مكية بإجماع
ﰡ
(صفحٌ فما تلقاك إلا بخيلة | فمن قَلّ منها ذلك الوصل قلّت) |
أحدها : إنا أنزلناه قرآنا عربياً، قاله السدي.
الثاني : إنا قلناه قرآناً عربياً ؛ قاله مجاهد.
الثالث : إنا بيناه قرآناً عربياً ؛ قاله سفيان الثوري. ومعنى العربي أنه بلسان عربي، وفيه قولان :
أحدهما : أنه جعل عربياً لأن لسان أهل السماء عربي، قاله مقاتل.
الثاني : لأن كل نبي أنزل كتابه بلسان قومه ؛ قاله سفيان الثوري.
﴿ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : تفهمون ؛ فعلى هذا يكون هذا القول خاصاً بالعرب دون العجم، قاله ابن عيسى.
الثاني : يتفكرون ؛ قاله ابن زيد، فعلى هذا يكون خطاباً عاماً للعرب والعجم.
أحدها : جملة الكتاب، قاله قتادة.
الثاني : أصل الكتاب، قاله ابن سيرين.
الثالث : أنها الحكمة التي نبه الله عليها جميع خلقه ؛ قاله ابن بحر.
وفي ﴿ الْكِتَابِ ﴾ قولان :
أحدهما : أنه اللوح المحفوظ ؛ قاله مجاهد.
الثاني : أنه ذكر عند الله فيه ما سيكون من أفعال العباد مقابل يوم القيامة بما ترفعه الحفظة من أعمالهم ؛ قاله ابن جريج.
وفي المكنى عنه أنه في أمِّ الكتاب قولان :
أحدهما : أنه القرآن ؛ قاله الكلبي.
الثاني : أنه ما يكون من الخلق من طاعة ومعصية وإيمان أو كفر ؛ قاله ابن جريج.
﴿ لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ ﴾ فيه وجهان :
أحدها : رفيع عن أن ينال فيبدل. حكيم أي محفوظ من نقص أو تغيير ؛ وهذا تأويل من قال أنه ما يكون من الطاعات والمعاصي.
الثاني : أنه علي في نسخه ما تقدم من الكتب، وحكيم أي محكم الحكم فلا ينسخ ؛ وهذا تأويل من قال أنه القرآن.
أحدها : أفحسبتم أن نصفح عنكم ولما تفعلون ما أمرتم به ؟ قاله ابن عباس.
الثاني : معناه أنكم تكذبون بالقرآن ولا نعاقبكم فيه، قاله مجاهد.
الثالث : أي نهملكم١ فلا نعرفكم بما يجب عليكم، حكاه النقاش.
الرابع : أن نقطع تذكيركم بالقرآن- وإن كذبتم٢ به-، قاله قتادة.
ويحتمل خامساً : أن نوعد ولا نؤاخذ، ونقول فلا نفعل.
﴿ قَوْماً مُّسْرِفِينَ ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : مشركين، قاله قتادة.
الثاني : مسرفين في الرد.
ومعنى صفحاً أي إعراضاً، يقال صفحت عن فلان أي أعرضت عنه. قال ابن قتيبة : والأصل فيه إنك توليه صفحة عنقك. قال كثير في صفة امرأة :
صفوحٌ فما تلقاك إلا بخيلة | فمن قَلّ منها ذلك الوصل قلّت |
٢ وإن كذبتم به ساقطة من ع..
أحدها : سنة الأولين ؛ قاله مجاهد.
الثاني : عقوبة الأولين ؛ قاله قتادة.
الثالث : عِبرة الأولين، قاله السدي.
الرابع : خبر الأولين أنهم أهلكوا بالتكذيب، حكاه النقاش.
(لقد علم القبائل ما عقيل | لنا في النائبات بمقرنينا) |
﴿ وجَعَلَ لَكُم فِيهَا سُبُلاً ﴾ أي طرقاً.
ويحتمل ثانياً : أي معايش.
﴿ لَعَلَّكُم تَهْتَدُونَ ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : تهتدون في أسفاركم قاله ابن عيسى.
الثاني : تعرفون نعمة الله عليكم ؛ قاله سعيد بن جبير.
ويحتمل ثالثاً : تهتدون إلى معايشكم.
أحدها : الأصناف كلها، قاله سعيد بن جبير.
الثاني : أزواج الحيوان من ذكر وأنثى، قاله ابن عيسى.
الثالث : أن الأزواج الشتاء والصيف، والليل والنهار، والسموات والأرض، والشمس والقمر، والجنة والنار، قاله الحسن.
ويحتمل رابعاً : أن الأزواج ما يتقلب فيه الناس من خيرٍ وشر، وإيمان وكفر، وغنى وفقر، وصحة وسقم.
﴿ وَجَعَلَ لَكُم مِّن الْفُلْكِ ﴾ يعني السفن.
﴿ والأنعام ما تركبون ﴾ في الأنعام هنا قولان :
أحدهما : الإبل والبقر ؛ قاله سعيد بن جبير.
الثاني : الإبل وحدها : قاله معاذ. فذكرهم نعمه عليهم في تسييرهم في البر والبحر.
﴿ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ ﴾ أي ركبتم.
﴿ وَتَقُولُوا سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا ﴾ أي ذلل لنا هذا المركب.
﴿ وَمَا كَنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ ﴾ فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : ضابطين ؛ قاله الأخفش.
الثاني : مماثلين في الأيد والقوة ؛ قاله قتادة من قولهم هو قرن فلان إذا كان مثله في القوة.
