تفسير سورة الزلزلة

كشف التنزيل في تحقيق المباحث والتأويل

تفسير سورة سورة الزلزلة من كتاب كشف التنزيل في تحقيق المباحث والتأويل
لمؤلفه أبو بكر الحداد اليمني . المتوفي سنة 800 هـ

﴿ إِذَا زُلْزِلَتِ الأَرْضُ زِلْزَالَهَا ﴾ ؛ وذلكَ أنَّ رسولَ الله ﷺ سُئل عن قيامِ السَّاعة متى يكونُ، فأُنزلت هذه السُّورة لبيانِ أشراطِها وصفاتِها. والزَّلْزَلَةُ هي الحركةُ الشديدةُ، ونظيرُ هذا قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ إِذَا رُجَّتِ الأَرْضُ رَجّاً ﴾[الواقعة : ٤]، وذلك أنَّ الأرضَ تحركُ يومئذ حركةً شديدةً حتى يتقطَّعَ جميعُ ما فيها من بناءٍ وجبَل وشجَرٍ، حتى يدخلَ فيها كلُّ ما على وجهِها.
قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ وَأَخْرَجَتِ الأَرْضُ أَثْقَالَهَا ﴾ ؛ أي لفَظَتِ الأرضُ عند ذلك ما فيها من الأمواتِ والأموالِ، قَالَ اللهُ تَعَالَى :﴿ وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا وَتَخَلَّتْ ﴾[الانشقاق : ٤]. وفائدةُ إلقاءِ الكُنوز وإظهارها أنْ تتحسَّرَ عليها نفوسُ الذين كنَزوها، وأنْ يُعذَّبُوا بها، كما قَالَ اللهُ تَعَالَى :﴿ يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ ﴾[التوبة : ٣٥].
قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ وَقَالَ الإِنسَانُ مَا لَهَا ﴾ ؛ الإنسانُ هاهنا اسمُ جنسٍ أُريد به الذين يخرُجون من جوفِها، يقولُ كلٌّ منهم ما للأرضِ وما حالُها ؟ ولأيِّ شيء زلْزَالُها ؟ قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا ﴾ ؛ أي يومئذٍ تخبرُ الأرض بما عُمِلَ على ظهرِها من خيرٍ، أو شرٍّ عبرةً للمتفكِّر فيها، تقولُ في المؤمن : صلَّى عَلَيَّ وحجَّ وصامَ، فيفرحُ المؤمنُ، وتقولُ في الكافرِ : أشركَ علَيَّ وسرقَ وزنا وشرِبَ الخمرَ، فيحزنُ، وذلك الإخبارُ بأنَّ الله ألهمَها وأنطَقها، كما أنطقَ اللهُ الجوارحَ. قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا ﴾ ؛ أي إذِنَ لها وأمَرَها.
قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتاً ﴾ ؛ أي يصدُرون من قبورهم متفرِّقين إلى أرضِ المحشر فِرَقاً فرقاً أهلُ كلِّ دينٍ على حِدَةٍ، فيُسار بهم إلى موضعِ الحساب. قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ لِّيُرَوْاْ أَعْمَالَهُمْ ﴾ ؛ من كتُبهم التي تسجِّلُ أعمالَهم فيها. وَقِيْلَ : يرجِعون من موضعِ الحساب متفرِّقين ليُرَوا جزاءَ أعمالهم، فريقٌ في الجنَّة وفريقٌ في السَّعير.
قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ * وَمَن يَعْـمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ ﴾ ؛ اختلَفُوا في مثقالِ الذرَّة، قال بعضُهم : هو ما يقعُ في الكون من شعاع الشمس من الهباء، وقال بعضُهم : هي النملةُ الحمراء الصغيرة، وذلك أنَّ قوماً كانوا لا يرَون أنَّهم يُؤجَرون على قليلٍ من الخير، ولا يُعاقَبون على قليلٍ من الشرِّ، فأنزلَ اللهُ هذه، وحثَّهم على كلِّ خير قلَّ أو كَثُرَ، وحذرَهم من كلِّ شرٍّ قلَّ أو كَثُر، كما رُوي عن النبيِّ ﷺ أنه قالَ :" اتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بشِقِّ تَمْرَةٍ، فَإنْ لَمْ تَجِدُوا فِبكَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ ".
سورة الزلزلة
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورة (الزَّلْزلة) من السُّوَر المدنية، نزلت بعد سورة (النساء)، ولها فضلٌ عظيم؛ فهي تَعدِل رُبُعَ القرآن؛ كما صح في الحديث، وقد تحدثت عن أهوالِ يوم القيامة، وحالِ الناس يوم البعث، وما يعتريهم من الفزعِ والخوف، وأُثِر عن النبي صلى الله عليه وسلم قراءتُه لها في صلاة الفجر.

ترتيبها المصحفي
99
نوعها
مدنية
ألفاظها
35
ترتيب نزولها
93
العد المدني الأول
8
العد المدني الأخير
9
العد البصري
9
العد الكوفي
8
العد الشامي
9

* سورة (الزَّلْزلة):

سُمِّيت سورة (الزَّلْزلة) بهذا الاسم؛ لافتتاحها بقوله تعالى: {إِذَا زُلْزِلَتِ اْلْأَرْضُ زِلْزَالَهَا} [الزلزلة: 1].

