تفسير سورة الزلزلة

أيسر التفاسير للجزائري

تفسير سورة سورة الزلزلة من كتاب أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير المعروف بـأيسر التفاسير للجزائري.
لمؤلفه أبو بكر الجزائري . المتوفي سنة 1439 هـ

سورة الزلزلة١
مدنية وآياتها ثماني آيات

بسم الله الرحمن الرحيم

إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا (١) وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا (٢) وَقَالَ الْأِنْسَانُ مَا لَهَا (٣) يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا (٤) بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا (٥) يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتاً لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ (٦) فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ (٧) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ (٨)
شرح الكلمات:
إذا زلزلت الأرض: أي حركت لقيام الساعة.
وأخرجت الأرض أثقالها: أي كنوزها وموتاها فألقتها وتخلت.
مالها: أي وقال الكافر مالها أي أي شيء جعلها تتحرك هذه الحركة.
تحدث أخبارها: أي تخبر بما وقع عليها من خير وشر وتشهد به لأهله.
أوحى لها: أي بأن تحدث أخبارها فحدثت.
يصدر الناس أشتاتا: أي من موقف الحساب.
١ وتسمى سورة الزلزال لوجود لفظ الزلزال فيها وهو قوله إذا زلزلت الأرض زلزالها، واشتهرت بسورة الزلزلة وهي تسمية بالمعنى إذ ليس فيها لفظ الزلزلة. ورد أنها تعدل ربع القرآن أو نصفه والحديث ضعيف.
603
ليروا أعمالهم: أي جزاء أعمالهم إما إلى الجنة وإما إلى النار.
مثقال ذرة: زنة نملة صغيرة.
معنى الآيات:
قوله تعالى ﴿إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا١﴾ أي تحركت حركتها الشديدة لقيام الساعة وأخرجت الأرض أثقالها من كنوز وذلك في النفخة الأولى، وأموات وذلك في النفخة الثانية ففي الإخبار إجمال إذ المقصود تقرير البعث والجزاء ليعمل الناس بما ينجيهم من النار ويدخلهم الجنة. وقوله ﴿وَقَالَ الْأِنْسَانُ مَا لَهَا؟﴾ ٢ لا شك أن هذا الإنسان السائل كان كافرا بالساعة ولذا تساءل أما المؤمن فهو يعلم ذلك لأنه جزء من عقيدته. وقوله تعالى ﴿يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا٣﴾ أي تخبر بما جرى عليها من خير وشر بلسان القال أو الحال. وهي في هذا الإخبار مأمورة لقوله تعالى ﴿بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا﴾ أي بذلك وقوله ﴿يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتاً٤﴾ أي يوم تزلزل الأرض وتهتز للنفخة الثانية نفخة يصدر الناس فيها أشتاتاً أي يصدرون من ساحة فصل القضاء فمن آخذ ذات اليمين ومن آخذ ذات الشمال ليروا أعمالهم أي جزاء أعمالهم في الدنيا من حسنة وسيئة فالحسنة تورث الجنة والسيئة تورث النار. وقوله تعالى ﴿فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً٥﴾ أي وزن ذرة من خير في الدنيا يثب عليه في الآخرة ومن يعمل مثقال ذرة أي وزن ذرة من شر في الدنيا يجز به في الآخرة إلا أن يعفو الجبار عز وجل وبما أن الكفر مانع من دخول الجنة فإن الكافر إذا عمل حسنة في الدنيا، وليس له في الآخرة شيء منها وذلك لحديث عائشة رضي الله عنها إذ سألت الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن عبد الله بن جدعان هل ينفعه في الآخرة ما كان يفعله في الدنيا من إطعام الحجيج وكسوتهم فقال لها. لا إنه لم يقل يوما من الدهر رب اغفر لي خطيئتي يوم الدين. كما أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه كان يأكل مع الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ونزلت هذه الآية ﴿فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره﴾ الآية فرفع أبو بكر يده من الطعام وقال إني لراء ما عملت من خير وشر؟ فقال
١ إضافة الزلزال إلى ضمير الأرض لإفادة تمكنه منها وللإشارة إلى هوله وفظاعته لما عرف الناس من أهوال الزلزال إذا وقع والزلزال بكسر الزاء مصدر وبفتحها اسم مصدر. وهو مأخوذ من الزلل وهو زلق الرجلين. فلما قصدوا شدة الزلل ضاعفوا الفعل فقالوا في زل زلزل كما قالوا في كبه كبكبه.
٢ مالها استفهام ناشئ عن دهشة وحيرة للمفاجأة. أي ما للأرض زلزلت هذا الزلزال.
٣ روى الترمذي عن أبي هريرة أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قرأ هذه الآية (يومئذ تحدث أخبارها) فقال أتدرون ما أخبارها؟ قالوا الله ورسوله أعلم قال فإن أخبارها أن تشهد على كل عبد أو أمة بما عمل على ظهرها، وتقول عمل يوم كذا وكذا فهذه أخبارها وجملة (يومئذ تحدث) جواب الشرط (إذا زلزلت).
٤ الأشتات جمع شت بمعنى متفرقين جماعات جماعات أصحاب يمين وأصحاب شمال.
٥ يحكى أن أعرابياً أخر (خيراً يره) فقيل له قدمت وأخرت فقال:
خذا بطن هرشى أو قفاها فإنه
كلا جانبي هرشى لهن طريق
وفات الأعرابي أن تقديم لفظ الخير تنويه به وبأهله ولذا قدم في الآية.
604
النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن ما ترى مما تكره فهو من مثاقيل ذر شر كثير، ويدخر الله لك مثاقيل الخير حتى تعطاه يوم القيامة وتصديق ذلط في كتاب الله ﴿وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ﴾.
هداية الآيات:
من هداية الآيات
١- تقرير عقيدة البعث والجزاء.
٢- الإعلام بالانقلاب الكوني الذي تتبدل فيه الأرض غير الأرض والسموات غير السموات.
٣- تكلم الجمادات من آيات الله تعالى الدالة على قدرته وعلمه وحكمته وهي موجبات ألوهيته بعبادته وحده دون سواه.
٤- تقرير حديث الصالح اتقوا النار ولو بشق تمرة. ١
٥- الكافر عمله الخيري ينفعه في الدنيا دون الآخرة.
٦- المؤمن يجزي٢ بالسيئة في الدنيا ويدخر له صالح عمله للآخرة.
١ حديث "اتقوا النار ول بشق تمرة". رواه البخاري وفي الموطأ أن مسكيناً استطعم عائشة أم المؤمنين وبين يديها عنب فقالت لإنسان خذ حبة فأعطه إياها، فجعل ينظر إليها ويعجب، فقالت أتعجب؟ كم ترى في هذه الحبة من مثقال ذرة؟
٢ شاهده حديث أبي بكر السالف الذكر.
605
سورة الزلزلة
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورة (الزَّلْزلة) من السُّوَر المدنية، نزلت بعد سورة (النساء)، ولها فضلٌ عظيم؛ فهي تَعدِل رُبُعَ القرآن؛ كما صح في الحديث، وقد تحدثت عن أهوالِ يوم القيامة، وحالِ الناس يوم البعث، وما يعتريهم من الفزعِ والخوف، وأُثِر عن النبي صلى الله عليه وسلم قراءتُه لها في صلاة الفجر.

