تفسير سورة الزلزلة

الكشاف أو تفسير الزمخشري

تفسير سورة سورة الزلزلة من كتاب الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل المعروف بـالكشاف أو تفسير الزمخشري.
لمؤلفه الزمخشري . المتوفي سنة 538 هـ
مدنية، وقيل‏ :‏ مكية، وآياتها ثمان.

بالهمز، والقرّاء على التخفيف. والنبىّ، والبرية: مما استمر الاستعمال على تخفيفه ورفض الأصل وقرئ: خيار البرية: جمع خير، كجياد وطياب: في جمع جيد وطيب.
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من قرأ لم يكن كان يوم القيامة مع خير البرية مساء ومقبلا «١» ».
سورة الزلزلة
مدنية وقيل مكية، وآياتها ٨ [نزلت بعد النساء] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
[سورة الزلزلة (٩٩) : الآيات ١ الى ٨]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

إِذا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزالَها (١) وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقالَها (٢) وَقالَ الْإِنْسانُ ما لَها (٣) يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبارَها (٤)
بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحى لَها (٥) يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتاتاً لِيُرَوْا أَعْمالَهُمْ (٦) فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ (٧) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (٨)
زِلْزالَها قرئ بكسر الزاى وفتحها، فالمكسور مصدر، والمفتوح: اسم، وليس في الأبنية فعلال بالفتح إلا في المضاعف. فإن قلت: ما معنى زلزالها بالإضافة؟ قلت: معناه زلزالها الذي تستوجبه في الحكمة ومشيئة الله، وهو الزلزال الشديد الذي ليس بعده. ونحوه قولك: أكرم التقىّ إكرامه، وأهن الفاسق إهانته، تريد: ما يستوجبانه من الإكرام والإهانة أو زلزالها كله وجميع ما هو ممكن منه. الأثقال: جمع «٢» ثقل. وهو متاع البيت، وتحمل أثقالكم جعل ما في جوفها من الدفائن أثقالا لها وَقالَ الْإِنْسانُ ما لَها زلزلت هذه الزلزلة الشديدة ولفظت ما في بطنها، وذلك عند النفخة الثانية حين تزلزل وتلفظ أمواتها أحياء، فيقولون ذلك
(١). أخرجه الثعلبي والواحدي وابن مردويه بسندهم إلى أبى بن كعب.
(٢). قوله «جمع ثقل وهو متاع» في الصحاح «الثقل» : واحد الأثقال، مثل حمل وأحمال. والثقل- بالتحريك متاع المسافر وحشمه. (ع)
783
لما يبهرهم من الأمر الفظيع، كما يقولون: مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا. وقيل: هذا قول الكافر، لأنه كان لا يؤمن بالبعث، فأما المؤمن فيقول: هذا ما وعد الرحمن وصدق المرسلون. فإن قلت: ما معنى تحديث الأرض والإيحاء لها؟ قلت: هو مجاز عن إحداث الله تعالى فيها من الأحوال ما يقوم مقام التحديث بالنسيان، حتى ينظر من يقول مالها إلى تلك الأحوال، فيعلم لم زلزلت ولم لفظت الأموات؟ وأنّ هذا ما كانت الأنبياء ينذرونه ويحذرون منه.
وقيل: ينطقها الله على الحقيقة. وتخبر بما عمل عليها من خير وشر. وروى عن رسول الله ﷺ تشهد على كل أحد بما عمل على ظهرها «١». فإن قلت: إِذا، ويَوْمَئِذٍ: ما ناصبهما؟ قلت:
يَوْمَئِذٍ: بدل من إِذا، وناصبهما تُحَدِّثُ. ويجوز أن ينتصب إِذا بمضمر، ويَوْمَئِذٍ بتحدث. فإن قلت: أين مفعولا تُحَدِّثُ؟ قلت: قد حذف أوّلهما، والثاني أخبارها، وأصله تحدث الخلق أخبارها، إلا أن المقصود ذكر تحديثها الأخبار لا ذكر الخلق تعظيما لليوم. فإن قلت: بم تعلقت الباء في قوله بِأَنَّ رَبَّكَ؟ قلت، بتحدّث، معناه: تحدّث أخبارها بسبب إيحاء ربك لها، وأمره إياها بالتحديث. ويجوز أن يكون المعنى: يومئذ تحدث بتحديث أنّ ربك أوحى لها أخبارها، على أن تحديثها بأن ربك أوحى لها: تحديث بأخبارها، كما تقول:
