تفسير سورة الكافرون

تفسير ابن جزي

تفسير سورة سورة الكافرون من كتاب التسهيل لعلوم التنزيل المعروف بـتفسير ابن جزي.
لمؤلفه ابن جُزَيِّ . المتوفي سنة 741 هـ
سورة الكافرون
مكية، وآياتها ٦، نزلت بعد الماعون.
سبب هذه السورة أن قوما من قريش منهم الوليد بن المغيرة وأمية بن خلف والعاصي بن وائل وأبو جهل ونظراؤهم قالوا : يا محمد اتبع ديننا ونتبع دينك، اعبد آلهتنا سنة ونعبد إلهك سنة، فقال :" معاذ الله أن نشرك بالله شيئا "، ونزلت السورة في معنى البراءة من آلهتهم، ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" من قرأها فقد برئ من الشرك ".

سورة الكافرون
مكية وآياتها ٦ نزلت بعد الماعون بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
(سورة الكافرون) سبب هذه السورة أن قوما من قريش منهم الوليد بن المغيرة وأمية بن خلف والعاصي بن وائل وأبو جهل ونظراؤهم قالوا: يا محمد اتبع ديننا ونتبع دينك، أعبد آلهتنا سنة ونعبد إلهك سنة فقال: معاذ الله أن نشرك بالله شيئا، ونزلت السورة في معنى البراءة من آلهتهم ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من قرأها فقد برىء من الشرك لا أَعْبُدُ ما تَعْبُدُونَ هذا إخبار أنه لا يعبد أصنامهم، فإن قيل لم كرر هذا المعنى بقوله: ولا أنا عابد ما عبدتم؟
فالجواب من وجهين أحدهما قاله الزمخشري وهو أن قوله: لا أعبد ما تعبدون يريد في الزمان المستقبل وقوله: ولا أنا عابد ما عبدتم يريد به فيما مضى، أي ما كنت قط عابدا ما عبدتم فيما سلف، فكيف تطلبون ذلك مني الآن. الثاني قاله ابن عطية: وهو أن قوله: لا أعبد ما تعبدون لما كان يحتمل أن يراد به زمان الحال خاصة قال: ولا أنا عابد ما عبدتم أي: أبدا ما عشت. لأن لا النافية إذا دخلت على الفعل المضارع خلصته للاستقبال فقوله: لا أعبد لا يحتمل أن يراد به الحال. ويحتمل عندي أن يكون قوله: لا أعبد ما تعبدون يراد به في المستقبل، على حسب ما تقتضيه لا من الاستقبال، ويكون قوله ولا أنا عابد ما عبدتم يريد به في الحال، فيحصل من المجموع نفي عبادته الأصنام في الحال والاستقبال. ومعنى الحال في قوله ولا أنا عابد ما عبدتم ثم أظهر من معنى المضي الذي قاله الزمخشري، ومن معنى الاستقبال فإن قولك: ما زيد بقائم بنفي الجملة الاسمية يقتضي الحال.
وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ ما أَعْبُدُ هذا إخبار أن هؤلاء الكفار لا يعبدون الله، كما قيل لنوح: أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ [هود: ٣٦] إلا أن هذا في حق قوم مخصوصين ماتوا على الكفر، وقد روي أن هؤلاء الجماعة المذكورين هم أبو جهل والوليد بن المغيرة والعاصي بن وائل والأسود بن المطلب وأمية بن خلف وأبيّ بن خلف وأبن الحجاج وكلهم ماتوا كفارا، فإن قيل: لم قال ما أعبد بما دون من التي هي موضوعة لمن يعقل؟ فالجواب من ثلاثة أوجه: أحدهما أن ذلك لمناسبة قوله: لا أعبد ما تعبدون فإن هذا
﴿ لا أعبد ما تعبدون ﴾ هذا إخبار أنه لا يعبد أصنامهم، فإن قيل : لم كرر هذا المعنى بقوله :﴿ ولا أنا عابد ما عبدتم ﴾ ؟ فالجواب من وجهين :
أحدهما : قاله الزمخشري : وهو أن قوله لا أعبد ما تعبدون يريد في الزمان المستقبل، وقوله :﴿ ولا أنا عابد ما عبدتم ﴾ يريد به فيما مضى، أي : ما كنت قط عابدا ما عبدتم فيما سلف، فكيف تطلبون ذلك مني الآن.
