تفسير سورة الممتحنة

الفواتح الإلهية والمفاتح الغيبية

تفسير سورة سورة الممتحنة من كتاب الفواتح الإلهية والمفاتح الغيبية المعروف بـالفواتح الإلهية والمفاتح الغيبية.
لمؤلفه النخجواني . المتوفي سنة 920 هـ

سريعة ولوازم الإمكان مشتركة وغواشي البشرية سارية وطلسمات الطبيعة البهيمية والقوى البشرية سارقة لذلك اوصى سبحانه خلص عباده المؤمنين الموحدين بما اوصى في هذه السورة ونهاهم عما نهاهم في محبة الأعداء وموالاتهم معهم في السراء والضراء فقال مناديا لهم بعد التيمن باسمه الأعلى بِسْمِ اللَّهِ المصلح لأحوال عبادة في عموم الأحوال الرَّحْمنِ عليهم بحفظهم عن سوء الأخلاق والأعمال الرَّحِيمِ لهم يوقظهم عن منام الغفلة ويوصلهم الى فضاء الوصال
[الآيات]
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مقتضى اتصافكم بالإيمان بالله وبوحدة ذاته وكمالات أسمائه وصفاته انه لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وهم الذين خرجوا عن عروة عبوديتي بإثبات الوجود لغيري وَعَدُوَّكُمْ إذ عداوتهم إياي مستلزمة بعداوتهم إياكم ايضا إذ صديق العدو عدو كعدو الصديق أَوْلِياءَ أحباء بحيث توالون أنتم معهم موالاتكم مع احبائكم من المؤمنين وتظهرون محبتهم ومودتهم بحيث تُلْقُونَ وترسلون إِلَيْهِمْ رسالة مشعرة بِالْمَوَدَّةِ الخالصة المنبئة عن افراط المحبة والإخاء وَالحال انه هم قَدْ كَفَرُوا واعرضوا وانصرفوا بِما جاءَكُمْ اى بعموم ما قد نزل على رسولكم مِنَ الْحَقِّ الحقيق بالاطاعة والاتباع وبالغوا في الاعراض والإنكار الى حيث يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ اصالة وَإِيَّاكُمْ تبعا من بينهم بواسطة أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ الذي رباكم على فطرة التوحيد والايمان وبقبولكم دين الإسلام من النبي المبعوث الى كافة الأنام ليرشدهم الى دار السلام وبالجملة إِنْ كُنْتُمْ ايها المؤمنون الموحدون خَرَجْتُمْ عن أوطانكم وبقاع إمكانكم جِهاداً اى لأجل الجهاد والقتال فِي سَبِيلِي اى لتقوية طريق توحيدي وترويج ديني وإعلاء كلمة توحيدي وَابْتِغاءَ مَرْضاتِي في امتثال امرى واطاعة حكمى فلزمكم ترك موالاة أعدائي والمواخاة معهم مع انكم أنتم قد تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ وتميلون نحوهم سرا وخفية بِالْمَوَدَّةِ ظنا منكم ان لا اطلع على ما في سرائركم وضمائركم من محبة الأعداء ومودتهم وَالحال انه أَنَا أَعْلَمُ منكم بِما أَخْفَيْتُمْ وَما أَعْلَنْتُمْ اى بعموم ما تسرون وما تعلنون وَبالجملة مَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ اى الاتخاذ المذكور فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ اى قد انحرف عن جادة العدالة الإلهية وانصرف عن الصراط المستقيم الموصل الى مقصد التوحيد وبالغ في الانحراف والانصراف واعلموا ايها المؤمنون انكم وان بالغتم في اظهار المحبة والمودة بالنسبة إليهم لا تنفعكم إذ هم بمكان من العداوة والخصومة بحيث
إِنْ يَثْقَفُوكُمْ ويظفروا بكم بالفرض والتقدير يَكُونُوا لَكُمْ أَعْداءً البتة بل يظهروا العداوة حينئذ وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُمْ بِالسُّوءِ اى بالقتل والأسر وقطع العضو والشتم المفرط وانواع الوقاحة وَكيف لا وهم في أنفسهم دائما قد وَدُّوا وتمنوا لَوْ تَكْفُرُونَ أنتم وترتدون عن دينكم ونبيكم حتى تلتحقوا بهم وتتصفوا بكفرهم وبالجملة عليكم ايها المؤمنون ان لا تبالوا بأقاربكم وأرحامكم من الكفرة ولا تلتفتوا نحوهم إذ
لَنْ تَنْفَعَكُمْ أَرْحامُكُمْ لا اقرباؤكم وَلا أَوْلادُكُمْ الذين أنتم توالون المشركين لأجلهم وتوادون معهم من جهتهم يَوْمَ الْقِيامَةِ المعدة لتنقيد الأعمال الصادرة عن كل نفس من النفوس خيرة كانت او شريرة إذ الله يَفْصِلُ ويفرق بَيْنَكُمْ يومئذ ويميزكم عنهم فيجازى كلا منكم حسب ما كسب واقترف خيرا كان او شرا وَاللَّهُ المطلع على عموم افعال عباده بِما تَعْمَلُونَ من الحسنات والسيئات بَصِيرٌ يجازيكم عليه بمقتضى بصارته وخبرته ولا تستنكفوا عن حكم الله إياكم بقطع أرحامكم الكفرة وأقاربكم المشركين إذ
قَدْ كانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ وقدوة حَسَنَةٌ
سورة الممتحنة
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورة (الممتحنة) من السُّوَر المدنية، نزلت بعد سورة (الأحزاب)، وقد جاءت بالنهيِ عن موالاة الكفار واتخاذِهم أولياءَ، وجعلت ذلك امتحانًا ودلالةً على صدقِ الإيمان واكتماله، وسُمِّيت بـ(الممتحنة) لأنَّ فيها ذِكْرَ امتحانِ النساء المهاجِرات المبايِعات للنبي صلى الله عليه وسلم؛ قال تعالى: {يَٰٓأَيُّهَا اْلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِذَا جَآءَكُمُ اْلْمُؤْمِنَٰتُ مُهَٰجِرَٰتٖ فَاْمْتَحِنُوهُنَّۖ} [الممتحنة: 10].

