تفسير سورة الزلزلة

النهر الماد من البحر المحيط

تفسير سورة سورة الزلزلة من كتاب النهر الماد من البحر المحيط
لمؤلفه أبو حيان الأندلسي . المتوفي سنة 745 هـ

﴿ بِسمِ ٱلله الرَّحْمٰنِ الرَّحِيـمِ * إِذَا زُلْزِلَتِ ٱلأَرْضُ زِلْزَالَهَا ﴾ هذه السورة مكية ولما ذكر فيما قبلها كون الكفار يكونون في النار وجزاء المؤمنين فكأن قائلاً قال متى ذلك فقال: ﴿ إِذَا زُلْزِلَتِ ٱلأَرْضُ زِلْزَالَهَا ﴾ قيل والعامل فيها مضمر تدل عليه الجمل الآتية تقديره تحشرون وأضيف الزلزال إلى الأرض إذ المعنى زلزالها الذي تستحقه يقتضيه جرمها وعظمها.﴿ وَأَخْرَجَتِ ٱلأَرْضُ أَثْقَالَهَا ﴾ جعل ما في بطنها أثقالا.﴿ وَقَالَ ٱلإِنسَانُ مَا لَهَا ﴾ على معنى التعجب لما يرى من الأهوال والظاهر عموم الإِنسان.﴿ يَوْمَئِذٍ ﴾ أي يوم إذا زلزلت وأخرجت.﴿ تُحَدِّثُ ﴾ والظاهر أنه حديث حقيقة وقيل مجاز عن احداث الله فيها من الأهوال ما يقوم مقام التحديث باللسان، وفي سنن ابن ماجة حديث في آخره تقول الأرض يوم القيامة يا رب هذا ما استودعتني وعن ابن مسعود تحدث بقيام الساعة إذا قال الإِنسان مالها فتخبر بأن أمر الدنيا قد انقضى وأمر الآخرة قد أتى فيكون ذلك جواباً لهم عن سؤالهم.﴿ بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَىٰ لَهَا ﴾ أي بسبب إيحاء الله تعالى لها فالباء متعلقة بتحدث.﴿ يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ ٱلنَّاسُ ﴾ انتصب يومئذٍ بيصدر والصدر يكون عن ورد فقال الجمهور هو كونهم في الأرض مدفونين. والصدر قيامهم للبعث وأشتاتاً جمع شت أي فرقاً مؤمن وكافر ومؤمن عاص سائرون إلى العرض.﴿ لِّيُرَوْاْ أَعْمَالَهُمْ ﴾ والظاهر تخصيص العامل أي فمن يعمل مثقال ذرة خيراً من السعداء لأن الكافر لا يرى خيراً في الآخرة وتعميم من يعمل مثقال ذرة شراً من الفريقين لأنه تقسيم جاء بعد قوله: ﴿ يَصْدُرُ ٱلنَّاسُ أَشْتَاتاً لِّيُرَوْاْ أَعْمَالَهُمْ ﴾ وقرىء ليروا بضم الياء وفتحها ونبه بقوله: ﴿ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ ﴾ على أن ما فوق الذرة يراه قليلاً كان أو كثيراً وهذا يسمى مفهوم الخطاب وهو أن يكون المذكور والمسكوت عنه في حكم واحد بل يكون المسكوت عنه بالأولى في ذلك الحكم والظاهر انتصاب خيراً وشراً على التمييز لأن مثقال ذرة مقدار وقيل بدل من مثقال وقرىء يره بالفتح في الياء فيهما أي يرى جزاءه من ثواب وعقاب.
سورة الزلزلة
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورة (الزَّلْزلة) من السُّوَر المدنية، نزلت بعد سورة (النساء)، ولها فضلٌ عظيم؛ فهي تَعدِل رُبُعَ القرآن؛ كما صح في الحديث، وقد تحدثت عن أهوالِ يوم القيامة، وحالِ الناس يوم البعث، وما يعتريهم من الفزعِ والخوف، وأُثِر عن النبي صلى الله عليه وسلم قراءتُه لها في صلاة الفجر.

ترتيبها المصحفي
99
نوعها
مدنية
ألفاظها
35
ترتيب نزولها
93
العد المدني الأول
8
العد المدني الأخير
9
العد البصري
9
العد الكوفي
8
العد الشامي
9

* سورة (الزَّلْزلة):

سُمِّيت سورة (الزَّلْزلة) بهذا الاسم؛ لافتتاحها بقوله تعالى: {إِذَا زُلْزِلَتِ اْلْأَرْضُ زِلْزَالَهَا} [الزلزلة: 1].

