تفسير سورة الممتحنة

تفسير العز بن عبد السلام

تفسير سورة سورة الممتحنة من كتاب تفسير العز بن عبد السلام المعروف بـتفسير العز بن عبد السلام.
لمؤلفه عز الدين بن عبد السلام . المتوفي سنة 660 هـ
سورة الممتحنة مدنية اتفاقاً.

١ - ﴿لما أراد الرسول [صلى الله عليه وسلم] التوجه إلى مكة ورَّى لخيبر فأرسل حاطب إلى أهل مكة يخبرهم بذلك ليحفظ ماله عندهم فاطلع الرسول [صلى الله عليه وسلم] على كتابه فاسترده ثم سأله فاعتذر بأنه فعل ذلك ليحموا ماله فقدره الرسول [صلى الله عليه وسلم] وصدقه ونزلت هذه الآية والتي بعدها {تُسِرُّونَ﴾ تعلمونهم في السر أن بينكم وبينهم
307
مودة، أو تعلمونهم سراً بأحوال الرسول لمودة بينكم وبينهم.
﴿قد كانت لكم أسوةٌ حسنةٌ في إبراهيم والذي معه إذ قالوا لقومهم إنا برءاؤا منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبداً حتى تؤمنوا بالله وحده إلا قول إبراهيم لأبيه لأستغفرن لك وما أملك لك من الله من شيء ربنا عليك توكلنا وإليك أنبنا وإليك المصير (٤) ربنا لا تجعلنا فتنة للذين كفروا واغفر لنا ربنا إنك أنت العزيز الحكيم (٥) لقد كان لكم فيهم أسوةٌ حسنةٌ لمن كان يرجو الله واليوم الآخر ومن يتول فإن الله هو الغني الحميد (٦) ﴾
308
٤ - ﴿قَدْ كَانَتْ لَكُمْ﴾ يا حاطب أسوة حسنة أو عبرة حسنة فهلا تبرأت يا حاطب من كفار مكة كما تبرأ إبراهيم والمؤمنون معه ﴿إِلا قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لأَبِيهِ﴾ إلا استغفاره فلا تقتدوا به فيه، أو إلا إبراهيم فإنه استثنى أباه من قومه في الاستغفار له.
٥ - ﴿فِتْنَةً﴾ لا تسلطهم علينا فيفتنونا " ع "، أو لا تعذبنا بعذاب منك ولا بأيديهم فيفتنوا بنا يقولون لو كانوا على حق لما عذبوا دعا بذلك إبراهيم.
﴿عسى الله أن يجعل بينكم وبين الذين عاديتم منهم مودةً والله قديرٌ والله غفورٌ رحيمٌ (٧) لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين (٨) إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على إخراجكم أن تولوهم ومن يتولهم فأولئك هم الظالمون (٩) ﴾
٧ - ﴿مَّوَدَّةً﴾ بإسلامهم عام الفتح، أو نزلت في أبي سفيان والمودة تزوج الرسول [صلى الله عليه وسلم] ابنته أم حبيبة أن ولاه الرسول [صلى الله عليه وسلم] على بعض اليمن، فلما قبض الرسول [صلى الله عليه وسلم] أقبل فلقي ذا الخمار مرتداً فقاتله فكان أول من قاتل في الردة وجاهد عن الدين.
٨ - ﴿لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ﴾ كان هذا في الابتداء عند موادعة المشركين ثم صارت منسوخة بالأمر بالقتال أو كان لخزاعة والحارث بن عبد مناة عهد فأمروا أن يبروهم بالوفاء به، أو أراد النساء والصبيان أمروا ببرهم، أو نزلت في قُتَيْلة امرأة أبي بكر [١٩٨ / ب] / كان قد طلقها في الجاهلية فقدمت على ابنتها أسماء بنت أبي بكر - رضي الله تعالى عنه - في الهدنة فأهدت لها قرطاً وأشياء فكرهت قبوله حتى ذكرت للرسول [صلى الله عليه وسلم] فنزلت. ﴿وتقسطوا﴾ تعطوهم قسطاً من أموالكم أو تعدلوا فيهم فلا تغلوا في مقاربتهم ولا تسرفوا في مباعدتهم.
{يأيها الذين ءامنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن الله أعلم بإيمانهن فإن علمتموهن مؤمنات فلا ترجعوهن إلى الكفار لا هن حل لهم ولا هم يحلون لهن وءاتوهم ما أنفقوا ولا جناح عليكم أن تنكحوهنّ إذا ءاتيتموهن أجورهن ولا تمسكوا بعصم الكوافر وسئلوا ما أنفقتم
309
وليسئلوا ما أنفقوا ذلكم حكم الله يحكم بينكم والله عليم حكيم (١٠) وإن فاتكم شيءٌ من أزواجكم إلى الكفار فعاقبتم فأتوا الذين ذهبت أزواجهم مثل ما أنفقوا واتقوا الله الذي أنتم به مؤمنين (١١) }
310
