تفسير سورة الكهف

مجاز القرآن

تفسير سورة سورة الكهف من كتاب مجاز القرآن
لمؤلفه أبو عبيدة . المتوفي سنة 210 هـ

﴿ مِنْ لَدُنْه ﴾ من عنده.
﴿ فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ ﴾ مُهلِكٌ نفسَك، قال ذُو الرُّمَّة :
أَلا أيّهذا الباخع الوجد نَفْسَه **** لِشئٍ نَحَتْه عن يدْيه المَقادرُ
أي نحَّته مشدّد، ويقال : بخعتُ له نفسي ونُصْحي أي جهدت له.
﴿ بهِذَا الحْدِيث أَسَفاً ﴾ أي نَدَماً وتلهُّفاً، وأَسىً.
﴿ صَعِيداً ﴾ أي مستوياً، وجه الأرض.
﴿ جُرُزاً ﴾ أي غُلْظاً لا ينبت شيئاً والجميع أَرَضُون أجراز، ويقال للسنة المُجْدِبة : جرز وسنون أجراز لجدوبها ويبسها وقلة مطرها، قال ذُو الرُّمَّة :
طَوَى النَّخْرُ وَالأجْرازُ ما في عروضها فما بقيت إلا الصدورُ الجَراشُع
وقال :
قد جرّفتهن السِّنون الأجرازْ ***
﴿ وَالرَّقِيمِ ﴾ الوادي الذي فيه الكَهْف.
﴿ أَحْصى لِمَا لَبِثُوا أَمَداً ﴾ أي غابة.
﴿ وَرَبَطْنَا على قُلُوبِهِمْ ﴾ مجازه : صبَّرناهم وألهمناهم الصبرَ.
﴿ قُلْنَا إِذاً شَطَطاً ﴾ أي جوراً وغلوّاً قال :
ألا يالِقومٍ قد أشطَّتْ عواذِلي ويَزُعمن أن أوْدَى بحقِيَ باطلِي
ويَلْحَيْنَنِي في اللّهو أن لا أُحبّه وللَّهو داعٍ دائبٌ غير غافِل
﴿ وَيُهَيِّئ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرْفَقاً ﴾ هو ما ارْتُفق به ويقرؤه قوم مَرْفِقاً فأما في اليدين فهو مرفق.
﴿ تَزَاوَرُ عَنْ كَهفِهِمْ ﴾ أي تميل وتعدل وهو من الزور يعني العوج والمنيل، قال ابن مقبل :
فينا كَراكِرُ أَجْوازٍ مُضَبَّرةٍ ***فيها دروٌّ إذا شئنا من الزَّوَرِ
وقال أبو الزحف الكليبي :
ودون ليلى بَلَدٌ سَمَهْدرُ جَدْبُ المُنَدّى عن هوَانا أزوَرُ
بُنضِى المَطايا خِمْسُة العَشنَزرُ ***
العَشَنزر الشديد ؛ المندّى حيث يرتع ساعة من النهار.
﴿ تَقْرِضُهُم ذَاتَ الشِّمَالِ ﴾ أي تُخلِّفهم شِمالاً وتجاورهم وتقطعهم وتتركهم عن شمالها، ويقال : هل مررت بمكان كذا وكذا، فيقول المسئول : قرضته ذات اليمين ليلا، وقال ذو الرُّمَّة :
إلى ظُعُنٍ يَقرِضن أَجوازَ مُشرِفٍ شِمالاًوعن أَيمانهن الفوارسُ
﴿ وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِنْهُ ذلِكَ مِنْ آيَاتِ اللهِ ﴾ أي مُتَّسع، والجميع فَجَوات، وفِجاء مكسورة الفاءُ.
﴿ وَتَحْسِبُهُمْ أَيْقَاظاً ﴾ واحدهم : يَقِظٌ، ورجال أيقاظ، وكذلك جميع يَقظان أيْقاظ، يذهبون به إلى جميع يَقِظٍ، وقال رُؤْبَة :
ووَجَدوا إخوانَهم أَيقاظاً وسَيْفَ غَيّاظٍ لهم غياظا
﴿ وَنُقَلِّبُهمْ ذَاتَ اليَمِينِ وذَاتَ الشِّمَالِ ﴾ أي على أيمانهم وعلى شمائلهم.
