تفسير سورة الزلزلة

حاشية الصاوي على تفسير الجلالين

تفسير سورة سورة الزلزلة من كتاب حاشية الصاوي على تفسير الجلالين
لمؤلفه الصاوي . المتوفي سنة 1241 هـ

قوله: ﴿ إِذَا زُلْزِلَتِ ٱلأَرْضُ ﴾ الخ.
﴿ إِذَا ﴾ ظرف لما يستقبل من الزمان، جوابه تحدث وهو عامل النصب في ﴿ إِذَا ﴾ ولذا يقولون: خافض لشرطه منصوب بجوابه، وهذا هو التحقيق عند الجمهور قوله: (حركت لقيام الساعة) هذا أحد قولين، وهو أن الزلزلة المذكورة تكون عند النفخة الأولى، ويشهد له قوله تعالى:﴿ إِنَّ زَلْزَلَةَ ٱلسَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّآ أَرْضَعَتْ ﴾[الحج: ١-٢] الآية، وعليه جمهور المفسرين. والثاني: أنها عند النفخة الثانية، ويؤيده قوله بعد ﴿ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا ﴾ فإن شهادتها بما وقع عليها، إنما هو بعد النفخة الثانية، وكذلك انصراف الناس من القبور، وأما قوله: ﴿ وَأَخْرَجَتِ ٱلأَرْضُ أَثْقَالَهَا ﴾ فمحتمل. قوله: ﴿ زِلْزَالَهَا ﴾ مصدر مضاف لفاعله، وهو بالكسر في قراءة العامة، وقرئ شذوذاً بالفتح، وهما مصدران بمعنى واحد، وقيل: المكسور مصدر، والمفتوح اسم. قوله: (تحريكها الشديد) الخ، أي فلا تسكن حتى تلقي ما على ظهرها، من جبل وشجر وبناء. قوله: ﴿ وَأَخْرَجَتِ ٱلأَرْضُ ﴾ إظهار في مقام الإضمار لزيادة التقرير. قوله: ﴿ أَثْقَالَهَا ﴾ جمع ثقل بالكسر كحمل وأحمال. قوله: (كنوزها وموتاها) المناسب أن يعبر بأو لأنهما قولان، قيل: المراد إخراج الأموات، وقيل: المراد إخراج الكنوز، والأول بعد النفخة الثانية في زمن عيسى وما بعده، وهما مفرعان على القولين المقدمين فأعطى الله الأرض قوة على إخراج الأثقال، كما أعطاها القوة على إخراج النبات اللطيف الطري الذي هو أنعم من الحرير. قوله: (الكافر بالبعث) أي بخلاف المؤمن، فإنه يعترف بها ويقول:﴿ هَذَا مَا وَعَدَ ٱلرَّحْمـٰنُ وَصَدَقَ ٱلْمُرْسَلُونَ ﴾[يس: ٥٢].
قوله: (إنكاراً لتلك الحالة) المناسب أن يقول تعجباً من تلك الحالة، لأنه وقت وقوع ذلك لا يسعه إنكار، بل يتعجب من تلك الحالة الفظيعة. قوله: (بدل من إذا) أي والعامل فيه هو العامل في المبدل منه، وقيل غيره، والتنوين عوض عن الجمل الثلاث المذكورة بعد ﴿ إِذَا ﴾.
قوله: ﴿ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا ﴾ اختلف في هذا التحديث، فقيل: هو كلام حقيقي، بأن يخلق الله فيها حياة وإدراكاً، فتشهد بما عمل عليها من طاعة ومعصية وهو الظاهر، وقيل: هو مجاز عن إحداث الله فيها من الأحوال، ما يقوم مقام التحديث باللسان، وحدث يتعدى إلى مفعولين: الأول محذوف تقديره الناس، والثاني قوله: ﴿ أَخْبَارَهَا ﴾.
قوله: ﴿ أَوْحَىٰ لَهَا ﴾ عداه باللام لمراعاة الفواصل، والوحي إليها إما بإلهام أو رسول من الملائكة. قوله: (بذلك) أي بالتحديث بأخبارها قوله: (في الحديث) الخ، أشار بذلك إلى حديث جرير قال:" قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية ﴿ يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا ﴾ فقال: أتدرون ما أخبارها؟ قالوا: الله ورسوله أعلم قال: فإن أخبارها أن تشهد على كل عبد أو أمة بما عمل ظهرها، تقول: عمل علي كذا كذا "رواه أحمد والترمذي، وصححه الحاكم وغيره.
قوله: ﴿ يَوْمَئِذٍ ﴾ بدل من ﴿ يَوْمَئِذٍ ﴾ قبله، ومنصوب بـ ﴿ يَصْدُرُ ﴾.
