تفسير سورة الكافرون

صفوة البيان لمعاني القرآن

تفسير سورة سورة الكافرون من كتاب صفوة البيان لمعاني القرآن
لمؤلفه حسنين مخلوف . المتوفي سنة 1410 هـ

﴿ قل يأيها الكافرون ﴾ خطاب لرهط من مشركي قريش ؛ طلبوا من النبي صلى الله عليه وسلم أن يعبد آلهتهم سنة، ويعبدوا إلهه سنة. فقال عليه الصلاة والسلام : " معاذ الله أن أشرك به غيره ! "، ثم نزلت السورة ؛ فغدا إلى المسجد الحرام وفيه الملا من قريش، فقام صلى الله عليه وسلم على رءوسهم فقرأها عليهم، فأيسوا. وقد علم الله من أمرهم أنهم لا يؤمنون أبدا ؛ فأمره تعالى أن يقول لهم :﴿ لا أعبد ما تعبدون ﴾.
﴿ لا أعبد ﴾ الآن﴿ ما تعبدون ﴾ من الأوثان والآلهة الباطلة.
﴿ و لا أنتم عابدون ﴾ أبدا﴿ ما أعبد ﴾ دائما وهو الإله الحق.
﴿ ولا أنا عابد ﴾ أبدا﴿ ما عبدتم ﴾ من هذه الأوثان.
﴿ ولا أنتم عابدون ﴾ فيما يستقبل أبدا﴿ ما أعبد ﴾ فأيأسهم من الذي طمعوا فيه، وأخبرهم أنه غير كائن منه في وقت من الأوقات. وأيأس نبيه من الطمع في أيمانهم ؛ وقد تحقق ذلك بموت بعضهم على الكفر، وقتل باقيهم يوم بدر.
وللمفسرين أقوال كثيرة في تفسير هذه القرائن الأربع ؛ فمنهم من حمل الأوليين على الاستقبال، والأخريين على المضي أو على الحال، ومنهم من حمل الأوليين على المضي والأخريين على الاستقبال. ومنهم جعل القرينة الثالثة المنفية توكيدا للأولى، والرابعة توكيدا للثانية. وقيل غير ذلك. كما اختلفوا في " ما " في القرينة الثانية والرابعة ؛ فحملها بعضهم على الصفة. كأنه قيل : ولا أنتم عابدون ما أعبد من المعبود العظيم الشأن الذي لا يقادر قسره، واختار أبو مسلم : أنها في القرينتين الأولين موصولة، وفي الأخريين مصدرية ؛ أي لا أعبد المعبود الذي تعبدون، ولا أنتم عابدون المعبود الذي أعبد، ولا أنا عابد مثل عبادتكم المبنية على الشرك المخرج لها عن كونها عبادة حقيقية، ولا أنتم عابدون مثل عبادتي المبينة على التوحيد والإخلاص. وقيل غير ذلك.
﴿ لكم دينكم ﴾ وهو الشرك ؛ أي هو مقصور عليكم، ومحال أن يكون لي كما تطمعون ! فلا تعلقوا أمانيكم بحصوله مني ! وهو تقرير للقرينتين الأولى والثالثة. ﴿ ولي دين ﴾ أي ديني وهو التوحيد ؛ أي هو مقصور علي، ومحال أن يكون لكم ؛ لأن الله قد ختم على قلوبكم، وعلم من سوء استعدادكم، وفساد فطركم أنكم لا تؤمنون. وهو تقرير للقرينتين الثانية والرابعة. أو لكم حسابكم أو جزاؤكم على عملكم، ولي حسابي أو جزائي على عملي. والدين : يطلق على الحساب والجزاء والآية على التفسيرين محكمة غير منسوخة. وتفسيرها بما لا تكون عليه منسوخة أولى ؛ لأن النسخ خلاف الظاهر، ولا يصار إليه إلا عند الضرورة، واقتضاء الدليل إياه.
والله أعلم.
سورة الكافرون
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورة (الكافرون) من السُّوَر المكية، نزلت بعد سورة (الماعون)، ولها فضلٌ عظيم؛ فهي تَعدِل رُبُعَ القرآن، وقد نزلت في إعلانِ البراءة من الشرك وأهله، وفي تأييسِ الكفار من أن يعبُدَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم آلهتَهم، بأسلوبٍ بلاغي، وتوكيد بديع، وقد كان صلى الله عليه وسلم يقرأ هذه السورة في مواضعَ كثيرة؛ منها: سُنَّة الفجر، وسُنَّة المغرب، وركعتا الوتر، وقبل النوم.

