تفسير سورة الممتحنة

أحكام القرآن

تفسير سورة سورة الممتحنة من كتاب أحكام القرآن
لمؤلفه البيهقي . المتوفي سنة 458 هـ

وَذَهَبَ. وَقَالَ: (اتَّقُوا اللَّهَ، وَذَرُوا مَا بَقِيَ: مِنَ الرِّبا: ٢- ٢٧٨) وَلَمْ يَأْمُرْهُمْ: بِرَدِّ مَا مَضَى: [مِنْهُ «١» ].». وَبَسَطَ الْكَلَامَ فِيهِ.
قَالَ الشَّافِعِي فى مَوضِع آخَرَ «٢» (بِهَذَا الْإِسْنَادِ) - فِي هَذِهِ الْآيَةِ-:
«وَوَضَعَ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) - بِحُكْمِ اللَّهِ-: كُلَّ رِبًا:
أَدْرَكَهُ الْإِسْلَامُ، وَلَمْ يُقْبَضْ. وَلَمْ يَأْمُرْ أَحَدًا-: قَبَضَ رِبًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ.-:
أَنْ يَرُدَّهُ.»
.
(أَنَا) أَبُو زَكَرِيَّا بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ (فِي آخَرِينَ) قَالُوا: أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْأَصَمُّ، أَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ، أَنَا الشَّافِعِيُّ «٣» :«أَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ الْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ «٤» عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي رَافِعٍ، قَالَ:
(١) زِيَادَة حَسَنَة عَن الْأُم. وَإِنَّمَا أَمر: برد مَا بَقِي مِنْهُ كَمَا نَص عَلَيْهِ فى آخر كَلَامه (ص ٣٢). فَرَاجعه كُله وراجع كَلَامه فى الْأُم (ج ٤ ص ١٣٠ و٢٠٠ وَج ٥ ص ٤٤ و١٤٨) : لتعرف: كَيفَ يكون ارتباط الْمسَائِل الْفِقْهِيَّة بَعْضهَا بِبَعْض.
(٢) من الْأُم (ج ٧ ص ٣٢٨- ٣٢٩).
(٣) كَمَا فى الْأُم (ج ٤ ص ١٦٦)، وَالسّنَن الْكُبْرَى (ج ٩ ص ١٤٦) : مستدلا على مَا أجَاب بِهِ- فى أَمر الْمُسلم: الَّذِي يحذر الْمُشْركين من غَزْو الْمُسلمين لَهُم، أَو يُخْبِرهُمْ بِبَعْض عَوْرَاتهمْ.-: «من أَنه لَا يحل دم من ثبتَتْ لَهُ حُرْمَة الْإِسْلَام، إِلَّا: بقتل أَو زنا بعد إِحْصَان، أَو كفر بعد إِيمَان، واستمرار على ذَلِك الْكفْر.». وَقد أخرج هَذَا الحَدِيث البُخَارِيّ وَمُسلم عَن جمَاعَة من طَرِيق سُفْيَان بِإِسْنَادِهِ. وَأَخْرَجَاهُ أَيْضا من غير طَرِيقه:
بشىء من الإختلاف. رَاجع السّنَن الْكُبْرَى (ص ١٤٧) وَالْفَتْح (ج ٦ ص ٨٧- ٨٨ و١١٦ ج ٧ ص ٣٦٦- ٣٦٧ وَج ٨ ص ٤٤٧) وَشرح مُسلم للنووى (ج ١٦ ص ٥٤- ٥٧).
(٤) فِي الأَصْل: «ابْن». وَهُوَ تَحْرِيف. [.....]
46
سَمِعْتُ عَلِيًّا (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ)، يَقُولُ: بَعَثَنَا رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) -:
أَنَا وَالزُّبَيْرَ «١» وَالْمِقْدَادَ.- فَقَالَ: انْطَلِقُوا حَتَّى تَأْتُوا رَوْضَةَ خَاخٍ «٢» فَإِنَّ بِهَا ظَعِينَةً «٣» : مَعَهَا كتاب. فخرجنا: تعادى بِنَا خَيْلُنَا فَإِذَا نَحْنُ:
بِظَعِينَةٍ «٤». فَقُلْنَا «٥» : أَخْرِجِي الْكِتَابَ. فَقَالَتْ: مَا مَعِي كِتَابٌ.
فَقُلْنَا لَهَا «٦» : لَتُخْرِجِنَّ الْكِتَابَ، أَوْ لَنُلْقِيَنَّ «٧» الثِّيَابَ. فَأَخْرَجَتْهُ مِنْ عِقَاصِهَا «٨» فَأَتَيْنَا بِهِ رَسُولَ اللَّهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)، فَإِذَا فِيهِ: مِنْ حَاطِبِ ابْن أَبِي بَلْتَعَةَ، إلَى أُنَاسٍ «٩» : مِنْ الْمُشْرِكِينَ بِمَكَّةَ «١٠» يُخْبِرُ: بِبَعْضِ أَمْرِ
(١) فى الْأُم تَأْخِير وَتَقْدِيم. وَقد ذكر فى بعض الرِّوَايَات- بدل الْمِقْدَاد- أَبُو مرْثَد الغنوي. وَلَا مُنَافَاة كَمَا قَالَ النَّوَوِيّ.
(٢) مَوضِع بَين الْحَرَمَيْنِ: بِقرب حَمْرَاء الْأسد من الْمَدِينَة. وَقيل: بِقرب مَكَّة.
وَقد ورد فى الأَصْل: بالمهملتين. وَهُوَ تَصْحِيف، كَمَا ورد مُصحفا فِي رِوَايَة أَبى عوَانَة:
بِالْمُهْمَلَةِ وَالْجِيم. رَاجع شرح مُسلم، وَالْفَتْح، ومعجم ياقوت.
(٣) هى- فِي أصل اللُّغَة-: الهودج وَالْمرَاد بهَا: الْجَارِيَة. وَاسْمهَا: سارة، مولاة لعمران بن أَبى صيفى الْقرشِي. وَقد وَردت فى الأَصْل- هُنَا وَفِيمَا سيأتى-: بِالطَّاءِ وَهُوَ تَصْحِيف. وراجع مَا ذكره النَّوَوِيّ عَن هَذَا الْإِخْبَار: فَهُوَ مُفِيد جدا.
(٤) رِوَايَة الْأُم: «بِالظَّعِينَةِ» وهى أحسن.
(٥) فى الْأُم زِيَادَة: «لَهَا».
(٦) هَذَا لَيْسَ بِالْأُمِّ.
(٧) فى بعض الرِّوَايَات: بِالتَّاءِ. رَاجع كَلَام ابْن حجر عَنْهَا.
(٨) شعرهَا المضفور وَهُوَ جمع عقيصة.
(٩) فى الْأُم: «نَاس».
(١٠) فى الْأُم وَالسّنَن الْكُبْرَى: «مِمَّن بِمَكَّة».
47
رَسُولِ «١» اللَّهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ). فَقَالَ «٢» : مَا هَذَا يَا حَاطِبُ؟. فَقَالَ «٣» :