قوله: (من موقف الحساب) أي وقيل: يرجعون من قبورهم إلى ربهم. قوله: ﴿ أَشْتَاتاً ﴾ حال من ﴿ ٱلنَّاسُ ﴾ جمع شتيت، وقوله: (متفرقين) أي على حسب وصفهم بالإيمان وضده، وتفاوتهم في الأعمال، فأهل الإيمان على حدة، وأهل الكفر على حدة، فآخذ ذات اليمين إلى الجنة، وآخذ ذات الشمال إلى النار قوله: ﴿ لِّيُرَوْاْ أَعْمَالَهُمْ ﴾ متعلق بـ ﴿ يَصْدُرُ ﴾ وهو من الرؤية البصرية، يتعدى بالهمز إلى اثنين، أولهما: الواو التي هي نائب الفاعل، وثانيهما: أعمالهم. قوله: ﴿ فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ ﴾ الخ، تفصيل للواو في قوله: ﴿ لِّيُرَوْاْ أَعْمَالَهُمْ ﴾ قال مقاتل: نزلت في رجلين: أحدهما كان يأتيه السائل، فيستقل أن يعطيه التمرة والكسوة والجوزة، وكان الآخر يتهاون بالذنب اليسير، كالكذبة والغيبة والنظرة ويقول: إنما وعد الله تعالى النار على الكبائر، فنزلت هذه الآية لترغيبهم في القليل من الخير يعطونه، ولهذا قال عليه الصلاة والسلام:" اتقوا النار ولو بشق تمرة، فمن لم يجد فبكلمة طيبة "ولتحذرهم اليسير من الذنب. ولهذا قال صلى الله عليه وسلم لعائشة:" إياك ومحقرات الذنوب، فإن لها من الله طالباً ". وقال ابن مسعود: هذه الآية أحكم آية في القرآن وأصدق، وقال كعب الأحبار: لقد أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم آيتان أحصتا ما في التوراة والإنجيل والزبور والصحف ﴿ فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ * وَمَن يَعْـمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ ﴾ إن قلت: كيف عم، مع أن حسنات الكافر محبطة بالكفر، وسيئات المؤمن الصغائر مغفورة باجتناب الكبائر؟ أجيب بأن المعنى يرى كل من المؤمن والكافر حسناته وسيئاته مكتوبة في الصحف، ولا يلزم من رؤيتها جزاؤه عليها، لما ورد عن ابن عباس: ليس من مؤمن وكافر عمر خيراً كان أو شراً، إلا أراه الله إياه، فأما المؤمن فيغفر له سيئاته ويثيبه بحسناته، وأما الكافر فترد حسناته تحسراً ويعذب بسيئاته، وهذا يساعده النظم الكريم. قوله: (زنة نملة صغيرة) أي وكل مائة منها وزن حبة شعير، وأربع ذرات وزن خردلة، وقال ابن عباس: إذا وضعت يدك على الأرض ورفعتها، فكل واحدة مما لزق من التراب ذرة، وفسر الذرة بضعهم بالهباءة التي ترى طائرة في الشعاع الداخل من الكوة، وقيل: الذرة جزء من ألف وأربعين جزءاً من الشعيرة. قوله: ﴿ خَيْراً ﴾ تمييز من ﴿ مِثْقَالَ ﴾ وكذا ﴿ شَرّاً ﴾ ويصح أنهما بدلان من ﴿ مِثْقَالَ ﴾ و ﴿ يَرَهُ ﴾ في الموضعين جواب الشرط مجزوم بحذف الألف وهي قراءة العامة، وقرئ شذوذاً بإثباتها ويكون مجزوماً بحذف الحركة المقدرة على حد قول الشاعر: إذا العجوز غضبت فطلقى   ولا ترضاها ولا تملقىوفي الهاء قراءتان سبعيتان، إحداهما سكونها وقفاً ووصلاً في الحرفين، والثانية بضمها وصلاً، وسكونها وقفاً. فائدة: ورد أن" من قرأ ﴿ إِذَا زُلْزِلَتِ ﴾ أربع مرات، كان كمن قرأ القرآن كله ". وورد عن ابن عباس عنه صلى الله عليه وسلم قال:" ﴿ إِذَا زُلْزِلَتِ ﴾ تعدل نصف القرآن، و ﴿ قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ ﴾ تعدل ثلث القرآن، و ﴿ قُلْ يٰأَيُّهَا ٱلْكَافِرُونَ ﴾ تعدل ربع القرآن ".
سورة الزلزلة
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورة (الزَّلْزلة) من السُّوَر المدنية، نزلت بعد سورة (النساء)، ولها فضلٌ عظيم؛ فهي تَعدِل رُبُعَ القرآن؛ كما صح في الحديث، وقد تحدثت عن أهوالِ يوم القيامة، وحالِ الناس يوم البعث، وما يعتريهم من الفزعِ والخوف، وأُثِر عن النبي صلى الله عليه وسلم قراءتُه لها في صلاة الفجر.

