تفسير سورة الكافرون

تفسير السمرقندي

تفسير سورة سورة الكافرون من كتاب بحر العلوم المعروف بـتفسير السمرقندي.
لمؤلفه أبو الليث السمرقندي . المتوفي سنة 373 هـ
سورة الكافرون، وهي ست آيات.

سورة الكافرون
وهي ست آيات مكيّة
[سورة الكافرون (١٠٩) : الآيات ١ الى ٦]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ (١) لاَ أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ (٢) وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (٣) وَلا أَنا عابِدٌ مَّا عَبَدْتُّمْ (٤)
وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (٥) لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ (٦)
قوله تعالى: قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ وذلك أن قريشاً قالوا للنبي صلّى الله عليه وسلم: إن يَسُرّك بأن نتبعك عاماً ونترك ديننا ونتبع دينك وترجع إلى ديننا عاماً. فنزلت هذه السورة وقال مقاتل:
نزلت في المستهزئين وذلك أن النبي صلّى الله عليه وسلم لما قرأ سورة النجم وجرى على لسانه ما جرى فقال أبو جهل أخزاه الله لا يفارقنا إلا على أحد أمرين ندخل معك في بعض ما تعبد وتدخل معنا في بعض ديننا أو نتبرأ من آلهتنا وتتبرأ من إلهك فنزلت هذه السورة، وقال الكلبي: إنهم أتوا العباس فقالوا له: لو أن ابن أخيك استلم بعض آلهتنا لصدقناه بما يقول وآمنا به فنزل قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ، ويقال إنهم اجتمعوا إلى أبي طالب وقالوا له: إن ابن أخيك يؤذينا ونحن لا نؤذيه بحرمتك فدعاه أبو طالب وذكر ذلك له فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «إنَّما أَدْعُوهُمْ إِلَى كَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ» فقال ما هي؟ قال: «لا إله إلا الله» فنفروا عن هذه الكلمة فنزلت قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ يعني: قل يا محمد لأهل مكة لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ يعني: لاَ أَعْبُدُ بعد هذا مَا تَعْبُدُونَ أنتم من الأوثان ولا أرجع إلى دينكم وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ مَا أَعْبُدُ يعني: لا تعبدون أنتم بعد هذا الرب الذي أعبده أنا حتى ترون ما يستقبلكم غدا وهذا كقوله عز وجل:
فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنا لِلظَّالِمِينَ ناراً [الكهف: ٢٩] قوله تعالى: وَلا أَنا عابِدٌ مَّا عَبَدْتُّمْ يعني: لست أنا في الحال عابداً لأصنامكم وما كنت عابداً لها قبل هذا لأني علمت مضرة عبادتها وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ مَا أَعْبُدُ يعني: لستم عابدين في الحال لجهلكم وغفلتكم وقلة عقلكم. ثم قال عز وجل: لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ يعني: قد أكملت عليكم الحجة فليس عليّ أن أجبركم على الإسلام فاثبتوا على دينكم حتى تروا ماذا يستقبلكم غداً وأنا أثبت على ديني الذي أكرمني الله تعالى به ولا أرجع إلى دينكم أبداً وهذا قبل أن يؤمر بالقتال ثم نسخ بآية
629
القتال، فيها دليل أن الرجل إذا رأى منكراً أو سمع قولاً منكراً فأنكره فلم يقبلوا منه لا يجب عليه أكثر من ذلك وإنما عليه أن يحفظ مذهبه وطريقه ويتركهم على مذهبهم وطريقهم. وقال الحسن سمعت شيخاً يحدث قال: بينما أسير مع النبيّ صلّى الله عليه وسلم فسمع رجلاً يقرأ قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ فقال: «أَمَّا هذا فَقَدْ بَرِىء مِنَ الشِّرْكِ» وسمع رجلاً يقرأ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ فقال:
«أَمَّا هذا فَقَدْ غَفَرَ الله تَعَالَى لَهُ» والله أعلم.
630
سورة الكافرون
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورة (الكافرون) من السُّوَر المكية، نزلت بعد سورة (الماعون)، ولها فضلٌ عظيم؛ فهي تَعدِل رُبُعَ القرآن، وقد نزلت في إعلانِ البراءة من الشرك وأهله، وفي تأييسِ الكفار من أن يعبُدَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم آلهتَهم، بأسلوبٍ بلاغي، وتوكيد بديع، وقد كان صلى الله عليه وسلم يقرأ هذه السورة في مواضعَ كثيرة؛ منها: سُنَّة الفجر، وسُنَّة المغرب، وركعتا الوتر، وقبل النوم.

