تفسير سورة الزلزلة

التفسير الشامل

تفسير سورة سورة الزلزلة من كتاب التفسير الشامل
لمؤلفه أمير عبد العزيز . المتوفي سنة 2005 هـ
هذه السورة مدنية. وقيل : مكية. وآياتها ثمان.

بسم الله الرحمان الرحيم
﴿ إذا زلزلت الأرض زلزالها ١ وأخرجت الأرض أثقالها ٢ وقال الإنسان ما لها ٣ يومئذ تحدّث أخبارها ٤ بأن ربك أوحى لها ٥ يومئذ يصدر الناس أشتاتا ليروا أعمالهم ٦ فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ٧ ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره ﴾
ذلك بيان من الله عن هول الساعة إذا قامت. فحينئذ تتبدل الأرض غير الأرض والسماوات، وحشر الناس ليوم الجمع، يوم التلاقي. فقال سبحانه :﴿ إذا زلزلت الأرض زلزالها ﴾ أي تحركت الأرض ورجّت رجّا.
قوله :﴿ وأخرجت الأرض أثقالها ﴾ يعني ألقت ما في بطنها من الموتى أحياء على ظهرها ليصار بهم إلى الحشر والحساب.
قوله :﴿ وقال الإنسان ما لها ﴾ إذا رأى الإنسان حال الأرض من الاضطراب والتحرك والارتجاج، صاح مفزعا مذعورا ﴿ ما لها ﴾ يعني : ما للأرض وما قصتها، أو ما لها زلزلت وما لها أخرجت أثقالها. وهذا للتعجيب.
قوله :﴿ يومئذ تحدّث أخبارها ﴾ أي تخبر الأرض يومئذ بما عمل على ظهرها من طاعة ومعصية. وفي ذلك روى الترمذي عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " أتدرون ما أخبارها " ؟ قالوا : الله ورسوله أعلم. قال : " فإن أخبارها أن تشهد على كل عبد أو أمة بما عمل على ظهرها. تقول : عمل يوم كذا، كذا وكذا ".
قوله :﴿ بأن ربك أوحى لها ﴾ يعني تحدث الأرض أخبارها بسبب إيحاء الله لها، وأمره إياها بالتحدث. وفي معجم الطبراني من حديث أبي لهيعة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " تحفظوا من الأرض فإنها أمكم، وإنه ليس من أحد عامل عليها خيرا أو شرا إلا وهي مخبرة ".
قوله :﴿ يومئذ يصدر الناس أشتاتا ليروا أعمالهم ﴾ أي يومئذ يرجع الناس عن موقف الحساب أشتاتا، أي فرقا متفرقين، ففريق آخذ ذات اليمين إلى الجنة، وفريق آخذ ذات الشمال إلى النار.
قوله :﴿ ليروا أعمالهم ﴾ أي ليريهم الله أعمالهم في كتبهم. أو ليروا جزاء أعمالهم.
قوله :﴿ فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ﴾ الذرة لا زنة لها لفرط صغرها وبساطتها. وهذا مثل ضربه الله سبحانه، وهو أنه لا يضيّع من عمل ابن آدم صغيرة ولا كبيرة. ولسوف يريه الله سائر أعماله من خير أو شر، ما قل من ذلك أو كثر. والمسلم المتعظ يحرص على فعل الخير مهما قل، وذلك محسوب له في سجل أعماله، يجده يوم الحساب. فقد روى البخاري في صحيحه عن عدي مرفوعا : " اتقوا النار ولو بشق تمرة ولو بكلمة طيبة "، وفي الصحيح كذلك " لا تحقرنّ من المعروف شيئا، ولو أن تفرغ من دلوك في إناء المستسقي، ولو أن تلقى أخاك، ووجهك إليه منبسط ".
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٧:قوله :﴿ فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ﴾ الذرة لا زنة لها لفرط صغرها وبساطتها. وهذا مثل ضربه الله سبحانه، وهو أنه لا يضيّع من عمل ابن آدم صغيرة ولا كبيرة. ولسوف يريه الله سائر أعماله من خير أو شر، ما قل من ذلك أو كثر. والمسلم المتعظ يحرص على فعل الخير مهما قل، وذلك محسوب له في سجل أعماله، يجده يوم الحساب. فقد روى البخاري في صحيحه عن عدي مرفوعا :" اتقوا النار ولو بشق تمرة ولو بكلمة طيبة "، وفي الصحيح كذلك " لا تحقرنّ من المعروف شيئا، ولو أن تفرغ من دلوك في إناء المستسقي، ولو أن تلقى أخاك، ووجهك إليه منبسط ".

وما ينبغي للمسلم الحريص أيضا أن يغفل عن محقرات الذنوب، فإن اجتماعها على المرء يفضي به إلى التردي في الخسار. فقد أخرج الإمام أحمد عن عبد الله بن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إياكم ومحقّرات الذنوب، فإنهن يجتمعن على الرجل حتى يهلكنه " ١.
١ تفسير ابن كثير جـ ٤ ص ٥٤١ والكشاف جـ ٤ ص ٢٧٦ وتفسير الرازي جـ ٣٢ ص ٦٢..
سورة الزلزلة
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورة (الزَّلْزلة) من السُّوَر المدنية، نزلت بعد سورة (النساء)، ولها فضلٌ عظيم؛ فهي تَعدِل رُبُعَ القرآن؛ كما صح في الحديث، وقد تحدثت عن أهوالِ يوم القيامة، وحالِ الناس يوم البعث، وما يعتريهم من الفزعِ والخوف، وأُثِر عن النبي صلى الله عليه وسلم قراءتُه لها في صلاة الفجر.