ترتيبها المصحفي
99
نوعها
مدنية
ألفاظها
35
ترتيب نزولها
93
العد المدني الأول
8
العد المدني الأخير
9
العد البصري
9
العد الكوفي
8
العد الشامي
9

* سورة (الزَّلْزلة):

سُمِّيت سورة (الزَّلْزلة) بهذا الاسم؛ لافتتاحها بقوله تعالى: {إِذَا زُلْزِلَتِ اْلْأَرْضُ زِلْزَالَهَا} [الزلزلة: 1].

* سورة (الزَّلْزلة) تَعدِل رُبُعَ القرآن:

عن أنسِ بن مالكٍ رضي الله عنه: «أنَّ رسولَ اللهِ ﷺ قال لرجُلٍ مِن أصحابِه: «هل تزوَّجْتَ يا فلانُ؟»، قال: لا واللهِ يا رسولَ اللهِ، ولا عندي ما أتزوَّجُ به، قال: «أليس معك {قُلْ هُوَ اْللَّهُ أَحَدٌ}؟»، قال: بلى، قال: «ثُلُثُ القرآنِ»، قال: «أليس معك {إِذَا جَآءَ نَصْرُ اْللَّهِ وَاْلْفَتْحُ}؟»، قال: بلى، قال: «رُبُعُ القرآنِ»، قال: «أليس معك {قُلْ يَٰٓأَيُّهَا اْلْكَٰفِرُونَ}؟»، قال: بلى، قال: «رُبُعُ القرآنِ»، قال: «أليس معك {إِذَا زُلْزِلَتِ اْلْأَرْضُ زِلْزَالَهَا}؟»، قال: بلى، قال: «رُبُعُ القرآنِ»، قال: تزوَّجْ، تزوَّجْ»». أخرجه الترمذي (٢٨٩٥).

