تفسير سورة الزلزلة

إعراب القرآن و بيانه

تفسير سورة سورة الزلزلة من كتاب إعراب القرآن وبيانه المعروف بـإعراب القرآن و بيانه.
لمؤلفه محيي الدين الدرويش . المتوفي سنة 1403 هـ

(٩٩) سورة الزّلزلة مدنيّة وآياتها ثمان
[سورة الزلزلة (٩٩) : الآيات ١ الى ٨]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

إِذا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزالَها (١) وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقالَها (٢) وَقالَ الْإِنْسانُ ما لَها (٣) يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبارَها (٤)
بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحى لَها (٥) يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتاتاً لِيُرَوْا أَعْمالَهُمْ (٦) فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ (٧) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (٨)
الإعراب:
(إِذا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزالَها) إذا ظرف لما يستقبل من الزمن متضمن معنى الشرط متعلق بتحدث وهو الجواب وجملة زلزلت في محل جر بإضافة الظرف إليها وزلزلت فعل ماض مبني للمجهول والأرض نائب فاعل وزلزالها مفعول مطلق وهو مصدر مضاف لفاعله والمعنى زلزالها الذي تستحقه ويقتضيه جرمها وعظمتها، وقيل إذا لمجرد الظرفية والعامل فيها محذوف أي يحشرون وقيل اذكر فهي مفعول به وقراءة العامة بكسر الزاي وقرىء بفتحها فقيل هما مصدران
548
بمعنى واحد وقيل المصدر مكسور والاسم مفتوح قال الزمخشري:
«قرىء بكسر الزاي وفتحها فالمكسور مصدر والمفتوح اسم وليس في الأبنية فعلال بالفتح إلا في المضاعف» وهذا في الغالب وإلا فقد ورد ناقة خزعال قال في القاموس «خزعل الضبع عرج وخمع والماشي نفض رجليه وناقة بها خزعال: ظلع وليس فعلال من غير المضاعف سواه وقسطال وخرطال» وفيه أيضا «وزلزله زلزلة وزلزالا مثلثة حركه والزلازل البلايا» وقال ابن عرفة: الزلزلة والتلتلة واحد والزلازل والتلاتل وأنشد للراعي:
فأبوك سيدها وأنت أشدّها زمن الزلازل في التلاتل جولا
(وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقالَها) نسق على ما تقدم، وأخرجت الأرض فعل ماض وفاعل وأثقالها مفعول به، ووضع الظاهر موضع المضمر لزيادة التقرير وتفخيم هول الساعة، وأثقالها مفعول به وهو جمع ثقل بالكسر كحمل وأحمال كما في المختار وعبارة الزمخشري «جعل ما في جوفها من الدفائن أثقالا لها» (وَقالَ الْإِنْسانُ: ما لَها) الواو عاطفة وقال الإنسان فعل وفاعل وما اسم استفهام في محل رفع مبتدأ ولها خبر، وفي الإنسان قولان: أحدهما أنه اسم جنس يعمّ المؤمن والكافر أي يقول الجميع ذلك لما يبهرهم من الأمر الفظيع كما يقولون: من بعثنا من مرقدنا والثاني أنه الكافر خاصة لأنه كان لا يؤمن بالبعث فأما المؤمن فيقول: هذا ما وعد الرحمن وصدق المرسلون (يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبارَها) يومئذ ظرف أضيف إلى مثله ومحله النصب على أنه بدل من إذا والعامل فيه هو العامل في المبدل منه والتنوين عوض عن جملة أي يوم إذ تزلزل الأرض زلزالها وتخرج الأرض أثقالها ويقول الإنسان ما لها فحذفت هذه الجمل الثلاث وناب منابها التنوين فاجتمع ساكنان وهما الذال والتنوين فكسرت الذال لالتقاء الساكنين وليست هذه الكسرة في
549
الذال بكسرة إعراب وإن كانت إذ في موضع جر بإضافة ما قبلها إليها وإنما الكسرة فيها لالتقاء الساكنين وهذا التنوين يسمى تنوين العوض.
وتحدث فعل مضارع مرفوع وفاعله مستتر تقديره هي أي الأرض ومفعول تحدث الأول محذوف أي الخلق (بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحى لَها) الباء حرف جر وأن وما في حيّزها في محل جر بالباء والجار والمجرور متعلقان بتحدث والمعنى تحدث أخبارها بسبب إيحاء ربك لها وأمره إياها بالتحديث وأن واسمها وجملة أوحى خبرها ولها متعلقان بأوحى واللام بمعنى إلى وإنما أوثرت على إلى لمراعاة الفواصل وما يتعدى بإلى يجوز أن يتعدى باللام ولا عكس (يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتاتاً لِيُرَوْا أَعْمالَهُمْ) يومئذ ظرف أضيف إلى مثله بدل من يومئذ قبله أو متعلق بيصدر أو هو مفعول لأذكر مقدرا ويصدر الناس فعل مضارع وفاعل وأشتاتا حال من الناس جمع شت أي متفرقين يقال أمر شت وشتات متشتت ومتفرق وهو وصف بالمصدر ويقال جاءوا أشتاتا وجاءوا شتات شتات أي متفرقين والنصب على الحالية، وقال عدي بن زيد:
قد هراق الماء في أجوافها... وتطايرن بأشتات شقق
وليروا اللام للتعليل ويروا فعل مضارع مبني للمجهول منصوب بأن مضمرة بعد اللام والواو نائب فاعل وأعمالهم مفعول به ثان والرؤية بصرية ولذلك عدّيت إلى اثنين لأن أرى يتعدى إلى ثلاث ولام التعليل ومدخولها متعلقان بيصدر (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ) الفاء تفريعية ومن اسم شرط جازم مبتدأ ويعمل فعل الشرط وفاعله هو يعود على من ومثقال ذرة مفعول به وخيرا تمييز أو بدل من مثقال ويره جواب الشرط مجزوم وعلامة جزمه حذف حرف العلة والهاء مفعول ير وفعل الشرط وجوابه خبر من والجملة الثانية عطف على الأولى وإعرابها مماثل لإعرابها، وفي ابن خالويه: «وقدم جدّ الفرزدق
550
على رسول الله صلّى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله أسمعني شيئا مما أنزل الله عليك فقرأ عليه إذا زلزلت فلما انتهى إلى قوله فمن يعمل مثقال ذرة إلخ قال: حسبي يا رسول الله، وحدّثني أبو عبد الله عن أبي العيناء عن الأصمعي قال: قرأ أعرابي فمن يعمل مثقال ذرة شرّا يره فقدّم وأخّر فقلت له: قدّمت وأخّرت فقال:
خذا جنب هرشى أو قفاها فإنه كلا جانبي هرشى لهنّ طريق»
وروى هذه النادرة الزمخشري في كشافه أيضا وأضاف: «والذرة:
النملة الصغيرة وقيل الذر ما يرى في شعاع الشمس من الهباء»
وهرشى كسكرى ثنية في طريق مكة عند الجحفة. أي اسلكا أمام تلك الثنية أو خلفها فإنه أي الحال والشأن كلّ من جانبيها طريق للإبل التي تطلبانها، وتكرير لفظ هرشى لتقريرها في ذهن السامع خوف غفلته عنها والمقام كان مقام هداية فحسن فيه ذلك.
551
سورة الزلزلة
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورة (الزَّلْزلة) من السُّوَر المدنية، نزلت بعد سورة (النساء)، ولها فضلٌ عظيم؛ فهي تَعدِل رُبُعَ القرآن؛ كما صح في الحديث، وقد تحدثت عن أهوالِ يوم القيامة، وحالِ الناس يوم البعث، وما يعتريهم من الفزعِ والخوف، وأُثِر عن النبي صلى الله عليه وسلم قراءتُه لها في صلاة الفجر.

