تفسير سورة الممتحنة

تفسير ابن عباس

تفسير سورة سورة الممتحنة من كتاب تنوير المقباس من تفسير ابن عباس المعروف بـتفسير ابن عباس.
لمؤلفه الفيروزآبادي . المتوفي سنة 817 هـ

وبإسناده عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى ﴿يَا أَيهَا الَّذين آمَنُواْ﴾ يَعْنِي حَاطِبًا ﴿لاَ تَتَّخِذُواْ عَدُوِّي﴾ فِي الدّين ﴿وَعَدُوَّكُمْ﴾ فِي الْقَتْل يَعْنِي كفار مَكَّة ﴿أَوْلِيَآءَ﴾ فِي العون والنصرة ﴿تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بالمودة﴾ توجهون إِلَيْهِم الْكتاب بالعون والنصرة ﴿وَقَدْ كَفَرُواْ بِمَا جَآءَكُمْ﴾ يَعْنِي حَاطِبًا ﴿مِّنَ الْحق﴾ من الْكتاب وَالرَّسُول ﴿يُخْرِجُونَ الرَّسُول﴾ يَعْنِي مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من مَكَّة ﴿وَإِيَّاكُمْ﴾ وَإِيَّاك يَا حَاطِب ﴿أَن تُؤْمِنُواْ﴾ لقبل إيمَانكُمْ ﴿بِاللَّه رَبِّكُمْ إِن كُنتُمْ﴾ إِذْ كُنْتُم ﴿خَرَجْتُمْ جِهَاداً﴾ إِن كنت يَا حَاطِب خرجت من مَكَّة إِلَى الْمَدِينَة للْجِهَاد ﴿فِي سَبِيلِي﴾ فِي طَاعَتي ﴿وابتغآء مَرْضَاتِي﴾ طلب رضائي ﴿تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بالمودة﴾ لَا تسروا إِلَيْهِم الْكتاب بالعون والنصرة ﴿وَأَنَاْ أَعْلَمُ بِمَآ أَخْفَيْتُمْ﴾ يَعْنِي بِمَا أخفيت يَا حَاطِب من الْكتاب وَيُقَال من التَّصْدِيق ﴿وَمَآ أَعْلَنتُمْ﴾ يَقُول وَمَا أعلنت يَا حَاطِب من الْعذر وَيُقَال من التَّوْحِيد ﴿وَمَن يَفْعَلْهُ مِنكُمْ﴾ يَا معشر الْمُؤمنِينَ مثل مَا فعل حَاطِب ﴿فَقَدْ ضَلَّ سَوَآءَ السَّبِيل﴾ فقد ترك قصد طَرِيق الْهدى
﴿إِن يَثْقَفُوكُمْ﴾ إِن يغلب عَلَيْكُم أهل مَكَّة ﴿يَكُونُواْ لَكُمْ أَعْدَآءً﴾ يتَبَيَّن لكم أَنهم أَعدَاء لكم فِي الْقَتْل ﴿ويبسطوا إِلَيْكُمْ﴾ يمدوا إِلَيْكُم ﴿أَيْديهم﴾ بِالضَّرْبِ ﴿وألسنتهم بالسوء﴾ بالشتم والطعن ﴿وَوَدُّواْ﴾ تمنوا كفار مَكَّة ﴿لَوْ تَكْفُرُونَ﴾ أَن تكفرُوا بِاللَّه بعد إيمَانكُمْ بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن وهجرتكم إِلَى رَسُول الله
﴿لَن تَنفَعَكُمْ أَرْحَامُكُمْ﴾ بِمَكَّة إِن كَفرْتُمْ بِاللَّه ﴿وَلاَ أَوْلاَدُكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَة﴾ من عَذَاب الله ﴿يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ﴾ يفرق بَيْنكُم وَبَين الْمُؤمنِينَ يَوْم الْقِيَامَة وَيُقَال يقْضِي بَيْنكُم على هَذَا ﴿وَالله بِمَا تَعْمَلُونَ﴾ من الْخَيْر وَالشَّر ﴿بَصِيرٌ﴾
﴿قَدْ كَانَتْ لَكُمْ﴾ قد كَانَت لَك
466
يَا حَاطِب ﴿أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ﴾ اقْتِدَاء صَالح ﴿فِي إِبْرَاهِيمَ﴾ فِي قَول إِبْرَاهِيم ﴿وَالَّذين مَعَهُ﴾ وَفِي قَول الَّذين مَعَه من الْمُؤمنِينَ ﴿إِذْ قَالُواْ لِقَوْمِهِمْ﴾ لقرابتهم الْكفَّار ﴿إِنَّا بُرَآء مِّنْكُمْ﴾ من قرابتكم ودينكم ﴿وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله﴾ من الْأَوْثَان ﴿كَفَرْنَا بِكُمْ﴾ تبرأنا مِنْكُم وَمن دينكُمْ ﴿وَبَدَا﴾ ظهر ﴿بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَة﴾ بِالْقَتْلِ وَالضَّرْب ﴿والبغضآء﴾ فِي الْقلب ﴿أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُواْ بِاللَّه وَحْدَهُ﴾ حَتَّى تقروا بوحدانية الله ﴿إِلاَّ قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ﴾ غير قَول إِبْرَاهِيم ﴿لأَبِيهِ لأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ﴾ لِأَنَّهُ كَانَ عَن موعدة وعدها إِيَّاه فَلَمَّا مَاتَ على الْكفْر تَبرأ مِنْهُ فَقَالَ لَهُ ﴿وَمَآ أَمْلِكُ لَكَ مِنَ الله﴾ من عَذَاب الله ﴿مِن شَيْءٍ﴾ ثمَّ علمهمْ كَيفَ يَقُولُونَ فَقَالَ قُولُوا ﴿رَّبَّنَا﴾ يَا رَبنَا ﴿عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا﴾ وثقنا ﴿وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا﴾ أَقبلنَا إِلَى طَاعَتك ﴿وَإِلَيْكَ الْمصير﴾ الْمرجع فِي الْآخِرَة
467
﴿رَبَّنَا﴾ قُولُوا يَا رَبنَا ﴿لاَ تَجْعَلْنَا فِتْنَةً﴾ بلية ﴿لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ﴾ كفار مَكَّة يَقُولُونَ لَا تسلطهم علينا فيظنوا أَنهم على الْحق وَنحن على الْبَاطِل فتزيدهم بذلك جَرَاءَة علينا ﴿واغفر لَنَا﴾ ذنوبنا ﴿رَبَّنَآ﴾ يَا رَبنَا ﴿إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيز﴾ بالنقمة لمن لَا يُؤمن بك ﴿الْحَكِيم﴾ بالنصرة لمن آمن بك
﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ﴾ لقد كَانَ لَك يَا حَاطِب ﴿فِيهِمْ﴾ فِي قَول إِبْرَاهِيم وَفِي قَول الَّذين مَعَه من الْمُؤمنِينَ ﴿أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ﴾ اقْتِدَاء صَالح ﴿لِّمَن كَانَ يَرْجُو الله﴾ يخَاف الله ﴿وَالْيَوْم الآخر﴾ بِالْبَعْثِ بعد الْمَوْت فَهَلا قلت يَا حَاطِب مثل مَا قَالَ إِبْرَاهِيم وَمن آمن بِهِ ﴿وَمَن يَتَوَلَّ﴾ يعرض عَمَّا أمره الله ﴿فَإِنَّ الله هُوَ الْغَنِيّ﴾ عَنهُ وَعَن خلقه ﴿الحميد﴾ لمن وَحده وَيُقَال الحميد يشْكر الْيَسِير من أَعْمَالهم وَيجْزِي الجزيل من ثَوَابه
﴿عَسَى الله﴾ عَسى من الله وَاجِب ﴿أَن يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذين عَادَيْتُم﴾ خالفتم فِي الدّين ﴿مِّنْهُم﴾ من أهل مَكَّة ﴿مَّوَدَّةً﴾ صلَة وتزويجا فَتزَوج النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَام فتح مَكَّة أم حَبِيبَة بنت أبي سُفْيَان فَهَذَا كَانَ صلَة بَينهم وَبَين رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ﴿وَالله قَدِيرٌ﴾ بِظُهُور نبيه على كفار قُرَيْش ﴿وَالله غَفُورٌ﴾ متجاوز لمن تَابَ مِنْهُم من الْكفْر وآمن بِاللَّه ﴿رَّحِيمٌ﴾ لمن مَاتَ مِنْهُم على الْإِيمَان وَالتَّوْبَة