ترتيبها المصحفي
109
نوعها
مكية
ألفاظها
27
ترتيب نزولها
18
العد المدني الأول
6
العد المدني الأخير
6
العد البصري
6
العد الكوفي
6
العد الشامي
6

* سورة (الكافرون):

سُمِّيت سورة (الكافرون) بهذا الاسم؛ لمجيءِ لفظ {اْلْكَٰفِرُونَ} في فاتحتِها.

* سورة {قُلْ يَٰٓأَيُّهَا اْلْكَٰفِرُونَ}:

سُمِّيت بسورة {قُلْ يَٰٓأَيُّهَا اْلْكَٰفِرُونَ}؛ لافتتاحها بهذه الجملة، وقد وردت هذه التسميةُ في عدد من الأحاديث؛ منها:

عن جابرِ بن عبدِ اللهِ رضي الله عنهما: «أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم كان يَقرأُ في الرَّكعتَينِ - أي: ركعتَيِ الطَّوافِ -: {قُلْ هُوَ اْللَّهُ أَحَدٌ}، و{قُلْ يَٰٓأَيُّهَا اْلْكَٰفِرُونَ}». صحيح مسلم (١٢١٨).
وغيره من الأحاديث.

* سورة (الكافرون) تَعدِل رُبُعَ القرآن:

عن أنسِ بن مالكٍ رضي الله عنه: «أنَّ رسولَ اللهِ ﷺ قال لرجُلٍ مِن أصحابِه: «هل تزوَّجْتَ يا فلانُ؟»، قال: لا واللهِ يا رسولَ اللهِ، ولا عندي ما أتزوَّجُ به، قال: «أليس معك {قُلْ هُوَ اْللَّهُ أَحَدٌ}؟»، قال: بلى، قال: «ثُلُثُ القرآنِ»، قال: «أليس معك {إِذَا جَآءَ نَصْرُ اْللَّهِ وَاْلْفَتْحُ}؟»، قال: بلى، قال: «رُبُعُ القرآنِ»، قال: «أليس معك {قُلْ يَٰٓأَيُّهَا اْلْكَٰفِرُونَ}؟»، قال: بلى، قال: «رُبُعُ القرآنِ»، قال: «أليس معك {إِذَا زُلْزِلَتِ اْلْأَرْضُ زِلْزَالَهَا}؟»، قال: بلى، قال: «رُبُعُ القرآنِ»، قال: «تزوَّجْ، تزوَّجْ»». أخرجه الترمذي (٢٨٩٥).

كان عليه الصلاة والسلام يقرأ سورةَ (الكافرون) في غيرِ موضع:

* في سُنَّة الفجر:

عن عائشةَ أمِّ المؤمنين رضي الله عنها، قالت: «كان رسولُ اللهِ ﷺ يُصلِّي ركعتَينِ قبل الفجرِ، وكان يقولُ: «نِعْمَ السُّورتانِ يُقرَأُ بهما في ركعتَيِ الفجرِ: {قُلْ يَٰٓأَيُّهَا اْلْكَٰفِرُونَ}، و{قُلْ هُوَ اْللَّهُ أَحَدٌ}»». أخرجه ابن ماجه (١١٥٠).

