تفسير سورة الحاقة

تفسير ابن أبي زمنين

تفسير سورة سورة الحاقة من كتاب تفسير القرآن العزيز المعروف بـتفسير ابن أبي زمنين.
لمؤلفه ابن أبي زَمَنِين . المتوفي سنة 399 هـ
تفسير سورة الحاقة وهي مكية كلها.

قَوْلُهُ: ﴿الْحَاقَّةُ مَا الْحَاقَّةُ وَمَا أَدْرَاك مَا الحاقة﴾ أَيْ: أَنَّكَ لَمْ تَكُ تَدْرِي مَا الْحَاقَّةُ؟ حَتَّى أَعْلَمْتُكَهَا، وَالْحَاقَّةُ: اسمٌ مِنْ أَسْمَاءِ الْقِيَامَةِ أحقَّت لِأَقْوَامٍ الْجَنَّةَ، وأحقَّت لِأَقْوَامٍ النَّارَ.
يَحْيَى: وَبَلَغَنِي أَنَّ كلَّ شَيْءٍ فِي الْقُرْآنِ (وَمَا أَدْرَاكَ) فَقَدْ أَدْرَاهُ إِيَّاهُ وَكُلُّ شَيْءٍ (وَمَا يدْريك) فَهُوَ مَا لَمْ يُعْلِمْهُ إِيَّاهُ بعدُ.
قَالَ محمدٌ: قَوْلُهُ: ﴿الْحَاقَّةُ مَا الحاقة﴾ اللَّفْظُ لَفْظُ الِاسْتِفْهَامِ، وَالْمَعْنَى تَفْخِيمُ شَأْنِهَا؛ كَمَا تَقُولُ فُلانُ مَا فلَان.
﴿ ما الحاقة( ٢ ) ﴾ قال محمد : قوله :﴿ الحاقة( ١ ) ما الحاقة( ٢ ) ﴾ اللفظ لفظ الاستفهام، والمعنى تفخيم شأنها ؛ كما تقول فلان ما فلان.
﴿ وما أدراك ما الحاقة( ٣ ) ﴾ أي : أنك لم تك تدري ما الحاقة ؟ حتى أعلمتكها. يحيى : وبلغني أن كل شيء في القرآن ( وما أدراك ) فقد أدراه إياه وكل شيء ( وما يدريك ) فهو ما لم يعلمه إياه بعد.
﴿كذبت ثَمُود وَعَاد بالقارعة﴾ تَفْسِيرُ الْكَلْبِيِّ: الْقَارِعَةُ اسْمٌ مِنْ أَسمَاء الْقِيَامَة
﴿فَأَما ثَمُود فأهلكوا بالطاغية﴾ قَالَ الْكَلْبِيُّ: الطَّاغِيَةُ: الصَّاعقة الَّتِي أهلكوا
26
بهَا
27
﴿وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ﴾ بَارِدَة شَدِيدَة الْبرد.
﴿عَاتِيَة﴾ عَتَتْ عَلَى خُزَّانها بِأَمْرِ رَبِّهَا كَانَتْ تَخْرُجُ بِقَدَرٍ فَعَتَتْ يومئذٍ عَلَى خُزَّانها، وَهِيَ رِيحُ الدَّبور
﴿سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّام حسوما﴾ أَيْ: تِبَاعًا لَيْسَ فِيهَا تَفْتِيرٌ، وَكَانَ ذَلِك من يَوْم الْأَرْبَعَاء إِلَى الْأَرْبَعَاءِ الْآخَرِ، وَاللَّيَالِي سبعٌ مِنْ لَيْلَةِ الْخَمْيِسِ إِلَى لَيْلَةِ الْأَرْبَعَاءِ.
قَالَ محمدٌ: قَوْلُهُ: ﴿حُسُومًا﴾ يُقَالُ: هُوَ مِنْ حَسْمِ الدَّاءِ؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ يُتَابِعُ عَلَيْهِ بَالْكَيِّ. وَقِيلَ: الْمَعْنَى: تَحْسُمُهُمْ حُسُومًا؛ أَيْ: تُذْهِبهم وَتُفْنِيهِمْ؛ فَاللَّهُ أَعْلَمُ.
﴿فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صرعى﴾ أَخْبَرَ عَنْهُمْ ﴿كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ﴾ شَبَّهَهُمْ بِالنَّخْلِ الَّتِي قَدِ انْقَعَرَتْ فَوَقَعت، وَقَوله: ﴿خاوية﴾ يَعْنِي: بَالِيَةٌ أَخَذَتْ أَبْدَانَهُمْ مِنْ أَرْوَاحهم، كالنخل الخاوية.