ترتيبها المصحفي
60
نوعها
مدنية
ألفاظها
352
ترتيب نزولها
91
العد المدني الأول
13
العد المدني الأخير
13
العد البصري
13
العد الكوفي
13
العد الشامي
13

* قوله تعالى: {يَٰٓأَيُّهَا اْلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَتَّخِذُواْ عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَآءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِم بِاْلْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُواْ بِمَا جَآءَكُم مِّنَ اْلْحَقِّ يُخْرِجُونَ اْلرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَن تُؤْمِنُواْ بِاْللَّهِ رَبِّكُمْ إِن كُنتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَٰدٗا فِي سَبِيلِي وَاْبْتِغَآءَ مَرْضَاتِيۚ تُسِرُّونَ إِلَيْهِم بِاْلْمَوَدَّةِ وَأَنَا۠ أَعْلَمُ بِمَآ أَخْفَيْتُمْ وَمَآ أَعْلَنتُمْۚ وَمَن يَفْعَلْهُ مِنكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَآءَ اْلسَّبِيلِ} [الممتحنة: 1]:

عن عليِّ بن أبي طالبٍ رضي الله عنه، قال: «بعَثَني رسولُ اللهِ ﷺ أنا والزُّبَيرَ والمِقْدادَ، فقال: «انطلِقوا حتى تأتوا رَوْضةَ خاخٍ؛ فإنَّ بها ظعينةً معها كتابٌ، فَخُذوا منها»، قال: فانطلَقْنا تَعادَى بنا خَيْلُنا حتى أتَيْنا الرَّوْضةَ، فإذا نحنُ بالظَّعينةِ، قُلْنا لها: أخرِجي الكتابَ، قالت: ما معي كتابٌ، فقُلْنا: لَتُخرِجِنَّ الكتابَ، أو لَنُلقِيَنَّ الثِّيابَ، قال: فأخرَجتْهُ مِن عِقاصِها، فأتَيْنا به رسولَ اللهِ ﷺ، فإذا فيه: مِن حاطبِ بنِ أبي بَلْتعةَ، إلى ناسٍ بمكَّةَ مِن المشرِكين، يُخبِرُهم ببعضِ أمرِ رسولِ اللهِ ﷺ، فقال رسولُ اللهِ ﷺ: «يا حاطبُ، ما هذا؟»، قال: يا رسولَ اللهِ، لا تَعجَلْ عليَّ، إنِّي كنتُ امرأً ملصَقًا في قُرَيشٍ، يقولُ: كنتُ حليفًا، ولم أكُنْ مِن أنفُسِها، وكان مَن معك مِن المهاجِرِينَ مَن لهم قراباتٌ يحمُونَ أهلِيهم وأموالَهم، فأحبَبْتُ إذ فاتَني ذلك مِن النَّسَبِ فيهم أن أتَّخِذَ عندهم يدًا يحمُونَ قرابتي، ولم أفعَلْهُ ارتدادًا عن دِيني، ولا رضًا بالكفرِ بعد الإسلامِ، فقال رسولُ اللهِ ﷺ: «أمَا إنَّه قد صدَقَكم»، فقال عُمَرُ: يا رسولَ اللهِ، دَعْني أضرِبْ عُنُقَ هذا المنافقِ، فقال: «إنَّه قد شَهِدَ بَدْرًا، وما يُدرِيك لعلَّ اللهَ اطَّلَعَ على مَن شَهِدَ بَدْرًا، فقال: اعمَلوا ما شِئْتم