴿بَطْشاً﴾ قُوَّة ومنعة ﴿وَمضى مَثَلُ الْأَوَّلين﴾ سنة الْأَوَّلين بِالْعَذَابِ عِنْد تكذيبهم الرُّسُل
﴿وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ﴾ كفار مَكَّة ﴿مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَات وَالْأَرْض لَيَقُولُنَّ﴾ كفار مَكَّة ﴿خَلَقَهُنَّ الْعَزِيز﴾ فِي ملكه وسلطانه ﴿الْعَلِيم﴾ بتدبيره وبخلقه فَقَالَ الله نعم خلق
﴿الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْض مَهْداً﴾ فراشا ﴿وَجَعَلَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلاً﴾ طرقاً ﴿لَّعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ﴾ لكَي تهتدوا بالطرق
﴿وَالَّذِي نَزَّلَ مِنَ السمآء مَآءً﴾ مَطَرا ﴿بِقَدَرٍ﴾ مَعْلُوم بِعلم الْخزَّان ﴿فَأَنشَرْنَا بِهِ﴾ أحيينا بالمطر ﴿بَلْدَةً مَّيْتاً﴾ مَكَانا لَا نَبَات فِيهِ ﴿كَذَلِك﴾ هَكَذَا ﴿تُخْرَجُونَ﴾ تحيون وتخرجون من الْقُبُور كَمَا أحيينا الأَرْض بالمطر
﴿وَالَّذِي خَلَقَ الْأزْوَاج﴾ الْأَصْنَاف ﴿كُلَّهَا﴾ الذّكر وَالْأُنْثَى ﴿وَجَعَلَ لَكُمْ﴾ وَخلق لكم ﴿مِّنَ الْفلك﴾ يَعْنِي السفن فِي الْبَحْر ﴿والأنعام﴾ يَعْنِي الْإِبِل ﴿مَا تَرْكَبُونَ﴾ الَّذِي تَرْكَبُونَ عَلَيْهِ
﴿لِتَسْتَوُواْ على ظُهُورِهِ﴾ ظُهُور الْأَنْعَام يَعْنِي الْإِبِل ﴿ثُمَّ تَذْكُرُواْ نِعْمَةَ رَبِّكُمْ﴾ بتسخيرها ﴿إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ﴾ على ظُهُورهَا وسخرها لكم ﴿وَتَقُولُواْ سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا﴾ الْإِبِل ﴿وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ﴾ مُطِيعِينَ مالكين
﴿وَإِنَّآ إِلَى رَبِّنَا لَمُنقَلِبُونَ﴾ رَاجِعُون بعد الْمَوْت
﴿وَجَعَلُواْ﴾ وصفوا ﴿لَهُ مِنْ عِبَادِهِ﴾ يَعْنِي الْمَلَائِكَة ﴿جُزْءًا﴾ ولدا قَالُوا الْمَلَائِكَة بَنَات الله وهم بَنو مليح ﴿إِنَّ الْإِنْسَان﴾ يَعْنِي بني مليح ﴿لَكَفُورٌ﴾ كَافِر بِاللَّه ﴿مُّبِينٌ﴾ ظَاهر الْكفْر
﴿أَمِ اتخذ﴾ اخْتَار ﴿مِمَّا يَخْلُقُ﴾ يَعْنِي الْمَلَائِكَة ﴿بَنَاتٍ وَأَصْفَاكُم﴾ اختاركم يَا بني مليح ﴿بالبنين﴾ بالذكور
﴿وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُم﴾ أحد بني مليح ﴿بِمَا ضَرَبَ﴾ بِمَا وصف ﴿للرحمن مَثَلاً﴾ إِنَاثًا ﴿ظَلَّ﴾ صَار ﴿وَجْهُهُ مُسْوَدّاً وَهُوَ كَظِيمٌ﴾ مغموم مكروب يتَرَدَّد الغيظ فى جَوْفه أفترضون لله مَالا ترْضونَ لأنفسكم
﴿أَو من يُنَشَّأُ﴾ يغذى ويربى ﴿فِي الْحِلْية﴾ حلية الذَّهَب وَالْفِضَّة ﴿وَهُوَ فِي الْخِصَام﴾ فِي الْكَلَام ﴿غَيْرُ مُبِينٍ﴾ غير ثَابت الْحجَّة وَمن النِّسَاء فمثلهن كَيفَ يَنْبَغِي أَن يكن بَنَات الله
﴿وَجَعَلُواْ الْمَلَائِكَة الَّذين هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَن إِنَاثاً﴾ بَنَات الله ﴿أَشَهِدُواْ خَلْقَهُمْ﴾ حِين خلقُوا أَنهم إناث فيعلمون بذلك أَنهم إناث قَالُوا لَا يَا مُحَمَّد وَلَكِن سمعنَا من آبَائِنَا يَقُولُونَ ذَلِك فَقَالَ الله يَا مُحَمَّد ﴿سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ﴾ بِالْكَذِبِ على الله بمقالتهم أَن الْمَلَائِكَة بَنَات الله ﴿وَيُسْأَلُونَ﴾ عَنهُ يَوْم الْقِيَامَة أَي قيل لَهُم حِين جعلُوا الْمَلَائِكَة بَنَات الله أشهدتم قَالُوا لَا قَالَ فَمَا يدريكم أَنَّهُنَّ إناث وأنهن بَنَات الله قَالُوا سمعنَا هَذَا من آبَائِنَا قَالَ الله ستكتب شَهَادَتهم يَعْنِي مَا تكلمُوا بِهِ ويسئلون عَنهُ يَوْم الْقِيَامَة
﴿وَقَالُواْ﴾ بَنو مليح ﴿لَوْ شَآءَ الرَّحْمَن﴾ لَو نَهَانَا الرَّحْمَن وصرفنا ﴿مَا عَبَدْنَاهُمْ﴾ استهزاء وَلَكِن أمرنَا بعبادتهم وَلم ينهنا عَن عِبَادَتهم ﴿مَّا لَهُم بذلك﴾ بِمَا يَقُولُونَ ﴿من علم﴾ من حجَّة وَلَا بَيَان ﴿إِنْ هُمْ﴾ مَا هم ﴿إِلاَّ يَخْرُصُونَ﴾ يكذبُون على الله لِأَن الله نَهَاهُم عَن ذَلِك