ترتيبها المصحفي
109
نوعها
مكية
ألفاظها
27
ترتيب نزولها
18
العد المدني الأول
6
العد المدني الأخير
6
العد البصري
6
العد الكوفي
6
العد الشامي
6

* سورة (الكافرون):

سُمِّيت سورة (الكافرون) بهذا الاسم؛ لمجيءِ لفظ {اْلْكَٰفِرُونَ} في فاتحتِها.

* سورة {قُلْ يَٰٓأَيُّهَا اْلْكَٰفِرُونَ}:

سُمِّيت بسورة {قُلْ يَٰٓأَيُّهَا اْلْكَٰفِرُونَ}؛ لافتتاحها بهذه الجملة، وقد وردت هذه التسميةُ في عدد من الأحاديث؛ منها:

عن جابرِ بن عبدِ اللهِ رضي الله عنهما: «أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم كان يَقرأُ في الرَّكعتَينِ - أي: ركعتَيِ الطَّوافِ -: {قُلْ هُوَ اْللَّهُ أَحَدٌ}، و{قُلْ يَٰٓأَيُّهَا اْلْكَٰفِرُونَ}». صحيح مسلم (١٢١٨).
وغيره من الأحاديث.

* سورة (الكافرون) تَعدِل رُبُعَ القرآن:

عن أنسِ بن مالكٍ رضي الله عنه: «أنَّ رسولَ اللهِ ﷺ قال لرجُلٍ مِن أصحابِه: «هل تزوَّجْتَ يا فلانُ؟»، قال: لا واللهِ يا رسولَ اللهِ، ولا عندي ما أتزوَّجُ به، قال: «أليس معك {قُلْ هُوَ اْللَّهُ أَحَدٌ}؟»، قال: بلى، قال: «ثُلُثُ القرآنِ»، قال: «أليس معك {إِذَا جَآءَ نَصْرُ اْللَّهِ وَاْلْفَتْحُ}؟»، قال: بلى، قال: «رُبُعُ القرآنِ»، قال: «أليس معك {قُلْ يَٰٓأَيُّهَا اْلْكَٰفِرُونَ}؟»، قال: بلى، قال: «رُبُعُ القرآنِ»، قال: «أليس معك {إِذَا زُلْزِلَتِ اْلْأَرْضُ زِلْزَالَهَا}؟»، قال: بلى، قال: «رُبُعُ القرآنِ»، قال: «تزوَّجْ، تزوَّجْ»». أخرجه الترمذي (٢٨٩٥).

كان عليه الصلاة والسلام يقرأ سورةَ (الكافرون) في غيرِ موضع:

* في سُنَّة الفجر:

عن عائشةَ أمِّ المؤمنين رضي الله عنها، قالت: «كان رسولُ اللهِ ﷺ يُصلِّي ركعتَينِ قبل الفجرِ، وكان يقولُ: «نِعْمَ السُّورتانِ يُقرَأُ بهما في ركعتَيِ الفجرِ: {قُلْ يَٰٓأَيُّهَا اْلْكَٰفِرُونَ}، و{قُلْ هُوَ اْللَّهُ أَحَدٌ}»». أخرجه ابن ماجه (١١٥٠).

