ﰡ
أَلا أيّهذا الباخع الوجد نَفْسَه **** لِشئٍ نَحَتْه عن يدْيه المَقادرُ
أي نحَّته مشدّد، ويقال : بخعتُ له نفسي ونُصْحي أي جهدت له.
﴿ بهِذَا الحْدِيث أَسَفاً ﴾ أي نَدَماً وتلهُّفاً، وأَسىً.
﴿ جُرُزاً ﴾ أي غُلْظاً لا ينبت شيئاً والجميع أَرَضُون أجراز، ويقال للسنة المُجْدِبة : جرز وسنون أجراز لجدوبها ويبسها وقلة مطرها، قال ذُو الرُّمَّة :
طَوَى النَّخْرُ وَالأجْرازُ ما في عروضها | فما بقيت إلا الصدورُ الجَراشُع |
قد جرّفتهن السِّنون الأجرازْ ***
﴿ قُلْنَا إِذاً شَطَطاً ﴾ أي جوراً وغلوّاً قال :
ألا يالِقومٍ قد أشطَّتْ عواذِلي | ويَزُعمن أن أوْدَى بحقِيَ باطلِي |
ويَلْحَيْنَنِي في اللّهو أن لا أُحبّه | وللَّهو داعٍ دائبٌ غير غافِل |
فينا كَراكِرُ أَجْوازٍ مُضَبَّرةٍ ***فيها دروٌّ إذا شئنا من الزَّوَرِ
وقال أبو الزحف الكليبي :
ودون ليلى بَلَدٌ سَمَهْدرُ | جَدْبُ المُنَدّى عن هوَانا أزوَرُ |
العَشَنزر الشديد ؛ المندّى حيث يرتع ساعة من النهار.
﴿ تَقْرِضُهُم ذَاتَ الشِّمَالِ ﴾ أي تُخلِّفهم شِمالاً وتجاورهم وتقطعهم وتتركهم عن شمالها، ويقال : هل مررت بمكان كذا وكذا، فيقول المسئول : قرضته ذات اليمين ليلا، وقال ذو الرُّمَّة :
إلى ظُعُنٍ يَقرِضن أَجوازَ مُشرِفٍ | شِمالاًوعن أَيمانهن الفوارسُ |
ووَجَدوا إخوانَهم أَيقاظاً | وسَيْفَ غَيّاظٍ لهم غياظا |
﴿ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالوَصِيدِ ﴾ على الباب وبفناء الباب جميعاً لأن الباب يوصد، أي يغلق، والجميع وصائد ووصُدُ.
﴿ أَيُّهَا أَزْكىَ طَعَاماً ﴾ أي أكثر، قال :
قبائلنا سَبعٌ وأنتم ثلاثةٌ | وللسَّبعُ أَزكَى مِن ثَلاثٍ وأَكثرُ |
وما الجرب إلاّ ما رأيتم وذُقتُمُ | وما هو عنها بالحديث المُرجَّمِ |
يا حَكمَ بن المْنِذر بن الجارودْ | أنت الجَوْاد بن الجَوْاد المَحْمودْ |
وقال سلامة بن جَنْدَل :
هو المُولِج النُّعمانَ بيتاً سَماؤُه | صُدورُ بَعْد بيتٍ مُسَرْدَق |
﴿ يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالمُهْلِ ﴾ كل شئ أَذَبته من نُحاس أو رصاص ونحو ذلك فهو مُهْل، وسمعت المُنْتَجِع بن نَبْهان يقول : والله لفلاَنٌ أبغض إلىّ من الطَّلياء والمُهْل، فقلنا : وما هما فقال الجَرْباءُ والملّة التي تنحدر عن جوانب الخبزة إذا مُلت في النار من النار كأنه مُهْلة حمراء مدقَّفة فهي جَمْرة.
﴿ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقاً ﴾ أي مُتَّكَئاً، قال أبو ذُؤَيب الهُذَلِيّ.