الثالث : مطيقين ؛ قاله ابن عباس والكلبي، وأنشد قطرب٢ لعمرو بن معدي كرب :
لقد علم القبائل ما عقيل | لنا في النائبات بمقرنينا |
أحدهما : أن أصله مأخوذ من الإقران ؛ يقال أقرن فلان إذا أطاق. الثاني : أن أصله مأخوذ من المقارنة وهو أن يقرن بعضها ببعض في السير.
وحكى سليمان بن يسار أن قوماً كانوا في سفر، فكانوا إذا ركبوا قالوا :﴿ سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ ﴾، وكان فيهم رجل على ناقة له رازم وهي لا تتحرك هزالاً، فقال أما أنا فإني لهذه مقرن، قال : فقمصت به فدقت عنقه٣.
٢ في ك وأنشد قطرب معنى قول معدي كرب..
٣ ويسن أن يقول عند الركوب. اللهم أنت الصاحب في السفر والخليفة في الأهل والمال، اللهم إني أعوذ بك من وعثاء السفر وكآبة المنقلب والجور بعد الكور وسوء المنظر في الأهل والمال يعني بالجور والكور تشتت أمر الرجل بعد اجتماعه..
(إن أجزأت مرة قوماً فلا عجب | قد تجزىء الحرة المذكارُ أحيانا) |
﴿ ظَلَّ وَجْهُه مُسْوَداً ﴾ يحتمل وجهين :
أحدهما : ببطلان مثله الذي ضربه.
الثاني : بما بشر به من الأنثى.
﴿ وَهُوَ كَظِيمٌ ﴾ فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : حزين ؛ قاله قتادة.
الثاني : مكروب ؛ قاله عكرمة.
الثالث : ساكت ؛ حكاه ابن أبي حاتم. وذلك لفساد مثله وبطلان حجته.
أحدها : الجواري ؛ قاله ابن عباس ومجاهد.
الثاني : البنات ؛ قاله ابن قتيبة.
الثالث : الأَصنام ؛ قاله ابن زيد.
وفي ﴿ الْخِصَامِ ﴾ وجهان :
أحدهما : في الحجة.
الثاني : في الجدل.
﴿ غَيْرُ مُبِينٍ ﴾ فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : أنه عنى قلة البلاغة ؛ قاله السدي.
الثاني : ضعف الحجة، قال قتادة. قال قتادة : ما حاجت امرأة إلا أوشكت أن تتكلم بغير حجتها.
الثالث : السكوت عن الجواب، قاله الضحاك وابن زيد ومن زعم أنها الأصنام.
أحدهما : أنه سماهم عباده على وجه التكريم كما قال ﴿ وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الِّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْناً ﴾.
الثاني : أنه جمع عابد.
وفي قوله :﴿ إِنَاثاً ﴾ وجهان :
أحدهما : أي بنات الرحمن.
الثاني : ناقصون نقص البنات.
﴿ أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ ﴾ يحتمل وجهين :
أحدهما : مشاهدتهم وقت خلقهم.
الثاني : مشاهدتهم بعد خلقهم حتى علموا أنهم إناث.
﴿ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ ﴾ أي ستكتب شهادتهم إن شهدوا، ويسألون عنها إذا بعثوا.
(كنا على أمة آبائنا | قد يقتدي الآخر بالأول) |
(حلفت فلم أترك لنفسك ريبة | وهل يأثَمَن ذو أمة وهو طائع) |
أحدها : على دين، قاله قتادة وعطية. ومنه قول قيس بن الخطيم :
كنا على أمة آبائنا *** قد يقتدي الآخر بالأول١
الثاني : على ملة وهو قريب من معنى الأول ؛ قاله مجاهد وقطرب وفي بعض المصاحف. ﴿ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى مِلَّةٍ ﴾.
الثالث : على قبلة ؛ حُكي ذلك عن الفراء.
الرابع : على استقامة، قاله الأخفش وأنشد النابغة :
حلفت فلم أترك لنفسك ريبة *** وهل يأثَمَن ذو أمة وهو طائع
الخامس : على طريقة، قاله عمر بن عبد العزيز، وكان يقرأ ﴿ عَلَى إُمَّةٍ ﴾ بكسر الألف والأمة الطريقة من قولهم أممت القوم. حكاه الفراء.
﴿ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّهْتَدُونَ٢ ﴾ قال قتادة متبعون. وحكى مقاتل أن هذه الآية نزلت في الوليد بن المغيرة وأبي سفيان وأبي جهل وعتبة وشيبة ابني ربيعة من قريش.
٢ وفي هذا دليل على إبطال التقليد، لذمة إياهم على تقليد آبائهم وتركهم النظر فيما دعاهم إليه الرسول صلى الله عليه وسلم..
(علونا السماء عفة وتكرما | وإنا لنرجو فوق ذلك مظهرا) |
(زخآرف أشباهاً تخال بلوغها | سواطع جمر من لظى يتلهب) |
﴿ فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ ﴾ وقيل فيه محذوف تقديره إلا الذي فطرني لا أبرد منه ﴿ فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ ﴾. قال ذلك ثقة بالله وتنبيهاً لقومه أن الهداية من ربه.
أحدها : لا إله إلا الله، لم يزل في ذريته من يقولها ؛ قاله مجاهد وقتادة.
الثاني : ألا تعبدوا إلا الله ؛ قاله الضحاك.
الثالث : الإسلام ؛ لقوله تعالى :﴿ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِن قَبْلُ ﴾ ؛ قاله عكرمة. وفي ﴿ عَقِبِهِ ﴾ ثلاثة أوجه :
أحدها : ولده ؛ قاله عكرمة.