فقد غفَرْتُ لكم! فأنزَلَ اللهُ السُّورةَ: {يَٰٓأَيُّهَا اْلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَتَّخِذُواْ عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَآءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِم بِاْلْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُواْ بِمَا جَآءَكُم مِّنَ اْلْحَقِّ} [الممتحنة: 1] إلى قولِه: {فَقَدْ ضَلَّ سَوَآءَ اْلسَّبِيلِ} [الممتحنة: 1]». أخرجه البخاري (٤٢٧٤).

* قوله تعالى: {يَٰٓأَيُّهَا اْلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِذَا جَآءَكُمُ اْلْمُؤْمِنَٰتُ مُهَٰجِرَٰتٖ فَاْمْتَحِنُوهُنَّۖ اْللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَٰنِهِنَّۖ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَٰتٖ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى اْلْكُفَّارِۖ لَا هُنَّ حِلّٞ لَّهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّۖ} [الممتحنة: 10]:

عن عُرْوةَ بن الزُّبَيرِ، أنَّه سَمِعَ مَرْوانَ والمِسْوَرَ بن مَخرَمةَ رضي الله عنهما يُخبِرانِ عن أصحابِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، قال: «لمَّا كاتَبَ سُهَيلُ بنُ عمرٍو يومَئذٍ، كان فيما اشترَطَ سُهَيلُ بنُ عمرٍو على النبيِّ صلى الله عليه وسلم: أنَّه لا يأتيك منَّا أحدٌ - وإن كان على دِينِك - إلا ردَدتَّه إلينا، وخلَّيْتَ بَيْننا وبَيْنَه، فكَرِهَ المؤمنون ذلك، وامتعَضوا منه، وأبى سُهَيلٌ إلا ذلك، فكاتَبَه النبيُّ صلى الله عليه وسلم على ذلك، فرَدَّ يومَئذٍ أبا جَنْدلٍ إلى أبيه سُهَيلِ بنِ عمرٍو، ولم يأتِه أحدٌ مِن الرِّجالِ إلا رَدَّه في تلك المُدَّةِ، وإن كان مسلِمًا، وجاءت المؤمِناتُ مهاجِراتٍ، وكانت أمُّ كُلْثومٍ بنتُ عُقْبةَ بنِ أبي مُعَيطٍ ممَّن خرَجَ إلى رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم يومَئذٍ، وهي عاتِقٌ، فجاءَ أهلُها يَسألون النبيَّ صلى الله عليه وسلم أن يَرجِعَها إليهم، فلم يَرجِعْها إليهم؛ لِما أنزَلَ اللهُ فيهنَّ: {إِذَا جَآءَكُمُ اْلْمُؤْمِنَٰتُ مُهَٰجِرَٰتٖ فَاْمْتَحِنُوهُنَّۖ اْللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَٰنِهِنَّۖ} [الممتحنة: 10] إلى قولِه: {وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّۖ} [الممتحنة: 10]».

