تفسير سورة الزلزلة

تفسير التستري

تفسير سورة سورة الزلزلة من كتاب تفسير التستري المعروف بـتفسير التستري.
لمؤلفه سهل التستري . المتوفي سنة 283 هـ

قوله تعالى :﴿ يومئذ يصدر الناس أشتاتا ﴾ [ ٦ ] قال : يتبع كل أحد ما كان يعتمده، فمن اعتمد فضل الله اتبع فضله، ومن اعتمد عمله اتبع عمله، ومن اعتمد الشفاعة اتبع الشفاعة.
قوله تعالى :﴿ فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ﴾ [ ٧ ] قال : لما نزلت هذه الآية خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال في خطبته :«ألا وإن الدنيا عرض حاضر، يأكل منه البر والفاجر، ألا وإن الآخرة أجل صادق، يقضي فيها ملك قادر، ألا وإن الخير كله بحذافيره في الجنة، ألا وإن الشر كله بحذافيره في النار، ألا فاعملوا وأنتم من الله على حذر، واعلموا أنكم معروضون على أعمالكم ﴿ فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره. ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره ﴾ [ ٧-٨ ] »١.
قال أبو الدرداء رضي الله عنه : إتمام التقوى أن يتقي الله عبده، حتى يتقيه في مثقال ذرة، حتى يترك بعض ما يرى أنه حلال، خشية أن يكون حراما يكون حجابا بينه وبين الحرام٢.
قال سهل : لا تستصغر شيئا من الذنوب وإن قل، فإنهم قالوا : أربعة بعد الذنب أشد من الذنب : الإصرار والاستبشار والاستصغار والافتخار.
وقد قال ابن مسعود رضي الله عنهما : إن المؤمن يرى ذنوبه كأنه في أصل جبل يخاف أن يقع عليه، وإن الكافر يرى ذنوبه كذبابة وقعت على أنفه فقال هكذا بيده فطارت٣.
ثم قال سهل : معشر المسلمين لقد أعقبتم الإقرار باللسان واليقين في القلب أن الله واحد ليس كمثله شيء، وإن لكم يوما يبعثكم فيه ويسألكم فيه عن مثاقيل الذر من أعمالكم، فإن كان خيرا أثابكم فيه، وإن كان شرا عاقبكم عليه إن شاء، فحققوه بالفعل.
قيل له : وكيف لنا أن نحققه بالفعل ؟
قال : بخمسة أشياء لابد لكم منها : أكل الحلال، ولبس الحلال، وحفظ الجوارح، وأداء الحقوق كما أمرتم به، وكف الأذى عن المسلمين كيلا يذهب بأعمالكم قصاصا في القيامة، ثم استعينوا على ذلك كله بالله حتى يتمها لكم.
قيل له : فكيف تصح للعبد هذه الأحوال ؟
قال : لابد له من عشرة أشياء يدع منها خمسا ويتمسك بخمس : يدع وساوس العدو ويتبع العقل فيما يزجره، ويدع اهتمامه لأمر الدنيا ويتركها لأهلها ويهتم بالآخرة ويعين أهلها، ويدع اتباعه الهوى ويتقي الله على كل حال، ويترك المعصية ويشتغل بالطاعة، ويدع الجهل والإقامة عليه حتى يحكم عمله ويطلب العلم ويعمل به.
قيل له : وكيف لنا أن نقيمها ونعمل بها ؟
قال : لابد من أربعة أشياء : لا يتعب نفسه فيما كان مصيره إلى التراب، ولا يرغب فيه، ولا يتخذ إخوانا مصيرهم إلى التراب، ولا يرغب فيهم.
قيل : كيف ذلك ؟
قال : يعلم أنه عبد، مولاه عالم بحاله، شاهد، قادر على فرحه وترحه، رحيم به٤.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
١ - الحلية ١/٢٦٤-٢٦٥؛ وكتاب الأمر ١/٢٠٢..
٢ - الزهد لابن مبارك ١/١٨..
٣ - سنن الترمذي ٤/٦٥٨ (رقم ٢٤٩٢)؛ وسنن البيهقي الكبرى ١٠/١٨٨؛ ومسند أحمد ١/٣٨٣؛ وجامع العلوم والحكم ١/١٧٤؛ والزهد لابن مبارك ١/٢٣؛ والزهد لهناد ٢/٤٤٨؛ وفيض القدير ٢/٣٧٢..
٤ - وردت أقوال التستري وما سئل عنه في الحلية ١٠/٢٠٨-٢٠٩.
.

سورة الزلزلة
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورة (الزَّلْزلة) من السُّوَر المدنية، نزلت بعد سورة (النساء)، ولها فضلٌ عظيم؛ فهي تَعدِل رُبُعَ القرآن؛ كما صح في الحديث، وقد تحدثت عن أهوالِ يوم القيامة، وحالِ الناس يوم البعث، وما يعتريهم من الفزعِ والخوف، وأُثِر عن النبي صلى الله عليه وسلم قراءتُه لها في صلاة الفجر.

ترتيبها المصحفي
99
نوعها
مدنية
ألفاظها
35
ترتيب نزولها
93
العد المدني الأول
8
العد المدني الأخير
9
العد البصري
9
العد الكوفي
8
العد الشامي
9

* سورة (الزَّلْزلة):

سُمِّيت سورة (الزَّلْزلة) بهذا الاسم؛ لافتتاحها بقوله تعالى: {إِذَا زُلْزِلَتِ اْلْأَرْضُ زِلْزَالَهَا} [الزلزلة: 1].