وَقَوْلُهُ: ﴿فَهَلْ تَرَى لَهُمْ مِنْ بَاقِيَة﴾ يَعْنِي: مِن (ل ٣٧١) بَقِيَّةٍ؛ أَيْ: قَدْ أُهْلِكُوا، فَلا ترى مِنْهُم أحدا
﴿وَجَاء فِرْعَوْن وَمن قبله﴾ مِمَّن كذب الرُّسُل ﴿والمؤتفكات﴾ وَهِيَ قُرَيَاتُ قَوْمِ لُوطٍ ﴿بِالْخَاطِئَةِ﴾ يَعْنِي: الشّرك
﴿فعصوا رَسُول رَبهم﴾ عَصَى كُلُّ قَوْمٍ رَسُولَ رَبِّهِمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ ﴿فَأَخَذَهُمْ أَخْذَةً رابية﴾ شَدِيدَةً، فِي تَفْسِيرِ مُجَاهِدٍ.
قَالَ محمدٌ: (رابية) الْمَعْنَى: تَزِيدُ عَلَى الْأَخَذَاتِ؛ وَهُوَ معنى قَول مُجَاهِد.
﴿إِنَّا لما طَغى المَاء﴾ عَلَى خُزَّانه بِأَمْرِ رَبِّهِ كَانَ يَخْرُجُ بِقَدَرٍ، فَطَغَى يَوْمَ غرَّق الله قوم نوح ﴿حَمَلْنَاكُمْ﴾ يَعْنِي: نُوحًا وَمَنْ مَعَهُ الَّذِينَ من ذرّيتهم ﴿فِي الْجَارِيَة﴾ يَعْنِي: السَّفِينَة
﴿لنجعلها لكم تذكرة﴾ فَيَذْكُرُونَ أَنَّ جَمِيعَ مَنْ فِي الْأَرْضِ غَرِقَ غَيْرَ أَهْلِ السَّفينة ﴿وَتَعيهَا أذن وَاعِيَة﴾ حَافِظَةٌ؛ وَهِيَ أُذُنُ الْمُؤْمِنِ سَمِعَ التَّذْكِرَةَ فَوَعَاهَا بِقَلْبِهِ
27
قَالَ محمدٌ: وَعَيْتُ الْعلم وووَعَيْتُ مَا قلتَ؛ أَيْ: حَفِظْتُهُ، وَكَذَلِكَ كُلَّ شَيْءٍ حَفِظْتُهُ فِي نَفْسِكَ، وَيُقَالُ لِكُلِّ شَيْءٍ حَفِظْتَهُ فِي غَيْرِ نَفْسِكَ: أوعيْته، وَمِنْهُ أوعيت الْمَتَاع فِي الْوِعَاء. تَفْسِير سُورَة الحاقة من آيَة (١٣ - ١٧)
28
﴿فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَة﴾ وَهِيَ النَّفْخَةُ الْآخِرَةُ.
قَالَ محمدٌ: الْقِرَاءَة (نفخةٌ واحدةٌ) بِالرَّفْعِ عَلَى مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ؛ الْمَعْنَى نُفِخَ نفخةٌ واحدةٌ فِي الصُّورِ.
﴿وحملت الأَرْض وَالْجِبَال﴾ تُحْمَلُ مِنْ أُصُولِهَا فَتُذْهَبْ ﴿فَدُكَّتَا دكة وَاحِدَة﴾ تصير أرْضهَا مستوية
﴿فَيَوْمئِذٍ وَقعت الْوَاقِعَة﴾ يَعْنِي: وَقَعَ الْعَذَابُ بِأَهْلِ الْعَذَابِ
﴿وَانْشَقَّتِ السَّمَاءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ﴾ كَقَوْلِهِ: ﴿وَفُتِحَتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ أَبْوَابًا﴾ يَعْنِي: تَشَقُّقَهَا، وَالْوَاهِيَةُ: الضَّعِيفَةُ لَيْسَتْ فِي الشدَّة كَمَا كَانَت
﴿وَالْملك﴾ يَعْنِي: جَمِيعُ الْمَلائِكَةِ ﴿عَلَى أَرْجَائِهَا﴾ عَلَى حَافَّاتِ السَّمَاءِ يَعْنِي: أَطْرَافَهَا.
قَالَ محمدٌ: رَجَا كُلِّ شَيْءٍ: ناحيَتُه مَقْصُورٌ، وَالتَّثْنِيَةُ: رَجَوان وَالْجَمْعُ أَرْجَاءُ.
28
﴿وَيحمل عرش رَبك فَوْقهم﴾ فَوق الْخَلَائق ﴿يَوْمئِذٍ ثَمَانِيَة﴾ قَالَ قَتَادَةُ: هُمُ الْيَوْمَ أَرْبَعَةٌ مِنَ الْمَلائِكَةِ وَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ.