ترتيبها المصحفي
99
نوعها
مدنية
ألفاظها
35
ترتيب نزولها
93
العد المدني الأول
8
العد المدني الأخير
9
العد البصري
9
العد الكوفي
8
العد الشامي
9

* سورة (الزَّلْزلة):

سُمِّيت سورة (الزَّلْزلة) بهذا الاسم؛ لافتتاحها بقوله تعالى: {إِذَا زُلْزِلَتِ اْلْأَرْضُ زِلْزَالَهَا} [الزلزلة: 1].

* سورة (الزَّلْزلة) تَعدِل رُبُعَ القرآن:

عن أنسِ بن مالكٍ رضي الله عنه: «أنَّ رسولَ اللهِ ﷺ قال لرجُلٍ مِن أصحابِه: «هل تزوَّجْتَ يا فلانُ؟»، قال: لا واللهِ يا رسولَ اللهِ، ولا عندي ما أتزوَّجُ به، قال: «أليس معك {قُلْ هُوَ اْللَّهُ أَحَدٌ}؟»، قال: بلى، قال: «ثُلُثُ القرآنِ»، قال: «أليس معك {إِذَا جَآءَ نَصْرُ اْللَّهِ وَاْلْفَتْحُ}؟»، قال: بلى، قال: «رُبُعُ القرآنِ»، قال: «أليس معك {قُلْ يَٰٓأَيُّهَا اْلْكَٰفِرُونَ}؟»، قال: بلى، قال: «رُبُعُ القرآنِ»، قال: «أليس معك {إِذَا زُلْزِلَتِ اْلْأَرْضُ زِلْزَالَهَا}؟»، قال: بلى، قال: «رُبُعُ القرآنِ»، قال: تزوَّجْ، تزوَّجْ»». أخرجه الترمذي (٢٨٩٥).

