مكية في قول الحسن وعكرمة وعطاء وجابر. وقال ابن عباس : من أولها إلى قوله سبحانه ﴿ سنسمه على الخرطوم ﴾ مكي١ ومن بعد ذلك إلى قوله تعالى :﴿ لو كانوا يعلمون ﴾ مدني٢. ومن بعد ذلك إلى :﴿ قوله يكتبون ﴾ مكي٣. ومن بعد ذلك إلى قوله :﴿ من الصالحين ﴾ مدني٤ وباقي السورة مكي٥.
٢ أي من آية ١٧ إلى ٣٣ مدني..
٣ أي من آية ٣٤ إلى ٤٧ مكي..
٤ أي من آية ٤٨ إلى ٥٠ مدني..
٥ الباقي هما الآيتان ٥١ و٥٢ مكي كل ذلك في قول ابن عباس. لكن المصاحف المتداولة سارت على أن السورة كلها مكية حسب القول الأول وهو الراجح..
ﰡ
(ألا تكون كإسماعيلَ إنَّ له | رأياً أصيلاً وأجْراً غيرَ ممنون) |
(وإذا ذو الفضول ضنّ على المو | لى وعادت لِخيمها الأخلاقُ) |
﴿ يا أيها الذي نزل عليه الذكر إنك لمجنون ﴾
[ الحجر : ٦ ] فأنزل اللَّه تعالى رداً عليها وتكذيباً لقولهم :﴿ ما أنت بنعمة ربك بمجنون ﴾ أي برحمة ربك، والنعمة ها هنا الرحمة.
ويحتمل ثانياً : أن النعمة ها هنا قسم، وتقديره : ما أنت ونعمة ربك بمجنون، لأن الواو والباء من حروف القسم١.
وتأوله الكلبي على غير ظاهره، فقال : معناه ما أنت بنعمة ربك بمخفق.
أحدها : غير محسوب، قاله مجاهد.
الثاني : أجراً بغير عمل١، قاله الضحاك.
الثالث : غير ممنون عليك من الأذى، قاله الحسن.
الرابع : غير منقطع، ومنه قول الشاعر :
ألا تكون كإسماعيلَ إنَّ له | رأياً أصيلاً وأجْراً غيرَ ممنون |
أحدها : أدب القرآن، قاله عطية.
الثاني : دين الإسلام، قاله ابن عباس وأبو مالك.
الثالث : على طبع كريم، وهو الظاهر.
وحقيقة الخلُق في اللغة هو ما يأخذ به الإنسان نفسه من الآداب، سمي خلقاً لأنه يصير كالخلقة فيه، فأما ما طبع عليه من الآداب فهو الخيم١ فيكون الخلق الطبع المتكلف، والخيم هو الطبع الغريزي، وقد أوضح ذلك الأعشى في شعره فقال :
وإذا ذو الفضول ضنّ على المو | لى وعادت لِخيمها الأخلاقُ |
أحدهما : فسترى ويرون يوم القيامة حين يتبين الحق والباطل.
الثاني : قاله ابن عباس معناه فستعلم ويعلمون يوم القيامة.
أحدها : يعني المجنون، قاله الضحاك.
الثاني : الضال، قاله الحسن.
الثالث : الشيطان، قاله مجاهد.
الرابع : المعذب من قول العرب فتنت الذهب بالنار إذا أحميته، ومنه قوله تعالى :
﴿ يوم هم على النار يُفْتنون ﴾ [ الذاريات : ١٣ ] أي يعذبون.
(لبَعْضُ الغَشْم أحزْم أمورٍ | تَنوبُك مِن مداهنةِ العدُوِّ.) |
(تُدْلي بِوُدٍّ إذا لاقيتني كذباً | وإن أغيبُ فأنت الهامز اللُّمَزة.) |
(ومَوْلى كبيْتِ النمل لا خير عنده | لمولاه إلا سعية بنميم.) |
(يعتل من الرجال زنيم | غير ذي نجدةٍ وغير كريم.) |
(زنيمٌ تَداعاه الرجالُ زيادةً | كما زِيدَ في عَرْضِ الأديمِ الأكارعُ) |
(فدَعْها وما يَغنيك واعمد لغيرها | بشِعرك واغلب أنف من أنت واسم.) |
أحدها : معناه ودوا لو تكفر فيكفرون، قاله السدي والضحاك.
الثاني : ودوا لو تضعُف فيضعُفون، قاله أبو جعفر.
الثالث : لو تلين فيلينون، قاله الفراء.
الرابع : لو تكذب فيكذبون، قاله الربيع بن أنس.
الخامس : لو ترخص لهم فيرخصون لك، قاله ابن عباس.