يَحْيَى: عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسلم: ((أُذِنَ لِي أَنْ أُحَدِّثَ عَنْ مَلَكٍ مِنْ حَمَلَةِ الْعَرْشِ رجْلاه فِي الْأَرْضِ السُّفْلَى، وَعَلَى قرْنه العرشُ، وَبَيْنَ شَحْمَةِ أُذُنِهِ إِلَى عَاتِقه خفقان الطير مسيرَة سَبْعمِائة سَنَةٍ، يَقُولُ: سُبْحَانَكَ حَيْثُ كُنْتَ)).
29
يَحْيَى: بَلَغَنِي أَنَّ اسْمَهُ رُزوفيل. تَفْسِير سُورَة الحاقة من آيَة (١٨ - ٣٧)
30
﴿يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنْكُمْ خافية﴾ لَا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْ أَعمالكُم شَيْء.
﴿فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ﴾ فَيَعْرِفُ أَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ ﴿فَيَقُول هاؤم﴾ أَي هاكم ﴿اقْرَءُوا كِتَابيه﴾ وَذَلِكَ حِينَ يَأْذَنُ اللَّهُ لَهُ فَيَقْرَأُ كِتَابَهُ، فَإِذَا كَانَ الرَّجُلُ فِي الْخَيْر رَأْسًا يَدْعُو إِلَيْهِ، وَيَأْمُرُ بِهِ وَيُكْثِرُ عَلَيْهِ تبعُه، دُعِيَ بِاسْمِهِ وَاسْمِ أَبِيهِ.
30
فَيَتَقَدَّمُ؛ حَتَّى إِذَا دَنَا أُخْرِج لَهُ كِتَابٌ أَبْيَضُ بِخَطٍّ أَبْيَضَ فِي بَاطِنِهِ السَّيِّئَاتُ، وَفِي ظَاهِرِهِ الْحَسَنَاتُ، فَيَبْدَأُ بِالسَّيِّئَاتِ فَيَقْرَؤُهَا فيشْفق وَيَتَغَيَّرُ لَوْنُهُ، فَإِذَا بَلَغَ آخِرَ الْكِتَابِ وَجَدَ فِيهِ هَذِهِ سَيِّئَاتُكَ قَدْ غُفِرَتْ لَكَ فَيَفْرَحُ ثُمَّ يقلب كِتَابه، فَيقْرَأ حَسَنَاته قلا يَزْدَادُ إِلَّا فَرَحًا؛ حَتَّى إِذَا بَلَغَ آخِرَ الْكِتَابِ وَجَدَ فِيهِ هَذِهِ حَسَنَاتُكَ، وَقَدْ ضُوعفت لَكَ فَيَبْيَضُّ وَجْهُهُ، وَيُؤْتَى بِتَاجٍ فَيُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ، ويُكْسَى حُلتين، ويُحَلَّى كُلُّ مِفْصَلٌ مِنْهُ، ويُطوّل سِتِّينَ ذِرَاعًا، وَهِيَ قَامَةُ آدَمَ وَيُقَالُ: انْطَلِقْ إِلَى أَصْحَابِكَ فَبَشِّرْهُمْ وأخبرهُمْ أَنَّ لِكُلِّ إِنْسَانٍ مِنْهُمْ مِثْلَ هَذَا، فَإِذَا أَدْبَرَ قَالَ: ﴿هَاؤُمُ﴾ أَيْ: هَاكُمُ ﴿اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ﴾
31
﴿إِنِّي ظَنَنْت﴾ عَلِمْتُ ﴿أَنِّي مُلاقٍ حِسَابِيَهْ﴾
قَالَ اللَّهُ: ﴿فَهُوَ فِي عِيشَةٍ راضية﴾ أَيْ: مَرْضِيَّةٌ قَدْ رَضِيهَا ﴿فِي جنَّة عالية﴾
﴿قطوفها﴾ ثمارها] وعناقيدها ﴿دانية﴾ أُدْنِيَتْ مِنْهُمْ فَيَقُولُ لِأَصْحَابِهِ]: هَلْ تَعْرِفُونَنِي؟ فَيَقُولُونَ قَدْ غَيَّرَتْكَ كَرَامَةُ اللَّهِ، مَنْ أَنْتَ؟ فَيَقُولُ:] أَنَا فُلانُ بْنُ فُلانٍ، أَبَشِّرُ كُلَّ رجل] مِنْكُم بِمثل هَذَا
﴿كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ﴾ قدمتم] فِي أَيَّام الدُّنْيَا،