﴿أَمْ آتَيْنَاهُمْ﴾ أعطيناهم ﴿كِتَاباً مِّن قَبْلِهِ﴾ من قبل الْقُرْآن ﴿فَهُم بِهِ﴾ بِالْكتاب ﴿مُسْتَمْسِكُونَ﴾ آخذون مِنْهُ وَيَقُولُونَ إِن الْمَلَائِكَة بَنَات الله قَالُوا لَا يَا مُحَمَّد وَلَكِن وجدنَا آبَاءَنَا على هَذَا الدّين فَقَالَ الله
﴿بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَآ آبَآءَنَا على أُمَّةٍ﴾ على هَذَا الدّين ﴿وَإِنَّا على آثَارِهِم﴾ على دينهم وأعمالهم ﴿مُّهْتَدُونَ﴾ مقتدون
﴿وَكَذَلِكَ﴾ هَكَذَا أَي كَمَا قَالَ قَوْمك ﴿مَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ﴾ إِلَى أهل قَرْيَة ﴿مِّن نَّذِيرٍ﴾ من نَبِي مخوف ﴿إِلاَّ قَالَ مُتْرَفُوهَآ﴾ جبابرتها ﴿إِنَّا وَجَدْنَآ آبَآءَنَا على أُمَّةٍ﴾ على هَذَا الدّين ﴿وَإِنَّا على آثَارِهِم﴾ على دينهم وأعمالهم ﴿مقتدون﴾ مستنون
﴿قَالَ﴾ أَعنِي قل لَهُم يَا مُحَمَّد ﴿أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ﴾ قد جِئتُكُمْ ﴿بأهدى﴾ بأصوب دينا ﴿مِمَّا وَجَدتُّمْ عَلَيْهِ آبَآءَكُمْ﴾ أَلا تقبلون ذَلِك ﴿قَالُوا إِنَّا بِمَآ أُرْسِلْتُمْ بِهِ﴾ من الْكتاب ﴿كَافِرُونَ﴾ جاحدون
﴿فانتقمنا مِنْهُمْ﴾ بِالْعَذَابِ عَن تكذيبهم الرُّسُل والكتب ﴿فَانْظُر كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ المكذبين﴾
412
آخر أَمر المكذبين بالكتب وَالرسل
413
﴿وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ﴾ آزر ﴿وَقَوْمِهِ﴾ حِين جَاءَ إِلَيْهِم ﴿إِنَّنِي بَرَآءٌ مِّمَّا تَعْبُدُونَ﴾
﴿إِلاَّ الَّذِي فَطَرَنِي﴾ إِلَّا معبودي الَّذِي خلقني ﴿فَإِنَّهُ سيهدين﴾ سيحفظنى على دينه طَاعَته
﴿وَجَعَلَهَا﴾ يَعْنِي لَا إِلَه إِلَّا الله ﴿كَلِمَةً بَاقِيَة﴾ ثَابِتَة ﴿فِي عقبه﴾ فى نَسْله نسل إِبْرَاهِيم ﴿لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾ عَن كفرهم بِلَا إِلَه إِلَّا الله
﴿بل متعت﴾ أجلت ﴿هَؤُلَاءِ﴾ أهل مَكَّة ﴿وَآبَآءَهُمْ﴾ قبلهم ﴿حَتَّى جَآءَهُمُ الْحق﴾ يَعْنِي الْكتاب ﴿وَرَسُولٌ مُّبِينٌ﴾ يبين لَهُم لهَؤُلَاء بلغَة يعلمونها
﴿وَلَمَّا جَآءَهُمُ الْحق﴾ الْكتاب وَالرَّسُول ﴿قَالُواْ هَذَا﴾ يعنون الْكتاب ﴿سِحْرٌ﴾ كذب ﴿وَإِنَّا بِهِ﴾ بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن ﴿كَافِرُونَ﴾ جاحدون
﴿وَقَالُواْ﴾ يَعْنِي كفار مَكَّة الْوَلِيد وَأَصْحَابه ﴿لَوْلاَ﴾ هلا ﴿نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآن على رَجُلٍ مِّنَ القريتين عَظِيمٍ﴾ يَقُول على رجل عَظِيم كالوليد بن الْمُغيرَة وَأبي مَسْعُود الثَّقَفِيّ من القريتين من مَكَّة والطائف
﴿أهم يقسمون رَحْمَة رَبِّكَ﴾ يَعْنِي نبوة رَبك وَكتاب رَبك فيقسمون لمن شَاءُوا ﴿نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَّعِيشَتَهُمْ﴾ بِالْمَالِ وَالْولد ﴿فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ﴾ فَضَائِل بِالْمَالِ أَو الْوَلَد ﴿لِّيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضاً سخريا﴾ أى مسخرا خدما وعبيدا ﴿وَرَحْمَة رَبِّكَ﴾ النُّبُوَّة وَالْكتاب وَيُقَال الْجنَّة للْمُؤْمِنين ﴿خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ﴾ مِمَّا يجمع الْكفَّار فِي الدُّنْيَا من المَال والزهرة
﴿وَلَوْلاَ أَن يَكُونَ النَّاس أُمَّةً وَاحِدَةً﴾ على مِلَّة وَاحِدَة مِلَّة الْكفْر ﴿لَّجَعَلْنَا لِمَن يَكْفُرُ بالرحمن لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً﴾ سَمَاء بُيُوتهم ﴿مِّن فِضَّةٍ وَمَعَارِجَ﴾ دَرَجَات ﴿عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ﴾ يرتقون من فضَّة
﴿وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَاباً﴾ من فضَّة ﴿وَسُرُراً﴾ من فضَّة ﴿عَلَيْهَا يتكؤون﴾ ينامون
