تفسير سورة الزلزلة

معاني القرآن للزجاج

تفسير سورة سورة الزلزلة من كتاب معاني القرآن وإعرابه للزجاج المعروف بـمعاني القرآن للزجاج.
لمؤلفه الزجاج . المتوفي سنة 311 هـ

سُورَةُ الزَّلْزَلَةِ
مدنية

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

قوله عزَّ وجلَّ: (إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا (١)
إذا حركت حركة شديدة، والقراءة (زِلْزَالَها) بكسر الزاي، ويجوز في
الكلام زَلْزَالَها، وقرئت (زَلْزَالَها)، وليس في الكلام فَعْلَال بفتح الفَاء إلا في
المضاعف نحو الزلزال والصلْصَال.
والاختيارُ كَسرِ الزاي، والفتح جائز.
* * *
(وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا (٢)
أخرجت كُنوزها وموتاها
* * *
(وَقَالَ الْإِنْسَانُ مَا لَهَا (٣)
هذا قول الكافِرِ لأنه لم يكن يؤمن بالبعث، فقال: مَا لَها، أي لأي شيء
زلزالها.
* * *
(يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا (٤)
(يَوْمَئِذٍ) منصوب بقوله: (إِذَا زُلْزِلَت)، وأخرجت، في ذلك اليوم
ومعنى (تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا)، [تخبرُ] بما عُمِلَ عَليها.
* * *
(يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ (٦)
أي يَصْدُرون متفرقينَ منهم من عمْل صالحاً ومنهم من عمل شَرًّا
والقراءة (لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ)
وُيرْوَى (لِيَرَوْا أَعْمَالَهُمْ)، ولا أعلم أَحَداً قرأ بها.
ولا يجوز أن يقرأ بما يجوز في العربية إذا لم يقرأ به من أُخِذَت عَنْهُ القراءة.
* * *
ومعنى: (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (٧)
تأويله أن اللَّه جلَّ وعزَّ قد أحصى أعمال العباد من خَيرٍ، وكل يرى عمله، فمن أَحَبَّ اللَّه أن يغفر له غَفَر له.
ومن أحب أَنْ يُجَازِيَه جَازَاهُ.
وقيل مَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ في الدنيا.
وكذلك شَرُّا يره في الدنيا (١). واللَّه أعلم.
(١) قال السَّمين:
قوله: ﴿خَيْراً﴾، ﴿شَرّاً﴾: في نصبِهما وجهان، أظهرهما: أنهما تمييز للمِثْقال فإنه مقدارٌ. والثاني: أنهما بدلان مِنْ «مثقالَ»
قوله: ﴿يَرَهُ﴾ جوابُ الشرط في الموضعين. وقرأ هشام بسكونِ هاء «يَرَهْ» وَصْلاً في الحرفَيْن. وباقي السبعةِ بضمِّها موصولةً بواوٍ وَصْلاً، وساكنةً وَقْفاً كسائرِ هاءِ الكنايةِ، هذا ما قرَأْتُ به. ونَقَل الشيخُ عن هشام وأبي بكر سكونَها، وعن أبي عمرو ضمُّها مُشْبعة، وباقي السبعةِ بإشباعِ الأولى وسكونِ الثانية. انتهى. وكان ذلك لأجلِ الوقفِ على آخرِ السورةِ غالباً. أمَّا لو وَصَلوا آخرَها بأولِ «العادِيات» كان الحكمُ الإِشباعَ هذا مقتضى أصولِهم كما قَدَّمْتُه وهو المنقولُ.
وقرأ العامَّةُ «يَرَهُ» مبنياً للفاعلِ. وقرأ ابن عباس والحسين بن علي وزيد بن علي وأبو حيوة وعاصم والكسائي في رواية «يُرَه» مبنياً للمفعول. وعكرمة «يَراه» بالألفِ: إمَّا على تقديرِ الجزمِ بحَذْفِ الحركةِ المقدرة، وإمَّا على تَوَهُّمِ أنَّ «مَنْ» موصولةٌ، وتحقيق هذا مذكورٌ في أواخِر يوسف. وحكى الزمخشري أن أعرابياً أَخَّر «خيراً يَرَهُ» فقيل له: قَدَّمْتُ وأَخَّرْتَ، فأنشد:
٤٦١٥ خذا بَطْنَ هرشى أوقَفاها فإنَّه... كِلا جانِبَيْ هرشى لَهُنَّ طريقُ
انتهى. يريدُ أنَّ التقديمَ والتأخيرَ سواءٌ، وهذا لا يجوزُ ألبتَّةََ فإنه خطأٌ لا يُعْتَقَدُ به قراءةً.
والذَّرَّة قيل: النملةُ الصغيرةُ. وأصغرُ ما تكونُ قضى عليها حَوْلٌ قال امرؤ القيس:
٤٦١٦ من القاصراتِ الطَرْفِ لو دَبَّ مُحْوِلٌ... من الذَّرِّ فوق الإِتْبِ منها لأَثَّرا
اهـ (الدُّرُّ المصُون).
سورة الزلزلة
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورة (الزَّلْزلة) من السُّوَر المدنية، نزلت بعد سورة (النساء)، ولها فضلٌ عظيم؛ فهي تَعدِل رُبُعَ القرآن؛ كما صح في الحديث، وقد تحدثت عن أهوالِ يوم القيامة، وحالِ الناس يوم البعث، وما يعتريهم من الفزعِ والخوف، وأُثِر عن النبي صلى الله عليه وسلم قراءتُه لها في صلاة الفجر.