السادس : أن تذهب عن هذا الأمر فيذهبون معك، قاله قتادة.
وفي أصل المداهنة وجهان :
أحدهما : مجاملة العدو وممايلته، قال الشاعر :
لبَعْضُ الغَشْم أحزْم١ في أمورٍ | تَنوبُك مِن مداهنةِ العدُوِّ. |
أحدها : أنه الكذاب، قاله ابن عباس.
الثاني : الضعيف القلب، قاله مجاهد.
الثالث : أنه المكثار في الشر، قاله قتادة.
الرابع : أنه الذليل بالباطل، قاله ابن شجرة.
ويحتمل خامساً : أنه الذي يهون عليه الحنث.
وفي من نزل ذلك فيه ثلاثة أقاويل :
أحدها : أنها نزلت في الأخنس بن شريق، قاله السدي.
الثاني : الأسود بن عبد يغوث، قاله مجاهد.
الثالث : الوليد بن المغيرة، عرض على النبي صلى الله عليه وسلم مالاً وحلف أن يعطيه إن رجع عن دينه، قاله مقاتل.
أحدها : أنه الفتّان الطعان، قاله ابن عباس وقتادة.
الثاني : أنه الذي يلوي شدقيه من وراء الناس، قاله الحسن.
الثالث : أنه الذي يهمزهم بيده ويضربهم دون لسانه، قاله ابن زيد، والأول أشبه لقول الشاعر١ :
تُدْلي بِوُدٍّ إذا لاقيتني كذباً | وإن أغيبُ فأنت الهامز اللُّمَزة. |
أحدهما : الذي ينقل الأحاديث من بعض الناس إلى بعض، قاله قتادة.
الثاني : هو الذي يسعى بالكذب، ومنه قول الشاعر :
ومَوْلى كبيْتِ النمل لا خير عنده | لمولاه إلا سعيه بنميم |
أحدهما : أنهما لغتان، قاله الفراء.
الثاني : أن النميم جمع نميمة.
أحدهما : للحقوق من ظلم.
الثاني : الإسلام يمنع الناس منه.
معتدٍ أثيم، هو عتل زنيم، وفيه تسعة أوجه :
أحدها : أن العُتُلّ الفاحش، وهو مأثور عن النبي صلى الله عليه وسلم :
الثاني : أنه القوي في كفره، قاله عكرمة.
الثالث : أنه الوفير الجسم، قاله الحسن وأبو رزين.
الرابع : أنه الجافي الشديد الخصومة بالباطل، قاله الكلبي.
الخامس : أنه الشديد الأسر، قاله مجاهد.
السادس : أنه الباغي، قاله ابن عباس.
السابع : أنه الذي يعتِل الناس، أي يجرهم إلى الحبس أو العذاب، مأخوذ من العتل وهو الجر، ومنه قوله تعالى :﴿ خذوه فاعتِلوه ﴾ [ الحاقة : ٣٠ ].
الثامن : هو الفاحش اللئيم، قاله معمر، قال الشاعر :
بعتل من الرجال زنيم | غير ذي نجدةٍ وغير كريم. |
وأما الزنيم ففيه ثماني تأويلات :
أحدها : أنه اللين٢، رواه موسى بن عقبة عن النبي صلى الله عليه وسلم.
الثاني : أنه الظلوم، قاله ابن عباس في رواية ابن طلحة عنه.
الثالث : أنه الفاحش، قاله إبراهيم.
الرابع : أنه الذي له زنمة كزنمة الشاة، قال الضحاك : لأن الوليد بن المغيرة كان له أسفل من أذنه زنمة مثل زنمة الشاة، وفيه نزلت هذه الآية، قال محمد بن إسحاق : نزلت في الأخنس بن شريق لأنه حليف ملحق٣ ولذلك سمي زنيماً.
الخامس : أنه ولد الزنى، قاله عكرمة.
السادس : أنه الدعيّ، قال الشاعر٤ :
زنيمٌ تَداعاه الرجالُ زيادةً | كما زِيدَ في عَرْضِ الأديمِ الأكارعُ |
الثامن : أنه علامة الكفر كما قال تعالى :﴿ سنسمه على الخرطوم ﴾، قاله أبو رزين.
٢ اللين: هكذا في الأصل. ولعلها محرفة عن كلمة لئيم. قال في اللسان: الزنيم الذي يعرف بالشر واللؤم كما تعرف الشاة بزنمتها..
٣ كان ملحقا في بني زهرة وليس منهم..
٤ هو حسان بن ثابت..
وقال عليّ بن أبي طالب : المال والبنون حرث الدنيا، والعمل الصالح حرث الآخرة.