الثاني : في آل محمد صلى الله عليه وسلم ؛ قاله السدي.
الثالث : من خلفه ؛ قاله ابن عباس.
﴿ لَعَلَّهُم يَرْجِعُونَ ﴾ فيه أربعة أوجه :
أحدها : يرجعون إلى الحق، قاله إبراهيم.
الثاني : يتوبون، قاله ابن عباس.
الثالث : يذكرون، قاله قتادة.
الرابع : يرجعون إلى دينك الذي هو دين إبراهيم، قاله الفراء.
وأما عظيم مكة ففيه قولان : أحدهما : أنه الوليد بن المغيرة، قاله ابن عباس.
الثاني : عتبة بن ربيعة، قاله مجاهد.
وأما عظيم الطائف ففيه أربعة أقاويل :
أحدها : أنه حبيب بن عمر١ الثقفي ؛ قاله ابن عباس.
الثاني :[ عمير ] بن عبد ياليل، [ الثقفي ] ٢ قاله مجاهد.
الثالث : عروة بن مسعود، قاله قتادة.
الرابع : أنه كنانة [ عبد بن ]٣ عمرو، قاله السدي.
٢ ما بين المربعين من تفسير القرطبي..
٣ في الأصول كنانة بن عمرو والزيادة من تفسير القرطبي..
﴿ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنَْيَا ﴾ يعني أرزاقهم. قال قتادة : فتلقاه ضعيف القوة قليل الحيلة عيي اللسان وهو مبسوط له، وتلقاه شديد الحيلة بسيط اللسان وهو مقتر عليه.
﴿ وَرَفَعَنا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ ﴾ فيه خمسة أوجه :
أحدها : بالفضائل، فمنهم فاضل ومنهم مفضول ؛ قاله مقاتل.
الثاني : بالحرية والرق، فبعضهم مالك وبعضهم مملوك.
الثالث : بالغنى والفقر، فبعضهم غني وبعضهم فقير.
الرابع : بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
الخامس : قاله السدي التفضيل في الرزق إن الله تعالى قسم رحمته بالنبوة كما قسم الرزق بالمعيشة.
﴿ لِّيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضاً سُخْرِيّاً ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : يعني خدماً ؛ قاله السدي.
الثاني : ملكاً ؛ قاله قتادة.
﴿ وَرَحْمَةُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ ﴾ فيه أربعة أوجه :
أحدها : أن النبوة خير من الغنى.
الثاني : أن الجنة خير من الدنيا.
الثالث : أن إتمام الفرائض خير من كثرة النوافل.
الرابع : أن ما يتفضل به عليهم خير مما يجازيهم عليه من أعمالهم، قاله بعض أصحاب الخواطر.
أحدهما : على دين واحد كفاراً، قاله ابن عباس والسدي.
الثاني : على اختيار الدنيا على الدين، قاله ابن زيد.
﴿ لَّجَعَلْنَا لِمَن يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِم سُقُفاً مَّن فِضَّةٍ ﴾ فيها قولان :
أحدهما : أنها أعالي البيوت، قاله قتادة ومجاهد.
الثاني : الأبواب ؛ قاله النقاش.
﴿ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ ﴾ قال ابن عباس : المعارج الدرج، وهو قول الجمهور، واحدها معراج.
﴿ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ ﴾ أي درج من فضة عليها يصعدون ؛ والظهور الصعود. وأنشد : نابغة بني جعدة رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله :
علونا السماء عفة وتكرما | وإنا لنرجو فوق ذلك مظهرا١ |
قال :" أَجَل إِن شَاءَ اللَّهُ ". قال الحسن : والله لقد مالت الدنيا بأكثر أهلها وما فعل ذلك فكيف لو فعل ؟
أحدها : أنه الذهب، قاله ابن عباس. وأنشد قطرب قول ذي الأصبع :
زخارف أشباهاً تخال بلوغها | سواطع جمر من لظى يتلهب |
الثالث : أنه النقوش، قاله الحسن.
(لنعم الفتى تعشو إلى ضوءِ ناره | إذا الريحُ هبّت والمكان جديب) |
(أخذنا بآفاق السماء عليكم | لنا قمراها والنجوم الطوالع) |
﴿ قَالَ يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بَعُدَْ الْمَشْرِقَيْنِ ﴾ هذا قول ابن آدم لقرينه. وفي المشرقين قولان :
أحدهما : أنه المشرق والمغرب فغلب أحدهما على الآخر، كما قيل : سنة العمرين، كقول الشاعر :
أخذنا بآفاق السماء عليكم | لنا١ قمراها والنجوم الطوالع |
أحدهما : إما نخرجنك من مكة من أذى قريش فإنا منهم منتقمون بالسيف يوم بدر.
الثاني : فإما نقبض روحك إلينا فإنا منتقمون من أمتك فيما أحدثوا بعدك. وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم أُرِي ما لقيت أمته بعده فما زال منقبضاً ما انبسط ضاحكاً حتى لقي الله تعالى.
وفي ﴿ لَذِكْرٌ ﴾ قولان :
أحدهما : الشرف، أي شرف لك ولقومك، قاله ابن عباس.
الثاني : أنه لذكر لك ولقومك تذكرون به أمر الدين وتعملون به، حكاه ابن عيسى.
﴿ وَلِقَوْمِكَ ﴾ فيه قولان :
أحدهما : من اتبعك من أمتك، قاله قتادة.
الثاني : لقومك من٢ قريش فيقال : ممن هذا الرجل ؟ فيقال : من العرب، فيقال : من أي العرب ؟ فيقال : من قريش، قاله مجاهد.