وجاء عن عبدِ اللهِ بن عُمَرَ رضي الله عنهما، قال: «رمَقْتُ النبيَّ ﷺ شهرًا، فكان يَقرأُ في الرَّكعتَينِ قبل الفجرِ: {قُلْ يَٰٓأَيُّهَا اْلْكَٰفِرُونَ}، و{قُلْ هُوَ اْللَّهُ أَحَدٌ}». أخرجه الترمذي (٤١٧).

* في الرَّكعتَينِ بعد الوتر:

عن سعدِ بن هشامٍ: «أنَّه سأَلَ عائشةَ عن صلاةِ النبيِّ ﷺ باللَّيلِ، فقالت: كان رسولُ اللهِ ﷺ إذا صلَّى العِشاءَ تجوَّزَ بركعتَينِ، ثم ينامُ وعند رأسِه طَهُورُه وسِواكُه، فيقُومُ فيَتسوَّكُ ويَتوضَّأُ ويُصلِّي، ويَتجوَّزُ بركعتَينِ، ثم يقُومُ فيُصلِّي ثمانَ ركَعاتٍ يُسوِّي بَيْنهنَّ في القراءةِ، ثم يُوتِرُ بالتاسعةِ، ويُصلِّي ركعتَينِ وهو جالسٌ، فلمَّا أسَنَّ رسولُ اللهِ ﷺ وأخَذَ اللَّحْمَ، جعَلَ الثَّمانَ سِتًّا، ويُوتِرُ بالسابعةِ، ويُصلِّي ركعتَينِ وهو جالسٌ، يَقرأُ فيهما: {قُلْ يَٰٓأَيُّهَا اْلْكَٰفِرُونَ}، و{إِذَا زُلْزِلَتِ}». أخرجه ابن حبان (2635).

* في صلاة الوتر:

عن عبدِ اللهِ بن عباسٍ رضي الله عنهما، قال: «كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم يَقرأُ في الوترِ بـ {سَبِّحِ اْسْمَ رَبِّكَ اْلْأَعْلَى} و{قُلْ يَٰٓأَيُّهَا اْلْكَٰفِرُونَ} و{قُلْ هُوَ اْللَّهُ أَحَدٌ} في ركعةٍ ركعةٍ». أخرجه الترمذي (٤٦٢).

* في سُنَّة صلاة المغرب:

عن عبدِ اللهِ بن عُمَرَ رضي الله عنهما، قال: «رمَقْتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم عِشْرينَ مرَّةً، يَقرأُ في الرَّكعتَينِ بعد المغربِ وفي الرَّكعتَينِ قبل الفجرِ: {قُلْ يَٰٓأَيُّهَا اْلْكَٰفِرُونَ}، و{قُلْ هُوَ اْللَّهُ أَحَدٌ}». أخرجه النسائي (992).

* قبل النوم:

عن نَوْفلِ بن فَرْوةَ الأشجَعيِّ: «أنَّ رسولَ اللهِ ﷺ قال لرجُلٍ: اقرَأْ عند منامِك: {قُلْ يَٰٓأَيُّهَا اْلْكَٰفِرُونَ}؛ فإنَّها براءةٌ مِن الشِّرْكِ». أخرجه أبو داود (٥٠٥٥).

* في ركعتَيِ الطَّوافِ خلف مقام إبراهيمَ:

عن جابرِ بن عبدِ اللهِ رضي الله عنهما: «أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم كان يَقرأُ في الرَّكعتَينِ - أي: ركعتَيِ الطَّوافِ -: {قُلْ هُوَ اْللَّهُ أَحَدٌ}، و{قُلْ يَٰٓأَيُّهَا اْلْكَٰفِرُونَ}». صحيح مسلم (١٢١٨).

البراءة من الشرك (١-٦).

ينظر: "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (9 /407).

تأييسُ الكفَّار من موافقة النبي صلى الله عليه وسلم لهم، وإعلانُ البراءة من الشرك وأهله.

ينظر: "التحرير والتنوير" لابن عاشور (30 /580).