و] إِذا كَانَ الرَّجُلُ فِي الشَّرِّ] رَأْسًا [يَدْعُو إِلَيْهِ (ل ٣٧٢) وَيَأْمُرُ بِهِ فيكثُر عَلَيْهِ تبَعُه، نُودِيَ بِاسْمِهِ وَاسْمِ أَبِيهِ، فَيَتَقَدَّمُ إِلَى حِسَابِهِ، فَيَخْرُجُ لَهُ كتابٌ أَسْوَدٌ بِخَطٍّ أَسْوَدٍ فِي بَاطِنِهِ الْحَسَنَاتُ وَفِي ظَاهِرِهِ السَّيِّئَاتُ، فَيَبْدَأُ بِالْحَسَنَاتِ فَيَقْرَؤُهَا فَيَفْرَحُ وَيَظُنُّ أَنَّهُ سَيَنْجُو؛ فَإِذَا بَلَغَ آخِرَ الْكِتَابِ وَجَدَ فِيهِ: هَذِهِ حَسَنَاتُكَ وَقَدْ رُدت عَلَيْكَ فَيَسْوَدُّ وجهُه وَيَعْلُوهُ الْحُزْنُ، وَيَقْنَطُ مِنَ الْخَيْرِ، ثُمَّ يَقْلِبُ كِتَابَهُ فَيَقْرَأُ سَيِّئَاتَهُ، فَلا يَزْدَادُ إِلَّا حُزْنًا وَلا يزدادُ وجْهُه إِلَّا سَوَادًا، فَإِذَا بَلَغَ آخِرَ الْكِتَابِ وَجَدَ فِيهِ: هَذِهِ سَيِّئَاتُكَ، وَقَدْ ضُوعفت عَلَيْكَ؛ أَيْ: يُضاعَفُ عَلَيْهِ الْعَذَابُ، لَيْسَ الْمَعْنَى: أَنَّهُ يُزَادُ عَلَيْهِ مَا لَمْ يَعْمَلْ.
31
قَالَ: فَيُعْظِمُ لِلنَّارِ وَتَزْرَقُّ عَيْنَاهُ ويَسْوَدّ وَجْهُهُ، ويُكسى سَرَابِيلَ الْقَطْرَانِ وَيُقَالُ لَهُ: انْطَلِقْ إِلَى أَصْحَابِكَ؛ فَأَخْبِرْهُمْ إِنَّ لِكُلِّ إِنْسَانٍ مِنْهُمْ مِثْلَ هَذَا. فَيَنْطَلِقُ وَهُوَ يَقُولُ: ﴿يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ يَا ليتها كَانَت القاضية﴾ يتَمَنَّى الْمَوْت
32
﴿ يا ليتها كانت القاضية( ٢٧ ) ﴾ يتمنى الموت.
﴿هلك عني سلطانيه﴾ تَفْسِيرُ ابْنِ عَبَّاسٍ هَلَكَتْ عَنِّي حُجَّتي.
قَالَ اللَّهُ: ﴿خُذُوهُ فَغُلُّوهُ ثُمَّ الْجَحِيم صلوه﴾ أَي: اجعلوه يَصْلَي الْجَحِيم
﴿ ثم الجحيم صلوه( ٣١ ) ﴾ أي : اجعلوه يصلي الجحيم.
﴿ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا﴾ اللَّهُ أَعْلَمُ بِأَيِّ ذِرَاعٍ ﴿فاسلكوه﴾ فَيُسْلَكُ فِيهَا، تَدْخُلُ مِنْ فِيهِ حَتَّى تَخْرُجَ مِنْ دُبُره، وَلَوْ أَنَّ حَلْقَةً مِنْهَا وُضِعَتْ عَلَى جَبَلٍ لَذَابَ؛ فَيُنَادِي أَصْحَابَهُ: هَلْ تَعْرِفُونَنِي؟ فَيَقُولُونَ: لَا وَلَكِنْ قَدْ نَرَى مَا بِكَ مِنَ الخِزْي فَمَنْ أَنْتَ؟ فَيَقُولُ أَنَا فُلانُ ابْنُ فُلانٍ إِنَّ لِكُلِّ إِنْسَانٍ مِنْكُم مثل هَذَا
قَالَ اللَّهُ: ﴿فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هَا هُنَا حميم﴾ أَي: شفيقُ يَنْفَعهُ
﴿وَلا طَعَامٌ إِلا مِنْ غِسْلِينٍ﴾ يَعْنِي: غُسَالَةُ أَهْلِ النَّارِ: القيْح والدّمُ
﴿لَا يَأْكُلهُ إِلَّا الخاطئون﴾ الْمُشْرِكُونَ.
قَالَ محمدٌ: الِاخْتِيَارُ أَنْ يُوقَفَ عَلَى الْهَاءَاتِ الَّتِي مَضَتْ فِي قَوْله ﴿كِتَابيه﴾ ﴿حسابيه﴾ و ﴿ماليه﴾ و ﴿سلطانيه﴾ وَتُوصَلُ، وَقَدْ حَذَفَهَا قومٌ فِي الوصْل؛ وَهُوَ خِلافُ الْمُصْحَفِ ذَكَرَهُ الزَّجَّاج. تَفْسِير سُورَة الحاقة من آيه (٣٨ - ٤٦)
