ﰡ
قوله: ﴿بالطاغية﴾، أي: بالصيحةِ المتجاوزةِ للحدِّ. وقيل: بالفَعْلةِ الطاغيةِ. وقيل: بالرجلِ الطاغيةِ، وهو عاقِرُ الناقةِ، والهاء للمبالغةِ، فالطاغيةُ على هذه الأوجه صفةٌ. وقيل: الطاغيةُ مصدرٌ ويُوَضِّحُه ﴿كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاهَآ﴾ [الشمس: ١١] والباءُ للسببيةِ على الأقوالِ كلِّها، إلاَّ القولَ الأولَ فإنها للاستعانةِ ك «عَمِلْتُ بالقَدُوم».
٤٣١٦ - ففرَّق بين بَيْنِهُمُ زمانٌ | تتابَعَ فيه أعوامٌ حُسومُ |
٤٣١٧ - فأرسَلْتَ ريحاً دَبُوراً عقيماً | فدارَتْ عليهمْ فكانَتْ حُسُوماً |
قوله: ﴿فِيهَا صرعى﴾ صَرْعَى حالٌ، جمعُ صَريع نحو: قتيل وقَتْلى، وجريح وجَرْحى، والضمير في «فيها» للأيام والليالي، أو للبيوت، أو للرِيح، أظهرُها الأولُ لقُرْبِه، ولأنَّه مذكورٌ.
وقوله: ﴿كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ﴾ حالٌ من القوم، أو مستأنفةٌ. وقرأ أبو نهيك «أَعْجُزُ» على أَفْعُل نحو: ضَبُع وأَضْبُع. وقُرِىء «نخيل» حكاه الأخفشُ، وقد تقدَّم أنَّ اسم الجنس يُذَكَّرُ ويؤنَّثُ، واختير هنا تأنيثهُ
قوله: ﴿بِالْخَاطِئَةِ﴾ إمَّا أَنْ يكونَ صفةً/، أي: بالفَعْلَةِ أو الفَعَلات الخاطئة، وإمَّا أن يكون مصدراً كالخَطَأ فيكون كالعافية والكاذبة.
٤٣١٨ - تِسْعُونَ جاريةً في بطنِ جاريةٍ | .......................... |
قوله: ﴿فَدُكَّتَا﴾ : أي: الأرضُ والجبالُ؛ لأنَّ المرادَ الشيئان المتقدِّمان كقوله: ﴿وَإِن طَآئِفَتَانِ مِنَ المؤمنين اقتتلوا﴾ [الحجرات: ٩].
خَلِّ سبيلَ مَنْ وَهَى سِقاؤُهُ | ومَنْ هُرِيْقَ بالفَلاةِ ماؤُه |
فلا يُرْمَى بِيَ الرَّجَوانِ أني | أقَلُّ القومِ، مَنْ يُغْني مكاني |
وقال الآخر :
كأَنْ لم تَرَيْ قبلي أسيراً مُقَيدَّاً | ولا رجلاً يُرْمى به الرَّجَوانِ |
قلت: الزمخشريُّ مَنْزَعُه في هذا ما قدَّمْتُه عنه في أواخرِ سورةِ البقرة عند قوله ﴿وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ﴾ فليُراجَعْ ثمة. وأمَّا قولُ الشيخ:» ما [في الدار] مِنْ رجال، إنَّ النفي مَنسَحِبٌ على رُتَبِ الجمعِ «ففيه خلافٌ للناسِ ونَظَرٌ. والتحقيقُ ما ذكره. والضمير في» فوقهم «يجوزُ أَنْ يعودَ على المَلَك؛ لأنه بمعنى الجمع كما تقدَّم، وأَنْ يعودَ على الحامِلينَ الثمانيةِ. وقيل: يعود على جمع العالَمِ، أي: إن الملائكةَ تحملُ عَرْشَ اللَّهِ تعالى فوق العالَمِ كلِّه.
قوله: ﴿ثمانيةٌ﴾ أَبْهم اللهُ تعالى هذا العددَ، فلم يَذْكُرْ له تمييزاً فقيل: تقديرُه ثمانية أشخاصٍ. وقيل: ثمانيةُ صُنوفٍ.
قوله: ﴿وَاهِيَةٌ﴾، أي: ضعيفة. يقال: وَهَى الشيءُ يَهِي وَهْياً، أي: ضَعُف ووهَى السِّقاءُ: انخرق. قال:
٤٣١٩ - خَلِّ سبيلَ مَنْ وَهَى سِقاؤُهُ | ومَنْ هُرِيْقَ بالفَلاةِ ماؤُه |
٤٣٢٠ - فلا يُرْمَى بِيَ الرَّجَوانِ أني | أقَلُّ القومِ، مَنْ يُغْني مكاني |
٤٣٢١ - كأَنْ لم تَرَيْ قبلي أسيراً مُقَيدَّاً | ولا رجلاً يُرْمى به الرَّجَوانِ |
أَرْمي عليها وهي فَرْعٌ أَجْمَعُ | وهي ثلاثُ أَذْرُعٍ وإصبعُ |
وقال الزمخشري: «والمعنى في تقديم السِّلسلةِ على السَّلْك مثلُه في تقديمِ الجحيمِ على التَّصْليةِ أي: لا تَسْلُكوه إلاَّ في هذه السلسلةِ و» ثُمَّ «للدلالةِ على التفاوُتِ لِما بين الغَلِّ والتَّصْليةِ بالجَحيم، وما قبلَها، وبينَ السَّلْكِ في السِّلسلة لا على تراخي المُدَّة». ونازعه الشيخُ في إفادةِ التقديم الاختصاصَ كعادتِه، وجوابُه ما تقدَّم، ونازَعه أيضاً في أنَّ «ثُمَّ» للدلالة على تراخي الرتبة. وقال: «يمكنُ التراخي الزماني: بأَنْ يَصْلَى بعد أن يُسْلَكَ، ويُسْلَكَ بعد أَنْ يُؤْخَذَ ويُغَلَّ بمهلةٍ بين هذه الأشياءِ». انتهى. وفيه نظرٌ: من حيث إن التوعُّدَ بتوالي العذابِ آكَدُ وأقطعُ مِنْ التوعُّدِ بتَفْريقه.