لَا تَعْجَلْ عَلَيَّ «٤» إنِّي كُنْتُ امْرَأً: مُلْصَقًا «٥» فِي قُرَيْشٍ وَلَمْ أَكُنْ مِنْ أَنْفُسِهَا وَكَانَ [مَنْ] «٦» مَعَكَ-: مِنْ الْمُهَاجِرِينَ.-: لَهُمْ قَرَابَاتٌ يَحْمُونَ بِهَا قِرْبَاتِهِمْ وَلَمْ يَكُنْ لِي بِمَكَّةَ قَرَابَةٌ: فَأَحْبَبْتُ-: إذْ فَاتَنِي ذَلِكَ.-: أَنْ أَتَّخِذَ عِنْدَهُمْ يَدًا وَاَللَّهِ: مَا فَعَلْتُهُ: شَكًّا فِي دِينِي وَلَا: رِضًا «٧» بِالْكُفْرِ بَعْدَ الْإِسْلَامِ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) : إنَّهُ قَدْ صَدَقَ. فَقَالَ عُمَرُ:
يَا رَسُولَ اللَّهِ دَعْنِي: أَضْرِبْ عُنُقَ هَذَا الْمُنَافِقِ «٨». فَقَالَ النَّبِيُّ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) : إنَّهُ قَدْ شَهِدَ بَدْرًا وَمَا يُدْرِيكَ: لَعَلَّ اللَّهَ «٩» اطَّلَعَ عَلَى أَهْلِ بَدْرٍ، فَقَالَ: اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ «١٠». وَنَزَلَتْ «١١» :(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا: لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِياءَ «١٢» : تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ: ٦٠- ٤١».
(١) فى الْأُم وَالسّنَن الْكُبْرَى: «النَّبِي».
(٢) فى الْأُم: «قَالَ».
(٣) فى الْأُم: «قَالَ».
(٤) فى الْأُم زِيَادَة حَسَنَة، وهى: «يَا رَسُول الله». [.....]
(٥) أَي: حليفا كَمَا صرح بذلك فى بعض الرِّوَايَات.
(٦) زِيَادَة متعينة، عَن الْأُم وَالسّنَن الْكُبْرَى وَغَيرهمَا.
(٧) كَذَا بِالْأُمِّ وَالسّنَن الْكُبْرَى. وفى الأَصْل: «رضى» وَهُوَ تَصْحِيف
(٨) قد اسْتدلَّ فى السّنَن الْكُبْرَى (ج ١٠ ص ٢٠٨) بِهَذَا وَعدم إِنْكَار النَّبِي-: على أَنه لَا يكفر من كفر مُسلما عَن تَأْوِيل.
(٩) فى الْأُم زِيَادَة: «عز وَجل قد».
(١٠) أَي: فى الْآخِرَة. أما الْحُدُود فى الدُّنْيَا: فتقام عَلَيْهِم. رَاجع مَا اسْتدلَّ بِهِ النَّوَوِيّ، على ذَلِك
(١١) فى الْأُم: «فَنزلت».
(١٢) ذكر فى الْأُم وصحيح مُسلم، إِلَى هُنَا.
48
دقّتى الْمُصْحَفِ: فَعَرَفْت مُرَادَ اللَّهِ (عَزَّ وَجَلَّ) فِي «١» جَمِيعِ مَا فِيهِ، إلَّا حَرْفَيْنِ» :(ذَكَرَهُمَا، وَأُنْسِيت «٢» أَحَدَهُمَا) «وَالْآخَرُ: قَوْله تَعَالَى:
(وَقَدْ خابَ مَنْ دَسَّاها: ٩١- ١٠)، فَلَمْ أَجِدْهُ: فِي كَلَامِ الْعَرَبِ فَقَرَأْت لِمُقَاتِلِ بْنِ سُلَيْمَانَ: أَنَّهَا: لُغَةُ السُّودَانِ وَأَنَّ (دَسَّاهَا «٣»
) :
أَغْوَاهَا. «٤» ».
قَوْلُهُ: «فِي كَلَامِ الْعَرَبِ» أَرَادَ: لُغَتَهُ أَوْ أَرَادَ: فِيمَا بَلَغَهُ: مِنْ كَلَامِ الْعَرَبِ. وَاَلَّذِي ذَكَرَهُ مُقَاتِلٌ-: «٥» لُغَةَ السُّودَانِ.-: مِنْ كَلَامِ الْعَرَبِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَرَأْت فِي كِتَابِ. (السُّنَنِ) - رِوَايَةَ حَرْمَلَةَ بْنِ «٦» يَحْيَى، عَنْ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ-: قَالَ: «قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: (لَا يَنْهاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ: لَمْ يُقاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ)، الْآيَتَيْنِ: (٦٠- ٨).»
(١) رِوَايَة الْفَخر: «من... إِلَّا حرفين أشكلا على قَالَ الرَّاوِي:
الأول نَسِيته، وَالثَّانِي ». وَانْظُر الخلية (ج ٩ ص ١٠٤)، وتاريخ بَغْدَاد (ج ٢ ص ٦٣).
(٢) فى الأَصْل: بِدُونِ الْوَاو ولعلها سَقَطت من النَّاسِخ.
(٣) الأَصْل: «داساها» وَهُوَ تَحْرِيف.
(٤) قد أخرج هَذَا التَّفْسِير عَن ابْن عَبَّاس: فى الْمُسْتَدْرك ومختصره (ج ٢ ص ٥٢٤)، وَتَفْسِير الْقُرْطُبِيّ (ج ٢٠ ص ٧٧). وَأخرجه البُخَارِيّ عَن مُجَاهِد، والطبري عَنهُ وَعَن ابْن جُبَير. انْظُر الْفَتْح (ج ١١ ص ٤٠٤)، وَتَفْسِير الطَّبَرِيّ (ج ٣٠ ص ١٣٦). [.....]
(٥) أَي: على أَنه لغتهم: هُوَ: من كَلَام الْعَرَب أَخذه أهل السودَان عَنْهُم، واشتهر عِنْدهم.
(٦) فى الأَصْل: «ابْن أَبى يحيى» وَالزِّيَادَة من النَّاسِخ. انْظُر الطَّبَقَات للشيرازى (ص ٨٠) والسبكى (ج ١ ص ٢٥٧) والحسيبى (ص ٥).
191