ترتيبها المصحفي
99
نوعها
مدنية
ألفاظها
35
ترتيب نزولها
93
العد المدني الأول
8
العد المدني الأخير
9
العد البصري
9
العد الكوفي
8
العد الشامي
9

* سورة (الزَّلْزلة):

سُمِّيت سورة (الزَّلْزلة) بهذا الاسم؛ لافتتاحها بقوله تعالى: {إِذَا زُلْزِلَتِ اْلْأَرْضُ زِلْزَالَهَا} [الزلزلة: 1].

* سورة (الزَّلْزلة) تَعدِل رُبُعَ القرآن:

عن أنسِ بن مالكٍ رضي الله عنه: «أنَّ رسولَ اللهِ ﷺ قال لرجُلٍ مِن أصحابِه: «هل تزوَّجْتَ يا فلانُ؟»، قال: لا واللهِ يا رسولَ اللهِ، ولا عندي ما أتزوَّجُ به، قال: «أليس معك {قُلْ هُوَ اْللَّهُ أَحَدٌ}؟»، قال: بلى، قال: «ثُلُثُ القرآنِ»، قال: «أليس معك {إِذَا جَآءَ نَصْرُ اْللَّهِ وَاْلْفَتْحُ}؟»، قال: بلى، قال: «رُبُعُ القرآنِ»، قال: «أليس معك {قُلْ يَٰٓأَيُّهَا اْلْكَٰفِرُونَ}؟»، قال: بلى، قال: «رُبُعُ القرآنِ»، قال: «أليس معك {إِذَا زُلْزِلَتِ اْلْأَرْضُ زِلْزَالَهَا}؟»، قال: بلى، قال: «رُبُعُ القرآنِ»، قال: تزوَّجْ، تزوَّجْ»». أخرجه الترمذي (٢٨٩٥).