﴿ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : عن الشكر ؛ قاله مقاتل.
الثاني : أنت ومن معك عما أتاك، قاله ابن جريج.
وحكى ابن أبي سلمة عن أبيه عن مالك بن أنس في قوله ﴿ وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ ﴾ أنه قول الرجل حدثني أبي عن جدي.
٢ من ساقطة من ك..
أحدها : يعني الأنبياء الذين جمعوا له ليلة الإسراء ؛ قاله ابن عباس وابن زيد، وكانوا سبعين نبياً منهم إبراهيم وموسى وعيسى عليهم السلام، فلم يسألهم لأنه كان أعلم بالله منهم، قاله ابن عباس.
الثاني : أهل الكتابين التوراة والإنجيل، قاله قتادة والضحاك، ويكون تقديره : سل أمم من أرسلنا من قبلك من رسلنا١.
الثالث : جبريل، ويكون تقديره : واسأل عما أرسلنا من قبلك من رسلنا، حكاه النقاش.
﴿ أَجَعَلْنَا مِن دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ ﴾ وسبب هذا الأمر بالسؤال أن اليهود والمشركين قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم : إن ما جئت به مخالف لمن كان قبلك، فأمره الله بسؤالهم لا لأنه كان في شك منه.
واختلف في سؤال النبي صلى الله عليه وسلم لهم على قولين :
أحدهما : أنه سألهم، فقالت الرسل بعثنا بالتوحيد، قاله الواقدي.
الثاني : أنه لم يسأل ليقينه بالله تعالى، حتى حكى ابن زيد أن ميكائيل قال لجبريل : هل سألك محمد ذلك ؟ فقال جبريل : هو أشد إيماناً وأعظم يقيناً من أن يسألني٢ عن ذلك.
٢ في ع يسأل..
أحدها : أنهم قالوا١ على وجه الاستهزاء، قاله الحسن.
الثاني : أنه جرى على ألسنتهم ما ألفوه من اسمه، قاله الزجاج.
الثالث : أنهم أرادوا بالساحر غالب السحرة، وهو معنى قول ابن بحر.
الرابع : أن الساحر عندهم هو العالم، فعظموه بذلك ولم تكن صفة ذم ؛ حكاه ابن عيسى وقاله الكلبي.
﴿ بِمَا عَهِدَ عِندَكَ ﴾ قال مجاهد : لئن آمنا لتكشفن العذاب عنا، قال الضحاك : وذلك أن الطوفان أخذهم ثمانية أيام لا يسكن ليلاً ولا نهاراً.
﴿ مِّنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ ﴾ فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : أي ضعيف، قاله قتادة.
الثاني : حقير، قاله سفيان.
الثالث : لأنه كان يمتهن نفسه في حوائجه، حكاه ابن عيسى.
﴿ وَلاَ يَكَادُ يُبِينُ ﴾ أي يفهم، وفيه ثلاثة أوجه :
أحدها : يعني أنه عيي اللسان ؛ قاله قتادة.
الثاني : أَلثغ ؛ قاله الزجاج.
الثالث : ثقيل اللسان لجمرة كان وضعها في فيه وهو صغير، قاله سفيان.
أحدهما : أنه قال ذلك لأنه كان عادة الوقت وزى أهل الشرف.
الثاني : ليكون ذلك دليلاً على صدقه. والأساورة جمع أسورة، والأسورة جمع سوار.
﴿ أَوْ جَاءَ مَعَهُ الْمَلاَئِكَةُ مُقْتَرِنِينَ ﴾ فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : متتابعين، قاله قتادة.
الثاني : يقارن بعضهم بعضاً في المعونة، قاله السدي.
الثالث : مقترنين أي يمشون معاً ؛ قاله مجاهد.
وفي مجيئهم معه قولان :
أحدهما : ليكونوا معه أعواناً ؛ قاله مقاتل.
الثاني : ليكونوا دليلاً على صدقه، قاله الكلبي. وليس يلزم هذا لأن الإعجاز كاف، وقد كان في الجائز أن يكذب مع مجيء الملائكة كما يكذب مع ظهور الآيات.
وذكر فرعون الملائكة حكاية عن لفظ موسى لأنه لا يؤمن بالملائكة من لا يعرف خالقهم.
أحدها : استفزهم بالقول فأطاعوه على التكذيب ؛ قاله ابن زياد.
الثاني : حركهم بالرغبة فخفوا معه في الإجابة، وهو معنى قول الفراء.
الثالث : استجهلهم فأظهروا طاعة جهلهم، وهو معنى قول الكلبي. الرابع : دعاهم إلى باطله فخفوا في إجابته ؛ قاله ابن عيسى.
أحدهما : أغضبونا، رواه الضحاك عن ابن عباس.
الثاني : أسخطونا، رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس. ومعناهما مختلف، والفرق بينهما أن السخط إظهار الكراهة، والغضب إرادة الانتقام.
والأسف هو الأسى على فائت. وفيه وجهان :
أحدهما : أنه لما جعل هنا في موضع الغضب صح أن يضاف إلى الله لأنه قد يغضب على من عصاه.
الثاني : أن الأسف راجع إلى الأنبياء لأن الله تعالى لا يفوته شيء، ويكون تقديره : فلما آسفوا رسلنا انتقمنا منهم.
أحدهما : أهواء مختلفة، قاله ابن عباس.
الثاني : جمع سلف أي جميع من قد مضى من الناس ؛ قاله ابن عيسى.
