تفسير سورة الكهف

تفسير ابن عباس

تفسير سورة سورة الكهف من كتاب تنوير المقباس من تفسير ابن عباس المعروف بـتفسير ابن عباس.
لمؤلفه الفيروزآبادي . المتوفي سنة 817 هـ

وبإسناده عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى ﴿الْحَمد لِلَّهِ﴾ يَقُول الشُّكْر لله والإلهية لله ﴿الَّذِي أنزل على عَبده﴾ مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ﴿الْكتاب﴾ جِبْرِيل بِالْقُرْآنِ ﴿وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجَا﴾ لم ينزله مُخَالفا للتوراة وَالْإِنْجِيل وَسَائِر الْكتب بِالتَّوْحِيدِ وَصفَة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ونعته نزلت فِي شَأْن الْيَهُود حِين قَالُوا الْقُرْآن مُخَالف لسَائِر الْكتب
﴿قَيِّماً﴾ على الْكتب وَيُقَال مُسْتَقِيمًا ﴿لِّيُنْذِرَ﴾ مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالْقُرْآنِ ﴿بَأْساً﴾ عذَابا ﴿شَدِيداً مِّن لَّدُنْهُ﴾ من عِنْده ﴿وَيُبَشِّرَ﴾ مُحَمَّد بِالْقُرْآنِ ﴿الْمُؤمنِينَ﴾ المخلصين ﴿الَّذين يَعْمَلُونَ الصَّالِحَات﴾ الطَّاعَات فِيمَا بَينهم وَبَين رَبهم ﴿أَنَّ لَهُمْ أَجْراً حَسَناً﴾ ثَوابًا كَرِيمًا فِي الْجنَّة
﴿مَّاكِثِينَ فِيهِ﴾ مقيمين فِي الثَّوَاب لَا يموتون وَلَا يخرجُون ﴿أبدا﴾
﴿وينذر﴾ مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالْقُرْآنِ ﴿الَّذين قَالُواْ اتخذ الله وَلَداً﴾ يَعْنِي الْيَهُود وَالنَّصَارَى وَبَعض الْمُشْركين
﴿مَّا لَهُمْ بِهِ﴾ من مقالتهم ﴿مِنْ عِلْمٍ﴾ من حجَّة وَلَا بَيَان ﴿وَلاَ لآبَائِهِمْ﴾ كَانَ علم ذَلِك ﴿كَبُرَتْ كَلِمَةً﴾ عظمت كلمة الشّرك ﴿تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ﴾ تظهر على أَفْوَاههم ﴿إِن يَقُولُونَ﴾ مَا يَقُولُونَ ﴿إِلاَّ كَذِباً﴾ على الله
﴿فَلَعَلَّكَ﴾ يَا مُحَمَّد ﴿بَاخِعٌ نَّفْسَكَ﴾ قَاتل نَفسك
243
﴿على آثَارِهِمْ﴾ لأجلهم ﴿إِن لَّمْ يُؤْمِنُواْ بِهَذَا الحَدِيث﴾ بِأَن لم يُؤمنُوا بِهَذَا الْقُرْآن ﴿أَسَفاً﴾ حزنا
244
﴿إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الأَرْض﴾ من الرِّجَال وَالنِّسَاء ﴿زِينَةً لَّهَا﴾ زهرَة للْأَرْض ﴿لِنَبْلُوَهُمْ﴾ لنختبرهم ﴿أَيُّهُم﴾ من هم ﴿أَحْسَنُ﴾ أخْلص ﴿عَمَلاً﴾ وَيُقَال إِنَّا جعلنَا مَا على الأَرْض من النَّبَات وَالشَّجر وَالدَّوَاب وَالنَّعِيم زِينَة لَهَا زهرَة للْأَرْض لنختبر أَيهمْ أزهد فِي الدُّنْيَا وأترك لَهَا
﴿وَإِنَّا لَجَاعِلُونَ﴾ مغيرون ﴿مَا عَلَيْهَا﴾ من الزهرة ﴿صَعِيداً﴾ تُرَابا ﴿جُرُزاً﴾ أملس لَا نَبَات فِيهَا
﴿أَمْ حَسِبْتَ﴾ أظننت يَا مُحَمَّد ﴿أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْف والرقيم﴾ والكهف هُوَ الْجَبَل الَّذِي فِيهِ الْغَار والرقيم هُوَ اللَّوْح من رصاص فِيهِ أَسمَاء الْفتية وقصتهم وَيُقَال الرقيم هُوَ الْوَادي الَّذِي فِيهِ الْكَهْف وَيُقَال الرقيم هُوَ مَدِينَة ﴿كَانُواْ مِنْ آيَاتِنَا﴾ من عجائبنا ﴿عَجَباً﴾ الشَّمْس وَالْقَمَر وَالسَّمَاء وَالْأَرْض والنجوم وَالْجِبَال والبحار أعجب من ذَلِك
﴿إِذْ أَوَى الْفتية إِلَى الْكَهْف﴾ دخل غلمة فِي غَار الْكَهْف ﴿فَقَالُواْ﴾ حِين دخلُوا ﴿رَبَّنَآ﴾ يَا رَبنَا ﴿آتِنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً﴾ أَي ثبتنا على دينك ﴿وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رشدا﴾ مخرجا
﴿فَضَرَبْنَا على آذَانِهِمْ﴾ ألقينا عَلَيْهِم النّوم وأنمناهم ﴿فِي الْكَهْف سِنِين عددا﴾ ثلثمِائة سنة وتسع سِنِين
﴿ثُمَّ بَعَثْنَاهُمْ﴾ أيقظناهم كَمَا نَامُوا ﴿لِنَعْلَمَ﴾ لكَي نرى ﴿أَيُّ الحِزْبَيْنِ﴾ أَي الْفَرِيقَيْنِ الْمُؤْمِنُونَ والكافرون ﴿أحصى لِمَا لَبِثُواْ﴾ أحفظ لما مَكَثُوا فِي الْكَهْف ﴿أَمَداً﴾ أَََجَلًا
﴿نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ﴾ نبين لَك ﴿نبَأَهُم﴾ خبرهم ﴿بِالْحَقِّ﴾ بِالْقُرْآنِ ﴿إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ﴾ غلمة ﴿آمَنُواْ بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى﴾ بَصِيرَة فِي أَمر دينهم وَيُقَال ثبتناهم فِي أَمر دينهم وَيُقَال ثبتناهم على الْإِيمَان
﴿وَرَبَطْنَا على قُلُوبِهِمْ﴾ حفظنا قُلُوبهم بِالْإِيمَان وَيُقَال ألهمناهم الصَّبْر ﴿إِذْ قَامُواْ﴾ إِذْ خَرجُوا من عِنْد الْملك دقيانوس الْكَافِر ﴿فَقَالُواْ رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَات وَالْأَرْض لَن نَّدْعُوَاْ مِن دُونِهِ﴾ لن نعْبد من دون الله ﴿إِلَهًا﴾ ربّاً ﴿لَّقَدْ قُلْنَا إِذاً شَطَطاً﴾ كذبا وزوراً على الله
﴿هَؤُلَاءِ قَوْمُنَا اتَّخذُوا مِن دُونِهِ﴾ عبدُوا من دون الله ﴿آلِهَةً﴾ من الْأَوْثَان ﴿لَّوْلاَ يَأْتُونَ عَلَيْهِم﴾ هلا يأْتونَ على عِبَادَتهم ﴿بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍ﴾ بِحجَّة بَيِّنَة أَن الله أمرَهم بذلك ﴿فَمَنْ أَظْلَمُ﴾ فَلَيْسَ أحد أظلم ﴿مِمَّنِ افترى﴾ اختلق ﴿عَلَى الله كَذِباً﴾ بِأَن لَهُ شَرِيكا
﴿وَإِذِ اعتزلتموهم﴾ تركتموهم وتركتم دينهم ﴿وَمَا يَعْبُدُونَ﴾ من دون الله من الْأَوْثَان فَلَا تعبدوا ﴿إِلاَّ الله فَأْوُوا إِلَى الْكَهْف﴾ فادخلوا هَذَا الْغَار ﴿يَنْشُرْ لَكُمْ﴾ يهب لكم ﴿رَبُّكُم مِّن رَّحْمَتِهِ﴾ من نعْمَته ﴿وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِّنْ أَمْرِكُمْ مِّرْفَقاً﴾ مَا يرفق بكم غَدا وَهَذَا كُله قَول الفتيه