إنِّي أَرِقتُ فبتُّ الليلَ مُرتفَقاً | كأنّ عَيْنَيَّ فيها الصابُ مذبوحُ |
﴿ مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى اْلأرَائكِ ﴾ واحدتها أريكة وهي السُّرر في الحجال قال ذُو الرُّمَّة :
خدوداً جفَتْ في السَّير حتى كأنما | يباشرن بالمَعْزَاءِ مَسَّ الأرائكِ |
بَيْن الرِّواق وجانبٍ من سَترها | منها وبين أَريكةِ الأنضادِ |
تظلُّ بالأكمام مَحْفوفةً | تَرمُقها أعيُنُ جُرَّامِها |
تظلَّمني مالي كذا ولَوىَ يدي | لَوىَ يده الله الذي لا يغالبُهْ |
﴿ صَعِيداً زَلَقاً ﴾ الصعيد وجه الأرْض، والزَّلَق الذي لا يثبت فيه القدمُ.
تظلّ جِيادُه نَوْحاً عليه | مُقلَّدةً أَعِنَّتُها صُفونا |
هَرِيقِي مِن دموعها سِجاما ***
ضُباعَ وجاوبِي نَوْحاً قياما ***
وقال لَقيط بن زُرارة يوم جَبَلةَ :
شتَّانَ هذا والعِناقُ والنَومْ | والمَشرَبُ الباردُ والظِلُّ الدَّومْ |
﴿ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا ﴾ مجازه : خالية على بيوتها.
كما يَحُوز الفِئَةَ الكَمِيُّ ***
﴿ خَيْرٌ ثَوَاباً وَخَيْرٌ عُقباً ﴾ مجازه مجاز العاقبة والعُقبيَ والعُقْبة، كلهن واحدة والمعنى الآخرة.
ولا للضَّيف إن طرقَتْ بَلِيِلٌ***بأفنانِ العِضاةِ وبالهَشِيمِ
يَهوين في نَجْدٍ وغوراً غائراً*** فواسقاً عن قصدها جَوائرا
وحاد شَرَوْرَي والسِّتارَ فلم يدع***تِعاراً له والواديَيْنِ بمَوْبِقِ
أزُهَيْرُ هل عن شَيْبَةٍ مِن مَصْرِف***أم لا خلودَ لِباذلٍ متكلِّفِ
لن يغلب اليوم جَبَاكم قبَلى ***
أي استئنافِي، وإن ضمَّوا أوّ لها فالمعنى : مقابلة، يقال : أُقبِلَ قُبُلُ فلانٍ : انكسَر، وله موضع آخر : أن يكون جميع قبيل فمعناه : أو يأتيهم العذاب قُبُلاً، أي قبيلاً قبيلاً، أي ضَرْباً ضَرْباً ولَوْناً لوْناً.
ورَدتُ ونحّى اليَشْكِريَّ حِذارُهُ ***وحادَ كما حادَ البعيرُ عن الدَّحّضِ
فلا وأَلتْ نفسٌ عليها تحاذرُ ***
أي لا نجت. وقال الأعْشَى :
وقد أُخالسُ رَبَّ البيتِ غفلَتَه***وقد يحاذر منِّي تم ما يَئِلُ
أي لا ينجو.
قد لَقِيَ الأقْرانُ مني نُكْراً | داهِيةً دَهْيَاءَ إدّاً إمْراً. |
ومُرهِّقُ النَّيرانِ يحُمدَ في ال | لأواءِ غيرَ مُلَعَّنِ القِدْرِ |
﴿ شَيْئاً نُكْراً ﴾ أَي داهية : أَمْراً عظيماً.
