تفسير سورة الممتحنة

تفسير النسائي

تفسير سورة سورة الممتحنة من كتاب تفسير النسائي
لمؤلفه النسائي . المتوفي سنة 303 هـ

قوله تعالى: ﴿ لاَ تَتَّخِذُواْ عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَآءَ ﴾ [١]٦٠٥- أخبرنا محمدُ بن منصورٍ، قال: حدَّثنا سفيان قال: حفِظته عن عمرٍو [ح] وأخبرنا عبيدُ الله بن سعيدٍ، قال: حدَّثنا سفيانُ، عن عمرٍو، قال: أخبرني الحسنُ بن محمدٍ، قال: أخبرني عبيدُ الله بن رافعٍ، أن علياً (رضي الله عنه) أخبرهُ قال:" بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا والمقدادُ والزُّبيرُ فقال: " انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخٍ، فإن بها ظعينةً، معها كتابٌ (فخذوا) منها، فانطلقنا حتى أتينا الروضة، فإذا نحنُ بالظعينة، فقلنا: أخرجي الكتاب، فأخرجتهُ من عِقاصِهَا، فإذا فيه: من حاطبِ بن أبي بلتعة إلى ناسٍ من أهل مكَّةَ يُخبرهم ببعض أمر رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم. فأتينا به النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: " ما هذا/ يا حاطبُ؟ " فقال: لا تعجل عليَّ يا رسول اللهِ، إني كنتُ أمرءاً مُلصقاً بقريشِ ولم أكن من أنفسهم، وكان من معك لهم [بها] قراباتٌ؛ يحمون بها قرابتهم، فأحببتُ إذ فاتني ذلك من النَّسبِ أن أتقرَّبَ إليهم بيدٍ يحمون بها قرابتي، وما فعلته كُفراً، ولا ارتداداً عن ديني، ولا رضىً بالكفر بعد الإسلام، فقال/ النبيُّ صلى الله عليه وسلم: " قد صدقكم "، فقال عمر: يا رسول الله، دعني أضرب عنق - يعني هذا - فقال: " يا عمر، وما يدريك، لعلَّ الله اطلَّع على أهلِ بدرٍ، فقال: اعملوا ما شئتم، فقد غفرتُ لكم " ".- والَّلفظُ لِعُبَيدِ اللهِ -زاد محمدٌ في حديثهِ: فأنزل اللهُ (عزَّ وجلَّ) ﴿ لاَ تَتَّخِذُواْ عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ ﴾ السُّورة كُلَّها.
قولُهُ: ﴿ إِذَا جَآءَكُمُ ٱلْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ ﴾ [١٠]٦٠٦- أخبرنا يونس بن عبد الأعلى، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: أخبرني يونسُ: قال ابن شهابٍ، قال: وأخبرني عُروةُ بن الزُّبير، أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت:" كان المؤمنات إذا هاجرن إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يُمتحَنَّ بقول الله [عزَّ وجلَّ] ﴿ يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ إِذَا جَآءَكَ ٱلْمُؤْمِنَاتُ ﴾ [١٢] الآيةُ، قالت عائشةُ: فمن أقرَّ بهذا من المؤمنات، فقد أقرَّ بالمحنةِ. فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أقررن بذلك (من قولهنَّ) قال لهن النبيُّ صلى الله عليه وسلم: انطلقن، فقد بايعتُكنَّ، ولا واللهِ: ما مسَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأةً [قَطُّ] غير أنهُ يُبايعهنُّ بالكلامِ. قالت: عائشة: والله ما أخذ رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم (على النِّساء) قطُّ إلاَّ بما أمرهُ اللهُ، وكان [يقول] إذا أخذ عليهن قال: " قدْ بايعتُكنَّ " - كلاماً ". ٦٠٧- أخبرنا أحمدُ بنُ حرب، قال: حدثنا أبو مُعاوية، عن عاصمٍ، عن حفصة، عن أُمِّ عطيَّةَ، قالت: لمَّا نزلت هذه الآيةُ ﴿ ذَا جَآءَكَ ٱلْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ ﴾ [١٢] إلى قوله ﴿ وَلاَ يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ ﴾ [١٢] قالت: كان منهُ النِّياحةُ، فقلتُ: إلاَّ آل فُلانٍ، فإنهم [قد] كانوا أسعدوني في الجاهلية، فلا بُدَّ لي من أن أُسعدهُم، قال: " إلاَّ آل فلانٍ ". قوله: ﴿ إِذَا جَآءَكَ ٱلْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ ﴾ [١٢]٦٠٨- أخبرنا قُتيبةُ بن سعيدٍ، قال: حدثنا سُفيانُ، عن الزُّهري، عن أبي إدريس الخولانيِّ، عن عبادة بن الصامتِ، قال:" كُنَّا عند النبي صلى الله عليه وسلم في مجلسٍ فقال: " تُبايعوني على أن لا تُشركوا باللهِ شيئاً، ولا تسرقوا، ولا تزنوا " - قرأ عليهم الآيةَ " فمن وفَّى منكم فأجرهُ على اللهِ، ومن أصاب [منكم] من ذلك شيئاً/ فسترهُ الله عليه، فهو إلى الله إن شاء عذَّبهُ وإن شاء غفرَ لهُ " ". ٦٠٩- [قال] الحارثُ بنُ مِسكينٍ قِراءةً عليه، [وأنا أسمع] عن ابن القاسمِ، قال: أخبرنا مالكٌ، عن محمد بن المُنكدرِ، عن أُميمة بنت رقيقة، قالت:" أتيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم في نسوةٍ، نُبايعُهُ على الإسلام، فقلت: يا رسول الله، هلمّ نُبايعك على أن لا نُشرك باللهِ شيئاً ولا نسرقَ، ولا نزني، ولا نأتي ببهتانٍ، نفتريهِ بين أيدينا وأرجلنا ولا نعصيك في معروفٍ فقال: " فيما استطعتُن وأطقتُنَّ " فقلنا: اللهُ ورسوله أرحم بنا منَّا بأنفسنا. هلُمَّ نُبايعك يا رسول الله. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إنِّي لا أُصافحُ النِّساء، إنما قولي لِمائةِ امرأةٍ كقولي لاِمرأةٍ واحدةٍ. [أو/ مثلُ قولي لاِمرأةٍ واحدةٍ] " ".
سورة الممتحنة
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورة (الممتحنة) من السُّوَر المدنية، نزلت بعد سورة (الأحزاب)، وقد جاءت بالنهيِ عن موالاة الكفار واتخاذِهم أولياءَ، وجعلت ذلك امتحانًا ودلالةً على صدقِ الإيمان واكتماله، وسُمِّيت بـ(الممتحنة) لأنَّ فيها ذِكْرَ امتحانِ النساء المهاجِرات المبايِعات للنبي صلى الله عليه وسلم؛ قال تعالى: {يَٰٓأَيُّهَا اْلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِذَا جَآءَكُمُ اْلْمُؤْمِنَٰتُ مُهَٰجِرَٰتٖ فَاْمْتَحِنُوهُنَّۖ} [الممتحنة: 10].

