تفسير سورة الممتحنة

الصراط المستقيم في تبيان القرآن الكريم

تفسير سورة سورة الممتحنة من كتاب الصراط المستقيم في تبيان القرآن الكريم
لمؤلفه الكَازَرُوني . المتوفي سنة 923 هـ

لَمَّا بيَّنَ في السورة وبال الكفار وسوء حالاتهم، نهانا عن موالاتهم فقال: ﴿ بِسمِ ٱللهِ ٱلرَّحْمٰنِ ٱلرَّحِيـمِ * يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ ﴾: الكفار ﴿ أَوْلِيَآءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ ﴾: أخبار المؤمنين ﴿ بِٱلْمَوَدَّةِ ﴾: معهم نصحا كحاطم ابن أبي بلتعة، كتب سرا - بسبب أن أهله كانوا بينهم - إلى قريش أن النبي صلى الله عليه وسلم يأتيكم بجيشه فخذوا حذركم ثم اعتذر عنده صلى الله عليه وسلم فقبل عذره ﴿ وَقَدْ كَفَرُواْ بِمَا جَآءَكُمْ مِّنَ ٱلْحَقِّ ﴾: القرآن ﴿ يُخْرِجُونَ ٱلرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ ﴾: من مكة كراهة ﴿ أَن تُؤْمِنُواْ بِٱللَّهِ رَبِّكُمْ إِن ﴾: أي: لا تتخذوا ما مر إن ﴿ كُنتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَاداً ﴾: مجاهدين ﴿ فِي سَبِيلِي وَٱبْتِغَآءَ ﴾: مبتغين ﴿ مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِٱلْمَوَدَّةِ وَأَنَاْ أَعْلَمُ ﴾: منكم ﴿ بِمَآ أَخْفَيْتُمْ وَمَآ أَعْلَنتُمْ وَمَن يَفْعَلْهُ ﴾: أي: الاتخاذ ﴿ مِنكُمْ فَقَدْ ضَلَّ ﴾: أخطأ ﴿ سَوَآءَ ٱلسَّبِيلِ ﴾: عدلها ﴿ إِن يَثْقَفُوكُمْ ﴾: يظفروا بكم ﴿ يَكُونُواْ لَكُمْ أَعْدَآءً وَيَبْسُطُوۤاْ إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُمْ بِٱلسُّوۤءِ ﴾: كالقتل والشتم ﴿ وَوَدُّواْ لَوْ تَكْفُرُونَ ﴾: أي: تمنوا كفركم ﴿ لَن تَنفَعَكُمْ أَرْحَامُكُمْ ﴾: قرابكم ﴿ وَلاَ أَوْلاَدُكُمْ ﴾: الكفار ﴿ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ يَفْصِلُ ﴾: يفرق ﴿ بَيْنَكُمْ ﴾: أنتم في الجنة وهم في النار ﴿ وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ * قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ ﴾: أي: قدوة وهي اسم ما يقتدى به ﴿ حَسَنَةٌ فِيۤ إِبْرَاهِيمَ وَ ﴾: المؤمنين ﴿ ٱلَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُواْ لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَءآؤُاْ مِّنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ ٱلْعَدَاوَةُ ﴾: بالفعال ﴿ وَٱلْبَغْضَآءُ ﴾: بالقلوب ﴿ أَبَداً حَتَّىٰ تُؤْمِنُواْ بِٱللَّهِ وَحْدَهُ ﴾: فحينئذ نحبكم ﴿ إِلاَّ قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لأَبِيهِ لأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ ﴾: فما لكم فيه أسوة فإنه كان قبل نهيه فلا تستغفروا للكفار ﴿ وَمَآ أَمْلِكُ لَكَ مِنَ ٱللَّهِ ﴾: أي: عذابه وثوابه ﴿ مِن شَيْءٍ ﴾: ولا يلزم من استثناء المجموع استثناء هذا الجزء قولوا: ﴿ رَّبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ ٱلْمَصِيرُ * رَبَّنَا لاَ تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ ﴾: بأن تسلطهم علينا، فيظنوا أن غلبتهم علينا، لأنهم على الحق ﴿ وَٱغْفِرْ لَنَا رَبَّنَآ إِنَّكَ أَنتَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ ﴾: فيما تريد ﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِيهِمْ ﴾: أي: إبراهيم ومن معه ﴿ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ ﴾: بدل اشتمال من قوله لكم ﴿ يَرْجُو ٱللَّهَ ﴾: يخافه ﴿ وَٱلْيَوْمَ ٱلآخِرَ وَمَن يَتَوَلَّ ﴾: عن الاقتداء لهم ﴿ فَإِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلْغَنِيُّ ﴾: عنه ﴿ ٱلْحَمِيدُ ﴾: فلا يضر إلا نفسه، ثم لما اشتد وَجْدُ المسلمين بمعاداة أقاربهم، نزلت: ﴿ عَسَى ٱللَّهُ أَن يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ ٱلَّذِينَ عَادَيْتُم مِّنْهُم ﴾: أي: مشركي مكة ﴿ مَّوَدَّةً ﴾: بهدايتهم، فأسلموا بعد فتح مكة ﴿ وَٱللَّهُ قَدِيرٌ وَٱللَّهُ غَفُورٌ ﴾ لما سلف منكم من موالاتهم ﴿ رَّحِيمٌ ﴾: بكم ﴿ لاَّ يَنْهَاكُمُ ٱللَّهُ عَنِ ﴾: الإحسان إلى الكفرة ﴿ ٱلَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي ٱلدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ ﴾: بدل من الذين ﴿ وَتُقْسِطُوۤاْ إِلَيْهِمْ ﴾: تعاملوهم بالعدل ﴿ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلْمُقْسِطِينَ ﴾: نسخ بالقتال ﴿ إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ ٱللَّهُ عَنِ ٱلَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي ٱلدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُواْ ﴾: عاونوا ﴿ عَلَىٰ إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ ﴾: تتخذوهم أولياء ﴿ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلظَّالِمُونَ * يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا جَآءَكُمُ ٱلْمُؤْمِنَاتُ ﴾: المظهرت إيمانهم ﴿ مُهَاجِرَاتٍ فَٱمْتَحِنُوهُنَّ ﴾: بنحو تحليفهن على أنهن ما خرجن إلا لحب الإسلام ﴿ ٱللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ ﴾: يعني أنتم احكموا بمجرد الظاهر ﴿ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ ﴾: ظننتموهن ﴿ مُؤْمِنَاتٍ ﴾ بالحَلفِ ﴿ فَلاَ تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى ٱلْكُفَّارِ لاَ هُنَّ حِلٌّ لَّهُمْ ﴾: لحُصُول الفرقة ﴿ وَلاَ هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ ﴾: فلا يجوز الاستئناف، أو كرر مبالغة، وفيه دليل تكليف الكفار بالفروع ﴿ وَآتُوهُم ﴾: أي: أزواجهن الكفار ﴿ مَّآ أَنفَقُواْ ﴾: من مهورهن ﴿ وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَن تَنكِحُوهُنَّ إِذَآ آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ ﴾: مهروهن ﴿ وَلاَ تُمْسِكُواْ بِعِصَمِ ﴾: جمع عصمة، يعني نكاح زوجاتكم ﴿ ٱلْكَوَافِرِ ﴾: نهي عن المقام على نكاح المشركات ﴿ وَاسْأَلُواْ ﴾: ممَّن تزوَّجَهُن من الكفار ﴿ مَآ أَنفَقْتُمْ ﴾: عليهن من مهورهن حيث لحقن بالكفار ﴿ وَلْيَسْأَلُواْ ﴾: منكم ﴿ مَآ أَنفَقُواْ ﴾: من مهور المهاجرات كما مر ﴿ ذَلِكُمْ حُكْمُ ٱللَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ * وَإِن فَاتَكُمْ ﴾: انفلت منكم ﴿ شَيْءٌ ﴾: واحدة أو أكثر ﴿ مِّنْ أَزْوَاجِكُمْ إِلَى ٱلْكُفَّارِ ﴾: ولم يؤدوا مهرها ﴿ فَعَاقَبْتُمْ ﴾: أي: فجاءت عاقبتكم، أي: توبتكم من الظفر والغنيمة ﴿ فَآتُواْ ٱلَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْوَاجُهُمْ ﴾: المرتدات ﴿ مِّثْلَ مَآ أَنفَقُواْ ﴾: عليهن من مهورهن ﴿ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ ٱلَّذِيۤ أَنتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ ﴾: ثم نسخ بقوله: ﴿ يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ إِذَا جَآءَكَ ٱلْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَىٰ أَن لاَّ يُشْرِكْنَ بِٱللَّهِ شَيْئاً وَلاَ يَسْرِقْنَ وَلاَ يَزْنِينَ وَلاَ يَقْتُلْنَ أَوْلاَدَهُنَّ ﴾: بإسقاط الأجنة أو وأد البنات ﴿ وَلاَ يَأْتِينَ بِبُهْتَٰنٍ ﴾: بنسبة ولد إلى الزوج كذبا ﴿ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ ﴾: بأن يلفظها بها ﴿ وَ ﴾: بين ﴿ أَرْجُلِهِنَّ ﴾: بالزنا أو الولد إذا وضعته سقط بين يديها ورجليها ﴿ وَلاَ يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ ﴾: أي: طاعة الله تعالى، إذ لا طاعة في العصية ﴿ فَبَايِعْهُنَّ ﴾: بلا مصافحة ﴿ وَٱسْتَغْفِرْ لَهُنَّ ٱللَّهَ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ * يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَوَلَّوْاْ قوْماً غَضِبَ ٱللَّهُ عَلَيْهِمْ ﴾: أي: الكفار، وإن احتجتم إليهم لفقر ﴿ قَدْ يَئِسُواْ مِنَ ﴾: ثواب ﴿ ٱلآخِرَةِ كَمَا يَئِسَ ٱلْكُفَّارُ مِنْ أَصْحَابِ ٱلْقُبُورِ ﴾: أن ينالهم خير منهم، واختتم بما افتتح به اهتماما - واللهُ أعْلمُ، اللَّهُمَّ هوِّن علينا رزقنا.
سورة الممتحنة
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورة (الممتحنة) من السُّوَر المدنية، نزلت بعد سورة (الأحزاب)، وقد جاءت بالنهيِ عن موالاة الكفار واتخاذِهم أولياءَ، وجعلت ذلك امتحانًا ودلالةً على صدقِ الإيمان واكتماله، وسُمِّيت بـ(الممتحنة) لأنَّ فيها ذِكْرَ امتحانِ النساء المهاجِرات المبايِعات للنبي صلى الله عليه وسلم؛ قال تعالى: {يَٰٓأَيُّهَا اْلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِذَا جَآءَكُمُ اْلْمُؤْمِنَٰتُ مُهَٰجِرَٰتٖ فَاْمْتَحِنُوهُنَّۖ} [الممتحنة: 10].