﴿لاَّ يَنْهَاكُمُ الله عَنِ الَّذين﴾ عَن صلَة ونصرة الَّذين ﴿لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدّين وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِّن دِيَارِكُمْ﴾ مَكَّة وَلم يعينوا أحدا على إخراجكم من مَكَّة ﴿أَن تَبَرُّوهُمْ﴾ أَن تصلوهم وتنصروهم ﴿وتقسطوا إِلَيْهِمْ﴾ تعدلوا بَينهم بوفاء الْعَهْد ﴿إِنَّ الله يُحِبُّ المقسطين﴾ العادلين بوفاء الْعَهْد وهم خُزَاعَة قوم هِلَال ابْن عُوَيْمِر وَخُزَيْمَة وَبَنُو مُدْلِج صَالحُوا النَّبِي قبل عَام الْحُدَيْبِيَة على أَلا يقاتلوه وَلَا يخرجوه من مَكَّة وَلَا يعينوا أحدا على إِخْرَاجه فَلذَلِك لم ينْه الله عَن صلتهم
﴿إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ الله عَنِ الَّذين﴾ عَن صلَة الَّذين ﴿قَاتَلُوكُمْ فِي الدّين﴾ وهم أهل مَكَّة ﴿وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ﴾ من مَكَّة ﴿وَظَاهَرُواْ﴾ عاونوا ﴿على إِخْرَاجِكُمْ﴾ من مَكَّة ﴿أَن تَوَلَّوْهُمْ﴾ أَن تصلوهم ﴿وَمَن يَتَوَلَّهُمْ﴾ فِي العون والنصرة ﴿فَأُولَئِك هم الظَّالِمُونَ﴾ الضارون لأَنْفُسِهِمْ
﴿يَا أَيهَا الَّذين آمَنُواْ إِذَا جَآءَكُمُ الْمُؤْمِنَات﴾ المقرات بِاللَّه ﴿مُهَاجِرَاتٍ﴾ من مَكَّة إِلَى الْحُدَيْبِيَة أَو إِلَى الْمَدِينَة ﴿فامتحنوهن﴾ فاسئلوهن واستحلفوهن لماذا جئتن ﴿الله أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ﴾ بمستقر قلوبهن على الْإِيمَان ﴿فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ﴾ بالامتحان ﴿فَلاَ تَرْجِعُوهُنَّ﴾ لَا تردوهن ﴿إِلَى الْكفَّار﴾ إِلَى أَزوَاجهنَّ الْكفَّار ﴿لاَ هُنَّ﴾ يَعْنِي الْمُؤْمِنَات ﴿حِلٌّ لَّهُمْ﴾ لِأَزْوَاجِهِنَّ الْكفَّار ﴿وَلاَ هُمْ﴾ يَعْنِي الْكفَّار ﴿يَحِلُّونَ لَهُنَّ﴾ للمؤمنات يَقُول لَا تحل مُؤمنَة لكَافِر وَلَا كَافِرَة لمُؤْمِن ﴿وَآتُوهُم مَّآ أَنفَقُواْ﴾ أعْطوا أَزوَاجهنَّ مَا أَنْفقُوا عَلَيْهِنَّ من الْمهْر نزلت هَذِه الْآيَة فِي سبيعة بنت الْحَرْث الأسْلَمِيَّة جَاءَت إِلَى النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَام الْحُدَيْبِيَة مسلمة وَجَاء زَوجهَا مُسَافر فِي طلبَهَا فَأعْطى النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لزَوجهَا مهرهَا وَكَانَ قد صَالح النبى
467