* أوصى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم رجُلًا بقراءة سورة (الزَّلْزلة):

عن عبدِ اللهِ بن عمرٍو رضي الله عنه، قال: «أتى رجُلٌ رسولَ اللهِ ﷺ، فقال: أقرِئْني يا رسولَ اللهِ، فقال: «اقرَأْ ثلاثًا مِن ذواتِ {الٓر}»، فقال: كَبِرتْ سِنِّي، واشتَدَّ قلبي، وغلُظَ لساني، قال: «فاقرَأْ ثلاثًا مِن ذواتِ {حمٓ}»، فقال مِثْلَ مقالتِه، فقال: اقرَأْ ثلاثًا مِن (المُسبِّحاتِ)»، فقال مِثْلَ مقالتِه، فقال الرجُلُ: يا رسولَ اللهِ، أقرِئْني سورةً جامعةً، فأقرَأَه النبيُّ ﷺ: {إِذَا زُلْزِلَتِ اْلْأَرْضُ} حتى فرَغَ منها، فقال الرجُلُ: والذي بعَثَك بالحقِّ، لا أَزيدُ عليها أبدًا، ثم أدبَرَ الرجُلُ، فقال النبيُّ ﷺ: «أفلَحَ الرُّوَيجِلُ» مرَّتَينِ». أخرجه أبو داود (١٣٩٩).

* ثبَت عن النبي صلى الله عليه وسلم قراءتُه لسورة (الزَّلْزلة) في صلاة الفجر:

عن مُعاذِ بن عبدِ اللهِ الجُهَنيِّ: «أنَّ رجُلًا مِن جُهَينةَ أخبَرَه أنَّه سَمِعَ النبيَّ ﷺ يَقرأُ في الصُّبْحِ: {إِذَا زُلْزِلَتِ اْلْأَرْضُ زِلْزَالَهَا} في الرَّكعتَينِ كلتَيْهما، فلا أدري أنَسِيَ رسولُ اللهِ ﷺ أم قرَأَ ذلك عمدًا؟». أخرجه أبو داود (٨١٦).

* كان صلى الله عليه وسلم يصلي ركعتَينِ بعد الوترِ يقرأ فيهما (الزلزلة) و(الكافرون):

عن سعدِ بن هشامٍ: «أنَّه سأَلَ عائشةَ عن صلاةِ النبيِّ ﷺ باللَّيلِ، فقالت: كان رسولُ اللهِ ﷺ إذا صلَّى العِشاءَ تجوَّزَ بركعتَينِ، ثم ينامُ وعند رأسِه طَهُورُه وسِواكُه، فيقُومُ فيَتسوَّكُ ويَتوضَّأُ ويُصلِّي، ويَتجوَّزُ بركعتَينِ، ثم يقُومُ فيُصلِّي ثمانَ ركَعاتٍ يُسوِّي بَيْنهنَّ في القراءةِ، ثم يُوتِرُ بالتاسعةِ، ويُصلِّي ركعتَينِ وهو جالسٌ، فلمَّا أسَنَّ رسولُ اللهِ ﷺ وأخَذَ اللَّحْمَ، جعَلَ الثَّمانَ سِتًّا، ويُوتِرُ بالسابعةِ، ويُصلِّي ركعتَينِ وهو جالسٌ، يَقرأُ فيهما: {قُلْ يَٰٓأَيُّهَا اْلْكَٰفِرُونَ}، و{إِذَا زُلْزِلَتِ}». أخرجه ابن حبان (٢٦٣٥).

1. أهوال القيامة وشدائدها (١-٥).

2. مآل الخلائقِ يوم الحساب (٦-٨).

ينظر: "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (9 /287).

إثباتُ البعثِ ووقوعِ القيامةِ وما يعتري الناسَ من الأهوال؛ وبذلك تنكشفُ الأمور، وينقسمُ الناس إلى أشقياءَ وسعداءَ.

ينظر: "مصاعد النظر للإشراف على مقاصد السور" للبقاعي (3 /231).