﴿وَتَرَى الشَّمْس إِذَا طَلَعَت تَّزَاوَرُ﴾ تميل ﴿عَن كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمين﴾ يَمِين الْغَار ﴿وَإِذَا غَرَبَت تَّقْرِضُهُمْ﴾ تتركهم ﴿ذَاتَ الشمَال﴾ شمال الْغَار ﴿وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِّنْهُ﴾ فِي نَاحيَة من الْكَهْف وَيُقَال فِي فضاء مِنْهُ من الضَّوْء ﴿ذَلِك﴾ الَّذِي ذكرت من قصتهم ﴿مِنْ آيَاتِ الله﴾ من عجائب الله ﴿مَن يَهْدِ الله﴾ لدينِهِ ﴿فَهُوَ المهتد﴾ لدينِهِ ﴿وَمَن يُضْلِلْ﴾ عَن دينه ﴿فَلَن تَجِدَ لَهُ وَلِيّاً مُّرْشِداً﴾
244
موفقاً يوفقه للهدى
245
﴿وتحسبهم﴾ يَا مُحَمَّد ﴿أيقاظا﴾ عير نيام ﴿وَهُمْ رُقُودٌ﴾ نيام ﴿وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمين وَذَاتَ الشمَال﴾ فِي كل عَام مرّة لكَي لَا تَأْكُل الأَرْض لحومهم ﴿وَكَلْبُهُمْ﴾ قطمير ﴿بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بالوصيد﴾ بِفنَاء الْبَاب ﴿لَوِ اطَّلَعت﴾ هجمت ﴿عَلَيْهِمْ﴾ فِي تِلْكَ الْحَال ﴿لَوْلَّيْتَ مِنْهُمْ﴾ لأدبرت عَنْهُم ﴿فِرَاراً وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْباً﴾ لأخذت مِنْهُم خوفًا ﴿وَكَذَلِكَ﴾ هَكَذَا
﴿بعثناهم﴾ أيقظناهم بعد مَا مضى ثلثمِائة سنة وتسع سِنِين ﴿لِيَتَسَآءَلُوا بَيْنَهُمْ﴾ ليتحدثوا فِيمَا بَينهم ﴿قَالَ قَائِل مِنْهُم﴾ سيدهم وَكَبِيرهمْ وهم مكسلميا ﴿كَم لَبِثْتُمْ﴾ مكثتم فِي هَذَا الْغَار بعد النّوم ﴿قَالُواْ لَبِثْنَا يَوْماً﴾ فَلَمَّا خَرجُوا فنظروا إِلَى الشَّمْس وَقد بَقِي مِنْهَا شَيْء قَالُوا ﴿أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالُواْ﴾ يَعْنِي مكسلمينا ﴿رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ﴾ بعد النّوم ﴿فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ﴾ تمليخا ﴿بِوَرِقِكُمْ هَذِه﴾ بدراهمكم هَذِه ﴿إِلَى الْمَدِينَة﴾ مَدِينَة أفسوس ﴿فَلْيَنْظُرْ أَيُّهَآ أزكى طَعَاماً﴾ أَكثر طَعَاما وَيُقَال أطيب خبْزًا وَأحل ذَبِيحَة ﴿فَلْيَأْتِكُمْ برزق مِنْهُ﴾ بِطَعَام مِنْهُ ﴿وليتلطف﴾ يرفق فِي الشِّرَاء ﴿وَلاَ يُشْعِرَنَّ بِكُمْ﴾ لَا يعلمن بكم ﴿أَحَداً﴾ من الْمَجُوس
﴿إِنَّهُمْ إِن يَظْهَرُواْ﴾ يطلعوا ﴿عَلَيْكُمْ﴾ الْمَجُوس ﴿يَرْجُمُوكُمْ﴾ يقتلوكم ﴿أَوْ يُعِيدُوكُمْ﴾ يرجعوكم ﴿فِي مِلَّتِهِمْ﴾ فِي دينهم الْمَجُوسِيَّة ﴿وَلَن تُفْلِحُوا﴾ لن تنجوا من عَذَاب الله ﴿إِذاً أَبَداً﴾ إِذا رجعتم إِلَى دينهم
﴿وَكَذَلِكَ﴾ هَكَذَا ﴿أَعْثَرْنَا﴾ أطْلعنَا ﴿عَلَيْهِمْ﴾ أهل مَدِينَة أفسوس الْمُؤمنِينَ الْكَافرين وَكَانَ ملكهم يؤمئذ مُسلما يُسمى يُسْتَفَاد وَمَات ملكهم الْمَجُوسِيّ دقيانوس قبل ذَلِك ﴿ليعلموا﴾ يَعْنِي الْمُؤمنِينَ والكافرين ﴿أَنَّ وَعْدَ الله﴾ الْبَعْث بعد الْمَوْت ﴿حَقٌّ﴾ كَائِن ﴿وَأَنَّ السَّاعَة لاَ رَيْبَ فِيهَا﴾ لَا شكّ فِيهَا ﴿إِذْ يَتَنَازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ﴾ إِذْ يَخْتَلِفُونَ فِي قَوْلهم فِيمَا بَينهم ﴿فَقَالُواْ﴾ يَعْنِي الْكَافرين ﴿ابْنُوا عَلَيْهِم بنيانا﴾ كَنِيسَة لأَنهم على ديننَا ﴿رَّبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ قَالَ الَّذين غَلَبُواْ على أَمْرِهِمْ﴾ على قَوْلهم وهم الْمُؤْمِنُونَ ﴿لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَّسْجِداً﴾ لأَنهم على ديننَا وَكَانَ اخْتلَافهمْ فِي هَذَا
﴿سَيَقُولُونَ﴾ نَصَارَى أهل نَجْرَان السَّيِّد وَأَصْحَابه وهم النسطورية ﴿ثَلاثَةٌ﴾ هم ثَلَاثَة ﴿رَّابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ﴾ قطمير ﴿وَيَقُولُونَ﴾ العاقب وَأَصْحَابه وهم الْمَار يعقوبية ﴿خَمْسَةٌ﴾ هم خَمْسَة ﴿سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْماً بِالْغَيْبِ﴾ ظنا بِالْغَيْبِ بِغَيْر علم ﴿وَيَقُولُونَ﴾ أَصْحَاب الْملك وهم الملكانية ﴿سَبْعَةٌ﴾ هم سَبْعَة ﴿وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ﴾ قطمير ﴿قُل﴾ لَهُم يَا مُحَمَّد ﴿رَّبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِم﴾ بعددهم ﴿مَّا يَعْلَمُهُمْ إِلاَّ قَلِيلٌ﴾ من الْمُؤمنِينَ قَالَ ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا أَنا من ذَلِك الْقَلِيل هم ثَمَانِيَة سوى الْكَلْب ﴿فَلاَ تُمَارِ فِيهِمْ﴾ فَلَا تجَادل مَعَهم فِي عَددهمْ ﴿إِلاَّ مِرَآءً ظَاهِراً﴾ إِلَّا أَن تقْرَأ الْقُرْآن عَلَيْهِم ظَاهرا ﴿وَلاَ تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِّنْهُمْ أَحَداً﴾ لَا تسْأَل أحدا مِنْهُم عَن عَددهمْ يَكْفِيك مَا بَين الله لَك
﴿وَلاَ تَقْولَنَّ﴾ يَا مُحَمَّد ﴿لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِك غَداً﴾ أَو قَائِل
﴿إِلاَّ أَن يَشَآءَ الله﴾ إِلَّا أَن تَقول إِن شَاءَ الله
245
﴿وَاذْكُر رَبك﴾ بالاستنثاء ﴿إِذَا نَسِيتَ﴾ وَلَو بعد حِين ﴿وَقُلْ عَسى أَن يَهْدِيَنِ رَبِّي﴾ يدلني ويرشدني ﴿لأَقْرَبَ﴾ لأصوب ﴿مِنْ هَذَا رَشَداً﴾ صَوَابا ويقيناً نزلت هَذِه الْآيَة فِي شَأْن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذْ قَالَ لمشركي أهل مَكَّة غَدا أَقُول لكم فَلم يقل إِن شَاءَ الله فِيمَا سَأَلُوهُ عَن خبر الرّوح
246
﴿وَلَبِثُوا﴾ مَكَثُوا ﴿فِي كهفهم ثَلَاث مائَة سِنِينَ وازدادوا تِسْعاً﴾ تسع سِنِين وَهَذَا قبل أَن أيقظهم الله