32
تَفْسِير سُورَة الحاقة من آيه (٤٧ - ٥٢)
33
قَوْلُهُ: ﴿فَلا أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ وَمَا لَا تبصرون﴾ أُقْسِمُ بِكُلِّ شَيْءٍ أَنَّ الْقُرْآنَ
﴿ وما لا تبصرون( ٣٩ ) ﴾ أقسم بكل شيء.
﴿لقَوْل رَسُول كريم﴾ على الله؛ يَعْنِي: مُحَمَّد صلى اللَّه عَلَيْهِ وَسلم.
﴿وَمَا هُوَ﴾ مَا الْقُرْآنُ ﴿بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلا مَا تؤمنون﴾ أقلكم من يُؤمن
﴿وَلا بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلا مَا تذكرُونَ﴾ أَقَلُّكُمْ مَنْ يَتَذَكَّرُ أَيْ: يُؤْمِنُ
﴿تَنْزِيل﴾ يَعْنِي: الْقُرْآنَ ﴿مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾.
﴿وَلَو تَقول علينا﴾ يَعْنِي: مُحَمَّدًا ﴿بعض الْأَقَاوِيل﴾ فَزَادَ فِي الْوَحْيِ أَوْ نَقَصَ مِنْهُ
﴿لأخذنا مِنْهُ بِالْيَمِينِ﴾ أَيْ: بِالْحَقِّ عُقُوبَةٌ، وَتَفْسِيرُ الْحَسَنِ: يَقُول: لقطعنا يَده الْيُمْنَى
﴿ثمَّ لقطعنا مِنْهُ الوتين﴾ وَهُوَ الْعِرْقُ الَّذِي الْقَلْبُ مُعَلَّقٌ بِهِ فَإِذَا انْقَطَعَ مَاتَ الْإِنْسَانُ
﴿فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حاجزين﴾.
قَالَ محمدٌ: (حاجزين) من نعت (أحد)، و (أحدٌ) فِي مَعْنَى جَمِيعٍ؛ الْمَعْنَى فَمَا مِنْكُم قوم يحجزون عَنهُ.
﴿وَإنَّهُ﴾ يَعْنِي: الْقُرْآن ﴿لتذكرة لِلْمُتقين﴾ هم الَّذين يقبلُونَ التَّذْكِرَة
﴿وَإنَّهُ﴾ يَعْنِي: الْقُرْآنَ ﴿لَحَسْرَةٌ عَلَى الْكَافِرِينَ﴾ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، إِذْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ فِي الدُّنْيَا
﴿وَإنَّهُ﴾ يَعْنِي: الْقُرْآن ﴿لحق الْيَقِين﴾ أَنه من عِنْد الله
﴿فسبح باسم رَبك الْعَظِيم﴾.
قَالَ مُحَمَّدٌ: التَّسْبِيحُ مَعْنَاهُ: تَنْزِيهُ اللَّهِ مِنَ السُّوءِ وَتَبْرِئَتُهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى.
33
تَفْسِيرُ سُورَةِ سَأَلَ سَائِلٌ وَهِيَ مَكِّيَّة كلهَا
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيم تَفْسِير سُورَة المعارج من آيه (١ - ٩)
34
سورة الحاقة
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورة (الحاقَّة) من السُّوَر المكية، وقد أثبتت هولَ يومِ القيامة، وتحقُّقَ وقوعه؛ ليرجعَ الكفار عن كفرهم وعنادهم، وليخافوا من هذا اليوم، لا سيما بعد أن ذكَّرهم اللهُ بما أوقَعَ من العذاب على الأُمم السابقة التي خالفت أمره فدمَّرهم تدميرًا، وأهلكهم في الدنيا قبل الآخرة، وفي ذلك تسليةٌ للنبي صلى الله عليه وسلم وتثبيتٌ له، وتأييدٌ من الله وحفظ له وللمؤمنين.