ترتيبها المصحفي
99
نوعها
مدنية
ألفاظها
35
ترتيب نزولها
93
العد المدني الأول
8
العد المدني الأخير
9
العد البصري
9
العد الكوفي
8
العد الشامي
9

* سورة (الزَّلْزلة):

سُمِّيت سورة (الزَّلْزلة) بهذا الاسم؛ لافتتاحها بقوله تعالى: {إِذَا زُلْزِلَتِ اْلْأَرْضُ زِلْزَالَهَا} [الزلزلة: 1].

* سورة (الزَّلْزلة) تَعدِل رُبُعَ القرآن:

عن أنسِ بن مالكٍ رضي الله عنه: «أنَّ رسولَ اللهِ ﷺ قال لرجُلٍ مِن أصحابِه: «هل تزوَّجْتَ يا فلانُ؟»، قال: لا واللهِ يا رسولَ اللهِ، ولا عندي ما أتزوَّجُ به، قال: «أليس معك {قُلْ هُوَ اْللَّهُ أَحَدٌ}؟»، قال: بلى، قال: «ثُلُثُ القرآنِ»، قال: «أليس معك {إِذَا جَآءَ نَصْرُ اْللَّهِ وَاْلْفَتْحُ}؟»، قال: بلى، قال: «رُبُعُ القرآنِ»، قال: «أليس معك {قُلْ يَٰٓأَيُّهَا اْلْكَٰفِرُونَ}؟»، قال: بلى، قال: «رُبُعُ القرآنِ»، قال: «أليس معك {إِذَا زُلْزِلَتِ اْلْأَرْضُ زِلْزَالَهَا}؟»، قال: بلى، قال: «رُبُعُ القرآنِ»، قال: تزوَّجْ، تزوَّجْ»». أخرجه الترمذي (٢٨٩٥).

* أوصى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم رجُلًا بقراءة سورة (الزَّلْزلة):

عن عبدِ اللهِ بن عمرٍو رضي الله عنه، قال: «أتى رجُلٌ رسولَ اللهِ ﷺ، فقال: أقرِئْني يا رسولَ اللهِ، فقال: «اقرَأْ ثلاثًا مِن ذواتِ {الٓر}»، فقال: كَبِرتْ سِنِّي، واشتَدَّ قلبي، وغلُظَ لساني، قال: «فاقرَأْ ثلاثًا مِن ذواتِ {حمٓ}»، فقال مِثْلَ مقالتِه، فقال: اقرَأْ ثلاثًا مِن (المُسبِّحاتِ)»، فقال مِثْلَ مقالتِه، فقال الرجُلُ: يا رسولَ اللهِ، أقرِئْني سورةً جامعةً، فأقرَأَه النبيُّ ﷺ: {إِذَا زُلْزِلَتِ اْلْأَرْضُ} حتى فرَغَ منها، فقال الرجُلُ: والذي بعَثَك بالحقِّ، لا أَزيدُ عليها أبدًا، ثم أدبَرَ الرجُلُ، فقال النبيُّ ﷺ: «أفلَحَ الرُّوَيجِلُ» مرَّتَينِ». أخرجه أبو داود (١٣٩٩).

* ثبَت عن النبي صلى الله عليه وسلم قراءتُه لسورة (الزَّلْزلة) في صلاة الفجر:

عن مُعاذِ بن عبدِ اللهِ الجُهَنيِّ: «أنَّ رجُلًا مِن جُهَينةَ أخبَرَه أنَّه سَمِعَ النبيَّ ﷺ يَقرأُ في الصُّبْحِ: {إِذَا زُلْزِلَتِ اْلْأَرْضُ زِلْزَالَهَا} في الرَّكعتَينِ كلتَيْهما، فلا أدري أنَسِيَ رسولُ اللهِ ﷺ أم قرَأَ ذلك عمدًا؟». أخرجه أبو داود (٨١٦).

* كان صلى الله عليه وسلم يصلي ركعتَينِ بعد الوترِ يقرأ فيهما (الزلزلة) و(الكافرون):

عن سعدِ بن هشامٍ: «أنَّه سأَلَ عائشةَ عن صلاةِ النبيِّ ﷺ باللَّيلِ، فقالت: كان رسولُ اللهِ ﷺ إذا صلَّى العِشاءَ تجوَّزَ بركعتَينِ، ثم ينامُ وعند رأسِه طَهُورُه وسِواكُه، فيقُومُ فيَتسوَّكُ ويَتوضَّأُ ويُصلِّي، ويَتجوَّزُ بركعتَينِ، ثم يقُومُ فيُصلِّي ثمانَ ركَعاتٍ يُسوِّي بَيْنهنَّ في القراءةِ، ثم يُوتِرُ بالتاسعةِ، ويُصلِّي ركعتَينِ وهو جالسٌ، فلمَّا أسَنَّ رسولُ اللهِ ﷺ وأخَذَ اللَّحْمَ، جعَلَ الثَّمانَ سِتًّا، ويُوتِرُ بالسابعةِ، ويُصلِّي ركعتَينِ وهو جالسٌ، يَقرأُ فيهما: {قُلْ يَٰٓأَيُّهَا اْلْكَٰفِرُونَ}، و{إِذَا زُلْزِلَتِ}». أخرجه ابن حبان (٢٦٣٥).

1. أهوال القيامة وشدائدها (١-٥).

2. مآل الخلائقِ يوم الحساب (٦-٨).

ينظر: "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (9 /287).

إثباتُ البعثِ ووقوعِ القيامةِ وما يعتري الناسَ من الأهوال؛ وبذلك تنكشفُ الأمور، وينقسمُ الناس إلى أشقياءَ وسعداءَ.

ينظر: "مصاعد النظر للإشراف على مقاصد السور" للبقاعي (3 /231).