﴿وَزُخْرُفاً﴾ ذَهَبا وكل شَيْء لَهُم من أواني مَنَازِلهمْ من الذَّهَب وَالْفِضَّة ﴿وَإِن كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا﴾ يَقُول وَمَا كل ذَلِك إلاَّ ﴿مَتَاعُ الْحَيَاة الدُّنْيَا﴾ وَالْمِيم صلَة وَيُقَال كل ذَلِك مَتَاع الْحَيَاة الدُّنْيَا وَلما صلَة ﴿وَالْآخِرَة﴾ يَعْنِي الْجنَّة ﴿عِندَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ﴾ الْكفْر والشرك وَالْفَوَاحِش خير من مَتَاع الدُّنْيَا
﴿وَمَن يَعْشُ﴾ يعرض وَيُقَال يمل إِن قَرَأت بالخفض وَيُقَال يعم إِن قَرَأت بِالنّصب ﴿عَن ذِكْرِ الرَّحْمَن﴾ عَن تَوْحِيد الرَّحْمَن وَكتابه ﴿نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَاناً﴾ نجْعَل لَهُ قريناً من الشَّيْطَان ﴿فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ﴾ فِي الدُّنْيَا وَفِي النَّار
﴿وَإِنَّهُمْ﴾ يَعْنِي الشَّيَاطِين ﴿لَيَصُدُّونَهُمْ﴾ ليصرفونهم ﴿عَنِ السَّبِيل﴾ عَن سَبِيل الْحق وَالْهدى ﴿وَيَحْسَبُونَ﴾ يظنون ﴿أَنَّهُم مُّهْتَدُونَ﴾ بِالْحَقِّ وَالْهدى
﴿حَتَّى إِذَا جَآءَنَا﴾ يَعْنِي ابْن آدم وقرينه الشَّيْطَان فِي سلسلة وَاحِدَة ﴿قَالَ﴾ لقرينه الشَّيْطَان ﴿يَا لَيْت بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ المشرقين﴾ مشرق الشتَاء والصيف ﴿فَبِئْسَ القرين﴾ الصاحب والرفيق الشَّيْطَان
﴿وَلَن يَنفَعَكُمُ﴾ يَقُول الله وَلَن يَنفَعَكُمُ ﴿الْيَوْم﴾ هَذَا الْكَلَام ﴿إِذ ظَّلَمْتُمْ﴾ كَفرْتُمْ فِي الدُّنْيَا ﴿أَنَّكُمْ فِي الْعَذَاب مُشْتَرِكُونَ﴾
413
الشَّيَاطِين وَبَنُو آدم
414
﴿أَفَأَنتَ تُسْمِعُ﴾ الْحق وَالْهدى يَا مُحَمَّد ﴿الصم﴾ من يتصامم وَهُوَ الْكَافِر ﴿أَوْ تَهْدِي الْعمي﴾ حَتَّى يبصر الْحق وَالْهدى وَهُوَ الْكَافِر ﴿وَمَن كَانَ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ﴾ فِي كفر بَين لَا تقدر أَن ترشده إِلَى الْهدى
﴿فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ﴾ نميتك ﴿فَإِنَّا مِنْهُم مُّنتَقِمُونَ﴾ بِالْعَذَابِ
﴿أَوْ نُرِيَنَّكَ الَّذِي وَعَدْنَاهُمْ﴾ يَوْم بدر ﴿فَإِنَّا عَلَيْهِمْ مُّقْتَدِرُونَ﴾ على عَذَابهمْ قادرون قبل موتك وَبعد موتك
﴿فَاسْتَمْسك﴾ اعْمَلْ ﴿بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ﴾ يَعْنِي الْقُرْآن ﴿إِنَّكَ﴾ يَا مُحَمَّد ﴿على صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ﴾ على دين قَائِم يرضاه
﴿وَإِنَّهُ﴾ يَعْنِي الْقُرْآن ﴿لَذِكْرٌ لَّكَ﴾ شرف لَك ﴿وَلِقَوْمِكَ﴾ قُرَيْش لِأَنَّهُ بلغتهم ﴿وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ﴾ عَن شكر هَذَا الشّرف
﴿واسأل مَنْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ﴾ يَا مُحَمَّد ﴿مِن رُّسُلِنَآ﴾ مثل عِيسَى ومُوسَى وَإِبْرَاهِيم وَهَذَا فِي اللَّيْلَة الَّتِي أسرِي بِهِ إِلَى السَّمَاء وَصلى بسبعين نَبيا مثل إِبْرَاهِيم ومُوسَى وَعِيسَى فَأمر الله نبيه أَن سلهم يَا مُحَمَّد ﴿أَجَعَلْنَا مِن دُونِ الرَّحْمَن آلِهَةً يُعْبَدُونَ﴾ يَقُول سلهم هَل جعلنَا آلِهَة يعْبدُونَ من دون الرَّحْمَن مقدم ومؤخر وَيُقَال سلهم هَل أمرنَا من دون الرَّحْمَن آلِهَة يعْبدُونَ وفيهَا وَجه آخر يَقُول سل الَّذِي أرسلنَا إِلَيْهِم الرُّسُل من قبلك يَعْنِي أهل الْكتاب أجعلنا من دون الرَّحْمَن آلِهَة يعْبدُونَ يَقُول سل هَل جَاءَت الرُّسُل إِلَّا بِالتَّوْحِيدِ فَلم يسألهم النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لِأَنَّهُ كَانَ موقناً بذلك
﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَآ﴾ بِالْيَدِ والعصا ﴿إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ﴾ قومه القبط ﴿فَقَالَ إِنِّي رَسُولُ رَبِّ الْعَالمين﴾ إِلَيْكُم