﴿قُلِ﴾ يَا مُحَمَّد ﴿الله أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُواْ﴾ بِمَا مَكَثُوا بعد ذَلِك ﴿لَهُ غَيْبُ السَّمَاوَات وَالْأَرْض﴾ مَا غَابَ عَن الْعباد ﴿أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ﴾ مَا أبصره وأعلمه بهم وشأنهم ﴿مَا لَهُم مِّن دُونِهِ﴾ من دون الله ﴿مِن ولي﴾ يحفظهم وَيُقَال مَالهم لأهل مَكَّة من دونه من عَذَاب الله من ولي قريب يَنْفَعهُمْ ﴿وَلاَ يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ﴾ فِي حكم الْغَيْب ﴿أَحَداً﴾
﴿واتل مَآ أُوْحِيَ إِلَيْكَ مِن كِتَابِ رَبِّكَ﴾ يَقُول اقْرَأ عَلَيْهِم الْقُرْآن وَلَا تزد فِيهِ وَلَا تنقص مِنْهُ ﴿لاَ مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ﴾ لَا مغير لكلماته ﴿وَلَن تَجِدَ مِن دُونِهِ﴾ من دون الله ﴿مُلْتَحَداً﴾ ملْجأ
﴿واصبر نَفْسَكَ﴾ احْبِسْ نَفسك ﴿مَعَ الَّذين يَدْعُونَ رَبَّهُم﴾ يعْبدُونَ رَبهم ﴿بِالْغَدَاةِ والعشي﴾ غدْوَة وَعَشِيَّة يَعْنِي سلمَان وَأَصْحَابه ﴿يُرِيدُونَ وَجْهَهُ﴾ يُرِيدُونَ بذلك وَجه الله وَرضَاهُ ﴿وَلاَ تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ﴾ لَا تجَاوز عَيْنَاك عَنْهُم ﴿تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاة الدُّنْيَا﴾ يُرِيدُونَ الزِّينَة ﴿وَلاَ تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا﴾ عَن توحيدنا ﴿وَاتبع هَوَاهُ﴾ فِي عبَادَة الْأَصْنَام ﴿وَكَانَ أَمْرُهُ﴾ قَوْله ﴿فُرُطاً﴾ ضائعاً نزلت هَذِه الْآيَة فِي عُيَيْنَة بن حصن الْفَزارِيّ
﴿وَقُلِ﴾ لعيينة ﴿الْحق﴾ لَا إِلَه إِلَّا الله ﴿مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَآءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَآءَ فَلْيَكْفُرْ﴾ هَذَا وَعِيد من الله وَيُقَال فَمن شَاءَ فليؤمن يَقُول من شَاءَ الله لَهُ الْإِيمَان آمن وَمن شَاءَ فليكفر من شَاءَ الله لَهُ الْكفْر كفر ﴿إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ﴾ لعيينة وَأَصْحَابه ﴿نَاراً أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا﴾ سرادق النَّار يُحِيط بهم ﴿وَإِن يَسْتَغِيثُواْ﴾ للغصة بِالْمَاءِ ﴿يُغَاثُواْ بِمَآءٍ كَالْمهْلِ﴾ كدردي الزَّيْت وَيُقَال كالفضة المذابة ﴿يَشْوِي الْوُجُوه﴾ ينضج الْوُجُوه ﴿بِئْسَ الشَّرَاب وَسَآءَتْ مُرْتَفَقاً﴾ منزلا يَقُول بئس الدَّار دَار رفقائهم الشَّيَاطِين وَالْكفَّار
﴿إِن الَّذين آمنُوا﴾ بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن ﴿وَعَمِلُواْ الصَّالِحَات﴾ الطَّاعَات فِيمَا بَينهم وَبَين رَبهم ﴿إِنَّا لاَ نُضِيعُ﴾ لَا نبطل ﴿أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً﴾ ثَوَاب من أخْلص عملا
﴿أُولَئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ﴾ مَقْصُورَة الرَّحْمَن ﴿تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ﴾ أَي من تَحت شجرهم ومساكنهم ﴿الْأَنْهَار﴾ أَنهَار الْخمر وَالْمَاء وَالْعَسَل وَاللَّبن ﴿يُحَلَّوْنَ فِيهَا﴾ يلبسُونَ فِي الْجنَّة ﴿مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ﴾ أقلبة ذهب ﴿وَيَلْبَسُونَ ثِيَاباً خُضْراً مِّن سندس﴾ مالطف من الديباج ﴿وإستبرق﴾ مَا ثخن من الديباج ﴿متكئين فِيهَا﴾ جالسين فِيهَا فِي الْجنَّة ﴿عَلَى الأرآئك﴾ فِي الحجال ﴿نِعْمَ الثَّوَاب﴾ الْجَزَاء الْجنَّة ﴿وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقاً﴾ منزلا يَقُول حسنت الدَّار دَار رفقائهم الْأَنْبِيَاء والصالحون
﴿وَاضْرِبْ لهُمْ مَّثَلاً﴾ بيّن لأهل مَكَّة صفة ﴿رَّجُلَيْنِ﴾ أَخَوَيْنِ فِي بني إِسْرَائِيل أَحدهمَا مُؤمن وَهُوَ يهوذا وَالْآخر كَافِر وَهُوَ أَبُو فطروس ﴿جعلنَا لأَحَدهمَا﴾ الْكَافِر ﴿جَنَّتَيْنِ﴾ بساتين ﴿مِنْ أَعْنَابٍ﴾ من كروم ﴿وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ﴾ أحطناهما بِنَخْل ﴿وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا﴾ بَين الْبَسَاتِين ﴿زرعا﴾ مزرعا
﴿كِلْتَا الجنتين﴾ الْبَسَاتِين ﴿آتَتْ أُكُلَهَا﴾ أخرجت ثَمَرهَا كل عَام ﴿وَلَمْ تَظْلِمِ﴾ لم تنقص ﴿مِّنْهُ شَيْئاً وَفَجَّرْنَا خِلالَهُمَا﴾ وسطهما ﴿نَهَراً﴾
﴿وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ﴾ يَعْنِي ثَمَرَة الْبُسْتَان إِن قَرَأت بِالنّصب وَيُقَال مَال إِن قَرَأت بِالضَّمِّ ﴿فَقَالَ لَصَاحِبِهِ﴾ الْمُؤمن يهوذا ﴿وَهُوَ يُحَاوِرُهُ﴾ يفاخر بِالْمَالِ ﴿أَنَا أَكْثَرُ مِنكَ مَالاً وَأَعَزُّ نَفَراً﴾ أَكثر خدما
﴿وَدَخَلَ جَنَّتَهُ﴾ بستانه ﴿وَهُوَ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ﴾ بالْكفْر ﴿قَالَ مَآ أَظُنُّ أَن تَبِيدَ﴾ أَن تهْلك ﴿هَذِه أبدا﴾
﴿وَمَآ أَظُنُّ السَّاعَة قَائِمَةً﴾ كائنة ﴿وَلَئِن رُّدِدتُّ﴾ رجعت ﴿إِلَى رَبِّي﴾ كَمَا تَقول ﴿لأَجِدَنَّ خَيْراً مِّنْهَا﴾ من هَذِه الْجنَّة ﴿مُنْقَلَباً﴾ مرجعاً
﴿قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ﴾ الْمُؤمن ﴿وَهُوَ يُحَاوِرُهُ﴾ يُرَاجِعهُ عَن كفره ﴿أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِن تُرَابٍ﴾ من آدم وآدَم من تُرَاب ﴿ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ﴾ من نُطْفَة أَبِيك ﴿ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلاً﴾ معتدل الْقَامَة