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أهل مَكَّة عَام الْحُدَيْبِيَة قبل هَذِه الْآيَة على أَن من دخل منا فِي دينكُمْ فَهُوَ لكم وَمن دخل فى ديننَا فَهُوَ رد إِلَيْكُم وَأَيّمَا امْرَأَة دخلت منا فى دينكُمْ فهى لكم وتؤدون مهرهَا إِلَى زَوجهَا وَأَيّمَا امْرَأَة مِنْكُم دخلت فِي ديننَا فيؤدى مهرهَا إِلَى زَوجهَا فَلذَلِك أعْطى النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مهر سبيعة لزَوجهَا مُسَافر ﴿وَلاَ جُنَاحَ﴾ لَا حرج ﴿عَلَيْكُمْ﴾ يَا معشر الْمُؤمنِينَ ﴿أَن تَنكِحُوهُنَّ﴾ أَن تتزوجوهن يَعْنِي اللَّاتِي دخلن فِي دينكُمْ من الْكفَّار ﴿إِذَآ آتَيْتُمُوهُنَّ﴾ أعطيتموهن ﴿أُجُورَهُنَّ﴾ مهورهن يَقُول أَيّمَا امْرَأَة أسلمت وَزوجهَا كَافِر فقد انْقَطع مَا بَينهَا وَبَين زَوجهَا من عصمَة وَلَا عدَّة عَلَيْهَا من زَوجهَا الْكَافِر وَجَاز لَهَا أَن تتَزَوَّج إِذا استبرأت ﴿وَلاَ تُمْسِكُواْ بِعِصَمِ الكوافر﴾ لَا تَأْخُذُوا بِعقد الكوافر يَقُول أَيّمَا امْرَأَة كفرت بِاللَّه فقد انْقَطع مَا بَينهَا وَبَين زَوجهَا الْمُؤمن من الْعِصْمَة وَلَا تَعْتَدوا بهَا من أزواجكم ﴿واسألوا مَآ أَنفَقْتُمْ﴾ يَقُول اطْلُبُوا من أهل مَكَّة مَا أنفقتم على أزواجكم إِن دخلن دينهم ﴿وليسألوا﴾ ليطلبوا مِنْكُم ﴿مَا أَنْفقُوا﴾ على أَزوَاجهم من الْمهْر إِن دخلن فِي دينكُمْ وعَلى هَذَا صَالحهمْ النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يؤدوا بَعضهم إِلَى بعض مُهُور نِسَائِهِم إِن أسلمن أَو كفرن ﴿ذَلِكُم حُكْمُ الله﴾ فَرِيضَة الله ﴿يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ﴾ وَبَين أهل مَكَّة ﴿وَالله عَلِيمٌ﴾ بصلاحكم ﴿حَكِيمٌ﴾ فِيمَا حكم بَيْنكُم وَهَذِه الْآيَة مَنْسُوخَة بِالْإِجْمَاع إِلَى
468
﴿وَإِن فَاتَكُمْ شَيْءٌ مِّنْ أَزْوَاجِكُمْ﴾ يَقُول إِن رجعت وَاحِدَة من أزواجكم ﴿إِلَى الْكفَّار﴾ لَيْسَ بَيْنكُم وَبينهمْ الْعَهْد والميثاق ﴿فَعَاقَبْتُمْ﴾ فغنمتم من الْعَدو ﴿فَآتُواْ﴾ فأعطوا ﴿الَّذين ذَهَبَتْ أَزْوَاجُهُمْ﴾ رجعت أَزوَاجهم إِلَى الْكفَّار ﴿مِّثْلَ مَآ أَنفَقُواْ﴾ عَلَيْهِنَّ من الْمهْر وَالْغنيمَة قبل الْخمس ﴿وَاتَّقوا الله﴾ اخشوا الله فِيمَا أَمركُم ﴿الَّذِي أَنتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ﴾ مصدقون وَجَمِيع من ارْتَدَّت من نسَاء الْمُؤمنِينَ سِتّ نسْوَة مِنْهُنَّ امْرَأَتَانِ من نسَاء عمر بن الْخطاب أم سَلمَة وَأم كُلْثُوم بنت جَرْوَل وَأم الحكم بنت أبي سُفْيَان كَانَت تَحت عباد بن شَدَّاد الفِهري وَفَاطِمَة بنت أبي أُميَّة بن الْمُغيرَة وَبرْوَع بنت عقبَة كَانَت تَحت شماس بن عُثْمَان من بنى مَخْزُوم وَعَبدَة بنت عبد الْعُزَّى ابْن نَضْلَة وَزوجهَا عَمْرو بن عبدود وَهِنْد بنت أَبى جهل ابْن هِشَام كَانَت تَحت هَاشم بن الْعَاصِ بن وَائِل السهمى فَأَعْطَاهُمْ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مهر نِسَائِهِم من الْغَنِيمَة