﴿فَلَمَّا جَآءَهُم﴾ مُوسَى ﴿بِآيَاتِنَآ﴾ بِالْيَدِ والعصا ﴿إِذَا هم مِنْهَا﴾ من الْآيَات ﴿يَضْحَكُونَ﴾ يتعجبون ويسخرون فَلَا يُؤمنُونَ بهَا
﴿وَمَا نُرِيِهِم مِّنْ آيَةٍ﴾ من عَلامَة ﴿إِلاَّ هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِهَا﴾ أعظم من الَّتِي كَانَت قبلهَا فَلم يُؤمنُوا بهَا ﴿وَأَخَذْنَاهُم بِالْعَذَابِ﴾ بالطوفان وَالْجَرَاد وَالْقمل والضفادع وَالدَّم وَالنَّقْص والسنين ﴿لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾ لكَي يرجِعوا عَن كفرهم
﴿وَقَالُوا يَا أَيهَا السَّاحر﴾ الْعَالم يوقرونه بذلك وَكَانَ السَّاحر فيهم عَظِيما ﴿ادْع لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِندَكَ﴾ سل لنا رَبك بِمَا عهد الله لَك وَكَانَ عهد الله لمُوسَى إِن آمنُوا كشفنا عَنْهُم الْعَذَاب فَمن ذَلِك قَالُوا بِمَا عهد الله عنْدك ﴿إِنَّنَا لَمُهْتَدُونَ﴾ مُؤمنُونَ بك وَبِمَا جِئْت بِهِ
﴿فَلَمَّا كَشَفْنَا﴾ دفعنَا ﴿عَنْهُمُ الْعَذَاب إِذَا هُمْ يَنكُثُونَ﴾ ينقضون عهودهم وَلَا يُؤمنُونَ
﴿ونادى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ﴾ خطب فِرْعَوْن فِي قومه القبط ﴿قَالَ يَا قوم أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ﴾ أَرْبَعِينَ فرسخاً فِي أَرْبَعِينَ فرسخا ﴿وَهَذِه الْأَنْهَار تجْرِي من تحتي﴾ من حَولي وَيُقَال عَنى بهَا الأفراس تجْرِي من تحتي ﴿أَفَلاَ تُبْصِرُونَ﴾
﴿أَمْ أَنَآ خَيْرٌ﴾ إِنِّي خير ﴿مِّنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ﴾ ضَعِيف فِي بدنه ﴿وَلاَ يَكَادُ يُبِينُ﴾ يبين حجَّته
﴿فَلَوْلاَ أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ﴾ هلا ألبس عَلَيْهِ أقبية ﴿مِّن ذَهَبٍ﴾ كَمَا لكم ﴿أَوْ جَآءَ مَعَهُ الْمَلَائِكَة مُقْتَرِنِينَ﴾ معاونين مُصدقين لَهُ بالرسالة
﴿فاستخف﴾ فاستنزل ﴿قَوْمَهُ﴾ القبط ﴿فَأَطَاعُوهُ﴾ فِي قَوْله ﴿إِنَّهُمْ كَانُواْ قَوْماً فَاسِقِينَ﴾ كَافِرين
﴿فَلَمَّآ آسَفُونَا﴾ أغضبوا نَبينَا مُوسَى ومالوا إِلَى غضبنا
414
﴿انتقمنا مِنْهُمْ﴾ بِالْعَذَابِ ﴿فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ﴾ فِي الْبَحْر
415
﴿فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفاً﴾ ذَهَابًا بِالْعَذَابِ ﴿وَمَثَلاً﴾ عِبْرَة ﴿لِّلآخِرِينَ﴾ لمن بَقِي بعدهمْ
﴿وَلَمَّا ضُرِبَ ابْن مَرْيَمَ مَثَلاً﴾ شبهوه بآلهتهم ﴿إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ﴾ من قَول عبد الله بن الزِّبَعْرَى وَأَصْحَابه ﴿يَصِدُّونَ﴾ يَضْحَكُونَ
﴿وَقَالُوا﴾ يَعْنِي عبد الله بن الزِّبَعْرَى ﴿أَآلِهَتُنَا خَيْرٌ﴾ يَا مُحَمَّد ﴿أَمْ هُوَ﴾ يَعْنِي عِيسَى ابْن مَرْيَم إِن جَازَ لَهُ فِي النَّار مَعَ النَّصَارَى يجوز لنا فِي النَّار مَعَ آلِهَتنَا ﴿مَا ضَرَبُوهُ لَكَ﴾ مَا ذكرُوا لَك عِيسَى ابْن مَرْيَم ﴿إِلاَّ جَدَلاَ﴾ إِلَّا للجدال وَالْخُصُومَة ﴿بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ﴾ جدلون بِالْبَاطِلِ
﴿إِنْ هُوَ﴾ مَا هُوَ يَعْنِي عِيسَى ابْن مَرْيَم ﴿إِلاَّ عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ﴾ بالرسالة وَلَيْسَ هُوَ كآلهتهم ﴿وَجَعَلْنَاهُ مَثَلاً﴾ عِبْرَة ﴿لبني إِسْرَائِيلَ﴾ ولدا بِلَا أَب
﴿وَلَوْ نَشَآءُ لَجَعَلْنَا مِنكُمْ﴾ بمكانكم وَيُقَال خلقنَا مِنْكُم ﴿مَلَائِكَة فِي الأَرْض يَخْلُفُونَ﴾ خلفاء مِنْكُم بدلكم وَيُقَال يَمْشُونَ فِي الأَرْض بدلكم
﴿وَإِنَّهُ﴾ يَعْنِي نزُول عِيسَى ابْن مَرْيَم ﴿لَعِلْمٌ لِّلسَّاعَةِ﴾ لبَيَان قيام السَّاعَة وَيُقَال عَلامَة لقِيَام السَّاعَة إِن قَرَأت بِنصب الْعين وَاللَّام ﴿فَلاَ تَمْتَرُنَّ بِهَا﴾ فَلَا تشكن بهَا بِقِيَام السَّاعَة ﴿واتبعون﴾ بِالتَّوْحِيدِ ﴿هَذَا﴾ التَّوْحِيد ﴿صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ﴾ دين قَائِم يرضاه وَهُوَ الْإِسْلَام