الثاني : قاله ابن عطية وهو أن قوله :﴿ لا أعبد ما تعبدون ﴾ لما كان يحتمل أن يراد به زمان الحال خاصة قال :﴿ ولا أنا عابد ما عبدتم ﴾ أي : أبدا ما عشت ؛ لأن " لا " النافية إذا دخلت على الفعل المضارع خلصته للاستقبال بقوله :﴿ لا أعبد ﴾ " لا " يحتمل أن يراد به الحال، ويحتمل عندي أن يكون قوله :﴿ لا أعبد ما تعبدون ﴾ يراد به في المستقبل على حسب ما تقتضيه " لا " من الاستقبال، ويكون قوله :﴿ ولا أنا عابد ما عبدتم ﴾ يريد به في الحال، فيحصل من المجموع نفي عبادته للأصنام في الحال والاستقبال، ومعنى الحال في قوله :﴿ ولا أنا عابد ما عبدتم ﴾ أظهر من معنى المضي الذي قاله الزمخشري، ومن معنى الاستقبال، فإن قولك : ما زيد بقائم بنفي الجملة الاسمية يقتضي الحال.
﴿ ولا أنتم عابدون ما أعبد ﴾ هذا إخبار أن هؤلاء الكفار لا يعبدون الله، كما قيل لنوح :﴿ إنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن ﴾، إلا أن هذا في حق قوم مخصوصين ماتوا على الكفر، وقد روي : أن هؤلاء الجماعة المذكورين هم أبو جهل والوليد بن المغيرة والعاص بن وائل والأسود بن المطلب وأمية بن خلف وأبى بن خلف وابن الحجاج، وكلهم ماتوا كفارا، فإن قيل : لم قال :﴿ ما أعبد ﴾ بما دون من التي هي موضوعة لمن يعقل ؟ فالجواب من ثلاثة أوجه :
أحدها : أن ذلك لمناسبة قوله :﴿ لا أعبد ما تعبدون ﴾ فإن هذا واقع على الأصنام التي لا تعقل ثم جعل ﴿ ما أعبد ﴾ على طريقته لتناسب اللفظ.
الثاني : أنه أراد الصفة، كأنه قال : لا أعبد الباطل ولا تعبدون الحق، قاله الزمخشري.
الثالث : أن ما مصدرية، والتقدير لا أعبد عبادتكم ولا تعبدون عبادتي، وهذا ضعيف، فإن قيل : لم كرر هذا المعنى واللفظ فقال : بعد ذلك ﴿ ولا أنتم عابدون ما أعبد ﴾ مرة أخرى ؟ فالجواب من وجهين :
أحدهما : قول الزمخشري، وهو أن الأول في المستقبل.
الثاني : فيما مضى.
والآخر : قاله ابن عطية : وهو أن الأول في الحال والثاني في الاستقبال، فهو حتم عليهم أن لا يؤمنوا أبدا.
واقع على الأصنام التي لا تعقل ثم جعل ما أعبد على طريقته لتناسب اللفظ. الثاني أنه أراد الصفة كأنه قال: لا أعبد الباطل ولا تعبدون الحق قاله الزمخشري. الثالث أن ما مصدرية والتقدير: لا أعبد عبادتكم ولا تعبدون عبادتي وهذا ضعيف، فإن قيل لم كرّر هذا المعنى واللفظ فقال بعد ذلك: ولا أنتم عابدون ما أعبد مرة أخرى؟ فالجواب من وجهين: أحدهما قول الزمخشري: وهو أن الأوّل في المستقبل والثاني فيما مضى والآخر قاله ابن عطية وهو أن الأول في الحال والثاني في الاستقبال فهو حتم عليهم أن لا يؤمنوا أبدا
لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ أي لكم شرككم ولي توحيدي وهذه براءة منهم، وفيها مسالمة منسوخة بالسيف.
﴿ لكم دينكم ولي دين ﴾ أي : لكم شرككم ولي توحيدي. وهذه براءة منهم، وفيها مسالمة منسوخة بالسيف.
سورة الكافرون
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورة (الكافرون) من السُّوَر المكية، نزلت بعد سورة (الماعون)، ولها فضلٌ عظيم؛ فهي تَعدِل رُبُعَ القرآن، وقد نزلت في إعلانِ البراءة من الشرك وأهله، وفي تأييسِ الكفار من أن يعبُدَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم آلهتَهم، بأسلوبٍ بلاغي، وتوكيد بديع، وقد كان صلى الله عليه وسلم يقرأ هذه السورة في مواضعَ كثيرة؛ منها: سُنَّة الفجر، وسُنَّة المغرب، وركعتا الوتر، وقبل النوم.