ترتيبها المصحفي
60
نوعها
مدنية
ألفاظها
352
ترتيب نزولها
91
العد المدني الأول
13
العد المدني الأخير
13
العد البصري
13
العد الكوفي
13
العد الشامي
13

* قوله تعالى: {يَٰٓأَيُّهَا اْلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَتَّخِذُواْ عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَآءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِم بِاْلْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُواْ بِمَا جَآءَكُم مِّنَ اْلْحَقِّ يُخْرِجُونَ اْلرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَن تُؤْمِنُواْ بِاْللَّهِ رَبِّكُمْ إِن كُنتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَٰدٗا فِي سَبِيلِي وَاْبْتِغَآءَ مَرْضَاتِيۚ تُسِرُّونَ إِلَيْهِم بِاْلْمَوَدَّةِ وَأَنَا۠ أَعْلَمُ بِمَآ أَخْفَيْتُمْ وَمَآ أَعْلَنتُمْۚ وَمَن يَفْعَلْهُ مِنكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَآءَ اْلسَّبِيلِ} [الممتحنة: 1]:

عن عليِّ بن أبي طالبٍ رضي الله عنه، قال: «بعَثَني رسولُ اللهِ ﷺ أنا والزُّبَيرَ والمِقْدادَ، فقال: «انطلِقوا حتى تأتوا رَوْضةَ خاخٍ؛ فإنَّ بها ظعينةً معها كتابٌ، فَخُذوا منها»، قال: فانطلَقْنا تَعادَى بنا خَيْلُنا حتى أتَيْنا الرَّوْضةَ، فإذا نحنُ بالظَّعينةِ، قُلْنا لها: أخرِجي الكتابَ، قالت: ما معي كتابٌ، فقُلْنا: لَتُخرِجِنَّ الكتابَ، أو لَنُلقِيَنَّ الثِّيابَ، قال: فأخرَجتْهُ مِن عِقاصِها، فأتَيْنا به رسولَ اللهِ ﷺ، فإذا فيه: مِن حاطبِ بنِ أبي بَلْتعةَ، إلى ناسٍ بمكَّةَ مِن المشرِكين، يُخبِرُهم ببعضِ أمرِ رسولِ اللهِ ﷺ، فقال رسولُ اللهِ ﷺ: «يا حاطبُ، ما هذا؟»، قال: يا رسولَ اللهِ، لا تَعجَلْ عليَّ، إنِّي كنتُ امرأً ملصَقًا في قُرَيشٍ، يقولُ: كنتُ حليفًا، ولم أكُنْ مِن أنفُسِها، وكان مَن معك مِن المهاجِرِينَ مَن لهم قراباتٌ يحمُونَ أهلِيهم وأموالَهم، فأحبَبْتُ إذ فاتَني ذلك مِن النَّسَبِ فيهم أن أتَّخِذَ عندهم يدًا يحمُونَ قرابتي، ولم أفعَلْهُ ارتدادًا عن دِيني، ولا رضًا بالكفرِ بعد الإسلامِ، فقال رسولُ اللهِ ﷺ: «أمَا إنَّه قد صدَقَكم»، فقال عُمَرُ: يا رسولَ اللهِ، دَعْني أضرِبْ عُنُقَ هذا المنافقِ، فقال: «إنَّه قد شَهِدَ بَدْرًا، وما يُدرِيك لعلَّ اللهَ اطَّلَعَ على مَن شَهِدَ بَدْرًا، فقال: اعمَلوا ما شِئْتم فقد غفَرْتُ لكم! فأنزَلَ اللهُ السُّورةَ: {يَٰٓأَيُّهَا اْلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَتَّخِذُواْ عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَآءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِم بِاْلْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُواْ بِمَا جَآءَكُم مِّنَ اْلْحَقِّ} [الممتحنة: 1] إلى قولِه: {فَقَدْ ضَلَّ سَوَآءَ اْلسَّبِيلِ} [الممتحنة: 1]». أخرجه البخاري (٤٢٧٤).

* قوله تعالى: {يَٰٓأَيُّهَا اْلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِذَا جَآءَكُمُ اْلْمُؤْمِنَٰتُ مُهَٰجِرَٰتٖ فَاْمْتَحِنُوهُنَّۖ اْللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَٰنِهِنَّۖ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَٰتٖ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى اْلْكُفَّارِۖ لَا هُنَّ حِلّٞ لَّهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّۖ} [الممتحنة: 10]:

عن عُرْوةَ بن الزُّبَيرِ، أنَّه سَمِعَ مَرْوانَ والمِسْوَرَ بن مَخرَمةَ رضي الله عنهما يُخبِرانِ عن أصحابِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، قال: «لمَّا كاتَبَ سُهَيلُ بنُ عمرٍو يومَئذٍ، كان فيما اشترَطَ سُهَيلُ بنُ عمرٍو على النبيِّ صلى الله عليه وسلم: أنَّه لا يأتيك منَّا أحدٌ - وإن كان على دِينِك - إلا ردَدتَّه إلينا، وخلَّيْتَ بَيْننا وبَيْنَه، فكَرِهَ المؤمنون ذلك، وامتعَضوا منه، وأبى سُهَيلٌ إلا ذلك، فكاتَبَه النبيُّ صلى الله عليه وسلم على ذلك، فرَدَّ يومَئذٍ أبا جَنْدلٍ إلى أبيه سُهَيلِ بنِ عمرٍو، ولم يأتِه أحدٌ مِن الرِّجالِ إلا رَدَّه في تلك المُدَّةِ، وإن كان مسلِمًا، وجاءت المؤمِناتُ مهاجِراتٍ، وكانت أمُّ كُلْثومٍ بنتُ عُقْبةَ بنِ أبي مُعَيطٍ ممَّن خرَجَ إلى رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم يومَئذٍ، وهي عاتِقٌ، فجاءَ أهلُها يَسألون النبيَّ صلى الله عليه وسلم أن يَرجِعَها إليهم، فلم يَرجِعْها إليهم؛ لِما أنزَلَ اللهُ فيهنَّ: {إِذَا جَآءَكُمُ اْلْمُؤْمِنَٰتُ مُهَٰجِرَٰتٖ فَاْمْتَحِنُوهُنَّۖ اْللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَٰنِهِنَّۖ} [الممتحنة: 10] إلى قولِه: {وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّۖ} [الممتحنة: 10]».

قال عُرْوةُ: «فأخبَرتْني عائشةُ: أنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم كان يمتحِنُهنَّ بهذه الآيةِ: {يَٰٓأَيُّهَا اْلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِذَا جَآءَكُمُ اْلْمُؤْمِنَٰتُ مُهَٰجِرَٰتٖ فَاْمْتَحِنُوهُنَّۖ} [الممتحنة: 10] إلى {غَفُورٞ رَّحِيمٞ} [الممتحنة: 12]».

قال عُرْوةُ: «قالت عائشةُ: فمَن أقَرَّ بهذا الشرطِ منهنَّ، قال لها رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «قد بايَعْتُكِ»؛ كلامًا يُكلِّمُها به، واللهِ، ما مسَّتْ يدُه يدَ امرأةٍ قطُّ في المبايَعةِ، وما بايَعَهنَّ إلا بقولِه». أخرجه البخاري (٢٧١١).

* سورة (الممتحنة):

سُمِّيت سورة (الممتحنة) بهذا الاسم؛ لأنه جاءت فيها آيةُ امتحان إيمان النساء اللواتي يأتينَ مهاجِراتٍ من مكَّةَ إلى المدينة؛ قال تعالى: {يَٰٓأَيُّهَا اْلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِذَا جَآءَكُمُ اْلْمُؤْمِنَٰتُ مُهَٰجِرَٰتٖ فَاْمْتَحِنُوهُنَّۖ} [الممتحنة: 10].

1. النهيُ عن موالاة الكفار (١-٦).

2. الموالاة المباحة، والموالاة المحرَّمة (٧-٩).

3. امتحان المهاجِرات (١٠-١١).

4. بَيْعة المؤمنات (١١-١٣).

ينظر: "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (8 /96).

مقصدُ سورة (الممتحنة) هو البراءةُ من الشرك والمشركين، وعدمُ اتخاذهم أولياءَ، وفي ذلك دلالةٌ على صدقِ التوحيد واكتماله.

يقول ابنُ عاشور رحمه الله: «اشتملت من الأغراض على تحذيرِ المؤمنين من اتخاذ المشركين أولياءَ مع أنهم كفروا بالدِّين الحق، وأخرَجوهم من بلادهم.

وإعلامِهم بأن اتخاذَهم أولياءَ ضلالٌ، وأنهم لو تمكَّنوا من المؤمنين، لأساؤوا إليهم بالفعل والقول، وأن ما بينهم وبين المشركين من أواصرِ القرابة لا يُعتد به تجاه العداوة في الدِّين، وضرَب لهم مثَلًا في ذلك قطيعةَ إبراهيم لأبيه وقومه.

وأردَف ذلك باستئناس المؤمنين برجاءِ أن تحصُلَ مودةٌ بينهم وبين الذين أمرهم اللهُ بمعاداتهم؛ أي: هذه معاداةٌ غيرُ دائمة...». "التحرير والتنوير" لابن عاشور (28 /131).

وينظر: "مصاعد النظر للإشراف على مقاصد السور" للبقاعي (3 /76).