قال عُرْوةُ: «فأخبَرتْني عائشةُ: أنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم كان يمتحِنُهنَّ بهذه الآيةِ: {يَٰٓأَيُّهَا اْلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِذَا جَآءَكُمُ اْلْمُؤْمِنَٰتُ مُهَٰجِرَٰتٖ فَاْمْتَحِنُوهُنَّۖ} [الممتحنة: 10] إلى {غَفُورٞ رَّحِيمٞ} [الممتحنة: 12]».

قال عُرْوةُ: «قالت عائشةُ: فمَن أقَرَّ بهذا الشرطِ منهنَّ، قال لها رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «قد بايَعْتُكِ»؛ كلامًا يُكلِّمُها به، واللهِ، ما مسَّتْ يدُه يدَ امرأةٍ قطُّ في المبايَعةِ، وما بايَعَهنَّ إلا بقولِه». أخرجه البخاري (٢٧١١).

* سورة (الممتحنة):

سُمِّيت سورة (الممتحنة) بهذا الاسم؛ لأنه جاءت فيها آيةُ امتحان إيمان النساء اللواتي يأتينَ مهاجِراتٍ من مكَّةَ إلى المدينة؛ قال تعالى: {يَٰٓأَيُّهَا اْلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِذَا جَآءَكُمُ اْلْمُؤْمِنَٰتُ مُهَٰجِرَٰتٖ فَاْمْتَحِنُوهُنَّۖ} [الممتحنة: 10].

1. النهيُ عن موالاة الكفار (١-٦).

2. الموالاة المباحة، والموالاة المحرَّمة (٧-٩).

3. امتحان المهاجِرات (١٠-١١).

4. بَيْعة المؤمنات (١١-١٣).

ينظر: "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (8 /96).

مقصدُ سورة (الممتحنة) هو البراءةُ من الشرك والمشركين، وعدمُ اتخاذهم أولياءَ، وفي ذلك دلالةٌ على صدقِ التوحيد واكتماله.

يقول ابنُ عاشور رحمه الله: «اشتملت من الأغراض على تحذيرِ المؤمنين من اتخاذ المشركين أولياءَ مع أنهم كفروا بالدِّين الحق، وأخرَجوهم من بلادهم.

وإعلامِهم بأن اتخاذَهم أولياءَ ضلالٌ، وأنهم لو تمكَّنوا من المؤمنين، لأساؤوا إليهم بالفعل والقول، وأن ما بينهم وبين المشركين من أواصرِ القرابة لا يُعتد به تجاه العداوة في الدِّين، وضرَب لهم مثَلًا في ذلك قطيعةَ إبراهيم لأبيه وقومه.

وأردَف ذلك باستئناس المؤمنين برجاءِ أن تحصُلَ مودةٌ بينهم وبين الذين أمرهم اللهُ بمعاداتهم؛ أي: هذه معاداةٌ غيرُ دائمة...». "التحرير والتنوير" لابن عاشور (28 /131).

وينظر: "مصاعد النظر للإشراف على مقاصد السور" للبقاعي (3 /76).