وقرأ الباقون بفتح السين واللام، أي متقدمين، وفيه ثلاثة أوجه :
أحدها، سلفاً في النار ؛ قاله قتادة.
الثاني : سلفاً لكفار أمة محمد صلى الله عليه وسلم ؛ قاله مجاهد.
الثالث : سلفاً لمثل من عمل مثل عملهم ؛ قاله أبو مجلز.
﴿ وَمَثَلاً لِّلآخِرينَ ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : عظة لغيرهم ؛ قاله قتادة.
الثاني : عبرة لمن بعدهم، قاله مجاهد.
(ترّاك أمكنة إذا لم أرضها | أو يعتلق بعض النفوس حمامها) |
أحدهما : أم محمد صلى الله عليه وسلم، قاله قتادة.
الثاني : أم عيسى ؛ قاله السدي.
﴿ مَا ضَرَبُوه لَكَ إِلاَّ جَدَلاً ﴾ قال السدي : هو قول قريش لرسول الله صلى الله عليه وسلم تزعم كل شيء عبد من دون الله في النار فنحن نرضى أن تكون آلهتنا مع عيسى وعزير والملائكة هؤلاء قد عبدوا من دون الله.
﴿ بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : أن الخصم الحاذق بالخصومة.
الثاني : أنه المجادل بغير حجة.
﴿ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ ﴾ يحتمل وجهين :
أحدهما : بالنبوة.
الثاني : بخلقه من غير أب كآدم.
وفيه وجه الثالث : بسياسة نفسه وقمع شهوته.
﴿ وَجَعَلْنَاهُ مَثَلاً لِّبَنِي إِسْرَائِيلَ ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : يعني أنه لبني إسرائيل، قاله قتادة.
الثاني : لتمثيله بآدم، قاله ابن عيسى.
أحدهما : يعني لقلبنا بعضكم ملائكة من غير أب كما خلقنا عيسى من غير أب ليكونوا خلفاء من ذهب منكم.
الثاني : جعلنا بدلاً منكم ملائكة.
﴿ فِي الأَرْضِ يَخْلُفُونَ ﴾ فيه أربعة أوجه :
أحدها : ملائكة يخلف بعضها بعضاً ؛ قاله قتادة.
الثاني : ملائكة يكونون خلفاً منكم، قاله السدي.
الثالث : ملائكة يعمرون الأرض بدلاً منكم ؛ قاله مجاهد.
الرابع : ملائكة يكونون رسلاً إليكم بدلاً من الرسل منكم.
أحدها : أن القرآن علم الساعة لما فيه من البعث والجزاء ؛ قاله الحسن وسعيد بن جبير.
الثاني : أن إحياء عيسى الموتى دليل على الساعة وبعث الموتى، قاله ابن إسحاق.
الثالث : أن خروج عيسى علم الساعة لأنه من علامة القيامة وشروط الساعة، قاله ابن عباس وقتادة ومجاهد والضحاك والسدي.
وروى خالد عن الحسن قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" الأَنبِيَاءُ إِخْوَةٌ لَعِلاَّتُ١، أُمَّهَاتُهُم شَتَّى وَدِينُهُم وَاحِدٌ، أَنَا أَولَى النَّاسِ بِعيسَى ابنِ مَرْيَمَ، إِنَّهُ لَيسَ بَينِي وَبَيْنَهُ نَبِيٌّ، وَإِنَّهُ أَوَّلُ نَازِلٍ، فَيَكْسَرُ الصَّلِيبَ وَيَقْتُلُ الخنزيرَ، وَيُقَاتِلُ النَّاسَ عَلَى الإِسْلاَمِ ".
وحكى ابن عيسى عن قوم أنهم قالوا : إذا نزل عيسى رفع التكليف لئلا يكون رسولاً إلى أهل ذلك الزمان يأمرهم عن الله تعالى وينهاهم. وهذا قول مردود٢ لثلاثة أمور : للحديث الذي قدمناه، ولأن بقاء الدنيا يقتضي بقاء التكليف فيها، ولأنه ينزل آمراً بالمعروف وناهياً عن المنكر وليس يستنكر أن يكون أمر الله تعالى مقصوراً على تأييد الإسلام والأمر به والدعاء إليه.
وحكى مقاتل أن عيسى ينزل من السماء على ثنية جبل بأرض الشام يقال له أفيق٣.
﴿ فَلاَ تَمْتَرُنَّ بِهَا ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : لا تشكّون فيها يعني الساعة. قاله يحيى بن سلام.
الثاني : فلا تكذّبون بها ؛ قاله السُدي.
﴿ وَاتَّبِعُونِ هَذَا صِرَاطٌ مُّستَقِيمٌ ﴾ فيه ثلاثة أقاويل :
أحدها : القرآن صراط مستقيم إلى الجنة، قاله الحسن.
الثاني : عيسى ؛ قاله ابن عباس.
الثالث : الإسلام، قاله يحيى.
٢ في ع مرذول وقد نقل هذا الرد القرطبي في تفسيره ج ١٦ ص ١٠٦..
٣ تكملة الحديث بين ممصرتين وشعر رأسه دهين وبيده حربة يقتل بها الرجال، فيأتي بيت المقدس والناس في صلاة العصر، والإمام يؤم بهم، فيتأخر الإمام فيتقدمه عيسى ويصلي خلفه على شريعة محمد صلى الله عليه وسلم ثم يقتل الخنازير ويكسر الصليب ويخرب البيع والكنائس ويقتل النصارى إلا من آمن به. والحديث رواه أبو هريرة. والممصر من الثياب الذي فيه صفرة خفيفة..