﴿ قال أساطيرُ الأوّلين ﴾ يعني أحاديث الأولين وأباطيلهم.
أحدها : أنها سمة سوداء تكون على أنفه يوم القيامة يتميز بها الكافر، كما قال تعالى :
﴿ يُعْرَفُ المجرمون بسيماهم ﴾ [ الرحمن : ٤١ ].
الثاني : أنه يضرب في النار على أنفه يوم القيامة، قاله الكلبي.
الثالث : أنه إشهار ذكره بالقبائح، فيصير موسوماً بالذكر لا بالأثر.
الرابع : هو ما يبتليه اللَّه به في الدنيا في نفسه وماله وولده، من سوء وذل وصَغار، قاله ابن بحر واستشهد بقول الأعشى.
فدَعْها وما يَغنيك واعمد لغيرها | بشِعرك واغلب أنف من أنت واسم١. |
(تطاولَ ليلُكَ الجَوْنُ البهيمُ | فما ينجاب عن صبحٍ، صَريمُ.) |
(أقْبَلَ سيلٌ جاء من عندِ الله | يحْرِدُ حَرْدَ الجَنّة المُغِلّة) |
تطاولَ ليلُكَ الجَوْنُ البهيمُ | فما ينجاب عن صبحٍ، صَريمُ١ |
روى أسباط عن ابن مسعود أنه قال : قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم :" إياكم والمعاصي، إن العبد ليذنب فيحرم به رزقاً قد كان هيىء له "، ثم تلا :﴿ فطاف عليها طائف من ربك. . . ﴾ الآيتين قد حرموا خير جنتهم بذنبهم.
﴿ إن كنتم صارمين ﴾ أي عازمين على صرم حرثكم في هذا اليوم.
أحدها : يتكلمون، قاله عكرمة.
الثاني : يخفون كلامهم ويسرونه لئلا يعلم بهم أحد، قاله عطاء وقتادة.
الثالث : يخفون أنفسهم من الناس حتى لا يروهم.
الرابع : لا يتشاورون بينهم.
أحدها : على غيظ، قاله عكرمة.
الثاني : على جَدٍّ، قاله مجاهد.
الثالث : على منع، قاله أبو عبيدة.
الرابع : على قصد، ومنه قول الشاعر :
أقْبَلَ سيلٌ جاء من عندِ اللّه | يحْرِدُ حَرْدَ الجَنّة المُغِلّة |
الخامس : على فقر، قاله الحسن.
السادس : على حرص، قاله سفيان.
السابع : على قدرة، قاله ابن عباس.
الثامن : على غضب، قاله السدي.
التاسع : أن القرية تسمى١ حرداً، قاله السدي.
وفي قوله :" قادرين " ثلاثة أوجه :
أحدها : يعني قادرين على المساكين، قاله الشعبي.
الثاني : قادرين على جنتهم عند أنفسهم، قاله قتادة.
الثالث : أن موافاتهم إلى جنتهم في الوقت الذي قدروه، قاله ابن بحر.
ويحتمل رابعاً : أن القادر المطاع بالمال والأعوان، فإذا ذهب ماله تفرق أعوانه فعُصيَ وعجز.
أحدها : يعني أعدلهم، قاله ابن عباس.
الثاني : خيرهم، قاله قتادة.
الثالث : أعقلهم، قاله ابن بحر.
﴿ أَلَمْ أقُل لكم لولا تُسَبَّحونَ ﴾ فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : لولا تستثنون عند قولهم " ليصرمنها مصبحين "، قاله ابن جريج.
الثاني : أن التسبيح هو الاستثناء، لأن المراد بالاستثناء ذكر اللَّه، وهو موجود في التسبيح.
الثالث : أن تذكروا نعمة اللَّه عليكم فتؤدوا حقه من أموالكم١.
﴿ إنّ لكم لما تحْكُمُون ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : أم لكم أيمان علينا بالغة أننا لا نعذبكم في الدنيا إلى يوم القيامة١.
أحدهما : أن الزعيم الكفيل، قاله ابن عباس.
الثاني : أنه الرسول، قاله الحسن.
ويحتمل ثالثاً : أنه القيم بالأمر لتقدمه ورئاسته.
(في سَنَةٍ قد كشفتْ عن ساقها... حمراءَ تبري اللحم عن عراقها)
الثالث: أنه الكرب والشدة، قاله ابن عباس، ومنه قول الشاعر:
(كشفت لهم عن ساقها... وبدا من الشر الصُّراح)
(قد كشفت عن ساقها فشُدُّوا | وجدّت الحربُ بكم فجدوا) |
قال السدي : يعني القرآن.
ويحتمل آخر أي بيوم القيامة.
