تفسير سورة الممتحنة

أسباب نزول القرآن - الواحدي

تفسير سورة سورة الممتحنة من كتاب أسباب نزول القرآن - الواحدي
لمؤلفه .

قوله تعالى: ﴿يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَآءَ....﴾ الآية [١].
قال جماعة المفسرين: نزلت في حاطب بن أبي بَلْتَعَةَ، وذلك: أن سَارَةَ مولاةَ أبي عمرو بن صيفي بن هاشم بن عبد مناف، أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يتجهز لفتح مكة، فقال لها: أمسلمة جئت؟ قالت: لا، قال: فما جاء بك؟ قالت: أنتم [كنتم] الأهل والعشيرة والموالي، وقد احتجت حاجة شديدة فقدمت عليكم لتعطوني وتكسوني. قال لها: فأين أنتِ من شباب أهل مكة؟ - وكانت مغنية - قالت: ما طُلب مني شيء؟ بعد وقعة بدر. فحث رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بني عبد المطلب وبني المطلب على إعطائها، فكسوها وحملوها وأعطوها. فأتاها حاطب بن أبي بلتعة، وكتب معها إلى أهل مكة وأعطاها عشرة دنانير على أن توصل [الكتاب] إلى أهل مكة، وكتب في الكتاب: من حاطب إلى أهل مكة: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يريدكم، فخذوا حِذْرَكم. فخرجت سارة، ونزل جبريل عليه السلام، فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بما فعل حاطب. فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم علياً وعماراً والزُّبَير وطلْحة والمِقْدَاد بن الأسْودَ وأبا مَرْثَد. وكانوا كلُّهم فرساناً، وقال لهم: انطلِقُوا حتى تأتوا رَوْضَة خَاخ، فإن بها ظعينةً معها كتابٌ من حاطبٍ إلى المشركين فخذوه، وخلَّوا سبيلَها، فإن لم تدفعه إليكم فاضربوا عنقها. فخرجوا حتى أدركوها في ذلك المكان، فقالوا لها: أين الكتابُ. فحلفتْ بالله ما معها [من] كتاب. ففتشوا متاعها، فلم يجدوا معها كتاباً. فهَمُّوا بالرجوع، فقال علي: والله ما كَذَبَنا، ولا كَذَّبْنا وسلَّ سيفَه وقال: أخرجي الكتابَ، وإلا والله لأُجَرِّدنَّك ولأضرِبَنَّ عنقك. فلما رأت الجِدَّ أخرجته من ذُؤابتها، وكانت قد خبأتْه في شعرها، فخلُّوا سبيلها، ورجعوا بالكتاب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فأرسل رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إلى حاطب، فأتاه فقال له: هل تعرفُ الكتابَ؟ قال: نعم فقال: فما حملك على ما صنعتَ؟ فقال: يا رسول الله، والله ما كفرتُ منذ أسلمتُ، ولا غششتُك منذ نصَحْتُك، ولا أحببتهم منذ فارقتهم؛ ولكن: لم يكن أحدٌ من المهاجرين إلا وله بمكةَ مَنْ يمنعُ عشيرتَه، وكنتُ غريباً فيهم، وكان أهلي بين ظَهْرَانِيهِمْ؛ فخشيتُ على أهلي، فاردت أن اتخذ عندهم يداً؛ وقد علمتُ أن الله يُنزلُ بهم بأسَه، و [أن] كتابي لا يغني عنهم شيئاً. فصدَّقه رسول الله صلى الله عليه وسلم وعذَره. فنزلت هذه السورة: ﴿يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَآءَ﴾ فقام عمر بن الخطاب فقال: دعني يا رسول الله أضرب عنق هذا المنافق، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وما يدريك يا عمر، لعل الله قد اطلع على أهل بدر فقال لهم: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم.