«قَالَ: يُقَالُ (وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) : إنَّ بَعْضَ الْمُسْلِمِينَ تَأْثَمُ مِنْ صِلَةِ الْمُشْرِكِينَ- أَحْسَبُ ذَلِكَ: لَمَّا نَزَلَ «١» فَرْضُ جِهَادِهِمْ، وَقَطَعَ الْوِلَايَةَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُمْ «٢»، وَنَزَلَ: (لَا تَجِدُ قَوْماً-: يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ.-: يُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ)، الْآيَةَ «٣» : ٥٨- ٢٢).- فَلَمَّا خَافُوا أَنْ تَكُونَ [الْمَوَدَّةُ «٤» ] : الصِّلَةَ بِالْمَالِ، أَنْزَلَ «٥» :(لَا يَنْهاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ: لَمْ يُقاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ، وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ-: أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ «٦»، إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ إِنَّما يَنْهاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ: قاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ، وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ، وَظاهَرُوا عَلى إِخْراجِكُمْ-: أَنْ)
(١) فى الأَصْل زِيَادَة: «من» وَالظَّاهِر: أَنَّهَا من النَّاسِخ بِقَرِينَة قَوْله الْآتِي:
«وَنزل» فَتَأمل.
(٢) كَمَا فى آيَات آل عمرَان: (٢٨ و١١٨) والمائدة: (٥١) وَأول الممتحنة.
(٣) رَاجع مَا ورد فى سَبَب نُزُولهَا: فى أَسبَاب النُّزُول (ص ٣١٠)، وَالسّنَن الْكُبْرَى (ج ٩ ص ٢٧)، وَتَفْسِير الْقُرْطُبِيّ (ج ١٨ ص ٣٠٧).
(٤) هَذِه الزِّيَادَة: للايضاح وَقد يكون أصل الْعبارَة: «أَن تكون الصِّلَة بِالْمَالِ مُحرمَة».
(٥) رَاجع فى الْفَتْح (ج ٥ ص ١٤٧- ١٤٨) : حَدِيث أَسمَاء بنت أَبى بكر فى سَبَب نزُول هَذِه الْآيَة. ثمَّ رَاجع الْخلاف: فى كَونهَا: محكمَة أَو مَنْسُوخَة عَامَّة أَو مَخْصُوصَة-:
فى النَّاسِخ والمنسوخ للنحاس (ص ٢٣٥)، وتفسيرى الطَّبَرِيّ (ج ٢٨ ص ٤٣) والقرطبي (ج ١٨ ص ٥٩).
(٦) قَالَ ابْن الْعَرَبِيّ- كَمَا فى تَفْسِير الْقُرْطُبِيّ-: «أَي: تعطوهم قسطا: من أَمْوَالكُم على وَجه الصِّلَة. وَلَيْسَ يُرِيد بِهِ: من الْعدْل فَإِن الْعدْل وَاجِب: فِيمَن قَاتل، وفيمن لم يُقَاتل.». وَانْظُر تفسيرى الْفَخر (ج ٨ ص ١٣٩) والبيضاوي (ص ٧٣١).
192
وَاحْتج بِغَيْرِ ذَلِكَ أَيْضًا «١» وَهُوَ مَنْقُولٌ فى كتاب: (الْمَعْرُوفَة).
(أَنَا) أَبُو سَعِيدِ بْنُ أَبِي عَمْرٍو، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْأَصَمُّ، أَنَا الرَّبِيعُ، قَالَ:
قَالَ الشَّافِعِيُّ (رَحِمَهُ اللَّهُ) :«قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: (إِذا جاءَكُمُ الْمُؤْمِناتُ مُهاجِراتٍ: فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِناتٍ: فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ: لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ، وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ: ٦٠- ١٠).»
«قَالَ الشَّافِعِيُّ: (فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِناتٍ «٢» ) : فَاعْرِضُوا عَلَيْهِنَّ الْإِيمَانُ، فَإِنْ قَبِلْنَ، وَأَقْرَرْنَ [بِهِ «٣» ] : فقد علمتوهن مُؤْمِنَاتٍ. وَكَذَلِكَ:
عِلْمُ بَنِي آدَمَ الظَّاهِرُ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: (اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمانِهِنَّ) يَعْنِي:
بِسَرَائِرِهِنَّ فِي إيمَانِهِنَّ. «٤» ».
قَالَ الشَّافِعِيُّ: «وَزَعَمَ «٥» بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْقُرْآنِ: أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي مُهَاجِرَةٍ [مِنْ «٦» ] أَهْلِ مَكَّةَ- فَسَمَّاهَا بَعْضُهُمْ: ابْنَةَ عُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ. «٧» - وَأَهْلُ مَكَّةَ: أهل أوثان. و: أَن قَوْلَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: (وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ)
(١) انْظُر الْأُم (ج ٥ ص ١٣٤- ١٣٥).
(٢) يعْنى: تَأْوِيل ذَلِك.
(٣) الزِّيَادَة عَن الْأُم (ج ٥ ص ٣٩).
(٤) قَالَ فى الْأُم- بعد ذَلِك-: «وَهَذَا يدل: على أَن لم يُعْط أحد من بنى آدم: أَن يحكم على غير ظَاهر.». وراجع كَلَامه الْمُتَعَلّق بِهَذَا الْمقَام، فى الْأُم (ج ٦ ص ٢٠١- ٢٠٦ وَج ٧ ص ٢٦٨- ٢٧٢) : فَهُوَ أَجود مَا كتب.
(٥) فى الْأُم (ج ٥ ص ٥) :«فَزعم» وَقد ذكر فِيهَا قبله الْآيَة السَّابِقَة.
(٦) زِيَادَة لَا بُد مِنْهَا عَن الْأُم، وَالسّنَن الْكُبْرَى (ج ٧ ص ١٧٠).
(٧) هى أم كُلْثُوم كَمَا فى الْمُخْتَصر (ج ٥ ص ٢١٠) وَالأُم (ج ٤ ص ١١٢- ١١٣)
185
(الْكَوافِرِ: ٦٠- ١٠) قَدْ «١» نَزَلَتْ فِي مُهَاجِرِ «٢» أَهْلِ مَكَّةَ مُؤْمِنًا. وَإِنَّمَا نَزَلَتْ فِي الْهُدْنَةِ «٣»
«وَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: (وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ «٤» وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ: وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلا «٥» تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ: وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ: ٢- ٢٢١).»
«قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَقَدْ قِيلَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: إنَّهَا نَزَلَتْ فِي جَمَاعَةِ مُشْرِكِي الْعَرَبِ: الَّذِينَ هُمْ أَهْلِ الْأَوْثَانِ «٦» فَحَرَّمَ «٧» : نِكَاحَ نِسَائِهِمْ، كَمَا حَرَّمَ «٨» :
أَنْ يَنْكِحَ «٩» رِجَالهمْ الْمُؤْمِنَات «١٠» » فَإِن كَانَ هَذَا هَكَذَا: فَهَذِهِ الْآيَةُ «١١» ثَابِتَةٌ لَيْسَ فِيهَا مَنْسُوخٌ.»
«وَقَدْ قِيلَ: هَذِهِ الْآيَةُ فِي جَمِيعِ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ نَزَلَتْ الرُّخْصَةُ [بَعْدَهَا «١٢» ] :
(١) هَذَا غير مَوْجُود بِالْأُمِّ.
(٢) فى الْأُم: «فِيمَن هَاجر من». وفى الأَصْل:
«مهاجرى» وَهُوَ تَحْرِيف. والتصحيح عَن السّنَن الْكُبْرَى. [.....]
(٣) الَّتِي كَانَت بَين النَّبِي وكفار مَكَّة، عَام الْحُدَيْبِيَة. انْظُر الْأُم (ج ٥ ص ٣٩)، وراجع أَسبَاب النُّزُول للواحدى (ص ٣١٧- ٣١٨).
(٤) انْظُر فى السّنَن الْكُبْرَى (ج ٧ ص ١٧١) : مَا رُوِيَ فى ذَلِك عَن ابْن عَبَّاس وَمُجاهد.
(٥) هَذَا إِلَخ غير مَوْجُود بِالْأُمِّ (ج ٥ ص ٥).
(٦) فى السّنَن الْكُبْرَى: «أوثان».
(٧) فى السّنَن الْكُبْرَى: «يحرم».
(٨) فى السّنَن الْكُبْرَى: «يحرم».
(٩) كَذَا بِالْأَصْلِ وَالسّنَن الْكُبْرَى، وَهُوَ الْأَنْسَب للاية. وفى الْأُم: «تنْكح».
(١٠) رَاجع فى ذَلِك، أَسبَاب النُّزُول للواحدى (ص ٤٩- ٥١).
(١١) كَذَا بِالْأَصْلِ وَالسّنَن الْكُبْرَى وفى الْأُم: «الْآيَات». أَي: هَذِه وَآيَة الممتحنة.
(١٢) الزِّيَادَة عَن الْأُم وَالسّنَن الْكُبْرَى.
186
«وَبَيِّنٌ: أَنَّ الْأَزْوَاجَ: الَّذِينَ يُعْطَوْنَ النَّفَقَاتِ-: لِأَنَّهُمْ الْمَمْنُوعُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ.- وَأَنَّ نِسَاءَهُمْ: الْمَأْذُونُ لِلْمُسْلِمِينَ أَنْ «١» يَنْكِحُوهُنَّ:
إذَا آتَوْهُنَّ أُجُورَهُنَّ. لِأَنَّهُ لَا إشْكَالَ عَلَيْهِمْ: فِي أَنْ يَنْكِحُوا غَيْرَ ذَوَاتِ الْأَزْوَاجِ إنَّمَا كَانَ الْإِشْكَالُ: فِي نِكَاحِ ذَوَاتِ الْأَزْوَاجِ حَتَّى قَطَعَ اللَّهُ عِصْمَةَ الْأَزْوَاجِ: بِإِسْلَامِ النِّسَاءِ وَبَيَّنَ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) : أَنَّ ذَلِكَ: بِمُضِيِّ «٢» الْعِدَّةِ قَبْلَ إسْلَامِ الْأَزْوَاجِ.»
«فَلَا يُؤَدِّي أَحَدٌ «٣» نَفَقَةً فِي «٤» امْرَأَةٍ فَاتَتْ، إلَّا ذَوَاتِ «٥» الْأَزْوَاجِ «٦»
«قَالَ الشَّافِعِيُّ: قَالَ «٧» اللَّهُ (عَزَّ وَجَلَّ) لِلْمُسْلِمِينَ: (وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ ٦٠- ١٠). فَأَبَانَهُنَّ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَأَبَانَ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) : أَنَّ ذَلِكَ: بِمُضِيِّ الْعِدَّةِ. وَكَانَ «٨» الْحُكْمُ فِي إسْلَامِ الزَّوْجِ،
(١) فى الْأُم: «بِأَن».
(٢) كَذَا بِالْأُمِّ. وفى الأَصْل هُنَا وَفِيمَا سيأتى: «بِمَعْنى». وَهُوَ تَصْحِيف. وبمناسبة ذَلِك، نرجو: أَن يثبت- فى آخر (س ٨ من ص ٢٥١ ج ١) كلمتان سقطتا من الطابع، وهما: «أَن الْعدة».
(٣) أَي: من الْمُسلمين للْمُشْرِكين. وَعبارَة الْأُم- ولعلها أظهر-: «فَلَا يُؤْتى أحد» أَي: من الْمُشْركين من جِهَة الْمُسلمين. [.....]
(٤) عبارَة الْأُم: «نَفَقَته من».
(٥) فى الأَصْل: «ذَات» وَلَعَلَّ النَّقْص من النَّاسِخ. فَتَأمل.
(٦) رَاجع الْمُخْتَصر (ج ٥ ص ٢٠٢) : لأهميته.
(٧) فى الْأُم: «وَقد قَالَ». وَلَعَلَّ مَا فى الأَصْل أحسن.
(٨) عبارَة الْأُم: «فَكَانَ». وهى أظهر.
69
الْحُكْمَ فِي إسْلَامِ الْمَرْأَةِ: لَا يَخْتَلِفَانِ «١»
«وَقَالَ «٢» اللَّهُ تَعَالَى (وَاسْأَلُوا مَا أَنْفَقْتُمْ، وَلْيَسْأَلُوا مَا أَنْفَقُوا: ٦٠- ١٠). يَعْنِي (وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) : أَنَّ أَزْوَاجَ الْمُشْرِكَاتِ: مِنْ الْمُؤْمِنِينَ إذَا مَنَعَهُنَّ «٣» الْمُشْرِكُونَ إتْيَانَ أَزْوَاجِهِنَّ «٤» -: بِالْإِسْلَامِ «٥».-:
