تفسير سورة الزلزلة

التفسير الوسيط للزحيلي

تفسير سورة سورة الزلزلة من كتاب التفسير الوسيط المعروف بـالتفسير الوسيط للزحيلي.
لمؤلفه وهبة الزحيلي . المتوفي سنة 1436 هـ

تفسير سورة الزلزلة
علامات القيامة ونوع الجزاء
سور القرآن الكريم وآياته إنذار بعد إنذار، للتذكير والتحذير، فهذه سورة الزلزال المكية في قول ابن عباس وغيره، والمدنية في قول مقاتل وقتادة، لأن آخرها نزل بسبب رجلين كانا بالمدينة، والظاهر أنها مدنية، وهي تبين علامة يوم القيامة، فقد كان الكفار المشركون يسألون كثيرا عن الساعة ويوم الحساب، فيقولون: أَيَّانَ يَوْمُ الْقِيامَةِ [القيامة: ٧٥/ ٦] ونحو ذلك من الآيات، فأبان الله لهم في هذه السورة علامات القيامة فقط، ليعلموا أن علم ذلك عند الله، وليس لأحد معرفة ذلك اليوم، ولا تعيينه للجزاء والحساب. وآي السورة هي:
[سورة الزلزلة (٩٩) : الآيات ١ الى ٨]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