﴿ يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ ﴾ وليس للحائط إرادة ولا للموات ولكنه إذا كَان في هذه الحال مِن ربه فهو إرادته، وهذا قول العرب في غيره قال الحارِثيّ :
يريد الرمحُ صَدْرَ بني بَراءٍ | ويَرْغَب عن دِماءِ بني عقيل |
فِراقٌ كقَيْضِ السِّنّ فالصّبرَ إنه | لكل أناسٍ عثْرةٌ وجُبور |
وقد تخِذتْ رِجْليِ إلى جَنْب غَرْرها | نَسِيفاً كأُفْحُوص القطة المطِّرقِ |
أَترجو بنو مروانَ سَمْعِي وطاعتِي | وقومي تَمِيمٌ والفَلاةُ ورائيا |
فلا ومُنَزِّلِ الفُرقا *** نِ مالَكَ عندَها ظُلْمُ
وكيف بظلم جاريةٍ *** ومنها اللِّينُ والرُّحْمُ
قال العَجَّاج :
ولم تُعَوَّجْ رُحْمُ من تَعَوَّجا ***
تجئ بمِلْئها يوماً ويوماً | تجئ بحمأةٍ وقليل ماءِ |
وسُقيتُ بالماءِ النّميرِ ولم | أترك الأُطم حمأةَ الْجَفْرِ |
لو أن يأجُوجَ ومأجوج معا | وعاد عادٌ واستجاشوا نُبَّعا |
﴿ بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ ﴾ فبعضهم يضمها وبعضهم يفتحها ويحرّك الدال، ومجازهما ما بين الناحيتين من الجبَلَيْنِ، وقال :
قد أخذتْ ما بين عَرْضِ الصُّدفيْنِ | ناحيتيها وأعالي الرُّكْنَيَيْنِ |
حُساماً كَلَونِ الْمِلح صافٍ حديدُه | جُرازاً من أقطارِ الحديد المُنعَّتِ |
هل غيرُ غارٍ دَكَّ غاراً فانهَدمْ ***
والعرب تصف الفاعل والمفعول بمصدرهما فمن ذلك ﴿ جَعَلهُ دكّاً ﴾ أي مدكوكاً.
تم الجزء الأول من مجاز القرآن.
سورة الكهف
سورةُ (الكهف) من السُّوَر المكية العظيمة التي اهتمت بالعقيدةِ، والاعتصامِ بحبل الله المتين، وأنْ لا ملجأَ من اللهِ إلا إليه، وقد أصَّلتِ السورةُ لفكرة التمسك بالعقيدة والتوحيد من خلالِ ضربِ الأمثلة، وقَصِّ القَصص، واشتملت السورةُ على أربعِ قِصَصٍ: قصةِ (فِتْيةِ الكهف)، وقصةِ (صاحب الجنَّتَينِ)، وقصةِ (موسى والخَضِرِ عليهما السلام)، وقصةِ (ذي القَرْنَينِ)، وتدعو كلُّ هذه القِصص إلى الاعتصام بالكتاب والسُّنة وأمرِ الله عز وجل، وقد احتوت السورةُ على الكثير من العِبَر والعظات، وحاجةُ المسلم إليها في زمن الفِتَن كبيرة؛ لتُثبِّتَه على هذا الدِّين وتُصبِّرَه، وقد ثبَت فضلُها وفضل قراءتها في كلِّ جمعة، وكذا فإن مَن حَفِظ أوَّلَ عَشْرِ آياتٍ منها عُصِم من فتنة الدَّجَّال؛ كما صح في الخبر.
ترتيبها المصحفي
18نوعها
مكيةألفاظها
1584ترتيب نزولها
69العد المدني الأول
105العد المدني الأخير
105العد البصري
111العد الكوفي
110العد الشامي
106* سورةُ (الكهف):
سُمِّيتْ سورةُ (الكهف) بذلك؛ لاحتوائها على قصَّةِ (أصحاب الكهف)، وهي أبرَزُ ما ورَد في هذه السورة.
مما جاء في فضلِ سورة (الكهف):
* نزولُ الملائكةِ مستمِعةً لها:
عن البَراءِ بن عازبٍ رضي الله عنهما، قال: «قرَأَ رجُلٌ الكهفَ وفي الدَّارِ الدَّابَّةُ، فجعَلتْ تَنفِرُ، فسلَّمَ، فإذا ضَبابةٌ أو سحابةٌ غَشِيَتْهُ، فذكَرَه للنبيِّ صلى الله عليه وسلم، فقال: «اقرَأْ فلانُ؛ فإنَّها السَّكينةُ نزَلتْ للقرآنِ، أو تنزَّلتْ للقرآنِ»». أخرجه البخاري (3614)، ومسلم (795).