نصحتني كل نصيحة، بأن نصحتني في الدين. ويجوز أن يكون بِأَنَّ رَبَّكَ بدلا من أَخْبارَها كأنه قيل: يومئذ تحدث بأخبارها بأن ربك أوحى لها، لأنك تقول: حدثته كذا وحدثته بكذا. وأَوْحى لَها بمعنى أوحى إليها، وهو مجاز كقوله أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ قال:
أوحى لها القرار فاستقرّت «٢»
وقرأ ابن مسعود: تنبئ أخبارها، وسعيد بن جبير: تنبئ، بالتخفيف. يصدرون عن مخارجهم من القبور إلى الموقف أَشْتاتاً بيض الوجوه آمنين، وسود الوجوه فزعين. أو يصدرون عن الموقف أشتاتا يتفرق بهم طريقا الجنة والنار، ليروا جزاء أعمالهم. وفي قراءة النبي صلى الله عليه وسلم: ليروا بالفتح. وقرأ ابن عباس وزيد بن على: يره، بالضم. ويحكى أنّ أعرابيا أخر خَيْراً يَرَهُ فقيل له، قدّمت وأخرت، فقال:
(١). أخرجه الترمذي والنسائي وابن حبان والحاكم من رواية ابن أيوب عن يحيى عن أبى سليمان المنقري عن أبى هريرة. وسعيد ثقة. وخالفه رشدين بن سعد وهو ضعيف فقال: عن يحيى بن أبى سليمان عن أبى حازم بالسندين المذكورين عن أنس بن مالك. وأخرجه ابن مردويه.
(٢). تقدم شرح هذا الشاهد بالجزء الثالث صفحة ٧٥ فراجعه إن شئت اه مصححه.
784
خذا بطن هرشى أو قفاها فإنّه كلا جانبي هرشى لهنّ طريق «١»
والذرّة: النملة الصغيرة، وقيل «الذرّ» ما يرى في شعاع الشمس من الهباء. فإن قلت حسنات الكافر محبطة بالكفر، وسيئات المؤمن معفوّة باجتناب الكبائر، فما معنى الجزاء بمثاقيل الذرّ من الخير والشر «٢» ؟ قلت: المعنى فمن يعمل مثقال ذرّة خيرا: من فريق السعداء. ومن يعمل مثقال ذرّة شرا: من فريق الأشقياء، لأنه جاء بعد قوله يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتاتاً، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. «من قرأ سورة إذا زلزلت أربع مرات كان كمن قرأ القرآن كله» «٣».
(١). روى أن أعرابيا أخر قوله تعالى خَيْراً يَرَهُ عما بعده، فقيل: قدمت وأخرت، فضرب ذلك البيت مثلا. وهرشى- كسكرى: ثنية في طريق مكة عند الجحفة، أى: اسلكا أما تلك الثنية أو خلفها، فانه أى:
الحال والشأن كل من جانبيها طريق للإبل التي تطلبانها، وتكرير لفظ «هرشى» لتقريرها في ذهن السامع خوف غفلته عنها، والمقام كان مقام هداية، فحسن فيه ذلك. [.....]
(٢). قال محمود: «إن قلت حسنات الكافر محبطة بالكفر... الخ» قال أحمد: السؤال مبنى على قاعدتين، إحداهما: أن حسنات الكافر محبطة بالكفر، وهذه فيها نظر، فان حسنات الكافر محبطة، أى: لا يثاب عليها ولا ينعم. وأما تخفيف العذاب بسببها، فغير منكر، فقد وردت به الأحاديث الصحيحة. وقد ورد أن حاتما يخفف الله عنه لكرمه ومعروفه، وورد ذلك في حق غيره كأبى طالب أيضا، فحينئذ لحسنات الكافر أثر ما في تخفيف العذاب، فيمكن أن يكون المرئي هو ذلك الأثر، والله أعلم. وأما القاعدة الثانية: وهي القول بأن اجتناب الكبائر يوجب تمحيص الصغائر ويكفرها عن المؤمن، فمردود عند أهل السنة فان الصغائر عندهم حكمها في التكفير في حكم الكبائر: تكفر بأحد أمرين: إما بالتوبة النصوح المقبولة، وإما بالمشية لا غير ذلك. وأما اجتناب الكبيرة عندهم فلا يوجب التكفير للصغيرة، فالسؤال المذكور إذا ساقط عن أهل السنة، ولكن الزمخشري التزم الجواب عنه الزموه على قاعدته الفاسدة، والله الموفق.
(٣). أخرجه الثعلبي من حديث على بإسناد أهل البيت، لكنه من رواية أبى القاسم الطائي. وهو ساقط وشاهده عند ابن أبى شيبة والبزار من رواية سلمة بن وردان عن أنس مرفوعا: إذا زلزلت تعدل ربع القرآن» وأخرجه ابن مردويه والواحدي باسناديهما إلى أبى بن كعب بلفظ «من قرأ إذا زلزلت أعطى من الأجر كمن قرأ القرآن.
785
سورة الزلزلة
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورة (الزَّلْزلة) من السُّوَر المدنية، نزلت بعد سورة (النساء)، ولها فضلٌ عظيم؛ فهي تَعدِل رُبُعَ القرآن؛ كما صح في الحديث، وقد تحدثت عن أهوالِ يوم القيامة، وحالِ الناس يوم البعث، وما يعتريهم من الفزعِ والخوف، وأُثِر عن النبي صلى الله عليه وسلم قراءتُه لها في صلاة الفجر.

ترتيبها المصحفي
99
نوعها
مدنية
ألفاظها
35
ترتيب نزولها
93
العد المدني الأول
8
العد المدني الأخير
9
العد البصري
9
العد الكوفي
8
العد الشامي
9

* سورة (الزَّلْزلة):

سُمِّيت سورة (الزَّلْزلة) بهذا الاسم؛ لافتتاحها بقوله تعالى: {إِذَا زُلْزِلَتِ اْلْأَرْضُ زِلْزَالَهَا} [الزلزلة: 1].

* سورة (الزَّلْزلة) تَعدِل رُبُعَ القرآن:

عن أنسِ بن مالكٍ رضي الله عنه: «أنَّ رسولَ اللهِ ﷺ قال لرجُلٍ مِن أصحابِه: «هل تزوَّجْتَ يا فلانُ؟»، قال: لا واللهِ يا رسولَ اللهِ، ولا عندي ما أتزوَّجُ به، قال: «أليس معك {قُلْ هُوَ اْللَّهُ أَحَدٌ}؟»، قال: بلى، قال: «ثُلُثُ القرآنِ»، قال: «أليس معك {إِذَا جَآءَ نَصْرُ اْللَّهِ وَاْلْفَتْحُ}؟»، قال: بلى، قال: «رُبُعُ القرآنِ»، قال: «أليس معك {قُلْ يَٰٓأَيُّهَا اْلْكَٰفِرُونَ}؟»، قال: بلى، قال: «رُبُعُ القرآنِ»، قال: «أليس معك {إِذَا زُلْزِلَتِ اْلْأَرْضُ زِلْزَالَهَا}؟»، قال: بلى، قال: «رُبُعُ القرآنِ»، قال: تزوَّجْ، تزوَّجْ»». أخرجه الترمذي (٢٨٩٥).