أَدَّوْا «٦» مَا دَفَعَ إلَيْهِنَّ الْأَزْوَاجُ: مِنْ الْمُهُورِ كَمَا يُؤَدِّي الْمُسْلِمُونَ مَا دَفَعَ أَزْوَاجُ الْمُسْلِمَاتِ: مِنْ الْمُهُورِ. وَجَعَلَهُ اللَّهُ «٧» (عَزَّ وَجَلَّ) حُكْمًا بَيْنَهُمْ.»
«ثُمَّ حَكَمَ [لَهُمْ «٨» ]- فِي مِثْلِ ذَلِكَ الْمَعْنَى- حُكْمًا ثَانِيًا «٩» فَقَالَ: (وَإِنْ فاتَكُمْ شَيْءٌ: مِنْ أَزْواجِكُمْ إِلَى الْكُفَّارِ، فَعاقَبْتُمْ) كَأَنَّهُ «١٠» (وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) يُرِيدُ «١١» : فَلَمْ تَعْفُوا عَنْهُمْ إذَا١»
لَمْ يَعْفُوا عَنْكُمْ مُهُورَ
(١) رَاجع أَيْضا فى الْأُم (ج ٧ ص ٢٠٢- ٢٠٣) : رده القوى على من فرق بَين الْمَسْأَلَتَيْنِ، وَقَالَ: إِذا أسلم الزَّوْج قبل امْرَأَته. وَقعت الْفرْقَة بَينهمَا: إِذا عرض عَلَيْهَا الْإِسْلَام فَأَبت.
(٢) فى الْأُم: «قَالَ». وَمَا فِي الأَصْل أولى كَمَا لَا يخفى.
(٣) كَذَا بِالْأَصْلِ. وَقد ورد لفظ «أَزوَاجهنَّ» مكررا من النَّاسِخ. وفى الْأُم:
«مَنعهم... أَزوَاجهم» وَهُوَ أظهر: وَإِن كَانَت النتيجة وَاحِدَة.
(٤) كَذَا بِالْأَصْلِ. وَقد ورد لفظ «أَزوَاجهنَّ» مكررا من النَّاسِخ. وفى الْأُم:
«مَنعهم... أَزوَاجهم» وَهُوَ أظهر: وَإِن كَانَت النتيجة وَاحِدَة.
(٥) أَي: بِسَبَب إِسْلَام الْأزْوَاج.
(٦) أَي: أدّى الْمُشْركُونَ للأزواج. وَعبارَة الْأُم: «أُوتُوا» أَي: الْأزْوَاج.
وهى أنسب بالْكلَام السَّابِق وَعبارَة الأَصْل أنسب بالْكلَام اللَّاحِق.
(٧) لفظ الْجَلالَة غير مَوْجُود بِالْأُمِّ.
(٨) زِيَادَة حَسَنَة، عَن الْأُم.
(٩) كَذَا بِالْأُمِّ. وفى الأَصْل: «ثَابتا» وَهُوَ تَصْحِيف. [.....]
(١٠) هَذَا لَيْسَ بِالْأُمِّ وَلَعَلَّه سقط من النَّاسِخ أَو الطابع. وفى الأَصْل: «كَانَ»، وَهُوَ تَحْرِيف.
(١١) كَذَا بِالْأُمِّ. وفى الأَصْل: «يرد» وَالنَّقْص من النَّاسِخ.
(١٢) كَذَا بِالْأُمِّ وَهُوَ الظَّاهِر. وفى الأَصْل: «إِذْ». وَلَعَلَّه محرف فَتَأمل.
70
نِسَائِكُمْ (فَآتُوا الَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْواجُهُمْ، مِثْلَ مَا أَنْفَقُوا: ٦٠- ١١).
كَأَنَّهُ يَعْنِي: مِنْ مُهُورِهِمْ إذَا فَاتَتْ امْرَأَةُ مُشْرِكٍ «١» : أَتَتْنَا «٢» مُسْلِمَةً قَدْ أَعْطَاهَا مِائَةً فِي مَهْرِهَا وَفَاتَتْ امْرَأَةٌ «٣» مُشْرِكَةٌ إلَى الْكُفَّارِ، قَدْ أَعْطَاهَا «٤» مِائَةً-: حُسِبَتْ مِائَةُ الْمُسْلِمِ، بِمِائَةِ الْمُشْرِكِ. فَقِيلَ: تِلْكَ:
الْعُقُوبَةُ.»
«قَالَ: وَيُكْتَبُ بِذَلِكَ، إلَى أَصْحَابِ عُهُودِ الْمُشْرِكِينَ: [حَتَّى «٥» ] يُعْطَى الْمُشْرِكُ «٦» مَا قَصَصْنَاهُ «٧» -: مِنْ مَهْرِ امْرَأَتِهِ.- لِلْمُسْلِمِ الَّذِي فَاتَتْ امْرَأَتُهُ إلَيْهِمْ: لَيْسَ «٨» لَهُ غَيْرُ ذَلِكَ.».
ثُمَّ بَسَطَ الْكَلَامَ فِي التَّفْرِيعِ: عَلَى «٩» [هَذَا] القَوْل فى مَوضِع دُخُولِ النِّسَاءِ فِي صُلْحِ النَّبِيِّ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) بِالْحُدَيْبِيَةِ «١٠».
وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ «١١» :«وَإِنَّمَا ذَهَبْتُ: إلَى أَنَّ النِّسَاءَ كُنَّ فِي صُلْحِ
(١) كَذَا بِالْأُمِّ. وفى الأَصْل: «مُشركَة» وَهُوَ خطأ وتحريف.
(٢) كَذَا بِالْأُمِّ. وفى الأَصْل: «أَتَيْنَا» وَهُوَ تَصْحِيف.
(٣) أَي: امْرَأَة مُسلم. وَلَو صرح بِهِ لَكَانَ أحسن.
(٤) أَي: زَوجهَا الْمُسلم.
(٥) زِيَادَة متعينة، عَن الْأُم.
(٦) كَذَا بِالْأُمِّ. وفى الأَصْل: «الْمُشْركين» وَهُوَ خطأ وتحريف.
(٧) أَي: قطعناه عَنهُ. وَعبارَة الْأُم: «مَا قاصصناه بِهِ» وهى أظهر. أَي:
جَعَلْنَاهُ فى مُقَابلَة مهر الْمُسلم.
(٨) هَذِه الْجُمْلَة حَالية. وراجع مَا ذكره بعد ذَلِك: فِيمَا إِذا تفَاوت المهران.
(٩) فى الأَصْل: «وعَلى القَوْل». وَلَعَلَّ الصَّوَاب حذف مَا حذفنا، وَزِيَادَة مَا زِدْنَا.
(١٠) رَاجع الْفَصْل الْخَاص بذلك (ص ١١٤- ١١٧) : لاشْتِمَاله على فَوَائِد مُخْتَلفَة.
(١١) من الْأُم (ج ٤ ص ١١٣). [.....]
71
سورة الممتحنة
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورة (الممتحنة) من السُّوَر المدنية، نزلت بعد سورة (الأحزاب)، وقد جاءت بالنهيِ عن موالاة الكفار واتخاذِهم أولياءَ، وجعلت ذلك امتحانًا ودلالةً على صدقِ الإيمان واكتماله، وسُمِّيت بـ(الممتحنة) لأنَّ فيها ذِكْرَ امتحانِ النساء المهاجِرات المبايِعات للنبي صلى الله عليه وسلم؛ قال تعالى: {يَٰٓأَيُّهَا اْلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِذَا جَآءَكُمُ اْلْمُؤْمِنَٰتُ مُهَٰجِرَٰتٖ فَاْمْتَحِنُوهُنَّۖ} [الممتحنة: 10].