إِذا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزالَها (١) وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقالَها (٢) وَقالَ الْإِنْسانُ ما لَها (٣) يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبارَها (٤)
بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحى لَها (٥) يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتاتاً لِيُرَوْا أَعْمالَهُمْ (٦) فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ (٧) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (٨)
«١» «٢» «٣» «٤» [الزلزلة: ٩٩/ ١- ٨].
- إذا حركت الأرض بعنف من أسفلها حركة شديدة، واضطربت اضطرابا هائلا، حتى يتكسر كل شيء عليها.
(١) حركت وهزّت اهتزازا شديدا.
(٢) دفائنها وأمواتها.
(٣) يخرج الناس من قبورهم إلى موقف الحساب متفرقين متمايزين: فريق للجنة وفريق للسعير.
(٤) وزن ذرة، أي هباء أو نملة.
2913
وقوله: زِلْزالَها أبلغ من قوله: (زلزالا) دون إضافة للأرض، لأن المصدر غير المضاف يقع على كل قدر من الزلزال، وإن قل، وإذا أضيف إليها، وجب أن يكون على قدر ما يستحقه، فهو يفيد إيفاء الشيء حقه.
- وألقت ما في جوفها من الأموات والدفائن، وهي أثقالها، وهذه إشارة إلى البعث، كما جاء في آية أخرى: وَإِذَا الْأَرْضُ مُدَّتْ (٣) وَأَلْقَتْ ما فِيها وَتَخَلَّتْ (٤) [الانشقاق: ٨٤/ ٣- ٤]. وذلك في النفخة الثانية. وقال ابن عطية: وليست القيامة بموطن لإخراج الكنوز، وإنما تخرج كنوزها وقت الدجال.
- وقال كل إنسان مؤمن أو كافر (جنس الإنسان) لمّا يبهره أمرها، ويذهله خطبها، ويستهول المرئي: ما لهذه الأرض، ولأي شيء زلزلت، وأخرجت أثقالها؟
وقد قال عليه الصلاة والسّلام- فيما أخرجه أحمد والطبراني في الأوسط والحاكم- عن ابن عباس رضي الله عنهما: «ليس الخبر كالمعاينة..».
- في ذلك الوقت المضطرب، وقت الزلزلة، تخبر الأرض بأخبارها، وتحدّث بما عمل عليها من خير وشر، ينطقها الله تعالى، لتشهد على العباد، فإخبار الأرض:
هو شهادتها بما عمل عليها من عمل صالح وفاسد، كما قال ابن مسعود والثوري وغيرهما. فالتحديث من الأرض- على هذا المعنى- حقيقة، وكلام بإدراك وحياة يخلقها الله تعالى، وأضاف تعالى الأخبار إليها من حيث وعتها وحصّلتها. وقال الطبري وقوم: التحديث في الآية مجاز، والمعنى حينئذ: أن ما تفعله الأرض بأمر الله تعالى من إخراج أثقالها، وتفتّت أجزائها، وسائر أحوالها، هو بمنزلة التحديث بأنبائها وأخبارها. ويؤيد القول الأول:
قول النبي صلّى الله عليه وسلّم الذي أخرجه البخاري والنسائي ومالك وأحمد: «فإنه لا يسمع مدى صوت المؤذن جنّ ولا إنس ولا شيء إلا شهد له يوم القيامة».
2914
- ومصدر التحديث: بأن ربك ألهمها، أي تحدّث أخبارها بوحي الله وإذنه لها، بأن تتحدث وتشهد.
- في هذا اليوم المضطرب والخراب المدمر، يصدر (يخرج) الناس من قبورهم إلى موقف الحساب، متفرقين، مختلفي الأحوال، فمنهم المؤمن الآمن، ومنهم الخائف، ومنهم كافرون، ومنهم عصاة، ومنهم فريق الجنة، ومنهم فريق النار، الكل سائر إلى العرض ليريهم الله أعمالهم معروضة عليهم.
ثم أخبر الله تعالى أنه من عمل عملا رآه، قليلا كان أو كثيرا، فمن يعمل في الدنيا وزن نملة صغيرة، أو هباء لا يرى إلا في ضوء الشمس، يجده يوم القيامة في كتابه، ويلقى جزاءه، فيفرح به، أو يراه بعينه معروضا عليه، وكذلك من يعمل في الدنيا أي شيء من الشر، ولو كان حقيرا أو قليلا، يجد جزاءه يوم القيامة، فيسوؤه.
يرى الخير كله من كان مؤمنا، والكافر لا يرى في الآخرة خيرا، لأن خيره قد عجّل له في دنياه. وكذلك المؤمن أيضا له سيئاته الصغار في دنياه في المصائب والأمراض ونحوها. ويحصل من مجموع هذا: أن من عمل من المؤمنين مثقال ذرة من خير أو شر رآه، وألّا يرى الكافر خيرا في الآخرة. ويؤيد هذا حديث عائشة رضي الله عنها الذي
أخرجه الإمام أحمد ومسلم وغيرهما: «قالت: قلت: يا رسول الله، أرأيت ما كان يفعل عبد الله بن جدعان من البرّ، وصلة الرحم، وإطعام الطعام، أله في ذلك أجر؟ فقال: لا، إنه لم يقل قط: رب اغفر لي خطيئتي يوم الدين».
وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يسمي هذه الآية: فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ.. الجامعة الفاذّة.
أخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير قال: لما نزلت: (ويطعمون الطعام على حبّه) الآية، كان المسلمون يرون أنهم لا يؤجرون على الشيء القليل، إذا أعطوه،
2915
وكان آخرون يرون أنهم لا يلامون على الذنب اليسير: الكذبة، والنظرة، والغيبة، وأشباه ذلك، ويقولون: إنما وعد الله النار على الكبائر، فأنزل الله: فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ (٧) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (٨)
وأخرج ابن جرير وغيره: أن هذه السورة نزلت، وأبو بكر رضي الله عنه يأكل مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فترك أبو بكر رضي الله عنه الأكل وبكى، فقال له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: يا أبا بكر، ما يبكيك؟ قال: يا رسول الله، أو أسأل عن مثاقيل الذّرّ؟ فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: يا أبا بكر، ما رأيت في الدنيا مما تكره، فمثاقيل ذرّ الشر، ويدخر الله لك مثاقيل ذرّ الخير.
2916
سورة الزلزلة
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورة (الزَّلْزلة) من السُّوَر المدنية، نزلت بعد سورة (النساء)، ولها فضلٌ عظيم؛ فهي تَعدِل رُبُعَ القرآن؛ كما صح في الحديث، وقد تحدثت عن أهوالِ يوم القيامة، وحالِ الناس يوم البعث، وما يعتريهم من الفزعِ والخوف، وأُثِر عن النبي صلى الله عليه وسلم قراءتُه لها في صلاة الفجر.

ترتيبها المصحفي
99
نوعها
مدنية
ألفاظها
35
ترتيب نزولها
93
العد المدني الأول
8
العد المدني الأخير
9
العد البصري
9
العد الكوفي
8
العد الشامي
9

* سورة (الزَّلْزلة):

سُمِّيت سورة (الزَّلْزلة) بهذا الاسم؛ لافتتاحها بقوله تعالى: {إِذَا زُلْزِلَتِ اْلْأَرْضُ زِلْزَالَهَا} [الزلزلة: 1].