١٠ - ﴿إذا جاءكم المؤمنات﴾ لما هادن الرسول [صلى الله عليه وسلم] قريشاً على أن يرد إليهم من جاء منهم جاءت أميمة بنت بشر مسلمة أو سعيدة زوجة صيفي أو أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط أو سُبَيْعَة الأسلمية فلما طلب المشركون الرد منع الله من ذلك نسخاً منه للرد عند من قال دخلن في العموم أو بياناً لخروجهن من العموم، وإنهن لم يشترط ردهن لسرعة انخداعهن إلى الكفر وحفظاً لفروجهن عند من قال لم يدخلن في العموم وإن كان ظاهراً في شمولهن ﴿فَامْتَحِنُوهُنَّ﴾ بالشهادتين أو بما في قوله ﴿يبايعنك على ألا يشركن﴾ الآية [١٢] أو تحلف بالله تعالى ما خرجت من بغض زوج، بالله ما خرجت رغبة عن أرض إلى أرض، بالله ما خرجت التماس دنيا، بالله ما خرجت إلا حباً لله ورسوله ﴿وآتوهم﴾ آتوا الأزواج ما أنفقوا من المهور وهل يدفع إلى غير الأزواج من أهلهن فيه اختلاف ﴿بِعِصَمِ﴾ العصمة: الحبل أو العقد فإذا أسلم الكافر على وثنية فلا يجوز له التمسك بعصمتها إلا أن تسلم قبل انقضاء عدتها. ولما نزلت طلق جماعة من الصحابة أزواجهم من المشركات ﴿واسألوا مَآ أَنفَقْتُمْ﴾ من المهور إذا ارتد أزواجكم المسلمات ولحقن بالكفار من ذوي العهد المذكور ولا يجوز لأحد بعد الرسول [صلى الله عليه وسلم] أن يشترط رد النساء المسلمات لأن الرسول [صلى الله عليه وسلم]
310
كان له وعد من الله بفتح بلادهم ودخولهم في الإسلام طوعاً وكرهاً فجاز له ما لم يجز لغيره.
311
١١ - ﴿وَإِن فَاتَكُمْ شَىْءٌ﴾ إذا فاتت المسلم زوجته بارتدادها إلى أهل العهد المذكور فلم يصل إلى مهرها منهم ثم غنمها المسلمون ردوا عليه مهرها مما غنموه " ع "، أو من مال الفيء أو من صداق من أسلمت منهن عن زوج كافر ﴿فَعَاقَبْتُمْ﴾ فغنمتم مأخوذ من معاقبة الغزو أو فأصبتم منهم عاقبة من قَتْل أو سَبْي أو عاقبتم المرتدة بالقتل فلزوجها المهر من الغنائم وهذا منسوخ لنسخ الشرط الذي شرطه الرسول [صلى الله عليه وسلم] بالحديبية أو محكم.
{يأيها النبي إذا جاءك المؤمنات يبايعنك على أن لا يشركن بالله شيئاً ولا يسرقن ولا يزنين ولا يقتلن أولادهن ولا يأتين ببهتانٍ يفترينه بين أيديهن وأرجلهن ولا يعصينك في معروفٍ فبايعهن واستغفر لهن الله إن الله غفور رحيم (١٢)
١٢ - ﴿يبايعنك﴾ لما دخل الرسول [صلى الله عليه وسلم] مكة عام الفتح بايعه الرجال ثم جاءت النساء بعدهم للبيعة فبايعهن فجلس على الصفا وعمر - رضي الله تعالى عنه - دون الصفا فأمره أن يبايع النساء أو أمر أميمة أخت خديجة بنت خويلد بعدما أسلمت أن تبايع عنه النساء أو بايعهن بنفسه وعلى يده ثوب قد وضعه [١٩٩ / أ] / على كفه أو وضع ماء في قِعب وغمس يده فيه وأمرهن فغمسن أيديهن ﴿وَلا يَقْتُلْنَ أَوْلادَهُنَّ﴾ كانوا يئدون الأولاد في الجاهلية ﴿بِبُهْتَانٍ﴾ بسحر أو المشي بالنميمة والسعي بالفساد أو أن يُلحقن بأزواجهن غير أولادهم كانت أحداهن تلتقط الولد وتلحقه بزوجها قاله الجمهور. ﴿يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ﴾ ما أخذته لقيطاً ﴿وَأَرْجُلِهِنَّ﴾ ما ولدنه من زنا ﴿مَعْرُوفٍ﴾ طاعة الله ورسوله أو ترك النوح أو خمش الوجه ونشر الشعر ورشق الجيب والدعاء بالويل أو عام في كل معروف مأمور به.
311
﴿ياأيها الذين ءامنوا لا تتولوا قوماً غضبَ الله عليهم قد يئسوا من الآخرة كما يئس الكفارُ من أصحاب القبورٍ (١٣) ﴾
312
١٣ - ﴿قَوْماً غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ﴾ اليهود أو اليهود والنصارى أو جميع الكفار ﴿يَئِسُواْ﴾ من ثواب الآخرة كما يئس الكفار من بعث من في القبور " ع " أو كما يئس الكفار المقبورون من ثوابها لمعاينة عقابها أو يئسوا من خير الآخرة كما يئسوا من خير أهل القبور أو يئسوا من البعث والرحمة كما يئس منها من مات منهم وقبر.
312
سُورَة الصَّف
مدنية اتفاقاً