﴿وَلاَ يَصُدَّنَّكُمُ﴾ لَا يصرفنكم ﴿الشَّيْطَان﴾ عَن دين الْإِسْلَام وَالْإِقْرَار بِقِيَام السَّاعَة ﴿إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ﴾ ظَاهر الْعَدَاوَة
﴿وَلَمَّا جَآءَ عِيسَى بِالْبَيِّنَاتِ﴾ بِالْأَمر وَالنَّهْي والعجائب ﴿قَالَ قَدْ جِئْتُكُم بالحكمة﴾ بِالْأَمر وَالنَّهْي والنبوة ﴿وَلأُبَيِّنَ لَكُم بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ﴾ تخالفون فِي الدّين ﴿فَاتَّقُوا الله﴾ فاخشوا الله فِيمَا أَمركُم ﴿وَأَطِيعُونِ﴾ اتبعُوا وصيتي وَقَوْلِي
﴿إِنَّ الله هُوَ رَبِّي﴾ خالقي ﴿وَرَبُّكُمْ﴾ خالقكم ﴿فاعبدوه﴾ فوحدوه ﴿هَذَا﴾ التَّوْحِيد ﴿صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ﴾ دين قَائِم يرضاه
﴿فَاخْتلف الْأَحْزَاب﴾ النَّصَارَى ﴿مِن بَيْنِهِمْ﴾ فِيمَا بَينهم فِي عِيسَى فَقَالَ بَعضهم هُوَ ابْن الله وهم النسطورية وَقَالَ بَعضهم هُوَ الله وهم الماريعقوبية وَقَالَ بَعضهم هُوَ شَرِيكه وهم الملكانية وَقَالَ بَعضهم هُوَ ثَالِث ثَلَاثَة وهم المرقوسية ﴿فويل﴾ شدَّة الْعَذَاب ﴿لِّلَّذِينَ ظَلَمُواْ﴾ تحزبوا فِي عِيسَى ﴿مِنْ عَذَابِ يَوْمٍ أَلِيمٍ﴾ وجيع
﴿هَلْ يَنظُرُونَ﴾ مَا ينتظرون إِذْ لَا يتوبون عَن مقالتهم ﴿إِلاَّ السَّاعَة﴾ إِلَّا قيام السَّاعَة ﴿أَن تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً﴾ فَجْأَة ﴿وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ﴾ لَا يعلمُونَ بنزول الْعَذَاب بهم
﴿الأخلاء﴾ فِي الْمعْصِيَة ﴿يَوْمَئِذٍ﴾ يَوْم الْقِيَامَة مثل عقبَة بن أبي معيط وَأبي بن خلف ﴿بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلاَّ الْمُتَّقِينَ﴾ الْكفْر والشرك وَالْفَوَاحِش مثل أبي بكر وَعمر وَعُثْمَان وَعلي وأصحابهم فانهم لَيْسُوا كَذَلِك فَيَقُول الله
﴿يَا عباد لاَ خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْم﴾ حِين يخَاف غَيْركُمْ ﴿وَلاَ أَنتُمْ تَحْزَنُونَ﴾ حِين يحزن غَيْركُمْ
﴿الَّذين آمنُوا بِآيَاتِنَا﴾ بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن ﴿وَكَانُواْ مُسْلِمِينَ﴾ مُخلصين بِالْعبَادَة والتوحيد
﴿ادخُلُوا الْجنَّة أَنتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ﴾ حلائلكم ﴿تُحْبَرُونَ﴾ تكرمون بالتحف وتنعمون فِي الْجنَّة
﴿يُطَافُ عَلَيْهِمْ﴾ فِي الْخدمَة ﴿بِصِحَافٍ﴾ بقصاع ﴿مِّن ذهب﴾ فِيهَا ألوان الطَّعَام ﴿وأكواب﴾ كيزان بِلَا آذان وَلَا عرى مُدَوَّرَة الرُّءُوس فِيهَا شرابهم ﴿وَفِيهَا﴾ فِي الْجنَّة ﴿مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفس﴾ تتمنى الْأَنْفس
415
﴿وَتَلَذُّ الْأَعْين﴾ تعجب الْأَعْين بِالنّظرِ إِلَيْهِ ﴿وَأَنتُمْ فِيهَا﴾ فِي الْجنَّة ﴿خَالِدُونَ﴾ دائمون لَا تموتون وَلَا تخرجُونَ مِنْهَا
416
﴿وَتِلْكَ الْجنَّة﴾ هَذِه الْجنَّة ﴿الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا﴾ أنزلتموها جعلت لكم مِيرَاثا ﴿بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ وتقولون فى الدُّنْيَا
﴿لَكُمْ فِيهَا﴾ فِي الْجنَّة ﴿فَاكِهَةٌ﴾ ألوان الْفَاكِهَة ﴿كَثِيرَةٌ مِّنْهَا﴾ من ألوان الْفَاكِهَة ﴿تَأْكُلُونَ﴾
﴿إِنَّ الْمُجْرمين﴾ الْمُشْركين أَبَا جهل وَأَصْحَابه ﴿فِي عَذَابِ جَهَنَّمَ خَالِدُونَ﴾ لَا يموتون وَلَا يخرجُون مِنْهَا
﴿لاَ يُفَتَّرُ﴾ لَا يرفع ﴿عَنْهُمْ﴾ الْعَذَاب وَلَا يقطع ﴿وَهُمْ فِيهِ﴾ فِي الْعَذَاب ﴿مُبْلِسُونَ﴾ آيسون من الرّفْع وَمن كل خير
﴿وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ﴾ بهلاكهم وعذابهم ﴿وَلَكِن كَانُواْ هُمُ الظَّالِمين﴾ بالْكفْر والشرك
﴿وَنَادَوْا يَا مَالك﴾ فَلَمَّا قل صبرهم نادوا يَا مَالك خَازِن النَّار ﴿لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ﴾ الْمَوْت فَيُجِيبهُمْ مَالك بعد أَرْبَعِينَ سنة ﴿قَالَ إِنَّكُمْ مَّاكِثُونَ﴾ دائمون فِي الْعَذَاب وَلَا تخرجُونَ