ترتيبها المصحفي
99
نوعها
مدنية
ألفاظها
35
ترتيب نزولها
93
العد المدني الأول
8
العد المدني الأخير
9
العد البصري
9
العد الكوفي
8
العد الشامي
9

* سورة (الزَّلْزلة):

سُمِّيت سورة (الزَّلْزلة) بهذا الاسم؛ لافتتاحها بقوله تعالى: {إِذَا زُلْزِلَتِ اْلْأَرْضُ زِلْزَالَهَا} [الزلزلة: 1].

* سورة (الزَّلْزلة) تَعدِل رُبُعَ القرآن:

عن أنسِ بن مالكٍ رضي الله عنه: «أنَّ رسولَ اللهِ ﷺ قال لرجُلٍ مِن أصحابِه: «هل تزوَّجْتَ يا فلانُ؟»، قال: لا واللهِ يا رسولَ اللهِ، ولا عندي ما أتزوَّجُ به، قال: «أليس معك {قُلْ هُوَ اْللَّهُ أَحَدٌ}؟»، قال: بلى، قال: «ثُلُثُ القرآنِ»، قال: «أليس معك {إِذَا جَآءَ نَصْرُ اْللَّهِ وَاْلْفَتْحُ}؟»، قال: بلى، قال: «رُبُعُ القرآنِ»، قال: «أليس معك {قُلْ يَٰٓأَيُّهَا اْلْكَٰفِرُونَ}؟»، قال: بلى، قال: «رُبُعُ القرآنِ»، قال: «أليس معك {إِذَا زُلْزِلَتِ اْلْأَرْضُ زِلْزَالَهَا}؟»، قال: بلى، قال: «رُبُعُ القرآنِ»، قال: تزوَّجْ، تزوَّجْ»». أخرجه الترمذي (٢٨٩٥).

* أوصى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم رجُلًا بقراءة سورة (الزَّلْزلة):

عن عبدِ اللهِ بن عمرٍو رضي الله عنه، قال: «أتى رجُلٌ رسولَ اللهِ ﷺ، فقال: أقرِئْني يا رسولَ اللهِ، فقال: «اقرَأْ ثلاثًا مِن ذواتِ {الٓر}»، فقال: كَبِرتْ سِنِّي، واشتَدَّ قلبي، وغلُظَ لساني، قال: «فاقرَأْ ثلاثًا مِن ذواتِ {حمٓ}»، فقال مِثْلَ مقالتِه، فقال: اقرَأْ ثلاثًا مِن (المُسبِّحاتِ)»، فقال مِثْلَ مقالتِه، فقال الرجُلُ: يا رسولَ اللهِ، أقرِئْني سورةً جامعةً، فأقرَأَه النبيُّ ﷺ: {إِذَا زُلْزِلَتِ اْلْأَرْضُ} حتى فرَغَ منها، فقال الرجُلُ: والذي بعَثَك بالحقِّ، لا أَزيدُ عليها أبدًا، ثم أدبَرَ الرجُلُ، فقال النبيُّ ﷺ: «أفلَحَ الرُّوَيجِلُ» مرَّتَينِ». أخرجه أبو داود (١٣٩٩).

* ثبَت عن النبي صلى الله عليه وسلم قراءتُه لسورة (الزَّلْزلة) في صلاة الفجر:

عن مُعاذِ بن عبدِ اللهِ الجُهَنيِّ: «أنَّ رجُلًا مِن جُهَينةَ أخبَرَه أنَّه سَمِعَ النبيَّ ﷺ يَقرأُ في الصُّبْحِ: {إِذَا زُلْزِلَتِ اْلْأَرْضُ زِلْزَالَهَا} في الرَّكعتَينِ كلتَيْهما، فلا أدري أنَسِيَ رسولُ اللهِ ﷺ أم قرَأَ ذلك عمدًا؟». أخرجه أبو داود (٨١٦).

* كان صلى الله عليه وسلم يصلي ركعتَينِ بعد الوترِ يقرأ فيهما (الزلزلة) و(الكافرون):

عن سعدِ بن هشامٍ: «أنَّه سأَلَ عائشةَ عن صلاةِ النبيِّ ﷺ باللَّيلِ، فقالت: كان رسولُ اللهِ ﷺ إذا صلَّى العِشاءَ تجوَّزَ بركعتَينِ، ثم ينامُ وعند رأسِه طَهُورُه وسِواكُه، فيقُومُ فيَتسوَّكُ ويَتوضَّأُ ويُصلِّي، ويَتجوَّزُ بركعتَينِ، ثم يقُومُ فيُصلِّي ثمانَ ركَعاتٍ يُسوِّي بَيْنهنَّ في القراءةِ، ثم يُوتِرُ بالتاسعةِ، ويُصلِّي ركعتَينِ وهو جالسٌ، فلمَّا أسَنَّ رسولُ اللهِ ﷺ وأخَذَ اللَّحْمَ، جعَلَ الثَّمانَ سِتًّا، ويُوتِرُ بالسابعةِ، ويُصلِّي ركعتَينِ وهو جالسٌ، يَقرأُ فيهما: {قُلْ يَٰٓأَيُّهَا اْلْكَٰفِرُونَ}، و{إِذَا زُلْزِلَتِ}». أخرجه ابن حبان (٢٦٣٥).

1. أهوال القيامة وشدائدها (١-٥).

2. مآل الخلائقِ يوم الحساب (٦-٨).

ينظر: "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (9 /287).

إثباتُ البعثِ ووقوعِ القيامةِ وما يعتري الناسَ من الأهوال؛ وبذلك تنكشفُ الأمور، وينقسمُ الناس إلى أشقياءَ وسعداءَ.

ينظر: "مصاعد النظر للإشراف على مقاصد السور" للبقاعي (3 /231).