أخبرنا أبو بكر أحمد بن الحسن بن عمرو أخبرنا محمد بن يعقوب، أخبرنا الربيع حدَّثنا الشافعي، أخبرنا سفيان بن عيينة، عن عمرو بن دينار، عن الحسن بن محمد [بن علي] عن عُبَيْد الله بن أبي رافع، قال: سمعت علياً يقول:
بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنا والزبير، والمقداد [بن الأسود] قال: انطلقوا حتى تأتوا رَوْضَة خَاخ فإن بها ظعينة معها كتاب. [فخرجنا تَعَادَى بنا خيلُنا، فإذا نحن بِظَعِينَةٍ، فقلنا: أخرجي الكتاب. فقالت: ما معي كتابٌ]. فقلنا لها: لتُخْرِجن الكتابَ، أو لنُلْقِيَنَّ الثيابَ. فأخرجته من عِقَاصِها، فأتينا به رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا فيه: مِنْ حاطب بن أبي بْلْتَعَةَ إلى أناس من المشركين ممن [كان] بمكة، يُخبِرُ ببعض أمرِ النبي صلى الله عليه وسلم؛ فقال: ما هذا يا حاطبُ؟ فقال: لا تَعجَلْ عليَّ، إني كنت امرأً مُلْصَقاً في قريش، ولم أكن من أنفُسِها، وكان مَنْ معك من المهاجرين لهم قَرَاباتٌ يَحمُونَ بها قَرَاباتِهم، ولم يكن لي بمكة قرابةٌ، فأحببتُ إذ فاتني ذلك أن اتخذ عندهم يداً، والله ما فعلتهُ شاكاً في دِيني، ولا رضاً بالكفر بعد الإسلام. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنه قد صدق. فقال عمر: دعني يا رسول الله أضربْ عنقَ هذا المنافقِ. فقال: إنه قد شهد بدراً، وما يُدْرِيكَ لعلَّ الله اطَّلع على أهل بدر فقال: اعَملُوا ما شئتمُ فقد غَفَرْتُ لكم. ونزلت: ﴿يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَآءَ﴾ الآية.
رواه البخاري عن الحُمَيْدي.
ورواه مسلم عن أبي بكر بن أبي شَيْبَة، وجماعةٍ؛ كلُّهم عن سفيان.
قوله تعالى: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو ٱللَّهَ وَٱلْيَوْمَ ٱلآخِرَ﴾ [٦].
يقول الله تعالى للمؤمنين: لقد كان لكم في إبراهيمَ ومن معه، من الأنبياء والأولياء، اقتداءٌ بهم في معاداة ذوي قَرَباتِهِم من المشركين، فلما نزلت هذه الآية عادى المؤمنين أقرباءهم المشركين في الله، وأظهروا لهم العداوة والبراءة؛ وعلم الله تعالى شدَّة وجد المؤمنين بذلك، فأنزل الله: ﴿عَسَى ٱللَّهُ أَن يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ ٱلَّذِينَ عَادَيْتُم مِّنْهُم مَّوَدَّةً﴾ ثم فعل ذلك بأن أسلم كثير منهم، وصاروا لهم أولياءَ وإخواناً، فخالطوهم وناكحوهم، وتزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم أم حَبِيبَةَ بنت أبي سفيانَ بن حَرْب. فلان لهم أبو سفيان، وبلغه ذلك [وهو مشرك] فقال: ذاك الفَحْلُ لا يُقْرَعُ أنْفُه.
أخبرنا أبو صالح منصور بن عبد الوهاب البزاز، أخبرنا أبو عمرو محمد بن أحمد الحِيري، حدَّثنا أبو يعلى، حدَّثنا إبراهيم بن الحجاج، حدَّثنا عبد الله بن المبارك، عن مُصْعَب بن ثابت، عن عامر بن عبد الله بن الزبير، عن أبيه قال:
قدمت قُتَيْلَةُ بنت عبد العُزَّى على ابنتها أسماءَ بنت أبي بكر، بهدايا: ضِباب وسمن. وأقطٍ، فلم تقْبل هداياهم، ولم تُدخلْها منزلها؛ فسألت عنها عائشة النبيَّ صلى الله عليه وسلم عن ذلك، فقال: ﴿لاَّ يَنْهَاكُمُ ٱللَّهُ عَنِ ٱلَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي ٱلدِّينِ﴾ الآية. فأدخلتها منزلها، وقبلتْ منها هداياها. رواه الحاكم أبو عبد الله في صحيحه، عن أبي العباس السَّيَّاري، عن عبد الله الغزال، عن ابن شقيق، عن ابن المبارك.