* سورة (الزَّلْزلة) تَعدِل رُبُعَ القرآن:

عن أنسِ بن مالكٍ رضي الله عنه: «أنَّ رسولَ اللهِ ﷺ قال لرجُلٍ مِن أصحابِه: «هل تزوَّجْتَ يا فلانُ؟»، قال: لا واللهِ يا رسولَ اللهِ، ولا عندي ما أتزوَّجُ به، قال: «أليس معك {قُلْ هُوَ اْللَّهُ أَحَدٌ}؟»، قال: بلى، قال: «ثُلُثُ القرآنِ»، قال: «أليس معك {إِذَا جَآءَ نَصْرُ اْللَّهِ وَاْلْفَتْحُ}؟»، قال: بلى، قال: «رُبُعُ القرآنِ»، قال: «أليس معك {قُلْ يَٰٓأَيُّهَا اْلْكَٰفِرُونَ}؟»، قال: بلى، قال: «رُبُعُ القرآنِ»، قال: «أليس معك {إِذَا زُلْزِلَتِ اْلْأَرْضُ زِلْزَالَهَا}؟»، قال: بلى، قال: «رُبُعُ القرآنِ»، قال: تزوَّجْ، تزوَّجْ»». أخرجه الترمذي (٢٨٩٥).

* أوصى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم رجُلًا بقراءة سورة (الزَّلْزلة):

عن عبدِ اللهِ بن عمرٍو رضي الله عنه، قال: «أتى رجُلٌ رسولَ اللهِ ﷺ، فقال: أقرِئْني يا رسولَ اللهِ، فقال: «اقرَأْ ثلاثًا مِن ذواتِ {الٓر}»، فقال: كَبِرتْ سِنِّي، واشتَدَّ قلبي، وغلُظَ لساني، قال: «فاقرَأْ ثلاثًا مِن ذواتِ {حمٓ}»، فقال مِثْلَ مقالتِه، فقال: اقرَأْ ثلاثًا مِن (المُسبِّحاتِ)»، فقال مِثْلَ مقالتِه، فقال الرجُلُ: يا رسولَ اللهِ، أقرِئْني سورةً جامعةً، فأقرَأَه النبيُّ ﷺ: {إِذَا زُلْزِلَتِ اْلْأَرْضُ} حتى فرَغَ منها، فقال الرجُلُ: والذي بعَثَك بالحقِّ، لا أَزيدُ عليها أبدًا، ثم أدبَرَ الرجُلُ، فقال النبيُّ ﷺ: «أفلَحَ الرُّوَيجِلُ» مرَّتَينِ». أخرجه أبو داود (١٣٩٩).

* ثبَت عن النبي صلى الله عليه وسلم قراءتُه لسورة (الزَّلْزلة) في صلاة الفجر:

عن مُعاذِ بن عبدِ اللهِ الجُهَنيِّ: «أنَّ رجُلًا مِن جُهَينةَ أخبَرَه أنَّه سَمِعَ النبيَّ ﷺ يَقرأُ في الصُّبْحِ: {إِذَا زُلْزِلَتِ اْلْأَرْضُ زِلْزَالَهَا} في الرَّكعتَينِ كلتَيْهما، فلا أدري أنَسِيَ رسولُ اللهِ ﷺ أم قرَأَ ذلك عمدًا؟». أخرجه أبو داود (٨١٦).

* كان صلى الله عليه وسلم يصلي ركعتَينِ بعد الوترِ يقرأ فيهما (الزلزلة) و(الكافرون):

عن سعدِ بن هشامٍ: «أنَّه سأَلَ عائشةَ عن صلاةِ النبيِّ ﷺ باللَّيلِ، فقالت: كان رسولُ اللهِ ﷺ إذا صلَّى العِشاءَ تجوَّزَ بركعتَينِ، ثم ينامُ وعند رأسِه طَهُورُه وسِواكُه، فيقُومُ فيَتسوَّكُ ويَتوضَّأُ ويُصلِّي، ويَتجوَّزُ بركعتَينِ، ثم يقُومُ فيُصلِّي ثمانَ ركَعاتٍ يُسوِّي بَيْنهنَّ في القراءةِ، ثم يُوتِرُ بالتاسعةِ، ويُصلِّي ركعتَينِ وهو جالسٌ، فلمَّا أسَنَّ رسولُ اللهِ ﷺ وأخَذَ اللَّحْمَ، جعَلَ الثَّمانَ سِتًّا، ويُوتِرُ بالسابعةِ، ويُصلِّي ركعتَينِ وهو جالسٌ، يَقرأُ فيهما: {قُلْ يَٰٓأَيُّهَا اْلْكَٰفِرُونَ}، و{إِذَا زُلْزِلَتِ}». أخرجه ابن حبان (٢٦٣٥).

1. أهوال القيامة وشدائدها (١-٥).

2. مآل الخلائقِ يوم الحساب (٦-٨).

ينظر: "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (9 /287).

إثباتُ البعثِ ووقوعِ القيامةِ وما يعتري الناسَ من الأهوال؛ وبذلك تنكشفُ الأمور، وينقسمُ الناس إلى أشقياءَ وسعداءَ.

ينظر: "مصاعد النظر للإشراف على مقاصد السور" للبقاعي (3 /231).