﴿يَا أَيهَا النَّبِي﴾ يَعْنِي مُحَمَّدًا ﴿إِذَا جَآءَكَ الْمُؤْمِنَات﴾ نسَاء أهل مَكَّة بعد فتح مَكَّة ﴿يُبَايِعْنَكَ﴾ يشارطنك ﴿على أَن لاَّ يُشْرِكْنَ بِاللَّه شَيْئاً﴾ من الْأَصْنَام وَلَا يستحللن ذَلِك ﴿وَلاَ يَسْرِقْنَ﴾ وَلَا يستحللن ﴿وَلاَ يَزْنِينَ﴾ وَلَا يستحللن الزِّنَا ﴿وَلاَ يَقْتُلْنَ أَوْلاَدَهُنَّ﴾ وَلَا يدْفن بناتهن أَحيَاء وَلَا يستحللن ذَلِك ﴿وَلاَ يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ﴾ وَلَا يجئن بِولد من الزِّنَا ﴿يَفْتَرِينَهُ﴾ على الزَّوْج ويضعنه ﴿بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ﴾ لتقول لزَوجهَا هُوَ مِنْك وَأَنا وَلدته ﴿وَلاَ يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ﴾ فِي جَمِيع مَا تأمرهن وتنهاهن من ترك النوح وجز الشّعْر وتمزيق الثِّيَاب وخمش الْوُجُوه وشق الْجُيُوب وَحلق الرُّءُوس وَأَن لَا يخلون مَعَ غَرِيب وَأَن لَا يسافرن سفر ثَلَاثَة ايام أَو أقل من ذَلِك مَعَ غير ذِي محرم مِنْهُنَّ ﴿فَبَايِعْهُنَّ﴾ على هَذَا فشارطهن على هَذَا ﴿واستغفر لَهُنَّ الله﴾ فِيمَا كَانَ مِنْهُنَّ فِي الْجَاهِلِيَّة ﴿إِنَّ الله غَفُورٌ﴾ متجاوز بعد فتح مَكَّة بِمَا كَانَ مِنْهُنَّ فِي الْجَاهِلِيَّة ﴿رَّحِيمٌ﴾ بِمَا يكون مِنْهُنَّ فِي الْإِسْلَام
﴿يَا أَيهَا الَّذين آمَنُواْ﴾ يَعْنِي عبد الله بن أبي وَأَصْحَابه ﴿لَا تَتَوَلَّوْا﴾ فى العون والنصرة وإفشاء سر مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ﴿قوْماً غَضِبَ الله عَلَيْهِمْ﴾ سخط الله عَلَيْهِم مرَّتَيْنِ وهم الْيَهُود حِين قَالُوا يَد الله مغلولة وَمرَّة أُخْرَى بتكذيبهم مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ﴿قَدْ يَئِسُواْ مِنَ الْآخِرَة﴾ من نعيم الْجنَّة ﴿كَمَا يَئِسَ الْكفَّار﴾ كفار مَكَّة ﴿مِنْ أَصْحَابِ الْقُبُور﴾ من رُجُوع أهل الْمَقَابِر وَيُقَال من سُؤال مُنكر وَنَكِير وَيُقَال لَا تَتَوَلَّوْا قوما غضب الله عَلَيْهِم وَلَكِن كونُوا مِمَّن سبح الله وَصلى
468
وَمن السُّورَة الَّتِى يذكر فِيهَا الصَّفّ وهى كلهَا مَدَنِيَّة آياتها أَربع عشرَة وكلماتها مِائَتَان وَإِحْدَى وَعِشْرُونَ وحروفها تِسْعمائَة وَسِتَّة وَعِشْرُونَ
﴿بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم﴾
469
سورة الممتحنة
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورة (الممتحنة) من السُّوَر المدنية، نزلت بعد سورة (الأحزاب)، وقد جاءت بالنهيِ عن موالاة الكفار واتخاذِهم أولياءَ، وجعلت ذلك امتحانًا ودلالةً على صدقِ الإيمان واكتماله، وسُمِّيت بـ(الممتحنة) لأنَّ فيها ذِكْرَ امتحانِ النساء المهاجِرات المبايِعات للنبي صلى الله عليه وسلم؛ قال تعالى: {يَٰٓأَيُّهَا اْلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِذَا جَآءَكُمُ اْلْمُؤْمِنَٰتُ مُهَٰجِرَٰتٖ فَاْمْتَحِنُوهُنَّۖ} [الممتحنة: 10].

