تفسير سورة الكافرون

التفسير المظهري

تفسير سورة سورة الكافرون من كتاب التفسير المظهري
لمؤلفه المظهري . المتوفي سنة 1216 هـ
سورة الكافرون
مكية، وهي ست آيات.
أخرج الطبراني وابن أبي حاتم عن ابن عباس أن قريشا دعت رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أن يعطوه مالاً فيكون أغنى رجل بمكة، ويزوجوه ما أراد من النساء، فقالوا : هذا لك يا محمد، وكف عن شتم آلهتنا، ولا تذكرنا بسوء، فإن لم تفعل فاعبد آلهتنا سنة ونعبد آلهك سنة. قال : حتى أنظر ما يأتيني من ربي. وأخرج عبد الرزاق عن وهب بلفظ قالت قريش : إن سرك أن يعقبك عاماً وترجع في ديننا عاماً. وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن ميناء : لقي الوليد بن المغيرة والعاص بن وائل والأسود بن عبد المطلب وأمية بن خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا : يا محمد هلم فلتعبد ما نعبد، ونعبد ما تعبد، ونشترك نحن وأنت في أمرنا كله، فأنزل الله تعالى :﴿ قل يا أيها الكافرون ١ لا أعبد ما تعبدون ٢ ولا أنتم عابدون ما أعبد ٣ ولا أنا عابد ما عبدتم ٤ ولا أنتم عابدون ما أعبد ٥ لكم دينكم ولي دين ٦ ﴾.

﴿ قل يا أيها الكافرون ١ ﴾ خطاب لجماعة مخصوصة سالوا المسالمة، قد علم الله منهم أنهم لا يؤمنون.
﴿ لا أعبد ﴾ أبدا ﴿ ما تعبدون ﴾ غير الله تعالى من الأوثان، نفي لموافقتهم في العبادة في المستقبل من الزمان، حتى يطابق السؤال ؛ لأن سؤالهم كان من المسالمة والمصالحة في الاستقبال مع ظهور مباينة النبي صلى الله عليه وسلم الكفار في الحال، وكما قال البيضاوي : إن ( لا ) لا يدخل على المضارع بمعنى الاستقبال، كما أن ( ما ) لا يدخل إلا على المضارع بمعنى الحال.
﴿ ولا أنتم عابدون ﴾ فيما يستقبل ؛ لأنه في مقابلة لا أعبد ﴿ ما أعبد ﴾ أورد ما موضع من للمطابقة، أو لأن المراد الصفة، كأنه قال : لا أعبد الباطل، ولا أنتم عابدون الحق، وقيل : ما مصدرية.
﴿ ولا أنتم عابدون ما أعبد ٣ ولا أنا عابد ما عبدتم ٤ ﴾ قرأ هشام ﴿ عابدون ﴾ في الموضعين، وعابد بالإمالة، والباقون بالفتح. قال أكثر أهل المعاني : إن القرآن نزل بلسان العرب، وعلى مجاري خطابهم، وعلى هذا مذاهبهم التكرار لإرادة التوكيد والإفهام، كما أن من مذاهب الاختصار لإرادة التخفيف والإيجاز، فهذا تكرير للتأكيد. وقال القيبي : تكرار الكلام لتكرار الوقت، وذلك أنهم قالوا : إن سرك أن تدخل دينك عاماً فادخل في ديننا عاماً، فنزلت السورة، كأنه نفي المشاركة في الوقتين، وقيل : كلمتان : الأوليان بمعنى الذي، والآخريان مصدريتان، فالمقصود نفي المشاركة من حيث المعبود ومن حيث كيفية العبادة.
﴿ لكم دينكم ﴾ الذي أنتم عليه لا تتركونه أبدا، فهو إخبار كقوله تعالى ﴿ ولي دين ﴾
أي ديني الذي أنا عليه لا أرفضه أبدا إن شاء الله تعالى، فليس فيه إذن في الكفر، ولا منع عن الجهاد ؛ بل تذييل وتأكيد لما سبق، وتقديم الخبر للحصر، فلا يحكم بكون الآية منسوخة بآية القتال، ولا يجوز تفسيره بالمشاركة، وتقرير كل من الفريقين الآخر على دينه ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يزل يدعوهم إلى الإسلام، ما زال الكفار على إيذائه وإيذاء أصحابه، وجاز أن يكون المعنى : لكم جزاء أعمالكم، ولي جزاء أعمالي. قرأ نافع وحفص وهشام :﴿ لي دين ﴾ والباقون بإسكانها، وهي رواية مشهورة عن البزي، وقال الدالاني : وبه آخذ.
سورة الكافرون
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورة (الكافرون) من السُّوَر المكية، نزلت بعد سورة (الماعون)، ولها فضلٌ عظيم؛ فهي تَعدِل رُبُعَ القرآن، وقد نزلت في إعلانِ البراءة من الشرك وأهله، وفي تأييسِ الكفار من أن يعبُدَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم آلهتَهم، بأسلوبٍ بلاغي، وتوكيد بديع، وقد كان صلى الله عليه وسلم يقرأ هذه السورة في مواضعَ كثيرة؛ منها: سُنَّة الفجر، وسُنَّة المغرب، وركعتا الوتر، وقبل النوم.