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

﴿سبح لله ما في السموات وما في الأرض وهو العزيز الحكيم (١) ياأيها الذين ءامنوا لم تقولون ما لا تفعلون (٢) كبر مقتاً عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون (٣) إنَّ الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفاً كأنهم بنيانٌ مرصوصٌ (٤) ﴾
313
سورة الممتحنة
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورة (الممتحنة) من السُّوَر المدنية، نزلت بعد سورة (الأحزاب)، وقد جاءت بالنهيِ عن موالاة الكفار واتخاذِهم أولياءَ، وجعلت ذلك امتحانًا ودلالةً على صدقِ الإيمان واكتماله، وسُمِّيت بـ(الممتحنة) لأنَّ فيها ذِكْرَ امتحانِ النساء المهاجِرات المبايِعات للنبي صلى الله عليه وسلم؛ قال تعالى: {يَٰٓأَيُّهَا اْلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِذَا جَآءَكُمُ اْلْمُؤْمِنَٰتُ مُهَٰجِرَٰتٖ فَاْمْتَحِنُوهُنَّۖ} [الممتحنة: 10].

ترتيبها المصحفي
60
نوعها
مدنية
ألفاظها
352
ترتيب نزولها
91
العد المدني الأول
13
العد المدني الأخير
13
العد البصري
13
العد الكوفي
13
العد الشامي
13

* قوله تعالى: {يَٰٓأَيُّهَا اْلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَتَّخِذُواْ عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَآءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِم بِاْلْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُواْ بِمَا جَآءَكُم مِّنَ اْلْحَقِّ يُخْرِجُونَ اْلرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَن تُؤْمِنُواْ بِاْللَّهِ رَبِّكُمْ إِن كُنتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَٰدٗا فِي سَبِيلِي وَاْبْتِغَآءَ مَرْضَاتِيۚ تُسِرُّونَ إِلَيْهِم بِاْلْمَوَدَّةِ وَأَنَا۠ أَعْلَمُ بِمَآ أَخْفَيْتُمْ وَمَآ أَعْلَنتُمْۚ وَمَن يَفْعَلْهُ مِنكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَآءَ اْلسَّبِيلِ} [الممتحنة: 1]:

عن عليِّ بن أبي طالبٍ رضي الله عنه، قال: «بعَثَني رسولُ اللهِ ﷺ أنا والزُّبَيرَ والمِقْدادَ، فقال: «انطلِقوا حتى تأتوا رَوْضةَ خاخٍ؛ فإنَّ بها ظعينةً معها كتابٌ، فَخُذوا منها»، قال: فانطلَقْنا تَعادَى بنا خَيْلُنا حتى أتَيْنا الرَّوْضةَ، فإذا نحنُ بالظَّعينةِ، قُلْنا لها: أخرِجي الكتابَ، قالت: ما معي كتابٌ، فقُلْنا: لَتُخرِجِنَّ الكتابَ، أو لَنُلقِيَنَّ الثِّيابَ، قال: فأخرَجتْهُ مِن عِقاصِها، فأتَيْنا به رسولَ اللهِ ﷺ، فإذا فيه: مِن حاطبِ بنِ أبي بَلْتعةَ، إلى ناسٍ بمكَّةَ مِن المشرِكين، يُخبِرُهم ببعضِ أمرِ رسولِ اللهِ ﷺ، فقال رسولُ اللهِ ﷺ: «يا حاطبُ، ما هذا؟»، قال: يا رسولَ اللهِ، لا تَعجَلْ عليَّ، إنِّي كنتُ امرأً ملصَقًا في قُرَيشٍ، يقولُ: كنتُ حليفًا، ولم أكُنْ مِن أنفُسِها، وكان مَن معك مِن المهاجِرِينَ مَن لهم قراباتٌ يحمُونَ أهلِيهم وأموالَهم، فأحبَبْتُ إذ فاتَني ذلك مِن النَّسَبِ فيهم أن أتَّخِذَ عندهم يدًا يحمُونَ قرابتي، ولم أفعَلْهُ ارتدادًا عن دِيني، ولا رضًا بالكفرِ بعد الإسلامِ، فقال رسولُ اللهِ ﷺ: «أمَا إنَّه قد صدَقَكم»، فقال عُمَرُ: يا رسولَ اللهِ، دَعْني أضرِبْ عُنُقَ هذا المنافقِ، فقال: «إنَّه قد شَهِدَ بَدْرًا، وما يُدرِيك لعلَّ اللهَ اطَّلَعَ على مَن شَهِدَ بَدْرًا، فقال: اعمَلوا ما شِئْتم فقد غفَرْتُ لكم! فأنزَلَ اللهُ السُّورةَ: {يَٰٓأَيُّهَا اْلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَتَّخِذُواْ عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَآءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِم بِاْلْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُواْ بِمَا جَآءَكُم مِّنَ اْلْحَقِّ} [الممتحنة: 1] إلى قولِه: {فَقَدْ ضَلَّ سَوَآءَ اْلسَّبِيلِ} [الممتحنة: 1]». أخرجه البخاري (٤٢٧٤).

* قوله تعالى: {يَٰٓأَيُّهَا اْلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِذَا جَآءَكُمُ اْلْمُؤْمِنَٰتُ مُهَٰجِرَٰتٖ فَاْمْتَحِنُوهُنَّۖ اْللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَٰنِهِنَّۖ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَٰتٖ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى اْلْكُفَّارِۖ لَا هُنَّ حِلّٞ لَّهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّۖ} [الممتحنة: 10]:

عن عُرْوةَ بن الزُّبَيرِ، أنَّه سَمِعَ مَرْوانَ والمِسْوَرَ بن مَخرَمةَ رضي الله عنهما يُخبِرانِ عن أصحابِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، قال: «لمَّا كاتَبَ سُهَيلُ بنُ عمرٍو يومَئذٍ، كان فيما اشترَطَ سُهَيلُ بنُ عمرٍو على النبيِّ صلى الله عليه وسلم: أنَّه لا يأتيك منَّا أحدٌ - وإن كان على دِينِك - إلا ردَدتَّه إلينا، وخلَّيْتَ بَيْننا وبَيْنَه، فكَرِهَ المؤمنون ذلك، وامتعَضوا منه، وأبى سُهَيلٌ إلا ذلك، فكاتَبَه النبيُّ صلى الله عليه وسلم على ذلك، فرَدَّ يومَئذٍ أبا جَنْدلٍ إلى أبيه سُهَيلِ بنِ عمرٍو، ولم يأتِه أحدٌ مِن الرِّجالِ إلا رَدَّه في تلك المُدَّةِ، وإن كان مسلِمًا، وجاءت المؤمِناتُ مهاجِراتٍ، وكانت أمُّ كُلْثومٍ بنتُ عُقْبةَ بنِ أبي مُعَيطٍ ممَّن خرَجَ إلى رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم يومَئذٍ، وهي عاتِقٌ، فجاءَ أهلُها يَسألون النبيَّ صلى الله عليه وسلم أن يَرجِعَها إليهم، فلم يَرجِعْها إليهم؛ لِما أنزَلَ اللهُ فيهنَّ: {إِذَا جَآءَكُمُ اْلْمُؤْمِنَٰتُ مُهَٰجِرَٰتٖ فَاْمْتَحِنُوهُنَّۖ اْللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَٰنِهِنَّۖ} [الممتحنة: 10] إلى قولِه: {وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّۖ} [الممتحنة: 10]».

قال عُرْوةُ: «فأخبَرتْني عائشةُ: أنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم كان يمتحِنُهنَّ بهذه الآيةِ: {يَٰٓأَيُّهَا اْلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِذَا جَآءَكُمُ اْلْمُؤْمِنَٰتُ مُهَٰجِرَٰتٖ فَاْمْتَحِنُوهُنَّۖ} [الممتحنة: 10] إلى {غَفُورٞ رَّحِيمٞ} [الممتحنة: 12]».

قال عُرْوةُ: «قالت عائشةُ: فمَن أقَرَّ بهذا الشرطِ منهنَّ، قال لها رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «قد بايَعْتُكِ»؛ كلامًا يُكلِّمُها به، واللهِ، ما مسَّتْ يدُه يدَ امرأةٍ قطُّ في المبايَعةِ، وما بايَعَهنَّ إلا بقولِه». أخرجه البخاري (٢٧١١).

* سورة (الممتحنة):

سُمِّيت سورة (الممتحنة) بهذا الاسم؛ لأنه جاءت فيها آيةُ امتحان إيمان النساء اللواتي يأتينَ مهاجِراتٍ من مكَّةَ إلى المدينة؛ قال تعالى: {يَٰٓأَيُّهَا اْلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِذَا جَآءَكُمُ اْلْمُؤْمِنَٰتُ مُهَٰجِرَٰتٖ فَاْمْتَحِنُوهُنَّۖ} [الممتحنة: 10].

1. النهيُ عن موالاة الكفار (١-٦).

2. الموالاة المباحة، والموالاة المحرَّمة (٧-٩).

3. امتحان المهاجِرات (١٠-١١).

4. بَيْعة المؤمنات (١١-١٣).

ينظر: "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (8 /96).

مقصدُ سورة (الممتحنة) هو البراءةُ من الشرك والمشركين، وعدمُ اتخاذهم أولياءَ، وفي ذلك دلالةٌ على صدقِ التوحيد واكتماله.

يقول ابنُ عاشور رحمه الله: «اشتملت من الأغراض على تحذيرِ المؤمنين من اتخاذ المشركين أولياءَ مع أنهم كفروا بالدِّين الحق، وأخرَجوهم من بلادهم.

وإعلامِهم بأن اتخاذَهم أولياءَ ضلالٌ، وأنهم لو تمكَّنوا من المؤمنين، لأساؤوا إليهم بالفعل والقول، وأن ما بينهم وبين المشركين من أواصرِ القرابة لا يُعتد به تجاه العداوة في الدِّين، وضرَب لهم مثَلًا في ذلك قطيعةَ إبراهيم لأبيه وقومه.

وأردَف ذلك باستئناس المؤمنين برجاءِ أن تحصُلَ مودةٌ بينهم وبين الذين أمرهم اللهُ بمعاداتهم؛ أي: هذه معاداةٌ غيرُ دائمة...». "التحرير والتنوير" لابن عاشور (28 /131).

وينظر: "مصاعد النظر للإشراف على مقاصد السور" للبقاعي (3 /76).