تفسير سورة الزلزلة

جامع البيان في تفسير القرآن

تفسير سورة سورة الزلزلة من كتاب جامع البيان في تفسير القرآن
لمؤلفه الإيجي محيي الدين . المتوفي سنة 905 هـ
سورة الزلزال مكية، وقيل : مدنية، وهي ثماني آيات.

بسم الله الرحمن الرحيم

﴿ إذا١ زلزلت ﴾ : حركت، ﴿ الأرض زلزالها ﴾، المقدر لها عند النفخ.
١ عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من قرأ إذا زلزلت الأرض، عدلت له بنصف القرآن، ومن قرأ قل هو الله أحد، عدلت بثلث القرآن، ومن قرأ قل يا أيها الكافرون، عدلت له بربع القرآن" أخرجه الترمذي، وابن مردويه/١٢ [وحسن الشيخ الألباني الحديث دون فضل ﴿إذا زلزلت﴾ في "صحيح الترمذي" (٢٣١٧)].
﴿ وأخرجت الأرض أثقالها ﴾ : من الأموات، والكنوز، وألقاها من جوفها على ظهرها.
﴿ وقال الإنسان مالها ﴾، تعجبا من تلك الحالة.
﴿ يومئذ ﴾، بدل من إذا، وناصبها تحدث، أو عامل إذا مضمر نحو : اذكر، وعامل يومئذ تحدث، ﴿ تحدث ﴾ : الأرض الخلق بلسان القال١، ﴿ أخبارها ﴾، وفي الترمذي٢، والنسائي، " قرأ عليه السلام هذه الآية قال :" إن أخبارها أن تشهد على كل عبد وأمة بما علم على ظهرها، أو تقول : عمل كذا وكذا في يوم كذا وكذا ".
١ صرح بذلك عظماء الصحابة/١٢ وجيز..
٢ وقال الترمذي: حديث حسن صحيح/١٢ منه. [وضعفه الشيخ الألباني في "ضعيف الترمذي"].
﴿ بأن ربك أوحى لها ﴾ : أي : تحدث بسبب إيحاء الرب، وأمره بالتحديث.
﴿ يومئذ يصدر الناس ﴾ يرجعون عن موقف١ الحساب، ﴿ أشتاتا ﴾ : متفرقين أصنافا، وأنواعا ما بين شقي وسعيد، ﴿ ليروا أعمالهم ﴾، أي : جزاءها.
١ كذا فسره السلف، وقيل: يصدرون عن مخارجهم من القبور إلى الموقف/١٢ منه..
﴿ فمن يعمل مثقال ذرة ﴾ : وزن نملة صغيرة، أو ما يرى في الشمس من الهباء، ﴿ خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا١ يره ﴾، عن ابن مسعود رضي الله عنه : هذه أحكم آية في كتاب الله، وكان عليه السلام يسميها " الفاذة الجامعة " ٢، وفي إحباط بعض أعمال الخير، والعفو عن بعض أعمال الشر، إشكال، اللهم إلا أن يقال : الآية مشروطة بعدم الإحباط، والعفو، وما ذكره النسائي، وابن ماجة أنه لما نزلت قال أبو بكر : إني أجزى بما عملت من مثقال ذرة من شر، فقال عليه السلام :" ما رأيت في الدنيا مما تكره فبمثاقيل ذر الشر، ويدخر الله لك مثاقيل ذر الخير حتى توفاه يوم القيامة "، فلا يخلو عن إشكال ؛ لأن قوله :" فمن يعمل " مترتب على قوله :" يومئذ يصدر "، فالظاهر أن رؤية جزاء الأعمال في الآخرة لا في الدنيا، اللهم إلا أن يقال : قد تم الكلام عند قوله :" ليروا أعمالهم "، وقوله :" فمن يعمل " ابتداء كلام وحكم على حياله، وعن سعيد٣ بن جبير : كان المسلمون يرون أنهم لا يؤجرون على الشيء القليل إذا أعطوه، وكان آخرون يرون أن لا يلامون على الذنب اليسير الكذبة، والنظرة، والغيبة وأشباهها، فرغبهم الله في القليل من الخير، وحذرهم عن القليل من الشر، فنزلت :﴿ فمن يعمل مثقال ذرة ﴾ الخ.