ترتيبها المصحفي
60
نوعها
مدنية
ألفاظها
352
ترتيب نزولها
91
العد المدني الأول
13
العد المدني الأخير
13
العد البصري
13
العد الكوفي
13
العد الشامي
13

* قوله تعالى: {يَٰٓأَيُّهَا اْلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَتَّخِذُواْ عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَآءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِم بِاْلْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُواْ بِمَا جَآءَكُم مِّنَ اْلْحَقِّ يُخْرِجُونَ اْلرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَن تُؤْمِنُواْ بِاْللَّهِ رَبِّكُمْ إِن كُنتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَٰدٗا فِي سَبِيلِي وَاْبْتِغَآءَ مَرْضَاتِيۚ تُسِرُّونَ إِلَيْهِم بِاْلْمَوَدَّةِ وَأَنَا۠ أَعْلَمُ بِمَآ أَخْفَيْتُمْ وَمَآ أَعْلَنتُمْۚ وَمَن يَفْعَلْهُ مِنكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَآءَ اْلسَّبِيلِ} [الممتحنة: 1]:

عن عليِّ بن أبي طالبٍ رضي الله عنه، قال: «بعَثَني رسولُ اللهِ ﷺ أنا والزُّبَيرَ والمِقْدادَ، فقال: «انطلِقوا حتى تأتوا رَوْضةَ خاخٍ؛ فإنَّ بها ظعينةً معها كتابٌ، فَخُذوا منها»، قال: فانطلَقْنا تَعادَى بنا خَيْلُنا حتى أتَيْنا الرَّوْضةَ، فإذا نحنُ بالظَّعينةِ، قُلْنا لها: أخرِجي الكتابَ، قالت: ما معي كتابٌ، فقُلْنا: لَتُخرِجِنَّ الكتابَ، أو لَنُلقِيَنَّ الثِّيابَ، قال: فأخرَجتْهُ مِن عِقاصِها، فأتَيْنا به رسولَ اللهِ ﷺ، فإذا فيه: مِن حاطبِ بنِ أبي بَلْتعةَ، إلى ناسٍ بمكَّةَ مِن المشرِكين، يُخبِرُهم ببعضِ أمرِ رسولِ اللهِ ﷺ، فقال رسولُ اللهِ ﷺ: «يا حاطبُ، ما هذا؟»، قال: يا رسولَ اللهِ، لا تَعجَلْ عليَّ، إنِّي كنتُ امرأً ملصَقًا في قُرَيشٍ، يقولُ: كنتُ حليفًا، ولم أكُنْ مِن أنفُسِها، وكان مَن معك مِن المهاجِرِينَ مَن لهم قراباتٌ يحمُونَ أهلِيهم وأموالَهم، فأحبَبْتُ إذ فاتَني ذلك مِن النَّسَبِ فيهم أن أتَّخِذَ عندهم يدًا يحمُونَ قرابتي، ولم أفعَلْهُ ارتدادًا عن دِيني، ولا رضًا بالكفرِ بعد الإسلامِ، فقال رسولُ اللهِ ﷺ: «أمَا إنَّه قد صدَقَكم»، فقال عُمَرُ: يا رسولَ اللهِ، دَعْني أضرِبْ عُنُقَ هذا المنافقِ، فقال: «إنَّه قد شَهِدَ بَدْرًا، وما يُدرِيك لعلَّ اللهَ اطَّلَعَ على مَن شَهِدَ بَدْرًا، فقال: اعمَلوا ما شِئْتم فقد غفَرْتُ لكم! فأنزَلَ اللهُ السُّورةَ: {يَٰٓأَيُّهَا اْلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَتَّخِذُواْ عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَآءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِم بِاْلْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُواْ بِمَا جَآءَكُم مِّنَ اْلْحَقِّ} [الممتحنة: 1] إلى قولِه: {فَقَدْ ضَلَّ سَوَآءَ اْلسَّبِيلِ} [الممتحنة: 1]». أخرجه البخاري (٤٢٧٤).