ترتيبها المصحفي
69
نوعها
مكية
ألفاظها
261
ترتيب نزولها
87
العد المدني الأول
52
العد المدني الأخير
52
العد البصري
51
العد الكوفي
52
العد الشامي
51

* سورة (الحاقَّة):

سُمِّيت سورة (الحاقة) بهذا الاسم؛ لافتتاحها بهذا اللفظ، و(الحاقَّة): اسمٌ من أسماء يوم القيامة.

1. تعظيم يوم القيامة، وإهلاك المكذِّبين به (١-١٢).

2. أهوال يوم القيامة (١٣-١٨).

3. جزاء الأبرار وتكريمهم (١٩-٢٤).

4. حال الأشقياء يوم القيامة (٢٥-٣٧).

5. تعظيم القرآن، وتأكيد نزوله من عند الله (٣٨-٥٢).

ينظر: "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (8 /320).

مقصدها تهويلُ يوم القيامة، وتهديد الكفار به؛ ليَرجعوا إلى الحقِّ، وتذكيرُهم بما حلَّ بالأمم السابقة التي عاندت وخالفت أمرَ الله من قبلِهم، وأُدمِجَ في ذلك أن اللهَ نجَّى المؤمنين من العذاب، وفي ذلك تذكيرٌ بنعمة الله على البشر؛ إذ أبقى نوعَهم بالإنجاء من الطُّوفان.

ينظر: "التحرير والتنوير" لابن عاشور (29 /111).