أحدهما : أنه الإنجيل، قاله قتادة.
الثاني : أنه الآيات التي جاء بها من إحياء الموتى وإبراء الأسقام، والإخبار بكثير من الغيوب، قاله ابن عباس.
﴿ قَالَ قَدْ جِئْتُكُم بِالْحِكْمَةِ ﴾ فيه قولان :
أحدهما : بالنبوة ؛ قاله السدي.
الثاني : بعلم ما يؤدي إلى الجميل ويكف عن القبيح ؛ قاله ابن عيسى.
ويحتمل ثالثاً : أن الحكمة الإنجيل الذي أنزل عليه.
﴿ وَلأُبَيِّنَ لَكُم بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ ﴾ وفيه قولان :
أحدهما : تبديل التوراة، قاله مجاهد.
الثاني : ما تختلفون فيه من أمر دينكم لا من أمر دنياكم، حكاه ابن عيسى.
وفي قوله :﴿ بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ ﴾ أي كل الذي تختلفون فيه، فكان البعض هنا بمعنى الكل لأنه ما اقتصر على بيان بعض دون الكل ؛ قاله الأخفش وأنشد لبيد :
ترّاك أمكنة إذا لم أرضها | أو يعتلق بعض النفوس حمامها |
الثاني : أنه بين لهم بعضه دون جميعه، ويكون معناه أبين لكم بعض ذلك أيضاً وأكلكم في بعضه إلى الاجتهاد، وأضمر ذلك لدلالة الحال عليه.
أحدهما : أنهم أهل الكتاب من اليهود والنصارى خالف بعضهم بعضاً، قاله مجاهد والسدي.
الثاني : فرق النصارى من النسطورية واليعاقبة والملكية١ اختلفوا في عيسى فقالت النسطورية : هو ابن الله. وقالت اليعاقبة هو الله. وقالت الملكية٢ ثالث ثلاثة أحدهم الله ؛ قاله الكلبي ومقاتل.
٢ وفي بعض النسخ الملكانية والصواب ما أثبتناه..
أحدهما : أنهم أعداء في الدنيا، لأن كل واحد منهم زين للآخر ما يوبقه ؛ وهو معنى قول مجاهد.
الثاني : أنهم أعداء في الآخرة مع ما كان بينهم من التواصل في الدنيا لما رأوا سوء العاقبة فيها بالمقارنة وهو معنى قول قتادة.
وحكى النقاش أن هذه الآية نزلت في أمية بن خلف الجمحي وعقبة ابن أبي معيط < كانا خليلين، وكان عقبة يجالس النبي صلى الله عليه وسلم فقالت قريش قد صبأ عقبة بن أبي معيط>١ وقال له أمية : وجهي من وجهك حرام إن لقيت محمداً ولم تتفل في وجهه ففعل عقبة ذلك، فنذر النبي صلى الله عليه وسلم قتله، فقتله يوم بدر صبراً، وقتل أمية في المعركة، وفيهما نزلت هذه الآية.
أحدها : هم وأزواجهم المؤمنات في الدنيا.
الثاني : ومن يزوجون من الحور في الآخرة.
الثالث : هم وقرناؤهم في الدنيا.
وفي ﴿ تُحْبَرُونَ ﴾ ستة تأويلات :
أحدها : تكرمون ؛ قاله ابن عباس١، والكرامة في المنزلة.
الثاني : تفرحون ؛ قاله الحسن. والفرح في القلب.
الثالث : تتنعمون، قاله قتادة. والنعيم في البدن.
الرابع : تسرّون، قاله مجاهد. والسرور في العين.
الخامس : تعجبون، قاله ابن أبي نجيح. والعجب ها هنا درك ما يستطرف.
السادس : أنه التلذذ بالسماع ؛ قاله يحيى بن أبي كثير.
أحدها : أنه الآنية المدورة الأفواه، قاله مجاهد.
الثاني : أنها ليست لها آذن ؛ قاله السدي.
الثالث : أن الكوب : المدور القصير العنق القصير العروة، والإبريق : الطويل العنق الطويل العروة ؛ قاله قتادة.
الرابع : أنها الأباريق التي لا خراطيم لها ؛ قاله الأخفش.
الخامس : أنها الأباريق التي ليس لها عروة، قاله قطرب.
قوله عز وجل :﴿ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الأَنْفُسُ وَتَلَذُ الأَعْيُنُ ﴾ قرأ نافع وابن عامر وعاصم في رواية حفص ﴿ تَشْتَهِيهِ ﴾.
ويحتمل وجهين :
أحدهما : ما تشتهي الأنفس ما تتمناه، وما تلذ الأعين هو ما رآه فاشتهاه.
الثاني : ما تشتهيه الأنفس هو ما كان طيب المخبر، وما تلذ الأعين ما كان حسن المنظر.
﴿ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ ﴾ أي يميتنا، طلبوا الموت ليستريحوا به من عذاب النار.
﴿ قَالَ إِنَّكُم مَّاكِثُونَ ﴾ أي لابثون في عذابها أحياء، وفي٢ مدة ما بين ندائهم وجوابه أربعة أقاويل.
أحدها : أربعون سنة، قاله عبد الله بن عمرو.
الثاني : ثمانون سنة، قاله السدي.
الثالث : مائة سنة، قاله نوف٣.
الرابع : ألف سنة، قاله ابن عباس، لأن بعد ما بين النداء والجواب أخزى لهم وأذل.
٢ في ك وفي هذه المدة..
٣ المراد نوف البكالي..
