تفسير سورة الزلزلة

تفسير الثعالبي

تفسير سورة سورة الزلزلة من كتاب الجواهر الحسان في تفسير القرآن المعروف بـتفسير الثعالبي.
لمؤلفه الثعالبي . المتوفي سنة 875 هـ
مدنية، وآياتها ٨.

تفسير سورة «الزلزلة»
وهي مكّيّة قاله ابن عبّاس وغيره، وقال قتادة، ومقاتل: هي مدنيّة
[سورة الزلزلة (٩٩) : الآيات ١ الى ٤]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

إِذا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزالَها (١) وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقالَها (٢) وَقالَ الْإِنْسانُ ما لَها (٣) يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبارَها (٤)
[قوله تعالى: إِذا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ] قد تقدَّم معنى الزلزلةِ، والأثْقَالُ: الموتَى قاله ابن عباس «١»، وقيل أخْرَجَتْ موتَاها، وكنوزَها، وقول الإنسان: مَا لَها هو عَلَى مَعْنَى التعجُّبِ مِنْ هولِ ما يَرَى، قال الجمهور: الإنسانُ هنا الكافِرُ، وقيلَ عامٌّ في المؤمِنِ والكافِرِ، وإخْبَارُ الأَرْضِ قَالَ ابن مسعودٍ وغيره: هي شَهَادَتُها بِما عُمِلَ عليها مِنْ عَمَلٍ صالحٍ وفَاسدٍ «٢» ويؤيدُ هذا التأويل قوله صلّى الله عليه وسلّم: «فَإنَّهُ لاَ يَسْمَعُ مدى صَوْتِ المُؤَذِّنِ إنْسٌ وَلاَ جِنٌّ وَلاَ شَيْءٌ إلاَّ شَهِدَ لَهُ يَوْمَ القِيَامَةِ».
ت: وخرَّج الترمذيُّ في «جامعِه» عن أبي هريرةَ قال: «قرأ رسول اللَّه صلّى الله عليه وسلّم هذه الآيةُ: يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبارَها قال: أتَدْرُونَ مَا أَخْبَارُهَا؟ قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ قَالَ:
فَإنَّ أَخْبَارَهَا: أَنْ تَشْهَدَ على كُلِّ عَبْدٍ وَأَمَةٍ بِمَا عَمِلَ على ظَهْرِهَا، تَقُولُ: عَمِلَ عَلَيَّ يَوْمَ كَذَا- كَذَا فهذه أَخْبَارُها»
«٣» قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح انتهى، وكَذَا رواه أبو بكر بن الخطيبِ، وفيه: عَمِلَ عَلَيَّ في يَوْمِ كَذَا وَكَذَا/ وَفِي يوم كذا وكذا.
(١) أخرجه الطبري (١٢/ ٦٥٩)، (٣٧٧٣٤)، وذكره ابن عطية (٥/ ٥١٠)، وابن كثير في «تفسيره» (٤/ ٥٣٩)، والسيوطي في «الدر المنثور» (٦/ ٦٤٥)، وعزاه لعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن مردويه عن ابن عبّاس.
(٢) أخرجه الطبري (١٢/ ٦٦٠)، (٣٧٧٤٠) عن سفيان، وذكره ابن عطية (٥/ ٥١٠).
(٣) أخرجه الترمذي (٥/ ٤٤٦- ٤٤٧)، كتاب «التفسير» باب: ومن سورة: إِذا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزالَها (٣٣٥٣).
قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.

[سورة الزلزلة (٩٩) : الآيات ٥ الى ٨]

بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحى لَها (٥) يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتاتاً لِيُرَوْا أَعْمالَهُمْ (٦) فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ (٧) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (٨)
وقوله تعالى: بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحى لَها الباءُ باءُ السببِ وقَالَ ابن عباس وغيرُه: المعنى أوحَى إليهَا «١»، قال- ص-: المشهورُ أنَّ أَوْحى يتعدى ب «إلى» وَعُدِّيَ هنا باللامِ مُرَاعَاةً للفَوَاصِل، وقال أَبو البقاء: لَها بِمَعْنَى إلَيْهَا، انتهى.
وقوله سبحانه: يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتاتاً بمعنى: يَنْصَرِفُونَ مِنْ موضعِ وُرُودِهم مُختلِفي الأَحْوَالِ، قال الجمهور: وُرُوْدُهُمْ بالموت، وصدورُهُمْ هو القيامُ إلَى البَعْثِ والكلُّ سائرٌ إلى العَرْضِ ليرَى عَمَله، ويقفُ عليه، وقيل: الورودُ هو ورودُ المَحْشَرِ والصَّدَرُ أشْتَاتَاً هُو صَدَرُ قَوْمٍ إلى الجنةِ وقَوْمٍ إلى النَّارِ ليروا جَزَاء أعمالهم.
وَقَوْلهِ- جلت عظمته-: فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ الآية، كان النبي صلّى الله عليه وسلّم يُسَمِّي هذه الآيَةَ الجِامِعَةَ الفَاذَّةَ، ويروى أَنَّهُ «لَمَّا نَزَلَتْ هذه السُّورَةُ بَكَى أَبُو بَكْرٍ وَقَالَ:
يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَوَ أُسْأَلُ عَنْ مثاقيل الذّرّ؟ فقال له النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «يَا أبا بَكْرٍ، مَا رَأَيْتَهُ في الدُّنْيَا مِمَّا تَكْرَهُ فَبِمَثاقِيلِ ذَرِّ الشَّرِّ، وَيَدَّخِرُ لَكَ اللَّهُ مَثَاقِيلَ ذَرِّ الخَيْرِ إلَى الآخِرَةِ»
«٢»، قال الداوديّ: بَيْنَمَا عُمَرُ بن الخَطَّابِ بِطَرِيقِ مَكَّةَ ليلاً، إذا ركب مقبلين من حهة، فَقَالَ لبعض مَنْ معه: سَلْهُمْ مِنْ أَيْنَ أقبلوا؟ فقال له أحدهم: من الفَجِّ العميقِ، نُرِيدُ البَلَدَ العَتِيقَ، فَأُخْبِرَ عَمَرُ بِذَلِكَ، فَقَالَ: أَوَقَعُوا في هذا؟ قُلْ لَهُمْ، فَمَا أَعْظَمُ، آيةٍ في كِتَابِ اللَّهِ، وأَحْكَمُ آيةٍ في كِتَابِ اللَّهِ، وَأَعْدَلُ آيةٍ في كِتَابِ اللَّهِ، وأرجى آيةٍ في كِتَابِ اللَّهِ، وَأَخْوَفُ آيةٍ في كِتَابِ اللَّهِ؟ فَقَالَ لَهُ قَائِلُهُمْ: أَعْظَمُ آيةٍ في/ كِتَابِ اللَّهِ آيَةُ الكُرْسِيِّ [البقرة: ٢٥٥]، وَأَحْكَمُ آيَةٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ [النحل: ٩٠] وَأعْدَلُ آيةٍ في كِتَابِ اللَّهِ:
فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ وأرجى آيَةٍ في كِتَابِ اللَّهِ: إِنَّ اللَّهَ لاَ يَظْلِمُ مِثْقالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضاعِفْها وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْراً عَظِيماً [النساء: ٤٠] وَأَخْوفُ آيةٍ في كِتَابِ اللَّه: مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ [النساء: ١٢٣] فأُخْبِرَ عمرَ بِذلكَ، فَقَالَ لَهُمْ عمرُ: أَفِيكُم ابنُ أُمِّ عَبْدٍ؟ فقالوا: نعم، وهو الّذي [كلّمك]، قال
(١) أخرجه الطبري (١٢/ ٦٦١)، (٣٧٧٤٣)، وذكره البغوي (٤/ ٥١٥)، وابن عطية (٥/ ٥١١)، وابن كثير في «تفسيره» (٤/ ٥٣٩)، والسيوطي في «الدر المنثور» (٦/ ٦٤٥)، وعزاه لعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن مردويه عن ابن عبّاس.
(٢) ينظر: «الدر المنثور» (٦/ ٦٥٤).
616
عُمَرُ: كُنَيْفٌ مُليءَ عِلْماً آثرْنَا بِهِ أهْلَ القادسيّة على أنفسنا. قال الداوديّ، ومعْنَى أعظم آية يُرِيدُ في الثواب، انتهى «١».
(١) ذكره البغوي (٤/ ٥١٦) عن ابن مسعود قال: أحكم آيةٍ في كِتَابِ اللَّهِ: فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ.
617
سورة الزلزلة
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورة (الزَّلْزلة) من السُّوَر المدنية، نزلت بعد سورة (النساء)، ولها فضلٌ عظيم؛ فهي تَعدِل رُبُعَ القرآن؛ كما صح في الحديث، وقد تحدثت عن أهوالِ يوم القيامة، وحالِ الناس يوم البعث، وما يعتريهم من الفزعِ والخوف، وأُثِر عن النبي صلى الله عليه وسلم قراءتُه لها في صلاة الفجر.

ترتيبها المصحفي
99
نوعها
مدنية
ألفاظها
35
ترتيب نزولها
93
العد المدني الأول
8
العد المدني الأخير
9
العد البصري
9
العد الكوفي
8
العد الشامي
9

* سورة (الزَّلْزلة):

سُمِّيت سورة (الزَّلْزلة) بهذا الاسم؛ لافتتاحها بقوله تعالى: {إِذَا زُلْزِلَتِ اْلْأَرْضُ زِلْزَالَهَا} [الزلزلة: 1].