﴿لَّكِنَّا﴾ لَكِن أَنا أَقُول ﴿هُوَ الله رَبِّي﴾ خالقي ورازقي ﴿وَلاَ أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَداً﴾ من الْأَوْثَان
﴿وَلَوْلَا إِذْ دَخَلْتَ﴾ فَهَلا دخلت ﴿جَنَّتَكَ﴾ بستانك ﴿قُلْتَ مَا شَآءَ الله﴾ هَذَا من الله لَيْسَ مني ﴿لاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللَّه﴾ هَذَا بِقُوَّة الله لَا بقوتي ﴿إِن تَرَنِ أَنَاْ أَقَلَّ مِنكَ مَالاً وَوَلَداً﴾ وخدماً فِي الدُّنْيَا
﴿فَعَسَى رَبِّي﴾ وَعَسَى من الله وَاجِب ﴿أَن يُؤْتِيَنِ﴾ أَن يعطيني فِي الْآخِرَة ﴿خَيْراً مِّن جَنَّتِكَ﴾ من بستانك فِي الدُّنْيَا ﴿وَيُرْسِلَ عَلَيْهَا﴾ على جنتك ﴿حُسْبَاناً﴾ نَارا ﴿مِّنَ السمآء فَتُصْبِحَ صَعِيداً زَلَقاً﴾ تصير تُرَابا أملس
﴿أَوْ يُصْبِحَ﴾ أَو يصير ﴿مَآؤُهَا غَوْراً﴾ غائراً لَا تناله الدلاء ﴿فَلَن تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَباً﴾ حِيلَة
﴿وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ﴾ أهلكت ثَمَرَته إِن قَرَأت بِالنّصب وَيُقَال أهلك مَاله إِن قَرَأت بِالضَّمِّ ﴿فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ﴾ يضْرب يَدَيْهِ بَعْضهَا على بعض ندامة ﴿عَلَى مَآ أَنْفَقَ فِيهَا﴾ فِي الْجنَّة وَيُقَال على مَا كَانَ فيهمَا من غلتهما ﴿وَهِيَ خَاوِيَةٌ﴾ سَاقِطَة ﴿على عُرُوشِهَا﴾ على سقوفها ﴿وَيَقُول﴾ يَوْم الْقِيَامَة ﴿يَا لَيْتَني لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَداً﴾ من الْأَوْثَان
﴿وَلم تكن لَهُ فِئَة﴾ مِنْهُ ﴿يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ الله﴾ من عَذَاب الله ﴿وَمَا كَانَ مُنْتَصِراً﴾ مُمْتَنعا بِنَفسِهِ من عَذَاب الله
﴿هُنَالِكَ الْولَايَة لِلَّهِ﴾
247
أَي يَوْم الْقِيَامَة الْملك وَالسُّلْطَان لله ﴿الْحق﴾ الْعدْل ﴿هُوَ خَيْرٌ ثَوَاباً﴾ خير من أثاب ﴿وَخَيْرٌ عُقْباً﴾ من أعقب
248
﴿وَاضْرِبْ لَهُم﴾ بَين لأهل مَكَّة ﴿مَّثَلَ الْحَيَاة الدُّنْيَا﴾ فِي بَقَائِهَا وفنائها ﴿كَمَآءٍ﴾ كمطر ﴿أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاء فاختلط بِهِ نَبَاتُ الأَرْض﴾ فاختلط المَاء بنبات الأَرْض ﴿فَأَصْبَحَ هَشِيماً﴾ فَصَارَ يَابسا ﴿تَذْرُوهُ الرِّيَاح﴾ ذرته الرّيح وَلم يبْق مِنْهُ شَيْء كَذَلِك الدُّنْيَا تذْهب وَلَا يبْقى مِنْهَا شَيْء كَمَا لَا يبْقى من الهشيم شَيْء ﴿وَكَانَ الله على كُلِّ شَيْءٍ﴾ من فنَاء الدُّنْيَا وَبَقَاء الْآخِرَة ﴿مُّقْتَدِراً﴾ قَادِرًا
ثمَّ ذكر مَا فِيهَا من الزهرة فَقَالَ ﴿المَال والبنون زِينَةُ الْحَيَاة الدُّنْيَا﴾ زهرَة الْحَيَاة الدُّنْيَا لَا تبقى كَمَا لَا يبْقى الهشيم ﴿والباقيات الصَّالِحَات﴾ الصَّلَوَات الْخمس وَيُقَال الْبَاقِيَات مَا يبْقى ثَوَابه والصالحات سُبْحَانَ الله وَالْحَمْد لله وَلَا إِلَه إِلَّا الله وَالله أكبر ﴿خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَاباً﴾ جَزَاء ﴿وَخَيْرٌ أَمَلاً﴾ خير مَا يَرْجُو بِهِ الْعباد من أَعْمَالهم الصَّلَاة
﴿وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجبَال﴾ عَن وَجه الأَرْض ﴿وَتَرَى الأَرْض بَارِزَةً﴾ خَارِجَة من تَحت الْجبَال وَيُقَال ظَاهِرَة ﴿وَحَشَرْنَاهُمْ﴾ للبعث ﴿فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَداً﴾ فَلَا نَتْرُك مِنْهُم أحدا
﴿وَعُرِضُواْ على رَبِّكَ﴾ سبقوا إِلَى رَبك ﴿صَفَّاً﴾ جَمِيعًا فَيَقُول الله لَهُم ﴿لَّقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ﴾ بِلَا مَال وَلَا ولد ﴿بَلْ زَعَمْتُمْ﴾ قُلْتُمْ فِي الدُّنْيَا ﴿أَلَّن نَّجْعَلَ لَكُمْ مَّوْعِداً﴾ أَََجَلًا للبعث
﴿وَوُضِعَ الْكتاب﴾ فِي الْأَيْمَان وَالشَّمَائِل وتطايرت الْكتب إِلَى أَيدي الْخلق مثل الثَّلج ﴿فَتَرَى الْمُجْرمين﴾ الْمُشْركين وَالْمُنَافِقِينَ ﴿مُشْفِقِينَ﴾ خَائِفين ﴿مِمَّا فِيهِ﴾ فِي الْكتاب ﴿وَيَقُولُونَ يَا ويلتنا مَا لهَذَا الْكتاب لاَ يُغَادِرُ صَغِيرَةً﴾ من أَعمالنَا ﴿وَلاَ كَبِيرَة﴾ وَيُقَال الصَّغِير التبسم والكبيرة القهقهة ﴿إِلاَّ أَحْصَاهَا﴾ حفظهَا وكتبها ﴿وَوَجَدُواْ مَا عَمِلُواْ﴾ من خير وَشر ﴿حَاضِراً﴾ مَكْتُوبًا ﴿وَلاَ يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً﴾ لَا ينقص من حَسَنَات أحد وَلَا يُزَاد على سيئات أحد وَيُقَال لَا ينقص من حَسَنَة مُؤمن وَلَا يتْرك من سَيِّئَة كَافِر
﴿وَإِذ قُلْنَا للْمَلَائكَة﴾ الَّذين كَانُوا فِي الأَرْض ﴿اسجدوا لآدَم﴾ سَجْدَة التَّحِيَّة ﴿فسجدوا إِلَّا إِبْلِيس﴾ رئيسهم ﴿كَانَ مِنَ الْجِنّ﴾ من قَبيلَة الْجِنّ ﴿فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ﴾ فتعظم وتمرد عَن طَاعَة ربه وأبى عَن السُّجُود لآدَم ﴿أَفَتَتَّخِذُونَهُ﴾ تعبدونه ﴿وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَآءَ﴾ أَرْبَابًا ﴿مِن دُونِي﴾ من دون الله ﴿وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ﴾ ظَاهر الْعَدَاوَة ﴿بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ﴾ الْمُشْركين مني ﴿بَدَلاً﴾ فِي الطَّاعَة وَيُقَال بئس مَا استبدلوا عبَادَة الله بِعبَادة الشَّيْطَان وَيُقَال ولَايَة الله بِولَايَة الشَّيْطَان