أحدها : أم أجمعوا على التكذيب فإنا مجمعون على الجزاء بالبعث، قاله قتادة.
الثاني١ : أم أحكموا كيداً فإنا محكمون لها كيداً ؛ قاله ابن زيد.
الثالث : قضوا أمراً فإنا قاضون عليهم بالعذاب ؛ قاله الكلبي.
وقيل إن هذه الآية نزلت في كفار قريش حين اجتمع وجوههم في دار الندوة يتشاورون في أمر النبي صلى الله عليه وسلم حتى استقر رأيهم على ما أشار به أبو جهل عليهم أن يبرز من كل قبيلة رجل٢ ليشتركوا في قتله فتضعف المطالبة بدمه، فنزلت هذه الآية٣، وقتل الله جميعهم عليهم٤ اللعنة يوم بدر.
٢ رجل ساقطة من ك..
٣ الآية ساقطة من ك..
٤ عليهم اللعنة ساقطة من ع..
(أولئك آبائي فجئني بمثلهم | وأعْبُدُ أن أهجو تميماً بدارم) |
بسم الله الرحمن الرحيم
وفي معنى الكلام وجهان :
أحدهما : أنه الموحد١ في السماء والأرض قاله مقاتل.
الثاني : أنه المعبود في السماء والأرض، قاله الكلبي.
﴿ وَهُوَ الْحَكِيمُ٢ الْعَلِيمُ ﴾ يحتمل وجهين :
أحدهما : أنه يذكر ذلك صفة لتعظيمه.
الثاني : أنه يذكره تعليلاً لإلاهيته لأنه حكيم عليم وليس في الأصنام حكيم عليم.
٢ حكيم على وزن فعيل صيغة مبالغة واسم الفاعل حاكم وقيل معناه الحكيم، وقال قوم الحكيم المانع من الفساد. أما العليم فهو صيغة مبالغة أيضا واسم الفاعل عالم..
أحدهما : الشركة ومنه أخذت الشفعة في البيع لاستحقاق الشريك لها. ويكون معنى الكلام أن الذين يدعون من دون الله لا يملكون مع الله شركة يستحقون أن يكونوا بها آلهة إلا أن يشهدوا عند الله بالحق على من عليه حق أو له حق ؛ وهذا معنى قول ابن بحر.
الثاني : أن الشفاعة استعطاف المشفوع إليه فيما يرجى، واستصفاحه فيما يخشى، وهو قول الجمهور.
وقيل إن سبب نزولها ما حكي أن النضر بن الحارث ونفراً من قريش قالوا إن كان ما يقوله محمد حقاً فنحن نتولى الملائكة، وهم أحق بالشفاعة لنا منه فأنزل الله تعالى ﴿ وَلاَ يَمْلِكُ الِّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ الشَّفَاعَةَ ﴾ معناه الذين يعبدونهم من دون الله وهم الملائكة الشفاعة لهم. وقال قتادة : هم الملائكة وعيسى وعزير لأنهم عبدوا من دون الله.
﴿ إِلاَّ مَن شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ﴾ فيه وجهان :
أحدهما١ : يعني أن الشهادة بالحق إنما هي لمن شهد في الدنيا بالحق وهم يعلمون أنه الحق فتشفع لهم الملائكة ؛ قاله الحسن.
الثاني : أن الملائكة لا تشفع إلا لمن شهد أن لا إله إلا الله وهم يعلمون أن الله ربهم.
فأما الجر فهي على قراءة عاصم وحمزة وهي في المعنى راجعة إلى قوله تعالى ﴿ وَعِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ ﴾ وعلم قيلِه.
وأما الرفع فهو قراءة الأعرج١، ومعناها ابتداء كلام [ تقديره ] ٢ : وقيله، قيل محمد، يا رب إن هؤلاء قوم لا يؤمنون. والقيل هو القول.
وأما النصب فهي قراءة الباقين من أئمة القراء، وفي تأويلها أربعة أوجه :
أحدها : بمعنى إلا من شهد بالحق وقال قيله يا رب إن هؤلاء قوم لا يؤمنون. على وجه الإنكار عليهم٣، قاله ابن عيسى.
الثاني : أنها بمعنى أم يحسبون أنا لا نسمع سرهم ونجواهم وقيلَه يا رب، قاله يحيى بن سلام.
الثالث : بمعنى وشكا محمد إلى ربه قيله، ثم ابتداء فأخبر ﴿ يَا رَبِّ إِنَّ هَؤُلاءِ قَوْمٌ لاَّ يُؤْمِنُونَ ﴾ ؛ قاله الزجاج٤.
٢ في الأصول بخبر بدل كلمه تقديره ولا معنى لها والتصويب من تفسير القرطبي ج ١٦ ص ١٢٤..
٣ نعليهم ساقطة من ك..
٤ في ع قاله قتادة وهذا القول منسوب إلى الفراء والأخفش في تفسير القرطبي١٦ ج ١٢٤.
﴿ وَقُلْ سَلاَمٌ ﴾ فيه خمسة أوجه :
أحدها : أي قل ما تسلم به من شرهم ؛ قاله ابن عيسى.
الثاني : قل خيراً بدلاً من شرهم ؛ قاله السدي.
الثالث : أي احلم عنهم ؛ قاله الحسن.
الرابع : أنه أمره بتوديعهم بالسلام ولم يجعله تحية لهم ؛ حكاه النقاش.
الخامس : أنه عرفه بذلك كيف السلام عليهم ؛ رواه شعيب بن الحبحاب.
﴿ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ ﴾ يحتمل أمرين :
أحدهما : فسوف يعلمون حلول العذاب بهم.