* سورة (الزَّلْزلة) تَعدِل رُبُعَ القرآن:

عن أنسِ بن مالكٍ رضي الله عنه: «أنَّ رسولَ اللهِ ﷺ قال لرجُلٍ مِن أصحابِه: «هل تزوَّجْتَ يا فلانُ؟»، قال: لا واللهِ يا رسولَ اللهِ، ولا عندي ما أتزوَّجُ به، قال: «أليس معك {قُلْ هُوَ اْللَّهُ أَحَدٌ}؟»، قال: بلى، قال: «ثُلُثُ القرآنِ»، قال: «أليس معك {إِذَا جَآءَ نَصْرُ اْللَّهِ وَاْلْفَتْحُ}؟»، قال: بلى، قال: «رُبُعُ القرآنِ»، قال: «أليس معك {قُلْ يَٰٓأَيُّهَا اْلْكَٰفِرُونَ}؟»، قال: بلى، قال: «رُبُعُ القرآنِ»، قال: «أليس معك {إِذَا زُلْزِلَتِ اْلْأَرْضُ زِلْزَالَهَا}؟»، قال: بلى، قال: «رُبُعُ القرآنِ»، قال: تزوَّجْ، تزوَّجْ»». أخرجه الترمذي (٢٨٩٥).

* أوصى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم رجُلًا بقراءة سورة (الزَّلْزلة):

عن عبدِ اللهِ بن عمرٍو رضي الله عنه، قال: «أتى رجُلٌ رسولَ اللهِ ﷺ، فقال: أقرِئْني يا رسولَ اللهِ، فقال: «اقرَأْ ثلاثًا مِن ذواتِ {الٓر}»، فقال: كَبِرتْ سِنِّي، واشتَدَّ قلبي، وغلُظَ لساني، قال: «فاقرَأْ ثلاثًا مِن ذواتِ {حمٓ}»، فقال مِثْلَ مقالتِه، فقال: اقرَأْ ثلاثًا مِن (المُسبِّحاتِ)»، فقال مِثْلَ مقالتِه، فقال الرجُلُ: يا رسولَ اللهِ، أقرِئْني سورةً جامعةً، فأقرَأَه النبيُّ ﷺ: {إِذَا زُلْزِلَتِ اْلْأَرْضُ} حتى فرَغَ منها، فقال الرجُلُ: والذي بعَثَك بالحقِّ، لا أَزيدُ عليها أبدًا، ثم أدبَرَ الرجُلُ، فقال النبيُّ ﷺ: «أفلَحَ الرُّوَيجِلُ» مرَّتَينِ». أخرجه أبو داود (١٣٩٩).

* ثبَت عن النبي صلى الله عليه وسلم قراءتُه لسورة (الزَّلْزلة) في صلاة الفجر:

عن مُعاذِ بن عبدِ اللهِ الجُهَنيِّ: «أنَّ رجُلًا مِن جُهَينةَ أخبَرَه أنَّه سَمِعَ النبيَّ ﷺ يَقرأُ في الصُّبْحِ: {إِذَا زُلْزِلَتِ اْلْأَرْضُ زِلْزَالَهَا} في الرَّكعتَينِ كلتَيْهما، فلا أدري أنَسِيَ رسولُ اللهِ ﷺ أم قرَأَ ذلك عمدًا؟». أخرجه أبو داود (٨١٦).

* كان صلى الله عليه وسلم يصلي ركعتَينِ بعد الوترِ يقرأ فيهما (الزلزلة) و(الكافرون):

عن سعدِ بن هشامٍ: «أنَّه سأَلَ عائشةَ عن صلاةِ النبيِّ ﷺ باللَّيلِ، فقالت: كان رسولُ اللهِ ﷺ إذا صلَّى العِشاءَ تجوَّزَ بركعتَينِ، ثم ينامُ وعند رأسِه طَهُورُه وسِواكُه، فيقُومُ فيَتسوَّكُ ويَتوضَّأُ ويُصلِّي، ويَتجوَّزُ بركعتَينِ، ثم يقُومُ فيُصلِّي ثمانَ ركَعاتٍ يُسوِّي بَيْنهنَّ في القراءةِ، ثم يُوتِرُ بالتاسعةِ، ويُصلِّي ركعتَينِ وهو جالسٌ، فلمَّا أسَنَّ رسولُ اللهِ ﷺ وأخَذَ اللَّحْمَ، جعَلَ الثَّمانَ سِتًّا، ويُوتِرُ بالسابعةِ، ويُصلِّي ركعتَينِ وهو جالسٌ، يَقرأُ فيهما: {قُلْ يَٰٓأَيُّهَا اْلْكَٰفِرُونَ}، و{إِذَا زُلْزِلَتِ}». أخرجه ابن حبان (٢٦٣٥).

1. أهوال القيامة وشدائدها (١-٥).

2. مآل الخلائقِ يوم الحساب (٦-٨).

ينظر: "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (9 /287).

إثباتُ البعثِ ووقوعِ القيامةِ وما يعتري الناسَ من الأهوال؛ وبذلك تنكشفُ الأمور، وينقسمُ الناس إلى أشقياءَ وسعداءَ.

ينظر: "مصاعد النظر للإشراف على مقاصد السور" للبقاعي (3 /231).