ترتيبها المصحفي
60
نوعها
مدنية
ألفاظها
352
ترتيب نزولها
91
العد المدني الأول
13
العد المدني الأخير
13
العد البصري
13
العد الكوفي
13
العد الشامي
13

* قوله تعالى: {يَٰٓأَيُّهَا اْلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَتَّخِذُواْ عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَآءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِم بِاْلْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُواْ بِمَا جَآءَكُم مِّنَ اْلْحَقِّ يُخْرِجُونَ اْلرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَن تُؤْمِنُواْ بِاْللَّهِ رَبِّكُمْ إِن كُنتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَٰدٗا فِي سَبِيلِي وَاْبْتِغَآءَ مَرْضَاتِيۚ تُسِرُّونَ إِلَيْهِم بِاْلْمَوَدَّةِ وَأَنَا۠ أَعْلَمُ بِمَآ أَخْفَيْتُمْ وَمَآ أَعْلَنتُمْۚ وَمَن يَفْعَلْهُ مِنكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَآءَ اْلسَّبِيلِ} [الممتحنة: 1]:

عن عليِّ بن أبي طالبٍ رضي الله عنه، قال: «بعَثَني رسولُ اللهِ ﷺ أنا والزُّبَيرَ والمِقْدادَ، فقال: «انطلِقوا حتى تأتوا رَوْضةَ خاخٍ؛ فإنَّ بها ظعينةً معها كتابٌ، فَخُذوا منها»، قال: فانطلَقْنا تَعادَى بنا خَيْلُنا حتى أتَيْنا الرَّوْضةَ، فإذا نحنُ بالظَّعينةِ، قُلْنا لها: أخرِجي الكتابَ، قالت: ما معي كتابٌ، فقُلْنا: لَتُخرِجِنَّ الكتابَ، أو لَنُلقِيَنَّ الثِّيابَ، قال: فأخرَجتْهُ مِن عِقاصِها، فأتَيْنا به رسولَ اللهِ ﷺ، فإذا فيه: مِن حاطبِ بنِ أبي بَلْتعةَ، إلى ناسٍ بمكَّةَ مِن المشرِكين، يُخبِرُهم ببعضِ أمرِ رسولِ اللهِ ﷺ، فقال رسولُ اللهِ ﷺ: «يا حاطبُ، ما هذا؟»، قال: يا رسولَ اللهِ، لا تَعجَلْ عليَّ، إنِّي كنتُ امرأً ملصَقًا في قُرَيشٍ، يقولُ: كنتُ حليفًا، ولم أكُنْ مِن أنفُسِها، وكان مَن معك مِن المهاجِرِينَ مَن لهم قراباتٌ يحمُونَ أهلِيهم وأموالَهم، فأحبَبْتُ إذ فاتَني ذلك مِن النَّسَبِ فيهم أن أتَّخِذَ عندهم يدًا يحمُونَ قرابتي، ولم أفعَلْهُ ارتدادًا عن دِيني، ولا رضًا بالكفرِ بعد الإسلامِ، فقال رسولُ اللهِ ﷺ: «أمَا إنَّه قد صدَقَكم»، فقال عُمَرُ: يا رسولَ اللهِ، دَعْني أضرِبْ عُنُقَ هذا المنافقِ، فقال: «إنَّه قد شَهِدَ بَدْرًا، وما يُدرِيك لعلَّ اللهَ اطَّلَعَ على مَن شَهِدَ بَدْرًا، فقال: اعمَلوا ما شِئْتم فقد غفَرْتُ لكم! فأنزَلَ اللهُ السُّورةَ: {يَٰٓأَيُّهَا اْلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَتَّخِذُواْ عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَآءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِم بِاْلْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُواْ بِمَا جَآءَكُم مِّنَ اْلْحَقِّ} [الممتحنة: 1] إلى قولِه: {فَقَدْ ضَلَّ سَوَآءَ اْلسَّبِيلِ} [الممتحنة: 1]». أخرجه البخاري (٤٢٧٤).