﴿لَقَدْ جِئْنَاكُم بِالْحَقِّ﴾ يَقُول جَاءَ جِبْرِيل إِلَى نَبِيكُم مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالْقُرْآنِ ﴿وَلَكِن أَكْثَرَكُم﴾ كلكُمْ ﴿للحق﴾ بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن ﴿كَارِهُونَ﴾ جاحدون
﴿أَمْ أبرموا أَمْراً﴾ أحكموا أمرا فِي شَأْن مُحَمَّد ﴿فَإِنَّا مُبْرِمُونَ﴾ محكمون أمرا بهلاكهم
﴿أَمْ يَحْسَبُونَ﴾ أيظنون يَعْنِي صَفْوَان بن أُميَّة وصاحبيه ﴿أَنَّا لاَ نَسْمَعُ سِرَّهُمْ﴾ فِيمَا بَينهم ﴿وَنَجْوَاهُم﴾ خلوتهم حول الْكَعْبَة ﴿بلَى﴾ نسْمع ﴿وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ﴾ عِنْدهم ﴿يَكْتُبُونَ﴾ سرهم ونجواهم وهم الْحفظَة
﴿قُلْ﴾ يَا مُحَمَّد للنضر بن الْحَارِث وعلقمة ﴿إِن كَانَ﴾ مَا كَانَ ﴿للرحمن وَلَدٌ فَأَنَاْ أَوَّلُ العابدين﴾ أول المقرين بِأَن لَيْسَ لله ولد وَلَا شريك
﴿سُبْحَانَ رَبِّ السَّمَاوَات وَالْأَرْض رَبِّ الْعَرْش عَمَّا يَصِفُونَ﴾ يَقُولُونَ من الْوَلَد وَالشَّرِيك
﴿فَذَرْهُمْ﴾ اتركهم يَا مُحَمَّد ﴿يَخُوضُواْ﴾ فِي الْبَاطِل ﴿ويلعبوا﴾ يهزءوا بِالْقُرْآنِ ﴿حَتَّى يُلاَقُواْ﴾ يعاينوا ﴿يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ﴾ فِيهِ الْمَوْت وَالْعَذَاب
﴿وَهُوَ الَّذِي فِي السمآء إِلَه﴾ هُوَ إِلَه كل شَيْء فِي السَّمَاء ﴿وَفِي الأَرْض إِلَه﴾ إِلَه كل شَيْء فِي الأَرْض ﴿وَهُوَ الْحَكِيم﴾ فِي أمره وقضائه ﴿الْعَلِيم﴾ بخلقه وتدبيره
﴿وَتَبَارَكَ﴾ تَعَالَى وتبرأ عَن الْوَلَد وَالشَّرِيك ﴿الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَات وَالْأَرْض وَمَا بَيْنَهُمَا﴾ من الْخلق ﴿وَعِندَهُ عِلْمُ السَّاعَة﴾ علم قيام السَّاعَة ﴿وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾ فِي الْآخِرَة
﴿وَلاَ يَمْلِكُ الَّذين يَدْعُونَ﴾ يعْبدُونَ ﴿مِن دُونِهِ﴾ من دون الله ﴿الشَّفَاعَة﴾ يَقُول لَا تقدر الْمَلَائِكَة أَن يشفعوا لأحد ﴿إِلاَّ مَن شَهِدَ بِالْحَقِّ﴾ بِلَا إِلَه إِلَّا الله مخلصاً بهَا ﴿وهم يعلمُونَ﴾ حق من قبل أنفسهم نزلت هَذِه الْآيَة فِي بني مليح حَيْثُ قَالُوا الْمَلَائِكَة بَنَات الله
﴿وَلَئِن سَأَلْتَهُم﴾ يَعْنِي بني مليح ﴿مَّنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ الله﴾ خلقنَا ﴿فَأنى يُؤْفَكُونَ﴾ فَمن أَيْن يكذبُون على الله بعد الْإِقْرَار
﴿وقيله﴾ قَالَ مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ﴿يَا رب إِنَّ هَؤُلَاءِ قَوْمٌ لاَّ يُؤْمِنُونَ﴾ بك وَبِالْقُرْآنِ فافعل بهم مَا شِئْت
﴿فاصفح عَنْهُمْ﴾ قيل لَهُ أعرض عَنْهُم ﴿وَقُلْ سَلاَمٌ﴾ سداد من القَوْل ﴿فَسَوْفَ﴾ وَهَذَا وَعِيد لَهُم ﴿يَعْلَمُونَ﴾ مَاذَا يفعل بهم يَوْم بدر وَيَوْم أحد وَيَوْم الْأَحْزَاب ثمَّ أمره بِالْقِتَالِ بعد ذَلِك فَسَوف يعلمُونَ مَاذَا ينزل بهم من الْجُوع وَالدُّخَان
416
وَمن السُّورَة الَّتِى يذكر فِيهَا الدُّخان وهى كلهَا مَكِّيَّة آياتها تسع وَخَمْسُونَ آيَة وكلماتها ثَلَاثمِائَة وست وَأَرْبَعُونَ كلمة وحروفها ألف وَأَرْبَعمِائَة وَأحد وَثَلَاثُونَ حرفا
﴿بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم﴾
417
سورة الزخرف
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورة (الزُّخْرف) من السُّوَر المكية، من مجموعة سُوَر (الحواميم)، افتُتحت ببيان عظمة هذا الكتاب، وقُدْرتِه على البيان والإبلاغ، وجاءت ببشارةِ الأمَّة بعلوِّ قَدْرها ورفعتها، محذِّرةً إياها من زخارفِ هذه الدنيا وزَيْفِها؛ فهي دارُ مَمَرٍّ، لا دارُ مستقرٍّ، وخُتمت السورة بتنزيه الله عز وجل عن الولدِ والشريك؛ لكمالِ اتصافه بصفات الألوهية الحَقَّة.