﴿مَّآ أَشْهَدتُّهُمْ﴾ يَعْنِي الْمَلَائِكَة وَالشَّيَاطِين ﴿خَلْقَ السَّمَاوَات وَالْأَرْض﴾ حِين خلقهما ﴿وَلاَ خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ﴾ حِين خلقتهمْ وَيُقَال مَا استعنت من الْمَلَائِكَة وَالشَّيَاطِين فِي خلق السَّمَوَات وَالْأَرْض وَلَا فِي خلق أنفسهم ﴿وَمَا كُنتُ مُتَّخِذَ المضلين﴾ الْكَافرين الْيَهُود وَالنَّصَارَى وَعَبدَة الْأَوْثَان ﴿عضدا﴾ عونا
﴿وَيَوْمَ﴾ وَهُوَ يَوْم الْقِيَامَة ﴿يَقُولُ﴾ لعبدة الْأَوْثَان ﴿نَادُواْ شُرَكَآئِيَ الَّذين﴾ يَعْنِي آلِهَتكُم ﴿زَعَمْتُمْ﴾ عَبدْتُمْ وقلتم إِنَّهُم شركائي حَتَّى يمنعوكم من عَذَابي ﴿فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُواْ لَهُمْ﴾ فَلم يجيبوا لَهُم ﴿وَجَعَلنَا بَينهم﴾ بَين العابد والمعبود ﴿مَّوْبِقاً﴾ وَاديا فِي النَّار وَجَعَلنَا مَا بَينهم من الْوَصْل والود فِي الدُّنْيَا موبقاً مهْلكا فِي الْآخِرَة
﴿وَرَأَى المجرمون﴾ الْمُشْركُونَ ﴿النَّار فظنوا﴾ فَعَلمُوا وأيقنوا ﴿أَنَّهُمْ مُّوَاقِعُوهَا﴾ دَاخِلُوهَا يَعْنِي النَّار ﴿وَلَمْ يَجِدُواْ عَنْهَا مَصْرِفاً﴾ مهرباً
﴿وَلَقَدْ صَرَّفْنَا﴾ بيّنا ﴿فِي هَذَا الْقُرْآن لِلنَّاسِ﴾ لأهل مَكَّة ﴿مِن كُلِّ مَثَلٍ﴾ من كل وَجه من الْوَعْد والوعيد لكَي يتعظوا فيؤمنوا ﴿وَكَانَ الْإِنْسَان﴾ أبي بن خلف الجُمَحِي ﴿أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً﴾ فِي الْبَاطِل وَيُقَال لَيْسَ شَيْء أجدل من الْإِنْسَان
﴿وَمَا مَنَعَ النَّاس﴾ أهل مَكَّة المطعمين يَوْم بدر ﴿أَن يُؤمنُوا﴾ بِمُحَمد عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَالْقُرْآن ﴿إِذْ جَاءَهُم الْهدى﴾ مُحَمَّد عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام بِالْقُرْآنِ ﴿وَيَسْتَغْفِرُواْ رَبَّهُمْ﴾ يتوبوا من الْكفْر إِلَى الْإِيمَان ﴿إِلاَّ أَن تَأْتِيَهُمْ سُنَّةُ الْأَوَّلين﴾ عَذَاب الْأَوَّلين بهلاكهم ﴿أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَاب﴾ بِالسَّيْفِ ﴿قُبُلاً﴾ مُعَاينَة يَوْم بدر
﴿وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسلين إِلاَّ مُبَشِّرِينَ﴾ بِالْجنَّةِ للْمُؤْمِنين ﴿وَمُنذِرِينَ﴾ عَن النَّار للْكَافِرِينَ ﴿وَيُجَادِلُ﴾ يُخَاصم ﴿الَّذين كَفَرُواْ﴾ بالكتب وَالرسل ﴿بِالْبَاطِلِ﴾ بالشرك ﴿لِيُدْحِضُواْ﴾ ليبطلوا ﴿بِهِ﴾ بِالْبَاطِلِ ﴿الْحق﴾ وَالْهدى ﴿وَاتَّخذُوا آيَاتِي﴾ كتابي ورسلي ﴿وَمَا أُنْذِرُواْ﴾ خوفوا من الْعَذَاب ﴿هُزُواً﴾ سخرية واستهزاء
﴿وَمَنْ أَظْلَمُ﴾ لَيْسَ أحد أظلم ﴿مِمَّن ذُكِّرَ﴾ وعظ ﴿بِآيِاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا﴾ فصرف عَنْهَا جاحداً بهَا ﴿وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ﴾ ترك ذكر مَا عملت يَدَاهُ من الذُّنُوب ﴿إِنَّا جَعَلْنَا على قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً﴾ أغطية ﴿أَن يَفْقَهُوهُ﴾ لكَي لَا يفقهوا الْحق وَالْهدى ﴿وَفِي آذَانِهِمْ وَقْراً﴾ صمماً لكَي لَا يسمعوا الْحق وَالْهدى ﴿وَإِن تَدْعُهُمْ﴾ يَا مُحَمَّد ﴿إِلَى الْهدى﴾ إِلَى التَّوْحِيد ﴿فَلَنْ يهتدوا﴾ فَلَنْ يُؤمنُوا ﴿إِذاً أَبَداً﴾
﴿وَرَبُّكَ الغفور﴾ المتجاوز ﴿ذُو الرَّحْمَة﴾ بِتَأْخِير الْعَذَاب ﴿لَوْ يُؤَاخِذُهُم بِمَا كَسَبُواْ﴾ بشركهم ﴿لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذَاب﴾ فِي الدُّنْيَا ﴿بَل لَّهُم مَّوْعِدٌ﴾ أجل لهلاكهم ﴿لَّن يَجِدُواْ مِن دُونِهِ﴾ من عَذَاب الله ﴿مَوْئِلاٍ﴾ ملْجأ
﴿وَتِلْكَ الْقرى﴾ أهل الْقرى الْمَاضِيَة ﴿أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُواْ﴾ حِين كفرُوا ﴿وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِم﴾ لهلاكهم ﴿مَّوْعِداً﴾ أَََجَلًا
ثمَّ ذكر قصَّة مُوسَى مَعَ الْخضر وَكَانَ مُوسَى وَقع فِي قلبه أَن لَيْسَ فِي الأَرْض أحد أعلم مني فَقَالَ الله يَا مُوسَى إِن لي فِي الأَرْض عبدا أعبد لي مِنْك وَأعلم وَهُوَ الْخضر فَقَالَ مُوسَى يَا رب دلَّنِي عَلَيْهِ فَقَالَ الله لَهُ خُذ سمكًا مالحا وامض على شاطى الْبَحْر حَتَّى تلقى صَخْرَة عِنْدهَا عين الْحَيَاة فانضح على السَّمَكَة مِنْهَا حَتَّى تحيا السَّمَكَة فثم تلقى الْخضر فَقَالَ الله ﴿وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ﴾ لشاجرده يُوشَع بن نون وَكَانَ من أَشْرَاف بني إِسْرَائِيل وَإِنَّمَا سمي فتاه لِأَنَّهُ كَانَ يتبعهُ ويخدمه ﴿لَا أَبْرَح﴾ لاأزال أمضي ﴿حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرين﴾ العذب والمالح بَحر فَارس وَالروم ﴿أَوْ أَمْضِيَ حُقُباً﴾ سِنِين وَيُقَال دهرا
﴿فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا﴾ بَين الْبَحْرين ﴿نَسِيَا حُوتَهُمَا﴾ خبر حوتهما ﴿فَاتخذ سَبِيلَهُ﴾ طَرِيقه ﴿فِي الْبَحْر سَرَباً﴾ يَابسا
﴿فَلَمَّا جَاوَزَا﴾ من الصَّخْرَة ﴿قَالَ لِفَتَاهُ﴾ لشاجرده ﴿آتِنَا غَدَآءَنَا﴾ أعطنا غداءنا ﴿لَقَدْ لَقِينَا مِن سَفَرِنَا هَذَا نَصَباً﴾
249
تعبا ومشقة
250
﴿قَالَ﴾ يُوشَع ﴿أَرَأَيْتَ﴾ يَا مُوسَى ﴿إِذْ أَوَيْنَآ﴾ انتهينا ﴿إِلَى الصَّخْرَة فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوت﴾ خبر الْحُوت ﴿وَمَآ أَنْسَانِيهُ﴾ وَمَا شغلنيه ﴿إِلاَّ الشَّيْطَان أَنْ أَذْكُرَهُ﴾ لَك ﴿وَاتخذ سَبِيلَهُ﴾ طَرِيقه ﴿فِي الْبَحْر عَجَباً﴾ يَابسا