﴿ سنستدرجهم مِن حيثُ لا يَعْلمون ﴾ فيه خمسة أوجه :
أحدها : سنأخذهم على غفلة وهم لا يعرفون، قاله السدي.
الثاني : نتبع النعمة السيئة وننسيهم التوبة، قاله الحسن.
الثالث : نأخذهم من حيث درجوا ودبوا، قاله ابن بحر.
الرابع : هو تدريجهم إلى العذاب بإدنائهم منه قليلاً بعد قليل حتى يلاقيهم من حيث لا يعلمون، لأنهم لو علموا وقت أخذهم بالعذاب ما ارتكبوا المعاصي وأيقنوا بآمالهم.
الخامس : ما رواه إبراهيم بن حماد، قال الحسن : كم من مستدرج بالإحسان إليه، وكم من مغبون بالثناء عليه، وكم من مغرور بالستر عليه.
والاستدراج : النقل من حال إلى حال كالتدرج، ومنه قيل درجة وهي منزلة بعد منزلة.
بسم الله الرحمن الرحيم
أحدها : معناه ليصرعونك، قاله الكلبي.
الثاني : ليرمقونك، قاله قتادة.
الثالث : ليزهقونك١، قاله ابن عباس، وكان يقرؤها كذلك.
الرابع : لينفذونك، قاله مجاهد.
الخامس : ليمسونك بأبصارهم من شدة نظرهم إليك، قاله السدي.
السادس : ليعتانونك، أي لينظرونك بأعينهم، قاله الفراء.
وحكي أنهم قالوا : ما رأينا مثل حجمه ونظروا إليه ليعينوه، أي ليصيبوه بالعين.
وقد كانت العرب إذا أراد أحدهم أن يصيب أحداً يعني في نفسه أو ماله تجوّع ثلاثاً ثم يتعرض لنفسه أو ماله فيقول : تاللَّه ما رأيت أقوى منه ولا أشجع ولا أكثر مالاً منه ولا أحسن، فيصيبه بعينه فيهلك هو وماله، فأنزل اللَّه هذه الآية.
﴿ لّما سَمِعوا الذكْرَ ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : محمد.
الثاني : القرآن.
أحدهما : شرف للعالمين، كما قال تعالى ﴿ وإنه لذكر لك ولقومك ﴾ [ الزخرف : ٤٤ ].
الثاني : يذكرهم وعد الجنة ووعيد النار.
وفي العالمين وجهان :
أحدهما : الجن والإنس، قاله ابن عباس.
الثاني : كل أمة من أمم الخلق ممن يُعرف ولا يُعرف.
سورة القلم
سورة (القَلَم) من السُّوَر المكية، وقد جاءت ببيانِ إعجاز هذا الكتاب للكفار، وتأكيدِ صدقِ نبوَّة مُحمَّد صلى الله عليه وسلم، وما جاء به من عندِ الله؛ فلن يستطيع الكفارُ أن يأتوا بمثل هذه الحروف أبدًا، وفي ذلك تسليةٌ للنبي صلى الله عليه وسلم، وتثبيت له، وخُتمت بتخويفِ الكفار من بطشِ الله، وتوصيةِ النبي صلى الله عليه وسلم بالصبر.
ترتيبها المصحفي
68نوعها
مكيةألفاظها
301ترتيب نزولها
2العد المدني الأول
52العد المدني الأخير
52العد البصري
52العد الكوفي
52العد الشامي
52* سورة (القلم):
سُمِّيت سورة (القلم) بهذا الاسم؛ لافتتاحها بقَسَمِ الله بـ(القلم).
* سورة {نٓ}:
وسُمِّيت بهذا الاسم؛ لافتتاحها بهذا الحرفِ {نٓ}.
1. بيان رِفْعة قَدْرِ النبي عليه السلام (١-٧).
2. تحقير شأن الكافرين، وذمُّهم (٨-١٦).
3. قصة أصحاب الجنَّة (١٧-٣٣).
4. جزاء المؤمنين، وأسئلة إقناعية للكافرين (٣٤-٤٣).
5. تخويف الكفار من بطشِ الله، وتوصية النبي صلى الله عليه وسلم بالصبر (٤٤ -٥٢).
ينظر: "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (8 /292).
تَحدِّي الكفار والمعانِدين بهذا الكتاب، والدلالةُ على عجزِهم عن الإتيان بمثل سُوَرِه، وإبطالُ مطاعنِ المشركين في النبي صلى الله عليه وسلم، وإثباتُ صدقِه، ومن ثم تسليةُ الله له وتثبيته.
ينظر: "التحرير والتنوير" لابن عاشور (29 /58).