* سورة (الزَّلْزلة) تَعدِل رُبُعَ القرآن:

عن أنسِ بن مالكٍ رضي الله عنه: «أنَّ رسولَ اللهِ ﷺ قال لرجُلٍ مِن أصحابِه: «هل تزوَّجْتَ يا فلانُ؟»، قال: لا واللهِ يا رسولَ اللهِ، ولا عندي ما أتزوَّجُ به، قال: «أليس معك {قُلْ هُوَ اْللَّهُ أَحَدٌ}؟»، قال: بلى، قال: «ثُلُثُ القرآنِ»، قال: «أليس معك {إِذَا جَآءَ نَصْرُ اْللَّهِ وَاْلْفَتْحُ}؟»، قال: بلى، قال: «رُبُعُ القرآنِ»، قال: «أليس معك {قُلْ يَٰٓأَيُّهَا اْلْكَٰفِرُونَ}؟»، قال: بلى، قال: «رُبُعُ القرآنِ»، قال: «أليس معك {إِذَا زُلْزِلَتِ اْلْأَرْضُ زِلْزَالَهَا}؟»، قال: بلى، قال: «رُبُعُ القرآنِ»، قال: تزوَّجْ، تزوَّجْ»». أخرجه الترمذي (٢٨٩٥).

* أوصى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم رجُلًا بقراءة سورة (الزَّلْزلة):

عن عبدِ اللهِ بن عمرٍو رضي الله عنه، قال: «أتى رجُلٌ رسولَ اللهِ ﷺ، فقال: أقرِئْني يا رسولَ اللهِ، فقال: «اقرَأْ ثلاثًا مِن ذواتِ {الٓر}»، فقال: كَبِرتْ سِنِّي، واشتَدَّ قلبي، وغلُظَ لساني، قال: «فاقرَأْ ثلاثًا مِن ذواتِ {حمٓ}»، فقال مِثْلَ مقالتِه، فقال: اقرَأْ ثلاثًا مِن (المُسبِّحاتِ)»، فقال مِثْلَ مقالتِه، فقال الرجُلُ: يا رسولَ اللهِ، أقرِئْني سورةً جامعةً، فأقرَأَه النبيُّ ﷺ: {إِذَا زُلْزِلَتِ اْلْأَرْضُ} حتى فرَغَ منها، فقال الرجُلُ: والذي بعَثَك بالحقِّ، لا أَزيدُ عليها أبدًا، ثم أدبَرَ الرجُلُ، فقال النبيُّ ﷺ: «أفلَحَ الرُّوَيجِلُ» مرَّتَينِ». أخرجه أبو داود (١٣٩٩).

* ثبَت عن النبي صلى الله عليه وسلم قراءتُه لسورة (الزَّلْزلة) في صلاة الفجر:

عن مُعاذِ بن عبدِ اللهِ الجُهَنيِّ: «أنَّ رجُلًا مِن جُهَينةَ أخبَرَه أنَّه سَمِعَ النبيَّ ﷺ يَقرأُ في الصُّبْحِ: {إِذَا زُلْزِلَتِ اْلْأَرْضُ زِلْزَالَهَا} في الرَّكعتَينِ كلتَيْهما، فلا أدري أنَسِيَ رسولُ اللهِ ﷺ أم قرَأَ ذلك عمدًا؟». أخرجه أبو داود (٨١٦).

* كان صلى الله عليه وسلم يصلي ركعتَينِ بعد الوترِ يقرأ فيهما (الزلزلة) و(الكافرون):

عن سعدِ بن هشامٍ: «أنَّه سأَلَ عائشةَ عن صلاةِ النبيِّ ﷺ باللَّيلِ، فقالت: كان رسولُ اللهِ ﷺ إذا صلَّى العِشاءَ تجوَّزَ بركعتَينِ، ثم ينامُ وعند رأسِه طَهُورُه وسِواكُه، فيقُومُ فيَتسوَّكُ ويَتوضَّأُ ويُصلِّي، ويَتجوَّزُ بركعتَينِ، ثم يقُومُ فيُصلِّي ثمانَ ركَعاتٍ يُسوِّي بَيْنهنَّ في القراءةِ، ثم يُوتِرُ بالتاسعةِ، ويُصلِّي ركعتَينِ وهو جالسٌ، فلمَّا أسَنَّ رسولُ اللهِ ﷺ وأخَذَ اللَّحْمَ، جعَلَ الثَّمانَ سِتًّا، ويُوتِرُ بالسابعةِ، ويُصلِّي ركعتَينِ وهو جالسٌ، يَقرأُ فيهما: {قُلْ يَٰٓأَيُّهَا اْلْكَٰفِرُونَ}، و{إِذَا زُلْزِلَتِ}». أخرجه ابن حبان (٢٦٣٥).

1. أهوال القيامة وشدائدها (١-٥).

2. مآل الخلائقِ يوم الحساب (٦-٨).

ينظر: "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (9 /287).

إثباتُ البعثِ ووقوعِ القيامةِ وما يعتري الناسَ من الأهوال؛ وبذلك تنكشفُ الأمور، وينقسمُ الناس إلى أشقياءَ وسعداءَ.

ينظر: "مصاعد النظر للإشراف على مقاصد السور" للبقاعي (3 /231).