﴿قَالَ﴾ مُوسَى ﴿ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ﴾ نطلب دلَالَة لنا من الله على الْخضر ﴿فارتدا﴾ رجعا ﴿على آثَارِهِمَا﴾ خلفهمَا ﴿قَصَصاً﴾ يقصان أثرهما
﴿فَوَجَدَا﴾ هُنَاكَ عِنْد الصَّخْرَة ﴿عَبْداً مِّنْ عِبَادِنَآ﴾ يَعْنِي خضرًا ﴿آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا﴾ يَقُول أكرمناه بِالنُّبُوَّةِ ﴿وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْماً﴾ علم الكوائن
﴿قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ﴾ أصحبك يَا خضر ﴿على أَن تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً﴾ صَوَابا وَهدى
﴿قَالَ﴾ يَا مُوسَى ﴿إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً﴾ أَن ترى مني شَيْئا لَا تصبر عَلَيْهِ
قَالَ مُوسَى أَصْبِر قَالَ خضر ﴿وَكَيْفَ تَصْبِرُ﴾ يَا مُوسَى ﴿على مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ﴾ على مَا لم تعلم بِهِ ﴿خُبْراً﴾ بَيَانا
﴿قَالَ ستجدني﴾ يَا خضر ﴿إِن شَآءَ الله صَابِراً﴾ على مَا أرى مِنْك ﴿وَلاَ أَعْصِي لَكَ أمْراً﴾ لَا أترك أَمرك
﴿قَالَ﴾ خضر ﴿فَإِنِ اتبعتني﴾ صحبتني يَا مُوسَى ﴿فَلاَ تَسْأَلْني عَن شَيءٍ﴾ فعلته ﴿حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ﴾ حَتَّى أبين لَك ﴿مِنْهُ ذِكْراً﴾ بَيَانا
﴿فَانْطَلقَا﴾ فمضيا مُوسَى وخضر عَلَيْهِمَا السَّلَام ﴿حَتَّى إِذَا رَكِبَا فِي السَّفِينَة﴾ عِنْد العبر ﴿خَرَقَهَا﴾ ثقبها الْخضر ﴿قَالَ﴾ لَهُ مُوسَى ﴿أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ﴾ يَعْنِي لكَي يغرق ﴿أَهْلَهَا﴾ إِن قَرَأت بِنصب الْيَاء وَيُقَال لتغرق لتهلك إِن قَرَأت بِضَم التَّاء ﴿لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً إِمْراً﴾ لقد فعلت شَيْئا مُنْكرا شَدِيدا على الْقَوْم
﴿قَالَ﴾ لَهُ الْخضر ﴿أَلَمْ أَقُلْ﴾ يَا مُوسَى ﴿إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً﴾
﴿قَالَ﴾ مُوسَى ﴿لاَ تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ﴾ تركت من وصيتك ﴿وَلاَ تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْراً﴾ يَعْنِي لَا تكلفني من أَمْرِي شدَّة
﴿فَانْطَلقَا﴾ فمضيا ﴿حَتَّى إِذَا لَقِيَا غُلاَماً﴾ بَين قريتين ﴿فَقَتَلَهُ﴾ الْخضر ﴿قَالَ﴾ مُوسَى (أَقَتَلْتَ) يَا خضر ﴿نَفْساً زَكِيَّةً﴾ بَريَّة ﴿بِغَيْرِ نَفْسٍ﴾ بِغَيْر قتل نفس ﴿لَّقَدْ جِئْتَ شَيْئاً نُّكْراً﴾ فعلت فعلا مُنْكرا عَظِيما
﴿قَالَ﴾ الْخضر ﴿أَلَمْ أَقُلْ لَّكَ﴾ يَا مُوسَى ﴿إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً﴾ إِنَّك ترى مني شَيْئا لَا تصبر على ذَلِك
﴿قَالَ﴾ مُوسَى ﴿إِن سَأَلْتُكَ﴾ يَا خضر ﴿عَن شَيْءٍ بَعْدَهَا﴾ بعد قتل هَذِه النَّفس ﴿فَلاَ تُصَاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِن لَّدُنِّي عُذْراً﴾ قد أعذرت مني بترك الصُّحْبَة
﴿فَانْطَلقَا﴾ فمضيا ﴿حَتَّى إِذَآ أَتَيَآ أَهْلَ قَرْيَةٍ﴾ يُقَال لَهَا أنطاكية ﴿استطعمآ أَهْلَهَا﴾ طلبا من أَهلهَا الْخبز
250
﴿فَأَبَوْاْ أَن يُضَيِّفُوهُمَا﴾ يعطوهما الطَّعَام ﴿فَوَجَدَا فِيهَا جِدَاراً﴾ حَائِطا مائلاً ﴿يُرِيدُ أَن يَنقَضَّ﴾ أَن يسْقط ﴿فَأَقَامَهُ﴾ فسواه الْخضر ﴿قَالَ﴾ مُوسَى ﴿لَوْ شِئْتَ﴾ يَا خضر ﴿لاَتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً﴾ جعلا خبْزًا نأكله
251
﴿قَالَ﴾ الْخضر ﴿هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ﴾ يَا مُوسَى ﴿سَأُنَبِّئُكَ﴾ أخْبرك ﴿بِتَأْوِيلِ﴾ بتفسير ﴿مَا لَمْ تستطع عَلَيْهِ صبرا﴾ مالم تصبر عَلَيْهِ
﴿أَمَّا السَّفِينَة﴾ الَّتِي ثقبتها ﴿فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْر﴾ فيعبرون بِالنَّاسِ ﴿فَأَرَدتُّ أَنْ أَعِيبَهَا﴾ أشينها ﴿وَكَانَ وَرَآءَهُم﴾ قدامهم ﴿مَّلِكٌ﴾ يُقَال لَهُ جلندى ﴿يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْباً﴾ فَلذَلِك ثقبتها
﴿وَأَمَّا الْغُلَام﴾ الَّذِي قتلته ﴿فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ﴾ من عُظَمَاء تِلْكَ الْقرْيَة ﴿فَخَشِينَآ أَن يُرْهِقَهُمَا﴾ فَعلم رَبك أَن يكلفهما ﴿طُغْيَاناً وَكُفْراً﴾ بطغيانه وكفره ومعصيته بِالْحلف الْكَاذِب فَقتلته
﴿فَأَرَدْنَآ أَن يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا﴾ ولدا ﴿خَيْراً مِّنْهُ زَكَاةً﴾ صَالحا ﴿وَأَقْرَبَ رُحْماً﴾ أوصل رحما فرزق الله لَهما جَارِيَة فَتزَوج بهَا نَبِي من الْأَنْبِيَاء فَولدت نَبيا من الْأَنْبِيَاء فهدى الله على يَدَيْهِ أمة من النَّاس وَكَانَ الْغُلَام رجلا كَافِرًا لصاً قتالاً فَمن ذَلِك قَتله الْخضر وَكَانَ اسْمه جيسور
﴿وَأَمَّا الْجِدَار﴾ الَّذِي سويته ﴿فَكَانَ لِغُلاَمَيْنِ يَتِيمَيْنِ﴾ وَكَانَ اسمهما أَصْرَم وصريم ﴿فِي الْمَدِينَة﴾ فِي مَدِينَة أنطاكية ﴿وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَّهُمَا﴾ لوح من الذَّهَب فِيهِ علم وَحِكْمَة مَكْتُوب فِيهِ بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم عجبت لمن يُوقن بِالْمَوْتِ كَيفَ يفرح وَعَجِبت لمن يُوقن بِالْقدرِ كَيفَ يحزن وَعَجِبت لمن يُوقن بِزَوَال الدُّنْيَا وَتَقَلُّبهَا بِأَهْلِهَا كَيفَ يطمئن إِلَيْهَا لَا إِلَه إِلَّا الله مُحَمَّد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ﴿وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحاً﴾ ذُو أَمَانَة يُقَال لَهُ كاشح ﴿فَأَرَادَ رَبُّكَ أَن يَبْلُغَآ أَشُدَّهُمَا﴾ أَن يحتلما ﴿وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا﴾ يَعْنِي اللَّوْح ﴿رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ﴾ نعْمَة لَهما من رَبك وَيُقَال وَحيا من رَبك فعلته ﴿وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي﴾ من قبل نَفسِي ﴿ذَلِك تَأْوِيلُ﴾ تَفْسِير ﴿مَا لم تسطع عَلَيْهِ صبرا﴾ مالم تصبر عَلَيْهِ