﴿ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالوَصِيدِ ﴾ على الباب وبفناء الباب جميعاً لأن الباب يوصد، أي يغلق، والجميع وصائد ووصُدُ.
﴿ وَكَذلِكَ بَعَثْنَاهُمْ ﴾ أي أحييناهم، وهو من يوم البعث.
﴿ أَيُّهَا أَزْكىَ طَعَاماً ﴾ أي أكثر، قال :
قبائلنا سَبعٌ وأنتم ثلاثةٌ وللسَّبعُ أَزكَى مِن ثَلاثٍ وأَكثرُ
﴿ وَلا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ ﴾ لا يُعلمنَّ بكن، يقال : شَعرتُ بالأمر، أي علمت به، ومنه الشاعر.
﴿ رَجْماً بِالْغَيْبِ ﴾ والرجم ما لم تستيقنه، وقال : ظن مُرْجَّم لا يُدرَي أحق هو أم باطل ؛ قال زُهَيْر :
﴿ ثلثَمائَةٍ سِنِينَ ﴾ مقدَّم ومؤخَّر، مجازه : سِنين ثلثمائة.
﴿ وَلَنْ تَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً ﴾ أي مَعْدِلاً واللَّحد منه والإلحاد.
﴿ وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ ﴾ جرم لأن مجازه مجاز النهى، والموضع : لا تجاوز عيناك، ويقال : ما عدوت ذلك أي ما جاوزته.
﴿ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطا ﴾ أي سَرَفاً وتضييعاً.
﴿ إِنَّا أَعْتَدْنَا ﴾ من العَتاد وموضعه موضع أعددنا من العُدة.
﴿ أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُها ﴾ كسُرادق الفُسَطاط وهي الحجرة التي تطيف بالفُسطاط، قال رُؤْبة :
وما الجرب إلاّ ما رأيتم وذُقتُمُ وما هو عنها بالحديث المُرجَّمِ
يا حَكمَ بن المْنِذر بن الجارودْ أنت الجَوْاد بن الجَوْاد المَحْمودْ
سُرادِقُ المجْدِ إليك مَمْدودْ***
وقال سلامة بن جَنْدَل :
هو المُولِج النُّعمانَ بيتاً سَماؤُه صُدورُ بَعْد بيتٍ مُسَرْدَق
أي له سُرادق.
﴿ يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالمُهْلِ ﴾ كل شئ أَذَبته من نُحاس أو رصاص ونحو ذلك فهو مُهْل، وسمعت المُنْتَجِع بن نَبْهان يقول : والله لفلاَنٌ أبغض إلىّ من الطَّلياء والمُهْل، فقلنا : وما هما فقال الجَرْباءُ والملّة التي تنحدر عن جوانب الخبزة إذا مُلت في النار من النار كأنه مُهْلة حمراء مدقَّفة فهي جَمْرة.
﴿ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقاً ﴾ أي مُتَّكَئاً، قال أبو ذُؤَيب الهُذَلِيّ.
إنِّي أَرِقتُ فبتُّ الليلَ مُرتفَقاً كأنّ عَيْنَيَّ فيها الصابُ مذبوحُ
وذبحه : انفجاره، قال : وهو شديد وحُكى عن أبي عَمْرو بن العَلاء أو غيره يقال : انفقأت واحدة فقطّرت في عيني فكأنه كان في عيني وَتَدٌ.
﴿ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ ﴾ واحدها : إِسْوار ومن جعلها سِوار فإن جمعه سُوْر وما بين الثلاثة إلى العشرة أَسْوِرة.