* قوله تعالى: {يَٰٓأَيُّهَا اْلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِذَا جَآءَكُمُ اْلْمُؤْمِنَٰتُ مُهَٰجِرَٰتٖ فَاْمْتَحِنُوهُنَّۖ اْللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَٰنِهِنَّۖ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَٰتٖ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى اْلْكُفَّارِۖ لَا هُنَّ حِلّٞ لَّهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّۖ} [الممتحنة: 10]:

عن عُرْوةَ بن الزُّبَيرِ، أنَّه سَمِعَ مَرْوانَ والمِسْوَرَ بن مَخرَمةَ رضي الله عنهما يُخبِرانِ عن أصحابِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، قال: «لمَّا كاتَبَ سُهَيلُ بنُ عمرٍو يومَئذٍ، كان فيما اشترَطَ سُهَيلُ بنُ عمرٍو على النبيِّ صلى الله عليه وسلم: أنَّه لا يأتيك منَّا أحدٌ - وإن كان على دِينِك - إلا ردَدتَّه إلينا، وخلَّيْتَ بَيْننا وبَيْنَه، فكَرِهَ المؤمنون ذلك، وامتعَضوا منه، وأبى سُهَيلٌ إلا ذلك، فكاتَبَه النبيُّ صلى الله عليه وسلم على ذلك، فرَدَّ يومَئذٍ أبا جَنْدلٍ إلى أبيه سُهَيلِ بنِ عمرٍو، ولم يأتِه أحدٌ مِن الرِّجالِ إلا رَدَّه في تلك المُدَّةِ، وإن كان مسلِمًا، وجاءت المؤمِناتُ مهاجِراتٍ، وكانت أمُّ كُلْثومٍ بنتُ عُقْبةَ بنِ أبي مُعَيطٍ ممَّن خرَجَ إلى رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم يومَئذٍ، وهي عاتِقٌ، فجاءَ أهلُها يَسألون النبيَّ صلى الله عليه وسلم أن يَرجِعَها إليهم، فلم يَرجِعْها إليهم؛ لِما أنزَلَ اللهُ فيهنَّ: {إِذَا جَآءَكُمُ اْلْمُؤْمِنَٰتُ مُهَٰجِرَٰتٖ فَاْمْتَحِنُوهُنَّۖ اْللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَٰنِهِنَّۖ} [الممتحنة: 10] إلى قولِه: {وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّۖ} [الممتحنة: 10]».