﴿وَيَسْأَلُونَكَ﴾ يَا مُحَمَّد أهل مَكَّة ﴿عَن ذِي القرنين﴾ عَن خبر ذِي القرنين ﴿قُلْ﴾ يَا مُحَمَّد لَهُم ﴿سأتلو عَلَيْكُم﴾ سأقرأ عَلَيْكُم مِّنْهُ من خَبره ﴿ذِكْراً﴾ بَيَانا
﴿إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ﴾ مكناه ﴿فِي الأَرْض وَآتَيْنَاهُ﴾ أعطيناه ﴿مِن كُلِّ شَيْءٍ سَبَباً﴾ معرفَة الطَّرِيق والمنازل
﴿فَأَتْبَعَ سَبَباً﴾ فَأخذ طَرِيقا
﴿حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْس﴾ حَيْثُ تغرب ﴿وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ﴾ حارة وَيُقَال طِينَة سَوْدَاء مُنْتِنَة إِن قَرَأت بِغَيْر الْألف ﴿وَوجد عِنْدهَا قوما﴾ كفَّارًا ﴿قُلْنَا يَا ذَا القرنين﴾ ألهمناه ﴿إِمَّآ أَن تُعَذِّبَ﴾ تقتل حَتَّى يَقُولُوا لَا إِلَه إِلَّا الله ﴿وَإِمَّآ أَن تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْناً﴾ مَعْرُوفا تَعْفُو عَنْهُم وتتركهم
﴿قَالَ أَمَّا مَن ظَلَمَ﴾ كفر بِاللَّه ﴿فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ﴾ فِي الدُّنْيَا بِالْقَتْلِ ﴿ثُمَّ يُرَدُّ إِلَى رَبِّهِ﴾ فِي الْآخِرَة ﴿فَيُعَذِّبُهُ﴾ بالنَّار ﴿عَذَاباً نُّكْراً﴾ شَدِيدا
﴿وَأَمَّا مَنْ آمَنَ﴾ بِاللَّه ﴿وَعَمِلَ صَالِحاً﴾ خَالِصا ﴿فَلَهُ جَزَآءً الْحسنى﴾ الْجنَّة فِي الْآخِرَة ﴿وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْراً﴾ مَعْرُوفا
﴿ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً﴾ أَخذ طَرِيقا نَحْو الْمشرق
﴿حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْس وَجَدَهَا تَطْلُعُ على قَوْمٍ لَّمْ نَجْعَل لَّهُمْ مِّن دُونِهَا﴾ بَينهم وَبَين الشَّمْس ﴿سِتْراً﴾ جبلا وَلَا شَجرا وَلَا ثوبا قوم عماة عُرَاة عَن الْحق يُقَال لَهُم تارج وتاويل ومنسك
﴿كَذَلِك﴾ كَمَا بلغ إِلَى الْمغرب بلغ إِلَى الْمشرق ﴿وَقَدْ أَحَطْنَا بِمَا لَدَيْهِ خُبْراً﴾ قد علمنَا بِمَا كَانَ عِنْده من الْخَبَر وَالْبَيَان
﴿ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً﴾ أَخذ طَرِيقا إِلَى الْمشرق نَحْو الرّوم
﴿حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ﴾ بَين الجبلين ﴿وَجَدَ مِن دُونِهِمَا﴾ من دون الجبلين ﴿قَوْماً لاَّ يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلاً﴾ قَول غَيرهم
﴿قَالُوا﴾ للترجمان ﴿يَا ذَا القرنين إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الأَرْض﴾ يفسدون أَرْضنَا يَأْكُلُون رطبنا ويحملون يابسنا وَيقْتلُونَ أَوْلَادنَا وَيُقَال يفسدون فِي الأَرْض أَي يَأْكُلُون النَّاس ويأجوج كَانَ رجلا وَمَأْجُوج كَانَ رجلا وَكَانَا من بني يافث وَيُقَال سمي يَأْجُوج وَمَأْجُوج لكثرتهم ﴿فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجاً﴾ جعلا وَيُقَال أجرا إِن قَرَأت بِغَيْر الْألف ﴿على أَن تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدّاً﴾ حاجزاً
﴿قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ﴾ مَا ملكني عَلَيْهِ ﴿رَبِّي﴾ وَأَعْطَانِي ﴿خَيْرٌ﴾ مِمَّا تعرضون عَليّ من الْجعل ﴿فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ﴾ قَالُوا أَي الْقُوَّة تُرِيدُ منا قَالَ آلَة الحدادين ﴿أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ ردما﴾ سدا
﴿آتُونِي﴾ أعطوني ﴿زُبَرَ الْحَدِيد﴾ فلق الْحَدِيد ﴿حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصدفين﴾ طرفِي الْجَبَل ﴿قَالَ﴾ لَهُم ﴿انفخوا﴾ فنفخوا فِيهِ النَّار ﴿حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَاراً﴾ يَقُول صَار الْحَدِيد كنار فَذهب بعضه فِي بعض ﴿قَالَ آتوني﴾ أعطوني ﴿أُفْرِغْ عَلَيْهِ﴾ أصب على الْحَائِط ﴿قِطْراً﴾ صفراً
﴿فَمَا اسطاعوا﴾ فَلم يقدروا ﴿أَن يَظْهَرُوهُ﴾ من أَعْلَاهُ ﴿وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْباً﴾ من أَسْفَله
﴿قَالَ هَذَا﴾ الْحَائِط ﴿رَحْمَةٌ﴾ نعْمَة ﴿مِّن رَّبِّي﴾ عَلَيْكُم ﴿فَإِذَا جَآءَ وَعْدُ رَبِّي﴾ بِخُرُوج يَأْجُوج وَمَأْجُوج ﴿جعله دكا﴾ كسراً ﴿وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي﴾ بخروجهم ﴿حَقّاً﴾ صدقا كَائِنا
﴿وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ﴾ يَوْم الْخُرُوج وَيُقَال يَوْم الرُّجُوع من الرّوم حَيْثُ لم يقدروا على الْخُرُوج مِنْهُ ﴿يَمُوجُ﴾ يجول ﴿فِي بَعْضٍ وَنُفِخَ فِي الصُّور فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعاً﴾ جَمِيعًا
﴿وَعَرَضْنَا جَهَنَّمَ﴾ كشفنا جَهَنَّم ﴿يَوْمَئِذٍ﴾ يَوْم الْقِيَامَة ﴿لِّلْكَافِرِينَ﴾ قبل دُخُولهمْ ﴿عَرْضاً﴾ كشفاً
﴿الَّذين كَانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطَآءٍ﴾ فِي عمى ﴿عَن ذِكْرِي﴾ عَن توحيدي وكتابي ﴿وَكَانُواْ لاَ يَسْتَطِيعُونَ سَمْعاً﴾ الِاسْتِمَاع إِلَى قِرَاءَة الْقُرْآن من بغض مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