﴿ مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى اْلأرَائكِ ﴾ واحدتها أريكة وهي السُّرر في الحجال قال ذُو الرُّمَّة :
خدوداً جفَتْ في السَّير حتى كأنما يباشرن بالمَعْزَاءِ مَسَّ الأرائكِ
وقال الأعْشَى :
بَيْن الرِّواق وجانبٍ من سَترها منها وبين أَريكةِ الأنضادِ
﴿ وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ ﴾ مجازه : اطفناهما وحجزناهما مِن جوانبهما قال الطِّرِمّاح :
تظلُّ بالأكمام مَحْفوفةً تَرمُقها أعيُنُ جُرَّامِها
﴿ وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئاً ﴾ ولم تَنقص، ويقال : ظلمني فلان حقي أي نقصني، وقال رجل لاِبنهِ :
تظلَّمني مالي كذا ولَوىَ يدي لَوىَ يده الله الذي لا يغالبُهْ
﴿ وَفَجَّرْنَا خِلاَلَهُمَا نَهَراً ﴾ أي وَسطهما وبينهما، وبعضهم يسكّن هاء النهر.
﴿ وَكَانَ لهُ ثُمُرٌ ﴾ وهو جماعة الثَّمَر.
﴿ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ ﴾ أي يكلّمه، ومعناه من المحاورة.
﴿ لَكِنَّا هُوَ اللهُ رَبِّي ﴾ مجازه : لكن أنا هو الله ربي، ثم حذفت الألف الأولى وأُدغمت إحدى النونين في الأخرى فشددت، والعرب تفعل ذلك.
﴿ حُسْبَاناً مِنَ السَّمَاءِ ﴾ مجازها : مَرامى، وواحدتها حُسْبانة أي ناراً تحرقها.
﴿ صَعِيداً زَلَقاً ﴾ الصعيد وجه الأرْض، والزَّلَق الذي لا يثبت فيه القدمُ.
﴿ أَوْ يُصْبِحَ مَاؤُهَا غّوْراً ﴾ أي غائراً، والعرب قد تصف الفاعل بمصدره وكذلك الأثنين والجميعَ على لفظ المصدر، قال عَمْرو بن كُلْثُوم.
تظلّ جِيادُه نَوْحاً عليه مُقلَّدةً أَعِنَّتُها صُفونا
أي ناحيات، وقال باكٍ يَبكيِ هِشامَ بن المُغِيرَة :
هَرِيقِي مِن دموعها سِجاما ***
ضُباعَ وجاوبِي نَوْحاً قياما ***
وقال لَقيط بن زُرارة يوم جَبَلةَ :
شتَّانَ هذا والعِناقُ والنَومْ والمَشرَبُ الباردُ والظِلُّ الدَّومْ
أي الدائم.
﴿ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَى مَا أَنْفَقَ فِيهَا ﴾ أي فأصبح نادماً، والعرب تقول ذلك للنادم : أصبح فلان يقّلب كفيْه نَدماً وتلهُّفاً على ذلك وعلى ما فاته.
﴿ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا ﴾ مجازه : خالية على بيوتها.
﴿ فِئَةٌ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللهِ ﴾ أي جماعة، وقال العَجّاج :
كما يَحُوز الفِئَةَ الكَمِيُّ ***
﴿ هُنَا لِكَ الْوَلاّيَةُ للهِ ﴾ مصدر الوَلِى، فإذا كسرتَ الواو فهو مصدر وليتَ العملَ والأمرَ تليه.
﴿ خَيْرٌ ثَوَاباً وَخَيْرٌ عُقباً ﴾ مجازه مجاز العاقبة والعُقبيَ والعُقْبة، كلهن واحدة والمعنى الآخرة.