ترتيبها المصحفي
43
نوعها
مكية
ألفاظها
837
ترتيب نزولها
63
العد المدني الأول
89
العد المدني الأخير
89
العد البصري
89
العد الكوفي
89
العد الشامي
88

* قوله تعالى: {وَلَمَّا ضُرِبَ اْبْنُ مَرْيَمَ مَثَلًا إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ} [الزخرف: 57]:

عن أبي يَحيَى مولَى ابنِ عَقِيلٍ الأنصاريِّ، قال: «قال ابنُ عباسٍ: لقد عَلِمْتُ آيةً مِن القرآنِ ما سألَني عنها رجُلٌ قطُّ، فما أدري أعَلِمَها الناسُ فلم يَسألوا عنها، أم لم يَفطَنوا لها فيَسألوا عنها؟ ثم طَفِقَ يُحدِّثُنا، فلمَّا قامَ، تلاوَمْنا ألَّا نكونَ سأَلْناه عنها، فقلتُ: أنا لها إذا راحَ غدًا، فلما راحَ الغَدَ، قلتُ: يا بنَ عباسٍ، ذكَرْتَ أمسِ أنَّ آيةً مِن القرآنِ لم يَسأَلْك عنها رجُلٌ قطُّ، فلا تَدري أعَلِمَها الناسُ فلم يَسألوا عنها، أم لم يَفطَنوا لها؟ فقلتُ: أخبِرْني عنها، وعن اللَّاتي قرأتَ قبلها، قال: نَعم، إنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قال لقُرَيشٍ: يا معشرَ قُرَيشٍ، إنَّه ليس أحدٌ يُعبَدُ مِن دُونِ اللهِ فيه خيرٌ، وقد عَلِمتْ قُرَيشٌ أنَّ النَّصارى تعبُدُ عيسى ابنَ مَرْيَمَ، وما تقولُ في مُحمَّدٍ، فقالوا: يا مُحمَّدُ، ألستَ تزعُمُ أنَّ عيسى كان نبيًّا وعبدًا مِن عبادِ اللهِ صالحًا، فلَئِنْ كنتَ صادقًا، فإنَّ آلهتَهم لكما تقولون؟! قال: فأنزَلَ اللهُ عز وجل: {وَلَمَّا ضُرِبَ اْبْنُ مَرْيَمَ مَثَلًا إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ} [الزخرف: 57]، قال: قلتُ: ما {يَصِدُّونَ}؟ قال: يَضِجُّون، {وَإِنَّهُۥ لَعِلْمٞ لِّلسَّاعَةِ} [الزخرف: 61]، قال: هو خروجُ عيسى ابنِ مَرْيَمَ عليه السلام قبلَ يومِ القيامةِ». أخرجه أحمد (٢٩١٨).