ترتيبها المصحفي
60
نوعها
مدنية
ألفاظها
352
ترتيب نزولها
91
العد المدني الأول
13
العد المدني الأخير
13
العد البصري
13
العد الكوفي
13
العد الشامي
13

* قوله تعالى: {يَٰٓأَيُّهَا اْلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَتَّخِذُواْ عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَآءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِم بِاْلْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُواْ بِمَا جَآءَكُم مِّنَ اْلْحَقِّ يُخْرِجُونَ اْلرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَن تُؤْمِنُواْ بِاْللَّهِ رَبِّكُمْ إِن كُنتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَٰدٗا فِي سَبِيلِي وَاْبْتِغَآءَ مَرْضَاتِيۚ تُسِرُّونَ إِلَيْهِم بِاْلْمَوَدَّةِ وَأَنَا۠ أَعْلَمُ بِمَآ أَخْفَيْتُمْ وَمَآ أَعْلَنتُمْۚ وَمَن يَفْعَلْهُ مِنكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَآءَ اْلسَّبِيلِ} [الممتحنة: 1]:

عن عليِّ بن أبي طالبٍ رضي الله عنه، قال: «بعَثَني رسولُ اللهِ ﷺ أنا والزُّبَيرَ والمِقْدادَ، فقال: «انطلِقوا حتى تأتوا رَوْضةَ خاخٍ؛ فإنَّ بها ظعينةً معها كتابٌ، فَخُذوا منها»، قال: فانطلَقْنا تَعادَى بنا خَيْلُنا حتى أتَيْنا الرَّوْضةَ، فإذا نحنُ بالظَّعينةِ، قُلْنا لها: أخرِجي الكتابَ، قالت: ما معي كتابٌ، فقُلْنا: لَتُخرِجِنَّ الكتابَ، أو لَنُلقِيَنَّ الثِّيابَ، قال: فأخرَجتْهُ مِن عِقاصِها، فأتَيْنا به رسولَ اللهِ ﷺ، فإذا فيه: مِن حاطبِ بنِ أبي بَلْتعةَ، إلى ناسٍ بمكَّةَ مِن المشرِكين، يُخبِرُهم ببعضِ أمرِ رسولِ اللهِ ﷺ، فقال رسولُ اللهِ ﷺ: «يا حاطبُ، ما هذا؟»، قال: يا رسولَ اللهِ، لا تَعجَلْ عليَّ، إنِّي كنتُ امرأً ملصَقًا في قُرَيشٍ، يقولُ: كنتُ حليفًا، ولم أكُنْ مِن أنفُسِها، وكان مَن معك مِن المهاجِرِينَ مَن لهم قراباتٌ يحمُونَ أهلِيهم وأموالَهم، فأحبَبْتُ إذ فاتَني ذلك مِن النَّسَبِ فيهم أن أتَّخِذَ عندهم يدًا يحمُونَ قرابتي، ولم أفعَلْهُ ارتدادًا عن دِيني، ولا رضًا بالكفرِ بعد الإسلامِ، فقال رسولُ اللهِ ﷺ: «أمَا إنَّه قد صدَقَكم»، فقال عُمَرُ: يا رسولَ اللهِ، دَعْني أضرِبْ عُنُقَ هذا المنافقِ، فقال: «إنَّه قد شَهِدَ بَدْرًا، وما يُدرِيك لعلَّ اللهَ اطَّلَعَ على مَن شَهِدَ بَدْرًا، فقال: اعمَلوا ما شِئْتم فقد غفَرْتُ لكم! فأنزَلَ اللهُ السُّورةَ: {يَٰٓأَيُّهَا اْلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَتَّخِذُواْ عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَآءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِم بِاْلْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُواْ بِمَا جَآءَكُم مِّنَ اْلْحَقِّ} [الممتحنة: 1] إلى قولِه: {فَقَدْ ضَلَّ سَوَآءَ اْلسَّبِيلِ} [الممتحنة: 1]». أخرجه البخاري (٤٢٧٤).

* قوله تعالى: {يَٰٓأَيُّهَا اْلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِذَا جَآءَكُمُ اْلْمُؤْمِنَٰتُ مُهَٰجِرَٰتٖ فَاْمْتَحِنُوهُنَّۖ اْللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَٰنِهِنَّۖ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَٰتٖ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى اْلْكُفَّارِۖ لَا هُنَّ حِلّٞ لَّهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّۖ} [الممتحنة: 10]:

عن عُرْوةَ بن الزُّبَيرِ، أنَّه سَمِعَ مَرْوانَ والمِسْوَرَ بن مَخرَمةَ رضي الله عنهما يُخبِرانِ عن أصحابِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، قال: «لمَّا كاتَبَ سُهَيلُ بنُ عمرٍو يومَئذٍ، كان فيما اشترَطَ سُهَيلُ بنُ عمرٍو على النبيِّ صلى الله عليه وسلم: أنَّه لا يأتيك منَّا أحدٌ - وإن كان على دِينِك - إلا ردَدتَّه إلينا، وخلَّيْتَ بَيْننا وبَيْنَه، فكَرِهَ المؤمنون ذلك، وامتعَضوا منه، وأبى سُهَيلٌ إلا ذلك، فكاتَبَه النبيُّ صلى الله عليه وسلم على ذلك، فرَدَّ يومَئذٍ أبا جَنْدلٍ إلى أبيه سُهَيلِ بنِ عمرٍو، ولم يأتِه أحدٌ مِن الرِّجالِ إلا رَدَّه في تلك المُدَّةِ، وإن كان مسلِمًا، وجاءت المؤمِناتُ مهاجِراتٍ، وكانت أمُّ كُلْثومٍ بنتُ عُقْبةَ بنِ أبي مُعَيطٍ ممَّن خرَجَ إلى رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم يومَئذٍ، وهي عاتِقٌ، فجاءَ أهلُها يَسألون النبيَّ صلى الله عليه وسلم أن يَرجِعَها إليهم، فلم يَرجِعْها إليهم؛ لِما أنزَلَ اللهُ فيهنَّ: {إِذَا جَآءَكُمُ اْلْمُؤْمِنَٰتُ مُهَٰجِرَٰتٖ فَاْمْتَحِنُوهُنَّۖ اْللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَٰنِهِنَّۖ} [الممتحنة: 10] إلى قولِه: {وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّۖ} [الممتحنة: 10]».

قال عُرْوةُ: «فأخبَرتْني عائشةُ: أنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم كان يمتحِنُهنَّ بهذه الآيةِ: {يَٰٓأَيُّهَا اْلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِذَا جَآءَكُمُ اْلْمُؤْمِنَٰتُ مُهَٰجِرَٰتٖ فَاْمْتَحِنُوهُنَّۖ} [الممتحنة: 10] إلى {غَفُورٞ رَّحِيمٞ} [الممتحنة: 12]».

قال عُرْوةُ: «قالت عائشةُ: فمَن أقَرَّ بهذا الشرطِ منهنَّ، قال لها رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «قد بايَعْتُكِ»؛ كلامًا يُكلِّمُها به، واللهِ، ما مسَّتْ يدُه يدَ امرأةٍ قطُّ في المبايَعةِ، وما بايَعَهنَّ إلا بقولِه». أخرجه البخاري (٢٧١١).

* سورة (الممتحنة):

سُمِّيت سورة (الممتحنة) بهذا الاسم؛ لأنه جاءت فيها آيةُ امتحان إيمان النساء اللواتي يأتينَ مهاجِراتٍ من مكَّةَ إلى المدينة؛ قال تعالى: {يَٰٓأَيُّهَا اْلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِذَا جَآءَكُمُ اْلْمُؤْمِنَٰتُ مُهَٰجِرَٰتٖ فَاْمْتَحِنُوهُنَّۖ} [الممتحنة: 10].

1. النهيُ عن موالاة الكفار (١-٦).

2. الموالاة المباحة، والموالاة المحرَّمة (٧-٩).

3. امتحان المهاجِرات (١٠-١١).

4. بَيْعة المؤمنات (١١-١٣).

ينظر: "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (8 /96).

مقصدُ سورة (الممتحنة) هو البراءةُ من الشرك والمشركين، وعدمُ اتخاذهم أولياءَ، وفي ذلك دلالةٌ على صدقِ التوحيد واكتماله.

يقول ابنُ عاشور رحمه الله: «اشتملت من الأغراض على تحذيرِ المؤمنين من اتخاذ المشركين أولياءَ مع أنهم كفروا بالدِّين الحق، وأخرَجوهم من بلادهم.

وإعلامِهم بأن اتخاذَهم أولياءَ ضلالٌ، وأنهم لو تمكَّنوا من المؤمنين، لأساؤوا إليهم بالفعل والقول، وأن ما بينهم وبين المشركين من أواصرِ القرابة لا يُعتد به تجاه العداوة في الدِّين، وضرَب لهم مثَلًا في ذلك قطيعةَ إبراهيم لأبيه وقومه.

وأردَف ذلك باستئناس المؤمنين برجاءِ أن تحصُلَ مودةٌ بينهم وبين الذين أمرهم اللهُ بمعاداتهم؛ أي: هذه معاداةٌ غيرُ دائمة...». "التحرير والتنوير" لابن عاشور (28 /131).

وينظر: "مصاعد النظر للإشراف على مقاصد السور" للبقاعي (3 /76).