﴿ تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ ﴾ أي تطيّره وتفرقه، ويقال : ذرته الريح تذروه وأَذرته تذرِيه.
﴿ هَشِيماً ﴾ أي يابساً متْفتِّتْا قال لَبِيد :
ولا للضَّيف إن طرقَتْ بَلِيِلٌ***بأفنانِ العِضاةِ وبالهَشِيمِ
﴿ وَتَرَى اْلأَرْضَ بَارِزَةً ﴾ أي ظاهرة.
﴿ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ ﴾ جار عنه وكفر به، وقال رُؤْبة :
يَهوين في نَجْدٍ وغوراً غائراً*** فواسقاً عن قصدها جَوائرا
﴿ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُداً ﴾ أي أَنصاراً وعِزّاً وأعواناً، ويقال : فلان عضُدي أي ناصري وعِزّي وعوني، ويقال : قد عاضد فلان فلاناً وقد عضده، أي قوّاه ونصره.
﴿ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ مَوْبِقاً ﴾ أي مَوعِداً، قال :
وحاد شَرَوْرَي والسِّتارَ فلم يدع***تِعاراً له والواديَيْنِ بمَوْبِقِ
﴿ وَلمُ يَجِدُوا عَنْهَا مَصْرِفاً ﴾ أي مَعْدِلاً، وقال أبو كَبير الهُذَليّ :
أزُهَيْرُ هل عن شَيْبَةٍ مِن مَصْرِف***أم لا خلودَ لِباذلٍ متكلِّفِ
﴿ أَوْ يَأْتِيهِمُ الْعَذَابُ قِبَلاً ﴾ أي أولاً يقال : من ذي قِبَلٍ، فإن فتحوا أولها فالمعنى : استئنافاً، قال :
لن يغلب اليوم جَبَاكم قبَلى ***
أي استئنافِي، وإن ضمَّوا أوّ لها فالمعنى : مقابلة، يقال : أُقبِلَ قُبُلُ فلانٍ : انكسَر، وله موضع آخر : أن يكون جميع قبيل فمعناه : أو يأتيهم العذاب قُبُلاً، أي قبيلاً قبيلاً، أي ضَرْباً ضَرْباً ولَوْناً لوْناً.
﴿ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ ﴾ مجازه : ليُزِيلوا به الحق ويَذهبوا به، ودحَض هو ويقال : مكان دَحْضٌ، أي مَزِلٌ مزلق، لا يثبت فيه خُفّ ولا قَدم ولا حافر، قال طَرَفة :
ورَدتُ ونحّى اليَشْكِريَّ حِذارُهُ ***وحادَ كما حادَ البعيرُ عن الدَّحّضِ
﴿ لَنْ يَجِدوا مِنْ دُونِهِ مَوْئِلاً ﴾ مجازه مَنْجىً، وهو من قولهم :
فلا وأَلتْ نفسٌ عليها تحاذرُ ***
أي لا نجت. وقال الأعْشَى :
وقد أُخالسُ رَبَّ البيتِ غفلَتَه***وقد يحاذر منِّي تم ما يَئِلُ
أي لا ينجو.
﴿ أَوْ أَمْضِىَ حُقُباً ﴾ أي زماناً وجميعه أحقاب، ويقال في معناه : مضت له حِقْبة والجميع حِقَب على تقدير كِسرة والجميع كِسَر كثيرةٌ.
﴿ فِي الْبَحْرِ سَرَباً ﴾ أي مَسلكا ومَذهباً أي يَسْرُبُ فيه، وفي آيةٍ أخرى ﴿ وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ ﴾.
﴿ فَارْتَدَّا عَلَى آثَارهِمَا قَصَصاً ﴾ مجازه : نَكَصا على أَدبارهما فرجعا قصصاً، رجعا يقصان الأّثر.
﴿ جِئْتَ شَيْئاً إِمْراً ﴾ أَي داهيةً نُكْراً عظيماً، وفي آية أُخرى :﴿ شَيْئاً إِدّاً ﴾ قال :
قد لَقِيَ الأقْرانُ مني نُكْراً داهِيةً دَهْيَاءَ إدّاً إمْراً.