الثاني : فسوف يعلمون صدقك في إنذارهم. والله أعلم.
سورة الزخرف
سورة (الزُّخْرف) من السُّوَر المكية، من مجموعة سُوَر (الحواميم)، افتُتحت ببيان عظمة هذا الكتاب، وقُدْرتِه على البيان والإبلاغ، وجاءت ببشارةِ الأمَّة بعلوِّ قَدْرها ورفعتها، محذِّرةً إياها من زخارفِ هذه الدنيا وزَيْفِها؛ فهي دارُ مَمَرٍّ، لا دارُ مستقرٍّ، وخُتمت السورة بتنزيه الله عز وجل عن الولدِ والشريك؛ لكمالِ اتصافه بصفات الألوهية الحَقَّة.
ترتيبها المصحفي
43نوعها
مكيةألفاظها
837ترتيب نزولها
63العد المدني الأول
89العد المدني الأخير
89العد البصري
89العد الكوفي
89العد الشامي
88* قوله تعالى: {وَلَمَّا ضُرِبَ اْبْنُ مَرْيَمَ مَثَلًا إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ} [الزخرف: 57]:
عن أبي يَحيَى مولَى ابنِ عَقِيلٍ الأنصاريِّ، قال: «قال ابنُ عباسٍ: لقد عَلِمْتُ آيةً مِن القرآنِ ما سألَني عنها رجُلٌ قطُّ، فما أدري أعَلِمَها الناسُ فلم يَسألوا عنها، أم لم يَفطَنوا لها فيَسألوا عنها؟ ثم طَفِقَ يُحدِّثُنا، فلمَّا قامَ، تلاوَمْنا ألَّا نكونَ سأَلْناه عنها، فقلتُ: أنا لها إذا راحَ غدًا، فلما راحَ الغَدَ، قلتُ: يا بنَ عباسٍ، ذكَرْتَ أمسِ أنَّ آيةً مِن القرآنِ لم يَسأَلْك عنها رجُلٌ قطُّ، فلا تَدري أعَلِمَها الناسُ فلم يَسألوا عنها، أم لم يَفطَنوا لها؟ فقلتُ: أخبِرْني عنها، وعن اللَّاتي قرأتَ قبلها، قال: نَعم، إنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قال لقُرَيشٍ: يا معشرَ قُرَيشٍ، إنَّه ليس أحدٌ يُعبَدُ مِن دُونِ اللهِ فيه خيرٌ، وقد عَلِمتْ قُرَيشٌ أنَّ النَّصارى تعبُدُ عيسى ابنَ مَرْيَمَ، وما تقولُ في مُحمَّدٍ، فقالوا: يا مُحمَّدُ، ألستَ تزعُمُ أنَّ عيسى كان نبيًّا وعبدًا مِن عبادِ اللهِ صالحًا، فلَئِنْ كنتَ صادقًا، فإنَّ آلهتَهم لكما تقولون؟! قال: فأنزَلَ اللهُ عز وجل: {وَلَمَّا ضُرِبَ اْبْنُ مَرْيَمَ مَثَلًا إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ} [الزخرف: 57]، قال: قلتُ: ما {يَصِدُّونَ}؟ قال: يَضِجُّون، {وَإِنَّهُۥ لَعِلْمٞ لِّلسَّاعَةِ} [الزخرف: 61]، قال: هو خروجُ عيسى ابنِ مَرْيَمَ عليه السلام قبلَ يومِ القيامةِ». أخرجه أحمد (٢٩١٨).
*(سورةُ الزُّخْرف):
سُمِّيت (سورةُ الزُّخْرف) بهذا الاسم؛ لمجيء لفظ (الزُّخْرف) في وصفِ الحياة الدنيا في قوله تعالى: {وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَٰبٗا وَسُرُرًا عَلَيْهَا يَتَّكِـُٔونَ ٣٤ وَزُخْرُفٗاۚ وَإِن كُلُّ ذَٰلِكَ لَمَّا مَتَٰعُ اْلْحَيَوٰةِ اْلدُّنْيَاۚ وَاْلْأٓخِرَةُ عِندَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ} [الزخرف: 34-35].
1. مكانة القرآن، وعاقبة المستهزئين بالمرسلين (١-٨).
2. إقرار المشركين بربوبية الله تعالى (٩-١٤).
3. ضلال المشركين في العبادة (١٥-٢٥).
4. حِكْمة الله تعالى في اختيار رسله (٢٦-٣٥).
5. حال المُعرِض عن ذكرِ الله، وتسليةُ النبي صلى الله عليه وسلم (٣٦-٤٥).
6. قصة موسى عليه السلام مع فرعون (٤٦-٥٦).
7. قصة عيسى عليه السلام (٥٧-٦٦).
8. عباد الله المؤمنين ونِعَمُ الله عليهم (٦٧-٧٣).
9. الأشقياء الفُجَّار يوم القيامة (٧٤-٨٠).
10. تنزيه الله تعالى عن الولدِ والشريك (٨١-٨٩).
ينظر: "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (7 /102).
مقصدُ سورة (الزُّخْرف) هو البِشارة بإعلاء الله لهذه الأمَّة، وتفضيلها على باقي الأُمَم؛ فالأمة الإسلامية هي أعلى الأمم شأنًا ورفعةً، ولتحقيق ذلك لا بد من الارتباط بالآخرة، وتركِ زَيْفِ الدنيا وزُخْرُفها، وعدمِ التعلق بها.
ينظر: "مصاعد النظر للإشراف على مقاصد السور" للبقاعي (2 /466).