قوله تعالى: ﴿يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا جَآءَكُمُ ٱلْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَٱمْتَحِنُوهُنَّ ٱللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ....﴾ الآية [١٠].
قال ابن عباس: إن مشركي مكة صالحوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، عامَ الحُدَيْبِية، على أن مَن أتاه من أهل مكةَ ردَّه إليهم، ومن أتى أهلَ مكةَ من أصحابه فهو لهم؛ وكتبوا بذلك الكتاب وختموه. فجاءت سُبَيْعَةُ بنت الحارث الأسْلَميةُ بعدَ الفراغ من الكتاب - والنبيُّ صلى الله عليه وسلم بالحُدَيْبِية - فأقبل زوجها، وكان كافراً، فقال: يا محمد، ارْدد عليّ امرأْتي، فإنك قد شرطت لنا أن تَرُدَّ علينا مَن أتاك منا؛ وهذه طينةُ الكتاب لم تَجِفَّ بعد. فأنزل الله تعالى هذه الآية.
أخبرنا الحسن بن محمد الفارسي، حدَّثنا محمد بن عبد الله بن الفضل، أخبرنا أحمد بن محمد بن الحسن الحافظ، حدَّثنا محمد بن يحيى، حدَّثنا حسن بن الرَّبيع بن الخشاب، حدَّثنا ابن إدريس، قال: قال محمد بن إسحاق: حدَّثني الزُّهْرِي، قال:
دخلتُ على عُروةَ بن الزبير، وهو يكتبُ كتاباً إلىابن هُنَيْدَةَ صاحب الوليد بن عبد الملك، يسأله عن قوله تعالى: ﴿يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا جَآءَكُمُ ٱلْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَٱمْتَحِنُوهُنَّ...﴾ الآية. قال: فكتب إليه: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم صالح قريشاً يومَ الحُدَيْبِية على أن يَرُدَّ عليهم من جاء بغير إذنِ وَليّه؛ فلما هاجرن النساءُ أبى الله تعالى أن يُرْدَدْنَ إلى المشركين إذا هُنَّ امتُحِنَّ، فعرفوا أنهن إنما جِئْنَّ رغبةً في الإسلام، بردِّ صدقاتِهن إليهم إذا احتُبِسنَ عنهم، إن هم رَدُّوا على المسلمين صدقةَ من حُبِسْنَ من نسائهم. قال: ذلكم حكم الله يحكم بينكم. فأمسك رسول الله صلى الله عليه وسلم النساءَ، وردَّ الرجال.
قوله تعالى: ﴿يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَوَلَّوْاْ قوْماً غَضِبَ ٱللَّهُ عَلَيْهِمْ....﴾ الآية [١٣].
نزلت في ناس من فقراء المسلمين، كانوا يخبرون اليهود بأخبار المسلمين ويُواصِلونهم، فَيُصِيبونَ بذلك من ثمارهم. فنهاهم الله تبارك وتعالى عن ذلك.
سورة الممتحنة
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورة (الممتحنة) من السُّوَر المدنية، نزلت بعد سورة (الأحزاب)، وقد جاءت بالنهيِ عن موالاة الكفار واتخاذِهم أولياءَ، وجعلت ذلك امتحانًا ودلالةً على صدقِ الإيمان واكتماله، وسُمِّيت بـ(الممتحنة) لأنَّ فيها ذِكْرَ امتحانِ النساء المهاجِرات المبايِعات للنبي صلى الله عليه وسلم؛ قال تعالى: {يَٰٓأَيُّهَا اْلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِذَا جَآءَكُمُ اْلْمُؤْمِنَٰتُ مُهَٰجِرَٰتٖ فَاْمْتَحِنُوهُنَّۖ} [الممتحنة: 10].