﴿ وَلاَ تُرْهِقْنِي ﴾ أي لا تُغْشِني وقال زُهَيْرٌ :
ومُرهِّقُ النَّيرانِ يحُمدَ في ال لأواءِ غيرَ مُلَعَّنِ القِدْرِ
﴿ زَكِيَّةٍ بِغَيْرِ نَفْسٍ ﴾ أَي مُطَهَّرة.
﴿ شَيْئاً نُكْراً ﴾ أَي داهية : أَمْراً عظيماً.
﴿ فأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا ﴾ أي أن يُنزلوهما منزل الأضياف، ويقال : ضِفْتُ أَنا، وأَضافني الذي أنزلني.
﴿ يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ ﴾ وليس للحائط إرادة ولا للموات ولكنه إذا كَان في هذه الحال مِن ربه فهو إرادته، وهذا قول العرب في غيره قال الحارِثيّ :
يريد الرمحُ صَدْرَ بني بَراءٍ ويَرْغَب عن دِماءِ بني عقيل
ومجاز ﴿ أن ينقضَّ ﴾ مجاز يَقَع، يقال : انقضت الدارُ إذا انهدمت وسقطت وقرأ قوم أَنْ يَنْقاضَّ ومجازه : أن ينقلع من أصله ويتصدع بمنزلة قولهم : قد انقاضت السن، أي انصدعت وتقلعت مِن أصلها، يقال : فراق كقَيْض السِّن أي لا يجتمع أهله، وقال :
فِراقٌ كقَيْضِ السِّنّ فالصّبرَ إنه لكل أناسٍ عثْرةٌ وجُبور
﴿ لوْ شِئْتَ لَتَخِذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً ﴾ الخاء مكسورة، ومعناها معنى أخذت فكان مخرجها مخرج فعِلتَ تفعَل، قال المُمزِّق العَبْدِيّ :
وقد تخِذتْ رِجْليِ إلى جَنْب غَرْرها نَسِيفاً كأُفْحُوص القطة المطِّرقِ
النسِيف موضع العُقبِ الأثْر الذي يكون في خِلال الرجِل ؛ وأفحوص القَطاةِ : الموضع الذي تَبِيض فيه. والمطرق التي تريد أن تبيض، يقال : قد طرَّقت المرأة لولدها إذا استقام ليَخرُج.
﴿ وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ ﴾ أي بين أيديهم وأمامهم، قال :
أَترجو بنو مروانَ سَمْعِي وطاعتِي وقومي تَمِيمٌ والفَلاةُ ورائيا
أي أمامي.
﴿ أَنْ يُرْهِقَهما ﴾ أي يَغشِيَهما.
﴿ وَأَقْرَبَ رُحْماً ﴾ معناها معنى رَحْماً مثل عمُرْ وعَمر وهُلْك وهَلْك، قال الشاعر :
فلا ومُنَزِّلِ الفُرقا *** نِ مالَكَ عندَها ظُلْمُ
وكيف بظلم جاريةٍ *** ومنها اللِّينُ والرُّحْمُ
قال العَجَّاج :
ولم تُعَوَّجْ رُحْمُ من تَعَوَّجا ***
﴿ فَأَتْبَعَ سَبَباً ﴾ أي طريقاً وأثراً ومَنْهَجاً.
﴿ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ ﴾ تقديرها : فَعِلَةٌ ومَرسِة وهي مهموزة، لأن مجازها مجاز ذات حمأةٍ، قال :
تجئ بمِلْئها يوماً ويوماً تجئ بحمأةٍ وقليل ماءِ
وقال حاتِم طيّ :
وسُقيتُ بالماءِ النّميرِ ولم أترك الأُطم حمأةَ الْجَفْرِ
النمير الماء الذي تسمَن عنه الماشية. ومن لم يهمزها جعل مجازه مجاز فُعِلة من الحرّ الحامي وموضعها حامية.