* أوصى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم رجُلًا بقراءة سورة (الزَّلْزلة):

عن عبدِ اللهِ بن عمرٍو رضي الله عنه، قال: «أتى رجُلٌ رسولَ اللهِ ﷺ، فقال: أقرِئْني يا رسولَ اللهِ، فقال: «اقرَأْ ثلاثًا مِن ذواتِ {الٓر}»، فقال: كَبِرتْ سِنِّي، واشتَدَّ قلبي، وغلُظَ لساني، قال: «فاقرَأْ ثلاثًا مِن ذواتِ {حمٓ}»، فقال مِثْلَ مقالتِه، فقال: اقرَأْ ثلاثًا مِن (المُسبِّحاتِ)»، فقال مِثْلَ مقالتِه، فقال الرجُلُ: يا رسولَ اللهِ، أقرِئْني سورةً جامعةً، فأقرَأَه النبيُّ ﷺ: {إِذَا زُلْزِلَتِ اْلْأَرْضُ} حتى فرَغَ منها، فقال الرجُلُ: والذي بعَثَك بالحقِّ، لا أَزيدُ عليها أبدًا، ثم أدبَرَ الرجُلُ، فقال النبيُّ ﷺ: «أفلَحَ الرُّوَيجِلُ» مرَّتَينِ». أخرجه أبو داود (١٣٩٩).

* ثبَت عن النبي صلى الله عليه وسلم قراءتُه لسورة (الزَّلْزلة) في صلاة الفجر:

عن مُعاذِ بن عبدِ اللهِ الجُهَنيِّ: «أنَّ رجُلًا مِن جُهَينةَ أخبَرَه أنَّه سَمِعَ النبيَّ ﷺ يَقرأُ في الصُّبْحِ: {إِذَا زُلْزِلَتِ اْلْأَرْضُ زِلْزَالَهَا} في الرَّكعتَينِ كلتَيْهما، فلا أدري أنَسِيَ رسولُ اللهِ ﷺ أم قرَأَ ذلك عمدًا؟». أخرجه أبو داود (٨١٦).

* كان صلى الله عليه وسلم يصلي ركعتَينِ بعد الوترِ يقرأ فيهما (الزلزلة) و(الكافرون):

عن سعدِ بن هشامٍ: «أنَّه سأَلَ عائشةَ عن صلاةِ النبيِّ ﷺ باللَّيلِ، فقالت: كان رسولُ اللهِ ﷺ إذا صلَّى العِشاءَ تجوَّزَ بركعتَينِ، ثم ينامُ وعند رأسِه طَهُورُه وسِواكُه، فيقُومُ فيَتسوَّكُ ويَتوضَّأُ ويُصلِّي، ويَتجوَّزُ بركعتَينِ، ثم يقُومُ فيُصلِّي ثمانَ ركَعاتٍ يُسوِّي بَيْنهنَّ في القراءةِ، ثم يُوتِرُ بالتاسعةِ، ويُصلِّي ركعتَينِ وهو جالسٌ، فلمَّا أسَنَّ رسولُ اللهِ ﷺ وأخَذَ اللَّحْمَ، جعَلَ الثَّمانَ سِتًّا، ويُوتِرُ بالسابعةِ، ويُصلِّي ركعتَينِ وهو جالسٌ، يَقرأُ فيهما: {قُلْ يَٰٓأَيُّهَا اْلْكَٰفِرُونَ}، و{إِذَا زُلْزِلَتِ}». أخرجه ابن حبان (٢٦٣٥).

1. أهوال القيامة وشدائدها (١-٥).

2. مآل الخلائقِ يوم الحساب (٦-٨).

ينظر: "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (9 /287).

إثباتُ البعثِ ووقوعِ القيامةِ وما يعتري الناسَ من الأهوال؛ وبذلك تنكشفُ الأمور، وينقسمُ الناس إلى أشقياءَ وسعداءَ.

ينظر: "مصاعد النظر للإشراف على مقاصد السور" للبقاعي (3 /231).