ترتيبها المصحفي
60
نوعها
مدنية
ألفاظها
352
ترتيب نزولها
91
العد المدني الأول
13
العد المدني الأخير
13
العد البصري
13
العد الكوفي
13
العد الشامي
13

* قوله تعالى: {يَٰٓأَيُّهَا اْلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَتَّخِذُواْ عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَآءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِم بِاْلْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُواْ بِمَا جَآءَكُم مِّنَ اْلْحَقِّ يُخْرِجُونَ اْلرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَن تُؤْمِنُواْ بِاْللَّهِ رَبِّكُمْ إِن كُنتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَٰدٗا فِي سَبِيلِي وَاْبْتِغَآءَ مَرْضَاتِيۚ تُسِرُّونَ إِلَيْهِم بِاْلْمَوَدَّةِ وَأَنَا۠ أَعْلَمُ بِمَآ أَخْفَيْتُمْ وَمَآ أَعْلَنتُمْۚ وَمَن يَفْعَلْهُ مِنكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَآءَ اْلسَّبِيلِ} [الممتحنة: 1]:

عن عليِّ بن أبي طالبٍ رضي الله عنه، قال: «بعَثَني رسولُ اللهِ ﷺ أنا والزُّبَيرَ والمِقْدادَ، فقال: «انطلِقوا حتى تأتوا رَوْضةَ خاخٍ؛ فإنَّ بها ظعينةً معها كتابٌ، فَخُذوا منها»، قال: فانطلَقْنا تَعادَى بنا خَيْلُنا حتى أتَيْنا الرَّوْضةَ، فإذا نحنُ بالظَّعينةِ، قُلْنا لها: أخرِجي الكتابَ، قالت: ما معي كتابٌ، فقُلْنا: لَتُخرِجِنَّ الكتابَ، أو لَنُلقِيَنَّ الثِّيابَ، قال: فأخرَجتْهُ مِن عِقاصِها، فأتَيْنا به رسولَ اللهِ ﷺ، فإذا فيه: مِن حاطبِ بنِ أبي بَلْتعةَ، إلى ناسٍ بمكَّةَ مِن المشرِكين، يُخبِرُهم ببعضِ أمرِ رسولِ اللهِ ﷺ، فقال رسولُ اللهِ ﷺ: «يا حاطبُ، ما هذا؟»، قال: يا رسولَ اللهِ، لا تَعجَلْ عليَّ، إنِّي كنتُ امرأً ملصَقًا في قُرَيشٍ، يقولُ: كنتُ حليفًا، ولم أكُنْ مِن أنفُسِها، وكان مَن معك مِن المهاجِرِينَ مَن لهم قراباتٌ يحمُونَ أهلِيهم وأموالَهم، فأحبَبْتُ إذ فاتَني ذلك مِن النَّسَبِ فيهم أن أتَّخِذَ عندهم يدًا يحمُونَ قرابتي، ولم أفعَلْهُ ارتدادًا عن دِيني، ولا رضًا بالكفرِ بعد الإسلامِ، فقال رسولُ اللهِ ﷺ: «أمَا إنَّه قد صدَقَكم»، فقال عُمَرُ: يا رسولَ اللهِ، دَعْني أضرِبْ عُنُقَ هذا المنافقِ، فقال: «إنَّه قد شَهِدَ بَدْرًا، وما يُدرِيك لعلَّ اللهَ اطَّلَعَ على مَن شَهِدَ بَدْرًا، فقال: اعمَلوا ما شِئْتم فقد غفَرْتُ لكم! فأنزَلَ اللهُ السُّورةَ: {يَٰٓأَيُّهَا اْلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَتَّخِذُواْ عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَآءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِم بِاْلْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُواْ بِمَا جَآءَكُم مِّنَ اْلْحَقِّ} [الممتحنة: 1] إلى قولِه: {فَقَدْ ضَلَّ سَوَآءَ اْلسَّبِيلِ} [الممتحنة: 1]». أخرجه البخاري (٤٢٧٤).

* قوله تعالى: {يَٰٓأَيُّهَا اْلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِذَا جَآءَكُمُ اْلْمُؤْمِنَٰتُ مُهَٰجِرَٰتٖ فَاْمْتَحِنُوهُنَّۖ اْللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَٰنِهِنَّۖ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَٰتٖ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى اْلْكُفَّارِۖ لَا هُنَّ حِلّٞ لَّهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّۖ} [الممتحنة: 10]:

عن عُرْوةَ بن الزُّبَيرِ، أنَّه سَمِعَ مَرْوانَ والمِسْوَرَ بن مَخرَمةَ رضي الله عنهما يُخبِرانِ عن أصحابِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، قال: «لمَّا كاتَبَ سُهَيلُ بنُ عمرٍو يومَئذٍ، كان فيما اشترَطَ سُهَيلُ بنُ عمرٍو على النبيِّ صلى الله عليه وسلم: أنَّه لا يأتيك منَّا أحدٌ - وإن كان على دِينِك - إلا ردَدتَّه إلينا، وخلَّيْتَ بَيْننا وبَيْنَه، فكَرِهَ المؤمنون ذلك، وامتعَضوا منه، وأبى سُهَيلٌ إلا ذلك، فكاتَبَه النبيُّ صلى الله عليه وسلم على ذلك، فرَدَّ يومَئذٍ أبا جَنْدلٍ إلى أبيه سُهَيلِ بنِ عمرٍو، ولم يأتِه أحدٌ مِن الرِّجالِ إلا رَدَّه في تلك المُدَّةِ، وإن كان مسلِمًا، وجاءت المؤمِناتُ مهاجِراتٍ، وكانت أمُّ كُلْثومٍ بنتُ عُقْبةَ بنِ أبي مُعَيطٍ ممَّن خرَجَ إلى رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم يومَئذٍ، وهي عاتِقٌ، فجاءَ أهلُها يَسألون النبيَّ صلى الله عليه وسلم أن يَرجِعَها إليهم، فلم يَرجِعْها إليهم؛ لِما أنزَلَ اللهُ فيهنَّ: {إِذَا جَآءَكُمُ اْلْمُؤْمِنَٰتُ مُهَٰجِرَٰتٖ فَاْمْتَحِنُوهُنَّۖ اْللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَٰنِهِنَّۖ} [الممتحنة: 10] إلى قولِه: {وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّۖ} [الممتحنة: 10]».

قال عُرْوةُ: «فأخبَرتْني عائشةُ: أنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم كان يمتحِنُهنَّ بهذه الآيةِ: {يَٰٓأَيُّهَا اْلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِذَا جَآءَكُمُ اْلْمُؤْمِنَٰتُ مُهَٰجِرَٰتٖ فَاْمْتَحِنُوهُنَّۖ} [الممتحنة: 10] إلى {غَفُورٞ رَّحِيمٞ} [الممتحنة: 12]».

قال عُرْوةُ: «قالت عائشةُ: فمَن أقَرَّ بهذا الشرطِ منهنَّ، قال لها رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «قد بايَعْتُكِ»؛ كلامًا يُكلِّمُها به، واللهِ، ما مسَّتْ يدُه يدَ امرأةٍ قطُّ في المبايَعةِ، وما بايَعَهنَّ إلا بقولِه». أخرجه البخاري (٢٧١١).

* سورة (الممتحنة):

سُمِّيت سورة (الممتحنة) بهذا الاسم؛ لأنه جاءت فيها آيةُ امتحان إيمان النساء اللواتي يأتينَ مهاجِراتٍ من مكَّةَ إلى المدينة؛ قال تعالى: {يَٰٓأَيُّهَا اْلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِذَا جَآءَكُمُ اْلْمُؤْمِنَٰتُ مُهَٰجِرَٰتٖ فَاْمْتَحِنُوهُنَّۖ} [الممتحنة: 10].

1. النهيُ عن موالاة الكفار (١-٦).

2. الموالاة المباحة، والموالاة المحرَّمة (٧-٩).

3. امتحان المهاجِرات (١٠-١١).

4. بَيْعة المؤمنات (١١-١٣).

ينظر: "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (8 /96).

مقصدُ سورة (الممتحنة) هو البراءةُ من الشرك والمشركين، وعدمُ اتخاذهم أولياءَ، وفي ذلك دلالةٌ على صدقِ التوحيد واكتماله.

يقول ابنُ عاشور رحمه الله: «اشتملت من الأغراض على تحذيرِ المؤمنين من اتخاذ المشركين أولياءَ مع أنهم كفروا بالدِّين الحق، وأخرَجوهم من بلادهم.

وإعلامِهم بأن اتخاذَهم أولياءَ ضلالٌ، وأنهم لو تمكَّنوا من المؤمنين، لأساؤوا إليهم بالفعل والقول، وأن ما بينهم وبين المشركين من أواصرِ القرابة لا يُعتد به تجاه العداوة في الدِّين، وضرَب لهم مثَلًا في ذلك قطيعةَ إبراهيم لأبيه وقومه.

وأردَف ذلك باستئناس المؤمنين برجاءِ أن تحصُلَ مودةٌ بينهم وبين الذين أمرهم اللهُ بمعاداتهم؛ أي: هذه معاداةٌ غيرُ دائمة...». "التحرير والتنوير" لابن عاشور (28 /131).

وينظر: "مصاعد النظر للإشراف على مقاصد السور" للبقاعي (3 /76).