﴿ بَيْنَ السُّدَّيْنِ ﴾ مضموم إذا جعلوه مخلوقاً من فعل الله وإن كان من فعل الآدميين فهو سَدّ، مفتوح.
﴿ يَأجُوجَ وَمَأجُوجَ ﴾ لا ينصرفان، وبعضهم يهمز ألقيهما وبعضهم لا يهمزها، قال رُؤْبة :
لو أن يأجُوجَ ومأجوج معا وعاد عادٌ واستجاشوا نُبَّعا
فلم يصرّفها.
﴿ زُبَرَ الْحَدِيدِ ﴾ أي قِطَع الحديد واحدتها زُبْرة.
﴿ بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ ﴾ فبعضهم يضمها وبعضهم يفتحها ويحرّك الدال، ومجازهما ما بين الناحيتين من الجبَلَيْنِ، وقال :
قد أخذتْ ما بين عَرْضِ الصُّدفيْنِ ناحيتيها وأعالي الرُّكْنَيَيْنِ
﴿ أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْراً ﴾ أي أَصُبَّ عليه حديداً ذائباً، قال :
حُساماً كَلَونِ الْمِلح صافٍ حديدُه جُرازاً من أقطارِ الحديد المُنعَّتِ
جمع قِطرٍ، وجعله قوم الرَّصاص النُّقر.
﴿ فَمَا اسْتَطَاعُوا أَنْ يظهَرُوهُ ﴾ أي أن يعلوه، ويقال : ظهرتُ فوق الجبل وفوق البيت، أي علوته.
﴿ جَعَلَهُ دَكَّاءَ ﴾ أي تركه مدكوكاً أي ألزقه بالأرض، ويقال : ناقة دَكَّاءُ أي لا سَنامَ لها مستوية الظهر، قال الأَغْلَبُ :
هل غيرُ غارٍ دَكَّ غاراً فانهَدمْ ***
والعرب تصف الفاعل والمفعول بمصدرهما فمن ذلك ﴿ جَعَلهُ دكّاً ﴾ أي مدكوكاً.
﴿ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ﴾ واحدتها صورة خرجت مخرج سُورة المدينة والجميع سور المدينة، ومجازه مجاز المختصر المضمر فيه أي نُفخ فيها أرواحها.
﴿ يُحْسِنُونَ صُنْعاً ﴾ أي عملاً والصنع والصنعة والصنيع واحد، ويقال فرس صنيع أي مصنوع.
﴿ لاَ يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلاً ﴾ أي لا يريدون ولا يُحبّون عنها تحويلاً.
تم الجزء الأول من مجاز القرآن.
سورة الكهف
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورةُ (الكهف) من السُّوَر المكية العظيمة التي اهتمت بالعقيدةِ، والاعتصامِ بحبل الله المتين، وأنْ لا ملجأَ من اللهِ إلا إليه، وقد أصَّلتِ السورةُ لفكرة التمسك بالعقيدة والتوحيد من خلالِ ضربِ الأمثلة، وقَصِّ القَصص، واشتملت السورةُ على أربعِ قِصَصٍ: قصةِ (فِتْيةِ الكهف)، وقصةِ (صاحب الجنَّتَينِ)، وقصةِ (موسى والخَضِرِ عليهما السلام)، وقصةِ (ذي القَرْنَينِ)، وتدعو كلُّ هذه القِصص إلى الاعتصام بالكتاب والسُّنة وأمرِ الله عز وجل، وقد احتوت السورةُ على الكثير من العِبَر والعظات، وحاجةُ المسلم إليها في زمن الفِتَن كبيرة؛ لتُثبِّتَه على هذا الدِّين وتُصبِّرَه، وقد ثبَت فضلُها وفضل قراءتها في كلِّ جمعة، وكذا فإن مَن حَفِظ أوَّلَ عَشْرِ آياتٍ منها عُصِم من فتنة الدَّجَّال؛ كما صح في الخبر.