* سورة (الزَّلْزلة) تَعدِل رُبُعَ القرآن:

عن أنسِ بن مالكٍ رضي الله عنه: «أنَّ رسولَ اللهِ ﷺ قال لرجُلٍ مِن أصحابِه: «هل تزوَّجْتَ يا فلانُ؟»، قال: لا واللهِ يا رسولَ اللهِ، ولا عندي ما أتزوَّجُ به، قال: «أليس معك {قُلْ هُوَ اْللَّهُ أَحَدٌ}؟»، قال: بلى، قال: «ثُلُثُ القرآنِ»، قال: «أليس معك {إِذَا جَآءَ نَصْرُ اْللَّهِ وَاْلْفَتْحُ}؟»، قال: بلى، قال: «رُبُعُ القرآنِ»، قال: «أليس معك {قُلْ يَٰٓأَيُّهَا اْلْكَٰفِرُونَ}؟»، قال: بلى، قال: «رُبُعُ القرآنِ»، قال: «أليس معك {إِذَا زُلْزِلَتِ اْلْأَرْضُ زِلْزَالَهَا}؟»، قال: بلى، قال: «رُبُعُ القرآنِ»، قال: تزوَّجْ، تزوَّجْ»». أخرجه الترمذي (٢٨٩٥).

* أوصى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم رجُلًا بقراءة سورة (الزَّلْزلة):

عن عبدِ اللهِ بن عمرٍو رضي الله عنه، قال: «أتى رجُلٌ رسولَ اللهِ ﷺ، فقال: أقرِئْني يا رسولَ اللهِ، فقال: «اقرَأْ ثلاثًا مِن ذواتِ {الٓر}»، فقال: كَبِرتْ سِنِّي، واشتَدَّ قلبي، وغلُظَ لساني، قال: «فاقرَأْ ثلاثًا مِن ذواتِ {حمٓ}»، فقال مِثْلَ مقالتِه، فقال: اقرَأْ ثلاثًا مِن (المُسبِّحاتِ)»، فقال مِثْلَ مقالتِه، فقال الرجُلُ: يا رسولَ اللهِ، أقرِئْني سورةً جامعةً، فأقرَأَه النبيُّ ﷺ: {إِذَا زُلْزِلَتِ اْلْأَرْضُ} حتى فرَغَ منها، فقال الرجُلُ: والذي بعَثَك بالحقِّ، لا أَزيدُ عليها أبدًا، ثم أدبَرَ الرجُلُ، فقال النبيُّ ﷺ: «أفلَحَ الرُّوَيجِلُ» مرَّتَينِ». أخرجه أبو داود (١٣٩٩).

* ثبَت عن النبي صلى الله عليه وسلم قراءتُه لسورة (الزَّلْزلة) في صلاة الفجر:

عن مُعاذِ بن عبدِ اللهِ الجُهَنيِّ: «أنَّ رجُلًا مِن جُهَينةَ أخبَرَه أنَّه سَمِعَ النبيَّ ﷺ يَقرأُ في الصُّبْحِ: {إِذَا زُلْزِلَتِ اْلْأَرْضُ زِلْزَالَهَا} في الرَّكعتَينِ كلتَيْهما، فلا أدري أنَسِيَ رسولُ اللهِ ﷺ أم قرَأَ ذلك عمدًا؟». أخرجه أبو داود (٨١٦).

* كان صلى الله عليه وسلم يصلي ركعتَينِ بعد الوترِ يقرأ فيهما (الزلزلة) و(الكافرون):

عن سعدِ بن هشامٍ: «أنَّه سأَلَ عائشةَ عن صلاةِ النبيِّ ﷺ باللَّيلِ، فقالت: كان رسولُ اللهِ ﷺ إذا صلَّى العِشاءَ تجوَّزَ بركعتَينِ، ثم ينامُ وعند رأسِه طَهُورُه وسِواكُه، فيقُومُ فيَتسوَّكُ ويَتوضَّأُ ويُصلِّي، ويَتجوَّزُ بركعتَينِ، ثم يقُومُ فيُصلِّي ثمانَ ركَعاتٍ يُسوِّي بَيْنهنَّ في القراءةِ، ثم يُوتِرُ بالتاسعةِ، ويُصلِّي ركعتَينِ وهو جالسٌ، فلمَّا أسَنَّ رسولُ اللهِ ﷺ وأخَذَ اللَّحْمَ، جعَلَ الثَّمانَ سِتًّا، ويُوتِرُ بالسابعةِ، ويُصلِّي ركعتَينِ وهو جالسٌ، يَقرأُ فيهما: {قُلْ يَٰٓأَيُّهَا اْلْكَٰفِرُونَ}، و{إِذَا زُلْزِلَتِ}». أخرجه ابن حبان (٢٦٣٥).

1. أهوال القيامة وشدائدها (١-٥).

2. مآل الخلائقِ يوم الحساب (٦-٨).

ينظر: "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (9 /287).

إثباتُ البعثِ ووقوعِ القيامةِ وما يعتري الناسَ من الأهوال؛ وبذلك تنكشفُ الأمور، وينقسمُ الناس إلى أشقياءَ وسعداءَ.

ينظر: "مصاعد النظر للإشراف على مقاصد السور" للبقاعي (3 /231).