* قوله تعالى: {يَٰٓأَيُّهَا اْلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِذَا جَآءَكُمُ اْلْمُؤْمِنَٰتُ مُهَٰجِرَٰتٖ فَاْمْتَحِنُوهُنَّۖ اْللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَٰنِهِنَّۖ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَٰتٖ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى اْلْكُفَّارِۖ لَا هُنَّ حِلّٞ لَّهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّۖ} [الممتحنة: 10]:

عن عُرْوةَ بن الزُّبَيرِ، أنَّه سَمِعَ مَرْوانَ والمِسْوَرَ بن مَخرَمةَ رضي الله عنهما يُخبِرانِ عن أصحابِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، قال: «لمَّا كاتَبَ سُهَيلُ بنُ عمرٍو يومَئذٍ، كان فيما اشترَطَ سُهَيلُ بنُ عمرٍو على النبيِّ صلى الله عليه وسلم: أنَّه لا يأتيك منَّا أحدٌ - وإن كان على دِينِك - إلا ردَدتَّه إلينا، وخلَّيْتَ بَيْننا وبَيْنَه، فكَرِهَ المؤمنون ذلك، وامتعَضوا منه، وأبى سُهَيلٌ إلا ذلك، فكاتَبَه النبيُّ صلى الله عليه وسلم على ذلك، فرَدَّ يومَئذٍ أبا جَنْدلٍ إلى أبيه سُهَيلِ بنِ عمرٍو، ولم يأتِه أحدٌ مِن الرِّجالِ إلا رَدَّه في تلك المُدَّةِ، وإن كان مسلِمًا، وجاءت المؤمِناتُ مهاجِراتٍ، وكانت أمُّ كُلْثومٍ بنتُ عُقْبةَ بنِ أبي مُعَيطٍ ممَّن خرَجَ إلى رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم يومَئذٍ، وهي عاتِقٌ، فجاءَ أهلُها يَسألون النبيَّ صلى الله عليه وسلم أن يَرجِعَها إليهم، فلم يَرجِعْها إليهم؛ لِما أنزَلَ اللهُ فيهنَّ: {إِذَا جَآءَكُمُ اْلْمُؤْمِنَٰتُ مُهَٰجِرَٰتٖ فَاْمْتَحِنُوهُنَّۖ اْللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَٰنِهِنَّۖ} [الممتحنة: 10] إلى قولِه: {وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّۖ} [الممتحنة: 10]».