والغِسْلِين: فِعْلِيْن مِن الغُسالةِ، فنونُه وياؤُه زائدتان. قال أهلُ اللغة: هو ما يَجْري من الجِراح إذا غُسِلَتْ. وفي التفسير: هو صَديدُ أهلِ النار. وقيل: شجرٌ يأكلونه.
وقرأ الزُّهريُّ والعَتكِيُّ وطلحة والحسن «الخاطِيُون» بياءٍ مضمومةٍ
قلت: لا يريدُ ابنُ عطيةَ بدلالةِ «تُؤْمنون» على الفعلِ المحذوفِ الدلالةَ المذكورةَ في بابِ الاشتغالِ، حتى يكونَ العاملُ الظاهر مفسِّراً
وأمَّا الردُّ الثاني فظاهرٌ. وقد تقدَّم لابنِ عطيةَ هذا القولُ في أول سورةِ الأعراف وتكلَّمْتُ معه ثَمَّة. وقال الزمشخريُّ: «والقلَّةُ في معنى العَدَمِ أي: لا تُؤْمنون ولا تَذَكَّرون البتة». قال الشيخ: «ولا يُرادُ ب» قليلاً «هنا النفيُ المَحْض، كما زعم، وذلك لا يكونُ إلاَّ في» أقَلَّ «نحو:» أقَلُّ رجلٍ يقولُ ذلك إلاَّ زيدٌ «وفي» قَلَّ «نحو:» قَلَّ رجلٌ يقولُ ذلك إلاَّ زيدٌ «وقد يُستعمل في قليل وقليلة، أمَّا إذا كانا مرفوعَيْنِ، نحوُ ما جَوَّزوا في قولِه:
٤٣٢٣ -............................ | قليلٌ بها الأصواتُ إلاَّ بُغامُها |
٤٣٢٤ - إذا بَلَّغْتِني وحَملْتِ رَحْلِي | عَرابةَ فاشْرَقي بدمِ الوتينِ |
إذا بَلَّغْتِني وحَملْتِ رَحْلِي | عَرابةَ فاشْرَقي بدمِ الوتينِ |
٤٣٢٥ - إذا نُهِي السَّفيهُ جرى إليه | وحالفَ والسَّفيهُ إلى خِلافِ |
إذا نُهِي السَّفيهُ جرى إليه | وحالفَ والسَّفيهُ إلى خِلافِ |
سورة الحاقة
سورة (الحاقَّة) من السُّوَر المكية، وقد أثبتت هولَ يومِ القيامة، وتحقُّقَ وقوعه؛ ليرجعَ الكفار عن كفرهم وعنادهم، وليخافوا من هذا اليوم، لا سيما بعد أن ذكَّرهم اللهُ بما أوقَعَ من العذاب على الأُمم السابقة التي خالفت أمره فدمَّرهم تدميرًا، وأهلكهم في الدنيا قبل الآخرة، وفي ذلك تسليةٌ للنبي صلى الله عليه وسلم وتثبيتٌ له، وتأييدٌ من الله وحفظ له وللمؤمنين.
ترتيبها المصحفي
69نوعها
مكيةألفاظها
261ترتيب نزولها
87العد المدني الأول
52العد المدني الأخير
52العد البصري
51العد الكوفي
52العد الشامي
51* سورة (الحاقَّة):
سُمِّيت سورة (الحاقة) بهذا الاسم؛ لافتتاحها بهذا اللفظ، و(الحاقَّة): اسمٌ من أسماء يوم القيامة.
1. تعظيم يوم القيامة، وإهلاك المكذِّبين به (١-١٢).
2. أهوال يوم القيامة (١٣-١٨).
3. جزاء الأبرار وتكريمهم (١٩-٢٤).
4. حال الأشقياء يوم القيامة (٢٥-٣٧).
5. تعظيم القرآن، وتأكيد نزوله من عند الله (٣٨-٥٢).
ينظر: "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (8 /320).
مقصدها تهويلُ يوم القيامة، وتهديد الكفار به؛ ليَرجعوا إلى الحقِّ، وتذكيرُهم بما حلَّ بالأمم السابقة التي عاندت وخالفت أمرَ الله من قبلِهم، وأُدمِجَ في ذلك أن اللهَ نجَّى المؤمنين من العذاب، وفي ذلك تذكيرٌ بنعمة الله على البشر؛ إذ أبقى نوعَهم بالإنجاء من الطُّوفان.
ينظر: "التحرير والتنوير" لابن عاشور (29 /111).