قال عُرْوةُ: «فأخبَرتْني عائشةُ: أنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم كان يمتحِنُهنَّ بهذه الآيةِ: {يَٰٓأَيُّهَا اْلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِذَا جَآءَكُمُ اْلْمُؤْمِنَٰتُ مُهَٰجِرَٰتٖ فَاْمْتَحِنُوهُنَّۖ} [الممتحنة: 10] إلى {غَفُورٞ رَّحِيمٞ} [الممتحنة: 12]».

قال عُرْوةُ: «قالت عائشةُ: فمَن أقَرَّ بهذا الشرطِ منهنَّ، قال لها رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «قد بايَعْتُكِ»؛ كلامًا يُكلِّمُها به، واللهِ، ما مسَّتْ يدُه يدَ امرأةٍ قطُّ في المبايَعةِ، وما بايَعَهنَّ إلا بقولِه». أخرجه البخاري (٢٧١١).

* سورة (الممتحنة):

سُمِّيت سورة (الممتحنة) بهذا الاسم؛ لأنه جاءت فيها آيةُ امتحان إيمان النساء اللواتي يأتينَ مهاجِراتٍ من مكَّةَ إلى المدينة؛ قال تعالى: {يَٰٓأَيُّهَا اْلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِذَا جَآءَكُمُ اْلْمُؤْمِنَٰتُ مُهَٰجِرَٰتٖ فَاْمْتَحِنُوهُنَّۖ} [الممتحنة: 10].

1. النهيُ عن موالاة الكفار (١-٦).

2. الموالاة المباحة، والموالاة المحرَّمة (٧-٩).

3. امتحان المهاجِرات (١٠-١١).

4. بَيْعة المؤمنات (١١-١٣).

ينظر: "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (8 /96).

مقصدُ سورة (الممتحنة) هو البراءةُ من الشرك والمشركين، وعدمُ اتخاذهم أولياءَ، وفي ذلك دلالةٌ على صدقِ التوحيد واكتماله.

يقول ابنُ عاشور رحمه الله: «اشتملت من الأغراض على تحذيرِ المؤمنين من اتخاذ المشركين أولياءَ مع أنهم كفروا بالدِّين الحق، وأخرَجوهم من بلادهم.

وإعلامِهم بأن اتخاذَهم أولياءَ ضلالٌ، وأنهم لو تمكَّنوا من المؤمنين، لأساؤوا إليهم بالفعل والقول، وأن ما بينهم وبين المشركين من أواصرِ القرابة لا يُعتد به تجاه العداوة في الدِّين، وضرَب لهم مثَلًا في ذلك قطيعةَ إبراهيم لأبيه وقومه.

وأردَف ذلك باستئناس المؤمنين برجاءِ أن تحصُلَ مودةٌ بينهم وبين الذين أمرهم اللهُ بمعاداتهم؛ أي: هذه معاداةٌ غيرُ دائمة...». "التحرير والتنوير" لابن عاشور (28 /131).

وينظر: "مصاعد النظر للإشراف على مقاصد السور" للبقاعي (3 /76).