* سورة (الزَّلْزلة) تَعدِل رُبُعَ القرآن:

عن أنسِ بن مالكٍ رضي الله عنه: «أنَّ رسولَ اللهِ ﷺ قال لرجُلٍ مِن أصحابِه: «هل تزوَّجْتَ يا فلانُ؟»، قال: لا واللهِ يا رسولَ اللهِ، ولا عندي ما أتزوَّجُ به، قال: «أليس معك {قُلْ هُوَ اْللَّهُ أَحَدٌ}؟»، قال: بلى، قال: «ثُلُثُ القرآنِ»، قال: «أليس معك {إِذَا جَآءَ نَصْرُ اْللَّهِ وَاْلْفَتْحُ}؟»، قال: بلى، قال: «رُبُعُ القرآنِ»، قال: «أليس معك {قُلْ يَٰٓأَيُّهَا اْلْكَٰفِرُونَ}؟»، قال: بلى، قال: «رُبُعُ القرآنِ»، قال: «أليس معك {إِذَا زُلْزِلَتِ اْلْأَرْضُ زِلْزَالَهَا}؟»، قال: بلى، قال: «رُبُعُ القرآنِ»، قال: تزوَّجْ، تزوَّجْ»». أخرجه الترمذي (٢٨٩٥).

* أوصى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم رجُلًا بقراءة سورة (الزَّلْزلة):

عن عبدِ اللهِ بن عمرٍو رضي الله عنه، قال: «أتى رجُلٌ رسولَ اللهِ ﷺ، فقال: أقرِئْني يا رسولَ اللهِ، فقال: «اقرَأْ ثلاثًا مِن ذواتِ {الٓر}»، فقال: كَبِرتْ سِنِّي، واشتَدَّ قلبي، وغلُظَ لساني، قال: «فاقرَأْ ثلاثًا مِن ذواتِ {حمٓ}»، فقال مِثْلَ مقالتِه، فقال: اقرَأْ ثلاثًا مِن (المُسبِّحاتِ)»، فقال مِثْلَ مقالتِه، فقال الرجُلُ: يا رسولَ اللهِ، أقرِئْني سورةً جامعةً، فأقرَأَه النبيُّ ﷺ: {إِذَا زُلْزِلَتِ اْلْأَرْضُ} حتى فرَغَ منها، فقال الرجُلُ: والذي بعَثَك بالحقِّ، لا أَزيدُ عليها أبدًا، ثم أدبَرَ الرجُلُ، فقال النبيُّ ﷺ: «أفلَحَ الرُّوَيجِلُ» مرَّتَينِ». أخرجه أبو داود (١٣٩٩).

* ثبَت عن النبي صلى الله عليه وسلم قراءتُه لسورة (الزَّلْزلة) في صلاة الفجر:

عن مُعاذِ بن عبدِ اللهِ الجُهَنيِّ: «أنَّ رجُلًا مِن جُهَينةَ أخبَرَه أنَّه سَمِعَ النبيَّ ﷺ يَقرأُ في الصُّبْحِ: {إِذَا زُلْزِلَتِ اْلْأَرْضُ زِلْزَالَهَا} في الرَّكعتَينِ كلتَيْهما، فلا أدري أنَسِيَ رسولُ اللهِ ﷺ أم قرَأَ ذلك عمدًا؟». أخرجه أبو داود (٨١٦).

* كان صلى الله عليه وسلم يصلي ركعتَينِ بعد الوترِ يقرأ فيهما (الزلزلة) و(الكافرون):

عن سعدِ بن هشامٍ: «أنَّه سأَلَ عائشةَ عن صلاةِ النبيِّ ﷺ باللَّيلِ، فقالت: كان رسولُ اللهِ ﷺ إذا صلَّى العِشاءَ تجوَّزَ بركعتَينِ، ثم ينامُ وعند رأسِه طَهُورُه وسِواكُه، فيقُومُ فيَتسوَّكُ ويَتوضَّأُ ويُصلِّي، ويَتجوَّزُ بركعتَينِ، ثم يقُومُ فيُصلِّي ثمانَ ركَعاتٍ يُسوِّي بَيْنهنَّ في القراءةِ، ثم يُوتِرُ بالتاسعةِ، ويُصلِّي ركعتَينِ وهو جالسٌ، فلمَّا أسَنَّ رسولُ اللهِ ﷺ وأخَذَ اللَّحْمَ، جعَلَ الثَّمانَ سِتًّا، ويُوتِرُ بالسابعةِ، ويُصلِّي ركعتَينِ وهو جالسٌ، يَقرأُ فيهما: {قُلْ يَٰٓأَيُّهَا اْلْكَٰفِرُونَ}، و{إِذَا زُلْزِلَتِ}». أخرجه ابن حبان (٢٦٣٥).

1. أهوال القيامة وشدائدها (١-٥).

2. مآل الخلائقِ يوم الحساب (٦-٨).

ينظر: "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (9 /287).

إثباتُ البعثِ ووقوعِ القيامةِ وما يعتري الناسَ من الأهوال؛ وبذلك تنكشفُ الأمور، وينقسمُ الناس إلى أشقياءَ وسعداءَ.

ينظر: "مصاعد النظر للإشراف على مقاصد السور" للبقاعي (3 /231).