ترتيبها المصحفي
109
نوعها
مكية
ألفاظها
27
ترتيب نزولها
18
العد المدني الأول
6
العد المدني الأخير
6
العد البصري
6
العد الكوفي
6
العد الشامي
6

* سورة (الكافرون):

سُمِّيت سورة (الكافرون) بهذا الاسم؛ لمجيءِ لفظ {اْلْكَٰفِرُونَ} في فاتحتِها.

* سورة {قُلْ يَٰٓأَيُّهَا اْلْكَٰفِرُونَ}:

سُمِّيت بسورة {قُلْ يَٰٓأَيُّهَا اْلْكَٰفِرُونَ}؛ لافتتاحها بهذه الجملة، وقد وردت هذه التسميةُ في عدد من الأحاديث؛ منها:

عن جابرِ بن عبدِ اللهِ رضي الله عنهما: «أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم كان يَقرأُ في الرَّكعتَينِ - أي: ركعتَيِ الطَّوافِ -: {قُلْ هُوَ اْللَّهُ أَحَدٌ}، و{قُلْ يَٰٓأَيُّهَا اْلْكَٰفِرُونَ}». صحيح مسلم (١٢١٨).
وغيره من الأحاديث.

* سورة (الكافرون) تَعدِل رُبُعَ القرآن:

عن أنسِ بن مالكٍ رضي الله عنه: «أنَّ رسولَ اللهِ ﷺ قال لرجُلٍ مِن أصحابِه: «هل تزوَّجْتَ يا فلانُ؟»، قال: لا واللهِ يا رسولَ اللهِ، ولا عندي ما أتزوَّجُ به، قال: «أليس معك {قُلْ هُوَ اْللَّهُ أَحَدٌ}؟»، قال: بلى، قال: «ثُلُثُ القرآنِ»، قال: «أليس معك {إِذَا جَآءَ نَصْرُ اْللَّهِ وَاْلْفَتْحُ}؟»، قال: بلى، قال: «رُبُعُ القرآنِ»، قال: «أليس معك {قُلْ يَٰٓأَيُّهَا اْلْكَٰفِرُونَ}؟»، قال: بلى، قال: «رُبُعُ القرآنِ»، قال: «أليس معك {إِذَا زُلْزِلَتِ اْلْأَرْضُ زِلْزَالَهَا}؟»، قال: بلى، قال: «رُبُعُ القرآنِ»، قال: «تزوَّجْ، تزوَّجْ»». أخرجه الترمذي (٢٨٩٥).

كان عليه الصلاة والسلام يقرأ سورةَ (الكافرون) في غيرِ موضع:

* في سُنَّة الفجر:

عن عائشةَ أمِّ المؤمنين رضي الله عنها، قالت: «كان رسولُ اللهِ ﷺ يُصلِّي ركعتَينِ قبل الفجرِ، وكان يقولُ: «نِعْمَ السُّورتانِ يُقرَأُ بهما في ركعتَيِ الفجرِ: {قُلْ يَٰٓأَيُّهَا اْلْكَٰفِرُونَ}، و{قُلْ هُوَ اْللَّهُ أَحَدٌ}»». أخرجه ابن ماجه (١١٥٠).