* أوصى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم رجُلًا بقراءة سورة (الزَّلْزلة):

عن عبدِ اللهِ بن عمرٍو رضي الله عنه، قال: «أتى رجُلٌ رسولَ اللهِ ﷺ، فقال: أقرِئْني يا رسولَ اللهِ، فقال: «اقرَأْ ثلاثًا مِن ذواتِ {الٓر}»، فقال: كَبِرتْ سِنِّي، واشتَدَّ قلبي، وغلُظَ لساني، قال: «فاقرَأْ ثلاثًا مِن ذواتِ {حمٓ}»، فقال مِثْلَ مقالتِه، فقال: اقرَأْ ثلاثًا مِن (المُسبِّحاتِ)»، فقال مِثْلَ مقالتِه، فقال الرجُلُ: يا رسولَ اللهِ، أقرِئْني سورةً جامعةً، فأقرَأَه النبيُّ ﷺ: {إِذَا زُلْزِلَتِ اْلْأَرْضُ} حتى فرَغَ منها، فقال الرجُلُ: والذي بعَثَك بالحقِّ، لا أَزيدُ عليها أبدًا، ثم أدبَرَ الرجُلُ، فقال النبيُّ ﷺ: «أفلَحَ الرُّوَيجِلُ» مرَّتَينِ». أخرجه أبو داود (١٣٩٩).

* ثبَت عن النبي صلى الله عليه وسلم قراءتُه لسورة (الزَّلْزلة) في صلاة الفجر:

عن مُعاذِ بن عبدِ اللهِ الجُهَنيِّ: «أنَّ رجُلًا مِن جُهَينةَ أخبَرَه أنَّه سَمِعَ النبيَّ ﷺ يَقرأُ في الصُّبْحِ: {إِذَا زُلْزِلَتِ اْلْأَرْضُ زِلْزَالَهَا} في الرَّكعتَينِ كلتَيْهما، فلا أدري أنَسِيَ رسولُ اللهِ ﷺ أم قرَأَ ذلك عمدًا؟». أخرجه أبو داود (٨١٦).

* كان صلى الله عليه وسلم يصلي ركعتَينِ بعد الوترِ يقرأ فيهما (الزلزلة) و(الكافرون):

عن سعدِ بن هشامٍ: «أنَّه سأَلَ عائشةَ عن صلاةِ النبيِّ ﷺ باللَّيلِ، فقالت: كان رسولُ اللهِ ﷺ إذا صلَّى العِشاءَ تجوَّزَ بركعتَينِ، ثم ينامُ وعند رأسِه طَهُورُه وسِواكُه، فيقُومُ فيَتسوَّكُ ويَتوضَّأُ ويُصلِّي، ويَتجوَّزُ بركعتَينِ، ثم يقُومُ فيُصلِّي ثمانَ ركَعاتٍ يُسوِّي بَيْنهنَّ في القراءةِ، ثم يُوتِرُ بالتاسعةِ، ويُصلِّي ركعتَينِ وهو جالسٌ، فلمَّا أسَنَّ رسولُ اللهِ ﷺ وأخَذَ اللَّحْمَ، جعَلَ الثَّمانَ سِتًّا، ويُوتِرُ بالسابعةِ، ويُصلِّي ركعتَينِ وهو جالسٌ، يَقرأُ فيهما: {قُلْ يَٰٓأَيُّهَا اْلْكَٰفِرُونَ}، و{إِذَا زُلْزِلَتِ}». أخرجه ابن حبان (٢٦٣٥).

1. أهوال القيامة وشدائدها (١-٥).

2. مآل الخلائقِ يوم الحساب (٦-٨).

ينظر: "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (9 /287).

إثباتُ البعثِ ووقوعِ القيامةِ وما يعتري الناسَ من الأهوال؛ وبذلك تنكشفُ الأمور، وينقسمُ الناس إلى أشقياءَ وسعداءَ.

ينظر: "مصاعد النظر للإشراف على مقاصد السور" للبقاعي (3 /231).