وجاء عن عبدِ اللهِ بن عُمَرَ رضي الله عنهما، قال: «رمَقْتُ النبيَّ ﷺ شهرًا، فكان يَقرأُ في الرَّكعتَينِ قبل الفجرِ: {قُلْ يَٰٓأَيُّهَا اْلْكَٰفِرُونَ}، و{قُلْ هُوَ اْللَّهُ أَحَدٌ}». أخرجه الترمذي (٤١٧).

* في الرَّكعتَينِ بعد الوتر:

عن سعدِ بن هشامٍ: «أنَّه سأَلَ عائشةَ عن صلاةِ النبيِّ ﷺ باللَّيلِ، فقالت: كان رسولُ اللهِ ﷺ إذا صلَّى العِشاءَ تجوَّزَ بركعتَينِ، ثم ينامُ وعند رأسِه طَهُورُه وسِواكُه، فيقُومُ فيَتسوَّكُ ويَتوضَّأُ ويُصلِّي، ويَتجوَّزُ بركعتَينِ، ثم يقُومُ فيُصلِّي ثمانَ ركَعاتٍ يُسوِّي بَيْنهنَّ في القراءةِ، ثم يُوتِرُ بالتاسعةِ، ويُصلِّي ركعتَينِ وهو جالسٌ، فلمَّا أسَنَّ رسولُ اللهِ ﷺ وأخَذَ اللَّحْمَ، جعَلَ الثَّمانَ سِتًّا، ويُوتِرُ بالسابعةِ، ويُصلِّي ركعتَينِ وهو جالسٌ، يَقرأُ فيهما: {قُلْ يَٰٓأَيُّهَا اْلْكَٰفِرُونَ}، و{إِذَا زُلْزِلَتِ}». أخرجه ابن حبان (2635).

* في صلاة الوتر:

عن عبدِ اللهِ بن عباسٍ رضي الله عنهما، قال: «كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم يَقرأُ في الوترِ بـ {سَبِّحِ اْسْمَ رَبِّكَ اْلْأَعْلَى} و{قُلْ يَٰٓأَيُّهَا اْلْكَٰفِرُونَ} و{قُلْ هُوَ اْللَّهُ أَحَدٌ} في ركعةٍ ركعةٍ». أخرجه الترمذي (٤٦٢).

* في سُنَّة صلاة المغرب:

عن عبدِ اللهِ بن عُمَرَ رضي الله عنهما، قال: «رمَقْتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم عِشْرينَ مرَّةً، يَقرأُ في الرَّكعتَينِ بعد المغربِ وفي الرَّكعتَينِ قبل الفجرِ: {قُلْ يَٰٓأَيُّهَا اْلْكَٰفِرُونَ}، و{قُلْ هُوَ اْللَّهُ أَحَدٌ}». أخرجه النسائي (992).

* قبل النوم:

عن نَوْفلِ بن فَرْوةَ الأشجَعيِّ: «أنَّ رسولَ اللهِ ﷺ قال لرجُلٍ: اقرَأْ عند منامِك: {قُلْ يَٰٓأَيُّهَا اْلْكَٰفِرُونَ}؛ فإنَّها براءةٌ مِن الشِّرْكِ». أخرجه أبو داود (٥٠٥٥).

* في ركعتَيِ الطَّوافِ خلف مقام إبراهيمَ:

عن جابرِ بن عبدِ اللهِ رضي الله عنهما: «أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم كان يَقرأُ في الرَّكعتَينِ - أي: ركعتَيِ الطَّوافِ -: {قُلْ هُوَ اْللَّهُ أَحَدٌ}، و{قُلْ يَٰٓأَيُّهَا اْلْكَٰفِرُونَ}». صحيح مسلم (١٢١٨).

البراءة من الشرك (١-٦).

ينظر: "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (9 /407).

تأييسُ الكفَّار من موافقة النبي صلى الله عليه وسلم لهم، وإعلانُ البراءة من الشرك وأهله.

ينظر: "التحرير والتنوير" لابن عاشور (30 /580).