ترتيبها المصحفي
109
نوعها
مكية
ألفاظها
27
ترتيب نزولها
18
العد المدني الأول
6
العد المدني الأخير
6
العد البصري
6
العد الكوفي
6
العد الشامي
6

* سورة (الكافرون):

سُمِّيت سورة (الكافرون) بهذا الاسم؛ لمجيءِ لفظ {اْلْكَٰفِرُونَ} في فاتحتِها.

* سورة {قُلْ يَٰٓأَيُّهَا اْلْكَٰفِرُونَ}:

سُمِّيت بسورة {قُلْ يَٰٓأَيُّهَا اْلْكَٰفِرُونَ}؛ لافتتاحها بهذه الجملة، وقد وردت هذه التسميةُ في عدد من الأحاديث؛ منها:

عن جابرِ بن عبدِ اللهِ رضي الله عنهما: «أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم كان يَقرأُ في الرَّكعتَينِ - أي: ركعتَيِ الطَّوافِ -: {قُلْ هُوَ اْللَّهُ أَحَدٌ}، و{قُلْ يَٰٓأَيُّهَا اْلْكَٰفِرُونَ}». صحيح مسلم (١٢١٨).
وغيره من الأحاديث.

* سورة (الكافرون) تَعدِل رُبُعَ القرآن:

عن أنسِ بن مالكٍ رضي الله عنه: «أنَّ رسولَ اللهِ ﷺ قال لرجُلٍ مِن أصحابِه: «هل تزوَّجْتَ يا فلانُ؟»، قال: لا واللهِ يا رسولَ اللهِ، ولا عندي ما أتزوَّجُ به، قال: «أليس معك {قُلْ هُوَ اْللَّهُ أَحَدٌ}؟»، قال: بلى، قال: «ثُلُثُ القرآنِ»، قال: «أليس معك {إِذَا جَآءَ نَصْرُ اْللَّهِ وَاْلْفَتْحُ}؟»، قال: بلى، قال: «رُبُعُ القرآنِ»، قال: «أليس معك {قُلْ يَٰٓأَيُّهَا اْلْكَٰفِرُونَ}؟»، قال: بلى، قال: «رُبُعُ القرآنِ»، قال: «أليس معك {إِذَا زُلْزِلَتِ اْلْأَرْضُ زِلْزَالَهَا}؟»، قال: بلى، قال: «رُبُعُ القرآنِ»، قال: «تزوَّجْ، تزوَّجْ»». أخرجه الترمذي (٢٨٩٥).

كان عليه الصلاة والسلام يقرأ سورةَ (الكافرون) في غيرِ موضع:

* في سُنَّة الفجر:

عن عائشةَ أمِّ المؤمنين رضي الله عنها، قالت: «كان رسولُ اللهِ ﷺ يُصلِّي ركعتَينِ قبل الفجرِ، وكان يقولُ: «نِعْمَ السُّورتانِ يُقرَأُ بهما في ركعتَيِ الفجرِ: {قُلْ يَٰٓأَيُّهَا اْلْكَٰفِرُونَ}، و{قُلْ هُوَ اْللَّهُ أَحَدٌ}»». أخرجه ابن ماجه (١١٥٠).