* مَن حَفِظ أوَّلَ عَشْرِ آياتٍ منها عُصِم من فتنة الدَّجَّال:
عن النَّوَّاسِ بن سَمْعانَ الأنصاريِّ رضي الله عنه، قال: «ذكَرَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم الدَّجَّالَ ذاتَ غَداةٍ، فخفَّضَ فيه ورفَّعَ، حتى ظنَنَّاه في طائفةِ النَّخلِ، فلمَّا رُحْنا إليه عرَفَ ذلك فينا، فقال: ما شأنُكم؟ قُلْنا: يا رسولَ اللهِ، ذكَرْتَ الدَّجَّالَ غَداةً، فخفَّضْتَ فيه ورفَّعْتَ، حتى ظنَنَّاه في طائفةِ النَّخلِ، فقال: غيرُ الدَّجَّالِ أخوَفُني عليكم، إن يخرُجْ وأنا فيكم فأنا حَجِيجُه دُونَكم، وإن يخرُجْ ولستُ فيكم فامرؤٌ حَجِيجُ نفسِه، واللهُ خليفتي على كلِّ مسلِمٍ، إنَّه شابٌّ قَطَطٌ، عَيْنُه طافئةٌ، كأنِّي أُشبِّهُه بعبدِ العُزَّى بنِ قَطَنٍ، فمَن أدرَكَه منكم فَلْيَقرأْ عليه فواتحَ سورةِ الكهفِ ...». أخرجه مسلم (٢٩٣٧).
وقريبٌ منه ما صحَّ عن أبي الدَّرْداءِ رضي الله عنه، أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «مَن حَفِظَ عَشْرَ آياتٍ مِن أوَّلِ سورةِ الكهفِ، عُصِمَ مِن الدَّجَّالِ». أخرجه مسلم (٨٠٩).
* مَن قرَأها يوم الجمعة أضاءت له ما بين الجمعتَينِ:
عن أبي سعيدٍ الخُدْريِّ رضي الله عنه، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: «مَن قرَأَ سورةَ الكهفِ يومَ الجُمُعةِ، أضاءَ له مِن النُّورِ ما بين الجُمُعتَينِ». أخرجه البيهقي (6209).
جاءت موضوعاتُ سورة (الكهف) على الترتيب الآتي:
1. الحمد الله /التبشير والإنذار (١-٨).
2. قصة أصحاب الكهف (٩-٣١).
3. قصة صاحب الجنَّتَينِ (٣٢-٤٤).
4. تعقيب على صاحب القصة (٣٢-٤٤).
5. من مشاهد يوم القيامة (٤٥-٤٩).
6. فتنة إبليس (٥٠-٥٣).
7. الاعتصام بالكتاب والسُّنة (٥٤-٥٩).
8. رحلة موسى والخَضِر (٦٠-٨٢).
9. قصة ذي القَرْنَينِ (٨٣-٩٨).
10. جزاءُ مَن غَرِق في الفِتَن ومَن نجا منها (٩٩-١١٠).
ينظر: "التفسير الموضوعي للقرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (4 /289).
افتُتِحت السورة بمقصدٍ عظيم؛ وهو وصفُ الكتاب بأنه قيِّمٌ؛ لكونه زاجرًا عن الشريك الذي هو خلافُ ما قام عليه الدليلُ في سورةِ (سُبْحانَ).
ومِن المقاصد العظيمة لهذه السورةِ: الاعتصامُ بحبلِ الله المتين، وبالاعتقادِ الصحيح في زمنِ الفتن؛ وقد وصَّلتِ السورةُ هذا المقصدَ عن طريقِ قَصِّ مجموعةٍ من القِصَص، على رأسها قصةُ (فتية الكهف).
ينظر: "مصاعد النظر للإشراف على مقاصد السور" للبقاعي (2 /243).