ترتيبها المصحفي
18
نوعها
مكية
ألفاظها
1584
ترتيب نزولها
69
العد المدني الأول
105
العد المدني الأخير
105
العد البصري
111
العد الكوفي
110
العد الشامي
106

* سورةُ (الكهف):

سُمِّيتْ سورةُ (الكهف) بذلك؛ لاحتوائها على قصَّةِ (أصحاب الكهف)، وهي أبرَزُ ما ورَد في هذه السورة.

مما جاء في فضلِ سورة (الكهف):

* نزولُ الملائكةِ مستمِعةً لها:

عن البَراءِ بن عازبٍ رضي الله عنهما، قال: «قرَأَ رجُلٌ الكهفَ وفي الدَّارِ الدَّابَّةُ، فجعَلتْ تَنفِرُ، فسلَّمَ، فإذا ضَبابةٌ أو سحابةٌ غَشِيَتْهُ، فذكَرَه للنبيِّ صلى الله عليه وسلم، فقال: «اقرَأْ فلانُ؛ فإنَّها السَّكينةُ نزَلتْ للقرآنِ، أو تنزَّلتْ للقرآنِ»». أخرجه البخاري (3614)، ومسلم (795).

* مَن حَفِظ أوَّلَ عَشْرِ آياتٍ منها عُصِم من فتنة الدَّجَّال:

عن النَّوَّاسِ بن سَمْعانَ الأنصاريِّ رضي الله عنه، قال: «ذكَرَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم الدَّجَّالَ ذاتَ غَداةٍ، فخفَّضَ فيه ورفَّعَ، حتى ظنَنَّاه في طائفةِ النَّخلِ، فلمَّا رُحْنا إليه عرَفَ ذلك فينا، فقال: ما شأنُكم؟ قُلْنا: يا رسولَ اللهِ، ذكَرْتَ الدَّجَّالَ غَداةً، فخفَّضْتَ فيه ورفَّعْتَ، حتى ظنَنَّاه في طائفةِ النَّخلِ، فقال: غيرُ الدَّجَّالِ أخوَفُني عليكم، إن يخرُجْ وأنا فيكم فأنا حَجِيجُه دُونَكم، وإن يخرُجْ ولستُ فيكم فامرؤٌ حَجِيجُ نفسِه، واللهُ خليفتي على كلِّ مسلِمٍ، إنَّه شابٌّ قَطَطٌ، عَيْنُه طافئةٌ، كأنِّي أُشبِّهُه بعبدِ العُزَّى بنِ قَطَنٍ، فمَن أدرَكَه منكم فَلْيَقرأْ عليه فواتحَ سورةِ الكهفِ ...». أخرجه مسلم (٢٩٣٧).

وقريبٌ منه ما صحَّ عن أبي الدَّرْداءِ رضي الله عنه، أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «مَن حَفِظَ عَشْرَ آياتٍ مِن أوَّلِ سورةِ الكهفِ، عُصِمَ مِن الدَّجَّالِ». أخرجه مسلم (٨٠٩).

* مَن قرَأها يوم الجمعة أضاءت له ما بين الجمعتَينِ:

عن أبي سعيدٍ الخُدْريِّ رضي الله عنه، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: «مَن قرَأَ سورةَ الكهفِ يومَ الجُمُعةِ، أضاءَ له مِن النُّورِ ما بين الجُمُعتَينِ». أخرجه البيهقي (6209).

جاءت موضوعاتُ سورة (الكهف) على الترتيب الآتي:

1. الحمد الله /التبشير والإنذار (١-٨).

2. قصة أصحاب الكهف (٩-٣١).

3. قصة صاحب الجنَّتَينِ (٣٢-٤٤).

4. تعقيب على صاحب القصة (٣٢-٤٤).

5. من مشاهد يوم القيامة (٤٥-٤٩).

6. فتنة إبليس (٥٠-٥٣).

7. الاعتصام بالكتاب والسُّنة (٥٤-٥٩).

8. رحلة موسى والخَضِر (٦٠-٨٢).

9. قصة ذي القَرْنَينِ (٨٣-٩٨).

10. جزاءُ مَن غَرِق في الفِتَن ومَن نجا منها (٩٩-١١٠).

ينظر: "التفسير الموضوعي للقرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (4 /289).

افتُتِحت السورة بمقصدٍ عظيم؛ وهو وصفُ الكتاب بأنه قيِّمٌ؛ لكونه زاجرًا عن الشريك الذي هو خلافُ ما قام عليه الدليلُ في سورةِ (سُبْحانَ).

ومِن المقاصد العظيمة لهذه السورةِ: الاعتصامُ بحبلِ الله المتين، وبالاعتقادِ الصحيح في زمنِ الفتن؛ وقد وصَّلتِ السورةُ هذا المقصدَ عن طريقِ قَصِّ مجموعةٍ من القِصَص، على رأسها قصةُ (فتية الكهف).

ينظر: "مصاعد النظر للإشراف على مقاصد السور" للبقاعي (2 /243).