وجاء عن عبدِ اللهِ بن عُمَرَ رضي الله عنهما، قال: «رمَقْتُ النبيَّ ﷺ شهرًا، فكان يَقرأُ في الرَّكعتَينِ قبل الفجرِ: {قُلْ يَٰٓأَيُّهَا اْلْكَٰفِرُونَ}، و{قُلْ هُوَ اْللَّهُ أَحَدٌ}». أخرجه الترمذي (٤١٧).

* في الرَّكعتَينِ بعد الوتر:

عن سعدِ بن هشامٍ: «أنَّه سأَلَ عائشةَ عن صلاةِ النبيِّ ﷺ باللَّيلِ، فقالت: كان رسولُ اللهِ ﷺ إذا صلَّى العِشاءَ تجوَّزَ بركعتَينِ، ثم ينامُ وعند رأسِه طَهُورُه وسِواكُه، فيقُومُ فيَتسوَّكُ ويَتوضَّأُ ويُصلِّي، ويَتجوَّزُ بركعتَينِ، ثم يقُومُ فيُصلِّي ثمانَ ركَعاتٍ يُسوِّي بَيْنهنَّ في القراءةِ، ثم يُوتِرُ بالتاسعةِ، ويُصلِّي ركعتَينِ وهو جالسٌ، فلمَّا أسَنَّ رسولُ اللهِ ﷺ وأخَذَ اللَّحْمَ، جعَلَ الثَّمانَ سِتًّا، ويُوتِرُ بالسابعةِ، ويُصلِّي ركعتَينِ وهو جالسٌ، يَقرأُ فيهما: {قُلْ يَٰٓأَيُّهَا اْلْكَٰفِرُونَ}، و{إِذَا زُلْزِلَتِ}». أخرجه ابن حبان (2635).

* في صلاة الوتر:

عن عبدِ اللهِ بن عباسٍ رضي الله عنهما، قال: «كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم يَقرأُ في الوترِ بـ {سَبِّحِ اْسْمَ رَبِّكَ اْلْأَعْلَى} و{قُلْ يَٰٓأَيُّهَا اْلْكَٰفِرُونَ} و{قُلْ هُوَ اْللَّهُ أَحَدٌ} في ركعةٍ ركعةٍ». أخرجه الترمذي (٤٦٢).

* في سُنَّة صلاة المغرب:

عن عبدِ اللهِ بن عُمَرَ رضي الله عنهما، قال: «رمَقْتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم عِشْرينَ مرَّةً، يَقرأُ في الرَّكعتَينِ بعد المغربِ وفي الرَّكعتَينِ قبل الفجرِ: {قُلْ يَٰٓأَيُّهَا اْلْكَٰفِرُونَ}، و{قُلْ هُوَ اْللَّهُ أَحَدٌ}». أخرجه النسائي (992).

* قبل النوم:

عن نَوْفلِ بن فَرْوةَ الأشجَعيِّ: «أنَّ رسولَ اللهِ ﷺ قال لرجُلٍ: اقرَأْ عند منامِك: {قُلْ يَٰٓأَيُّهَا اْلْكَٰفِرُونَ}؛ فإنَّها براءةٌ مِن الشِّرْكِ». أخرجه أبو داود (٥٠٥٥).

* في ركعتَيِ الطَّوافِ خلف مقام إبراهيمَ:

عن جابرِ بن عبدِ اللهِ رضي الله عنهما: «أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم كان يَقرأُ في الرَّكعتَينِ - أي: ركعتَيِ الطَّوافِ -: {قُلْ هُوَ اْللَّهُ أَحَدٌ}، و{قُلْ يَٰٓأَيُّهَا اْلْكَٰفِرُونَ}». صحيح مسلم (١٢١٨).

البراءة من الشرك (١-٦).

ينظر: "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (9 /407).

تأييسُ الكفَّار من موافقة النبي صلى الله عليه وسلم لهم، وإعلانُ البراءة من الشرك وأهله.

ينظر: "التحرير والتنوير" لابن عاشور (30 /580).