١ وإن لم يجز به، ويعفى عنه، قال تعالى:﴿مال هذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها﴾(الكهف: ٤٩)، وعلى هذا لا إشكال في الآية، وكان صلى الله عليه وسلم يسميها: الفاذة الجامعة، وعن ابن مسعود: هذا أحكم آية في كتاب الله، ولو جعلت معنى ليروا أعمالهم جزاء أعمالهم، فالآية تامة المعنى أيضا، فإن عمل الخير المحبوط والشر المعفو يرى جزاءهما، فإن عمل الشر الذي به حبط عمل خيره، لو لم يكن له عمل الخير لكان ذاك الشر أكثر، وإن عمل الخير الذي بسببه عفي عن عمل شره، لو لم يكن له عمل الشر لكان ذلك الخير أكثر نفعا، فصدق أنه رأى جزائهما هذا هو تحقيق الكلام، والبحث، والمناقشة جهل/١٢ وجيز..
٢ ذكره ابن كثير في "تفسيره" '(٤/٥٤٠) وعزاه لابن جرير..
٣ أخرجه ابن أبي حاتم/١٢ در منثور..
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٧:﴿ فمن يعمل مثقال ذرة ﴾ : وزن نملة صغيرة، أو ما يرى في الشمس من الهباء، ﴿ خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا١ يره ﴾، عن ابن مسعود رضي الله عنه : هذه أحكم آية في كتاب الله، وكان عليه السلام يسميها " الفاذة الجامعة " ٢، وفي إحباط بعض أعمال الخير، والعفو عن بعض أعمال الشر، إشكال، اللهم إلا أن يقال : الآية مشروطة بعدم الإحباط، والعفو، وما ذكره النسائي، وابن ماجة أنه لما نزلت قال أبو بكر : إني أجزى بما عملت من مثقال ذرة من شر، فقال عليه السلام :" ما رأيت في الدنيا مما تكره فبمثاقيل ذر الشر، ويدخر الله لك مثاقيل ذر الخير حتى توفاه يوم القيامة "، فلا يخلو عن إشكال ؛ لأن قوله :" فمن يعمل " مترتب على قوله :" يومئذ يصدر "، فالظاهر أن رؤية جزاء الأعمال في الآخرة لا في الدنيا، اللهم إلا أن يقال : قد تم الكلام عند قوله :" ليروا أعمالهم "، وقوله :" فمن يعمل " ابتداء كلام وحكم على حياله، وعن سعيد٣ بن جبير : كان المسلمون يرون أنهم لا يؤجرون على الشيء القليل إذا أعطوه، وكان آخرون يرون أن لا يلامون على الذنب اليسير الكذبة، والنظرة، والغيبة وأشباهها، فرغبهم الله في القليل من الخير، وحذرهم عن القليل من الشر، فنزلت :﴿ فمن يعمل مثقال ذرة ﴾ الخ.
١ وإن لم يجز به، ويعفى عنه، قال تعالى:﴿مال هذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها﴾(الكهف: ٤٩)، وعلى هذا لا إشكال في الآية، وكان صلى الله عليه وسلم يسميها: الفاذة الجامعة، وعن ابن مسعود: هذا أحكم آية في كتاب الله، ولو جعلت معنى ليروا أعمالهم جزاء أعمالهم، فالآية تامة المعنى أيضا، فإن عمل الخير المحبوط والشر المعفو يرى جزاءهما، فإن عمل الشر الذي به حبط عمل خيره، لو لم يكن له عمل الخير لكان ذاك الشر أكثر، وإن عمل الخير الذي بسببه عفي عن عمل شره، لو لم يكن له عمل الشر لكان ذلك الخير أكثر نفعا، فصدق أنه رأى جزائهما هذا هو تحقيق الكلام، والبحث، والمناقشة جهل/١٢ وجيز..
٢ ذكره ابن كثير في "تفسيره" '(٤/٥٤٠) وعزاه لابن جرير..
٣ أخرجه ابن أبي حاتم/١٢ در منثور..