قال عُرْوةُ: «فأخبَرتْني عائشةُ: أنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم كان يمتحِنُهنَّ بهذه الآيةِ: {يَٰٓأَيُّهَا اْلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِذَا جَآءَكُمُ اْلْمُؤْمِنَٰتُ مُهَٰجِرَٰتٖ فَاْمْتَحِنُوهُنَّۖ} [الممتحنة: 10] إلى {غَفُورٞ رَّحِيمٞ} [الممتحنة: 12]».

قال عُرْوةُ: «قالت عائشةُ: فمَن أقَرَّ بهذا الشرطِ منهنَّ، قال لها رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «قد بايَعْتُكِ»؛ كلامًا يُكلِّمُها به، واللهِ، ما مسَّتْ يدُه يدَ امرأةٍ قطُّ في المبايَعةِ، وما بايَعَهنَّ إلا بقولِه». أخرجه البخاري (٢٧١١).

* سورة (الممتحنة):

سُمِّيت سورة (الممتحنة) بهذا الاسم؛ لأنه جاءت فيها آيةُ امتحان إيمان النساء اللواتي يأتينَ مهاجِراتٍ من مكَّةَ إلى المدينة؛ قال تعالى: {يَٰٓأَيُّهَا اْلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِذَا جَآءَكُمُ اْلْمُؤْمِنَٰتُ مُهَٰجِرَٰتٖ فَاْمْتَحِنُوهُنَّۖ} [الممتحنة: 10].

1. النهيُ عن موالاة الكفار (١-٦).

2. الموالاة المباحة، والموالاة المحرَّمة (٧-٩).

3. امتحان المهاجِرات (١٠-١١).

4. بَيْعة المؤمنات (١١-١٣).

ينظر: "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (8 /96).

مقصدُ سورة (الممتحنة) هو البراءةُ من الشرك والمشركين، وعدمُ اتخاذهم أولياءَ، وفي ذلك دلالةٌ على صدقِ التوحيد واكتماله.

يقول ابنُ عاشور رحمه الله: «اشتملت من الأغراض على تحذيرِ المؤمنين من اتخاذ المشركين أولياءَ مع أنهم كفروا بالدِّين الحق، وأخرَجوهم من بلادهم.

وإعلامِهم بأن اتخاذَهم أولياءَ ضلالٌ، وأنهم لو تمكَّنوا من المؤمنين، لأساؤوا إليهم بالفعل والقول، وأن ما بينهم وبين المشركين من أواصرِ القرابة لا يُعتد به تجاه العداوة في الدِّين، وضرَب لهم مثَلًا في ذلك قطيعةَ إبراهيم لأبيه وقومه.

وأردَف ذلك باستئناس المؤمنين برجاءِ أن تحصُلَ مودةٌ بينهم وبين الذين أمرهم اللهُ بمعاداتهم؛ أي: هذه معاداةٌ غيرُ دائمة...». "التحرير والتنوير" لابن عاشور (28 /131).

وينظر: "مصاعد النظر للإشراف على مقاصد السور" للبقاعي (3 /76).