*(سورةُ الزُّخْرف):

سُمِّيت (سورةُ الزُّخْرف) بهذا الاسم؛ لمجيء لفظ (الزُّخْرف) في وصفِ الحياة الدنيا في قوله تعالى: {وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَٰبٗا وَسُرُرًا عَلَيْهَا يَتَّكِـُٔونَ ٣٤ وَزُخْرُفٗاۚ وَإِن كُلُّ ذَٰلِكَ لَمَّا مَتَٰعُ اْلْحَيَوٰةِ اْلدُّنْيَاۚ وَاْلْأٓخِرَةُ عِندَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ} [الزخرف: 34-35].

1. مكانة القرآن، وعاقبة المستهزئين بالمرسلين (١-٨).

2. إقرار المشركين بربوبية الله تعالى (٩-١٤).

3. ضلال المشركين في العبادة (١٥-٢٥).

4. حِكْمة الله تعالى في اختيار رسله (٢٦-٣٥).

5. حال المُعرِض عن ذكرِ الله، وتسليةُ النبي صلى الله عليه وسلم (٣٦-٤٥).

6. قصة موسى عليه السلام مع فرعون (٤٦-٥٦).

7. قصة عيسى عليه السلام (٥٧-٦٦).

8. عباد الله المؤمنين ونِعَمُ الله عليهم (٦٧-٧٣).

9. الأشقياء الفُجَّار يوم القيامة (٧٤-٨٠).

10. تنزيه الله تعالى عن الولدِ والشريك (٨١-٨٩).

ينظر: "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (7 /102).

مقصدُ سورة (الزُّخْرف) هو البِشارة بإعلاء الله لهذه الأمَّة، وتفضيلها على باقي الأُمَم؛ فالأمة الإسلامية هي أعلى الأمم شأنًا ورفعةً، ولتحقيق ذلك لا بد من الارتباط بالآخرة، وتركِ زَيْفِ الدنيا وزُخْرُفها، وعدمِ التعلق بها.

ينظر: "مصاعد النظر للإشراف على مقاصد السور" للبقاعي (2 /466).