* أوصى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم رجُلًا بقراءة سورة (الزَّلْزلة):

عن عبدِ اللهِ بن عمرٍو رضي الله عنه، قال: «أتى رجُلٌ رسولَ اللهِ ﷺ، فقال: أقرِئْني يا رسولَ اللهِ، فقال: «اقرَأْ ثلاثًا مِن ذواتِ {الٓر}»، فقال: كَبِرتْ سِنِّي، واشتَدَّ قلبي، وغلُظَ لساني، قال: «فاقرَأْ ثلاثًا مِن ذواتِ {حمٓ}»، فقال مِثْلَ مقالتِه، فقال: اقرَأْ ثلاثًا مِن (المُسبِّحاتِ)»، فقال مِثْلَ مقالتِه، فقال الرجُلُ: يا رسولَ اللهِ، أقرِئْني سورةً جامعةً، فأقرَأَه النبيُّ ﷺ: {إِذَا زُلْزِلَتِ اْلْأَرْضُ} حتى فرَغَ منها، فقال الرجُلُ: والذي بعَثَك بالحقِّ، لا أَزيدُ عليها أبدًا، ثم أدبَرَ الرجُلُ، فقال النبيُّ ﷺ: «أفلَحَ الرُّوَيجِلُ» مرَّتَينِ». أخرجه أبو داود (١٣٩٩).

* ثبَت عن النبي صلى الله عليه وسلم قراءتُه لسورة (الزَّلْزلة) في صلاة الفجر:

عن مُعاذِ بن عبدِ اللهِ الجُهَنيِّ: «أنَّ رجُلًا مِن جُهَينةَ أخبَرَه أنَّه سَمِعَ النبيَّ ﷺ يَقرأُ في الصُّبْحِ: {إِذَا زُلْزِلَتِ اْلْأَرْضُ زِلْزَالَهَا} في الرَّكعتَينِ كلتَيْهما، فلا أدري أنَسِيَ رسولُ اللهِ ﷺ أم قرَأَ ذلك عمدًا؟». أخرجه أبو داود (٨١٦).

* كان صلى الله عليه وسلم يصلي ركعتَينِ بعد الوترِ يقرأ فيهما (الزلزلة) و(الكافرون):

عن سعدِ بن هشامٍ: «أنَّه سأَلَ عائشةَ عن صلاةِ النبيِّ ﷺ باللَّيلِ، فقالت: كان رسولُ اللهِ ﷺ إذا صلَّى العِشاءَ تجوَّزَ بركعتَينِ، ثم ينامُ وعند رأسِه طَهُورُه وسِواكُه، فيقُومُ فيَتسوَّكُ ويَتوضَّأُ ويُصلِّي، ويَتجوَّزُ بركعتَينِ، ثم يقُومُ فيُصلِّي ثمانَ ركَعاتٍ يُسوِّي بَيْنهنَّ في القراءةِ، ثم يُوتِرُ بالتاسعةِ، ويُصلِّي ركعتَينِ وهو جالسٌ، فلمَّا أسَنَّ رسولُ اللهِ ﷺ وأخَذَ اللَّحْمَ، جعَلَ الثَّمانَ سِتًّا، ويُوتِرُ بالسابعةِ، ويُصلِّي ركعتَينِ وهو جالسٌ، يَقرأُ فيهما: {قُلْ يَٰٓأَيُّهَا اْلْكَٰفِرُونَ}، و{إِذَا زُلْزِلَتِ}». أخرجه ابن حبان (٢٦٣٥).

1. أهوال القيامة وشدائدها (١-٥).

2. مآل الخلائقِ يوم الحساب (٦-٨).

ينظر: "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (9 /287).

إثباتُ البعثِ ووقوعِ القيامةِ وما يعتري الناسَ من الأهوال؛ وبذلك تنكشفُ الأمور، وينقسمُ الناس إلى أشقياءَ وسعداءَ.

ينظر: "مصاعد النظر للإشراف على مقاصد السور" للبقاعي (3 /231).