والحمد لله.
سورة الزلزلة
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورة (الزَّلْزلة) من السُّوَر المدنية، نزلت بعد سورة (النساء)، ولها فضلٌ عظيم؛ فهي تَعدِل رُبُعَ القرآن؛ كما صح في الحديث، وقد تحدثت عن أهوالِ يوم القيامة، وحالِ الناس يوم البعث، وما يعتريهم من الفزعِ والخوف، وأُثِر عن النبي صلى الله عليه وسلم قراءتُه لها في صلاة الفجر.

ترتيبها المصحفي
99
نوعها
مدنية
ألفاظها
35
ترتيب نزولها
93
العد المدني الأول
8
العد المدني الأخير
9
العد البصري
9
العد الكوفي
8
العد الشامي
9

* سورة (الزَّلْزلة):

سُمِّيت سورة (الزَّلْزلة) بهذا الاسم؛ لافتتاحها بقوله تعالى: {إِذَا زُلْزِلَتِ اْلْأَرْضُ زِلْزَالَهَا} [الزلزلة: 1].

* سورة (الزَّلْزلة) تَعدِل رُبُعَ القرآن:

عن أنسِ بن مالكٍ رضي الله عنه: «أنَّ رسولَ اللهِ ﷺ قال لرجُلٍ مِن أصحابِه: «هل تزوَّجْتَ يا فلانُ؟»، قال: لا واللهِ يا رسولَ اللهِ، ولا عندي ما أتزوَّجُ به، قال: «أليس معك {قُلْ هُوَ اْللَّهُ أَحَدٌ}؟»، قال: بلى، قال: «ثُلُثُ القرآنِ»، قال: «أليس معك {إِذَا جَآءَ نَصْرُ اْللَّهِ وَاْلْفَتْحُ}؟»، قال: بلى، قال: «رُبُعُ القرآنِ»، قال: «أليس معك {قُلْ يَٰٓأَيُّهَا اْلْكَٰفِرُونَ}؟»، قال: بلى، قال: «رُبُعُ القرآنِ»، قال: «أليس معك {إِذَا زُلْزِلَتِ اْلْأَرْضُ زِلْزَالَهَا}؟»، قال: بلى، قال: «رُبُعُ القرآنِ»، قال: تزوَّجْ، تزوَّجْ»». أخرجه الترمذي (٢٨٩٥).

* أوصى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم رجُلًا بقراءة سورة (الزَّلْزلة):

عن عبدِ اللهِ بن عمرٍو رضي الله عنه، قال: «أتى رجُلٌ رسولَ اللهِ ﷺ، فقال: أقرِئْني يا رسولَ اللهِ، فقال: «اقرَأْ ثلاثًا مِن ذواتِ {الٓر}»، فقال: كَبِرتْ سِنِّي، واشتَدَّ قلبي، وغلُظَ لساني، قال: «فاقرَأْ ثلاثًا مِن ذواتِ {حمٓ}»، فقال مِثْلَ مقالتِه، فقال: اقرَأْ ثلاثًا مِن (المُسبِّحاتِ)»، فقال مِثْلَ مقالتِه، فقال الرجُلُ: يا رسولَ اللهِ، أقرِئْني سورةً جامعةً، فأقرَأَه النبيُّ ﷺ: {إِذَا زُلْزِلَتِ اْلْأَرْضُ} حتى فرَغَ منها، فقال الرجُلُ: والذي بعَثَك بالحقِّ، لا أَزيدُ عليها أبدًا، ثم أدبَرَ الرجُلُ، فقال النبيُّ ﷺ: «أفلَحَ الرُّوَيجِلُ» مرَّتَينِ». أخرجه أبو داود (١٣٩٩).

* ثبَت عن النبي صلى الله عليه وسلم قراءتُه لسورة (الزَّلْزلة) في صلاة الفجر:

عن مُعاذِ بن عبدِ اللهِ الجُهَنيِّ: «أنَّ رجُلًا مِن جُهَينةَ أخبَرَه أنَّه سَمِعَ النبيَّ ﷺ يَقرأُ في الصُّبْحِ: {إِذَا زُلْزِلَتِ اْلْأَرْضُ زِلْزَالَهَا} في الرَّكعتَينِ كلتَيْهما، فلا أدري أنَسِيَ رسولُ اللهِ ﷺ أم قرَأَ ذلك عمدًا؟». أخرجه أبو داود (٨١٦).

* كان صلى الله عليه وسلم يصلي ركعتَينِ بعد الوترِ يقرأ فيهما (الزلزلة) و(الكافرون):

عن سعدِ بن هشامٍ: «أنَّه سأَلَ عائشةَ عن صلاةِ النبيِّ ﷺ باللَّيلِ، فقالت: كان رسولُ اللهِ ﷺ إذا صلَّى العِشاءَ تجوَّزَ بركعتَينِ، ثم ينامُ وعند رأسِه طَهُورُه وسِواكُه، فيقُومُ فيَتسوَّكُ ويَتوضَّأُ ويُصلِّي، ويَتجوَّزُ بركعتَينِ، ثم يقُومُ فيُصلِّي ثمانَ ركَعاتٍ يُسوِّي بَيْنهنَّ في القراءةِ، ثم يُوتِرُ بالتاسعةِ، ويُصلِّي ركعتَينِ وهو جالسٌ، فلمَّا أسَنَّ رسولُ اللهِ ﷺ وأخَذَ اللَّحْمَ، جعَلَ الثَّمانَ سِتًّا، ويُوتِرُ بالسابعةِ، ويُصلِّي ركعتَينِ وهو جالسٌ، يَقرأُ فيهما: {قُلْ يَٰٓأَيُّهَا اْلْكَٰفِرُونَ}، و{إِذَا زُلْزِلَتِ}». أخرجه ابن حبان (٢٦٣٥).

1. أهوال القيامة وشدائدها (١-٥).

2. مآل الخلائقِ يوم الحساب (٦-٨).

ينظر: "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (9 /287).

إثباتُ البعثِ ووقوعِ القيامةِ وما يعتري الناسَ من الأهوال؛ وبذلك تنكشفُ الأمور، وينقسمُ الناس إلى أشقياءَ وسعداءَ.

ينظر: "مصاعد النظر للإشراف على مقاصد السور" للبقاعي (3 /231).