وجاء عن عبدِ اللهِ بن عُمَرَ رضي الله عنهما، قال: «رمَقْتُ النبيَّ ﷺ شهرًا، فكان يَقرأُ في الرَّكعتَينِ قبل الفجرِ: {قُلْ يَٰٓأَيُّهَا اْلْكَٰفِرُونَ}، و{قُلْ هُوَ اْللَّهُ أَحَدٌ}». أخرجه الترمذي (٤١٧).

* في الرَّكعتَينِ بعد الوتر:

عن سعدِ بن هشامٍ: «أنَّه سأَلَ عائشةَ عن صلاةِ النبيِّ ﷺ باللَّيلِ، فقالت: كان رسولُ اللهِ ﷺ إذا صلَّى العِشاءَ تجوَّزَ بركعتَينِ، ثم ينامُ وعند رأسِه طَهُورُه وسِواكُه، فيقُومُ فيَتسوَّكُ ويَتوضَّأُ ويُصلِّي، ويَتجوَّزُ بركعتَينِ، ثم يقُومُ فيُصلِّي ثمانَ ركَعاتٍ يُسوِّي بَيْنهنَّ في القراءةِ، ثم يُوتِرُ بالتاسعةِ، ويُصلِّي ركعتَينِ وهو جالسٌ، فلمَّا أسَنَّ رسولُ اللهِ ﷺ وأخَذَ اللَّحْمَ، جعَلَ الثَّمانَ سِتًّا، ويُوتِرُ بالسابعةِ، ويُصلِّي ركعتَينِ وهو جالسٌ، يَقرأُ فيهما: {قُلْ يَٰٓأَيُّهَا اْلْكَٰفِرُونَ}، و{إِذَا زُلْزِلَتِ}». أخرجه ابن حبان (2635).

* في صلاة الوتر:

عن عبدِ اللهِ بن عباسٍ رضي الله عنهما، قال: «كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم يَقرأُ في الوترِ بـ {سَبِّحِ اْسْمَ رَبِّكَ اْلْأَعْلَى} و{قُلْ يَٰٓأَيُّهَا اْلْكَٰفِرُونَ} و{قُلْ هُوَ اْللَّهُ أَحَدٌ} في ركعةٍ ركعةٍ». أخرجه الترمذي (٤٦٢).

* في سُنَّة صلاة المغرب:

عن عبدِ اللهِ بن عُمَرَ رضي الله عنهما، قال: «رمَقْتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم عِشْرينَ مرَّةً، يَقرأُ في الرَّكعتَينِ بعد المغربِ وفي الرَّكعتَينِ قبل الفجرِ: {قُلْ يَٰٓأَيُّهَا اْلْكَٰفِرُونَ}، و{قُلْ هُوَ اْللَّهُ أَحَدٌ}». أخرجه النسائي (992).

* قبل النوم:

عن نَوْفلِ بن فَرْوةَ الأشجَعيِّ: «أنَّ رسولَ اللهِ ﷺ قال لرجُلٍ: اقرَأْ عند منامِك: {قُلْ يَٰٓأَيُّهَا اْلْكَٰفِرُونَ}؛ فإنَّها براءةٌ مِن الشِّرْكِ». أخرجه أبو داود (٥٠٥٥).

* في ركعتَيِ الطَّوافِ خلف مقام إبراهيمَ:

عن جابرِ بن عبدِ اللهِ رضي الله عنهما: «أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم كان يَقرأُ في الرَّكعتَينِ - أي: ركعتَيِ الطَّوافِ -: {قُلْ هُوَ اْللَّهُ أَحَدٌ}، و{قُلْ يَٰٓأَيُّهَا اْلْكَٰفِرُونَ}». صحيح مسلم (١٢١٨).

البراءة من الشرك (١-٦).

ينظر: "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (9 /407).

تأييسُ الكفَّار من موافقة النبي صلى الله عليه وسلم لهم، وإعلانُ البراءة من الشرك وأهله.

ينظر: "التحرير والتنوير" لابن عاشور (30 /580).