﴿أفحسب﴾ أفيظن ﴿الَّذين كفرُوا﴾ بِمُحَمد عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَالْقُرْآن ﴿أَن يَتَّخِذُواْ عِبَادِي﴾ أَن يعبدوا عبَادي ﴿مِن دوني أَوْلِيَآءَ﴾ أَرْبَابًا بِأَن ينفعوهم فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة وَيُقَال أفحسب أفيكفي إِن قَرَأت بِضَم الْبَاء وَجزم السِّين الَّذين كفرُوا أَن يتخذوا عبَادي أَن يعبدوا عبَادي من دوني من دون طَاعَتي أَوْلِيَاء أَرْبَابًا
252
﴿إِنَّآ أَعْتَدْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ نُزُلاً﴾ منزلا
253
﴿قُلْ﴾ يَا مُحَمَّد ﴿هَلْ نُنَبِّئُكُم﴾ نخبركم ﴿بالأخسرين أَعْمَالاً﴾ فى الْآخِرَة
﴿الَّذين ضَلَّ سَعْيُهُمْ﴾ بَطل عَمَلهم ﴿فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا﴾ وهم الْخَوَارِج وَيُقَال أَصْحَاب الصوامع ﴿وَهُمْ يَحْسَبُونَ﴾ يظنون ﴿أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً﴾ يعْملُونَ عملا صَالحا
﴿أُولَئِكَ الَّذين كفرُوا بآيَات رَبهم﴾ بِمُحَمد عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَالْقُرْآن ﴿وَلِقَائِهِ﴾ الْبَعْث بعد الْمَوْت ﴿فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ﴾ حسناتهم ﴿فَلاَ نُقِيمُ لَهُمْ﴾ لأعمالهم ﴿يَوْمَ الْقِيَامَة وَزْناً﴾ ميزاناً وَيُقَال لَا يُوزن يَوْم الْقِيَامَة من أَعْمَالهم قدر ذرة
﴿ذَلِك جزاؤهم جَهَنَّم بِمَا كفرُوا﴾ بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن ﴿وَاتَّخذُوا آيَاتِي﴾ كتابي ﴿وَرُسُلِي﴾ مُحَمَّدًا عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَغَيره ﴿هُزُواً﴾ سخرية واستهزاء
﴿إِن الَّذين آمنُوا﴾ بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن ﴿وَعَمِلُواْ الصَّالِحَات﴾ الطَّاعَات فِيمَا بَينهم وَبَين رَبهم ﴿كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الفردوس﴾ أَعْلَاهَا دَرَجَة ﴿نزلا﴾ منزلا
﴿خَالِدِينَ فِيهَا﴾ مقيمين فِيهَا ﴿لاَ يَبْغُونَ﴾ لَا يطْلبُونَ ﴿عَنْهَا حِوَلاً﴾ تحويلاً
﴿قُل﴾ يَا مُحَمَّد للْيَهُود ﴿لَّوْ كَانَ الْبَحْر مِدَاداً لِّكَلِمَاتِ رَبِّي﴾ لعلم رَبِّي ﴿لَنَفِدَ الْبَحْر قَبْلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي﴾ وَيُقَال تَدْبِير رَبِّي ﴿وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَداً﴾ زِيَادَة
﴿قُلْ﴾ يَا مُحَمَّد ﴿إِنَّمَآ أَنَاْ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ﴾ آدَمِيّ مثلكُمْ ﴿يُوحى إِلَيَّ﴾ جِبْرِيل ﴿أَنَّمَآ إِلَهكُم إِلَه وَاحِدٌ﴾ بِلَا ولد وَلَا شريك ﴿فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَآءَ رَبِّهِ﴾ يخَاف الْبَعْث بعد الْمَوْت ﴿فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً﴾ خَالِصا فِيمَا بَينه وَبَين ربه ﴿وَلاَ يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدَاً﴾ لَا يرائي وَلَا يخالط بِعبَادة ربه أحدا وَيُقَال بِطَاعَة ربه أحدا نزلت هَذِه الْآيَة فِي جُنْدُب بن زُهَيْر العامرى
tit/٢ وَمن السُّورَة الَّتِى يذكر فِيهَا مَرْيَم وهى كلهَا مَكِّيَّة آياتها ثَمَان وَتسْعُونَ وكلماتها تِسْعمائَة وَاثْنَانِ وَسِتُّونَ وحروفها ثَلَاثَة آلَاف وثلثمائة وحرفان / tit

بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم

سورة الكهف
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورةُ (الكهف) من السُّوَر المكية العظيمة التي اهتمت بالعقيدةِ، والاعتصامِ بحبل الله المتين، وأنْ لا ملجأَ من اللهِ إلا إليه، وقد أصَّلتِ السورةُ لفكرة التمسك بالعقيدة والتوحيد من خلالِ ضربِ الأمثلة، وقَصِّ القَصص، واشتملت السورةُ على أربعِ قِصَصٍ: قصةِ (فِتْيةِ الكهف)، وقصةِ (صاحب الجنَّتَينِ)، وقصةِ (موسى والخَضِرِ عليهما السلام)، وقصةِ (ذي القَرْنَينِ)، وتدعو كلُّ هذه القِصص إلى الاعتصام بالكتاب والسُّنة وأمرِ الله عز وجل، وقد احتوت السورةُ على الكثير من العِبَر والعظات، وحاجةُ المسلم إليها في زمن الفِتَن كبيرة؛ لتُثبِّتَه على هذا الدِّين وتُصبِّرَه، وقد ثبَت فضلُها وفضل قراءتها في كلِّ جمعة، وكذا فإن مَن حَفِظ أوَّلَ عَشْرِ آياتٍ منها عُصِم من فتنة الدَّجَّال؛ كما صح في الخبر.

ترتيبها المصحفي
18
نوعها
مكية
ألفاظها
1584
ترتيب نزولها
69
العد المدني الأول
105
العد المدني الأخير
105
العد البصري
111
العد الكوفي
110
العد الشامي
106

* سورةُ (الكهف):

سُمِّيتْ سورةُ (الكهف) بذلك؛ لاحتوائها على قصَّةِ (أصحاب الكهف)، وهي أبرَزُ ما ورَد في هذه السورة.

مما جاء في فضلِ سورة (الكهف):

* نزولُ الملائكةِ مستمِعةً لها:

عن البَراءِ بن عازبٍ رضي الله عنهما، قال: «قرَأَ رجُلٌ الكهفَ وفي الدَّارِ الدَّابَّةُ، فجعَلتْ تَنفِرُ، فسلَّمَ، فإذا ضَبابةٌ أو سحابةٌ غَشِيَتْهُ، فذكَرَه للنبيِّ صلى الله عليه وسلم، فقال: «اقرَأْ فلانُ؛ فإنَّها السَّكينةُ نزَلتْ للقرآنِ، أو تنزَّلتْ للقرآنِ»». أخرجه البخاري (3614)، ومسلم (795).

* مَن حَفِظ أوَّلَ عَشْرِ آياتٍ منها عُصِم من فتنة الدَّجَّال:

عن النَّوَّاسِ بن سَمْعانَ الأنصاريِّ رضي الله عنه، قال: «ذكَرَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم الدَّجَّالَ ذاتَ غَداةٍ، فخفَّضَ فيه ورفَّعَ، حتى ظنَنَّاه في طائفةِ النَّخلِ، فلمَّا رُحْنا إليه عرَفَ ذلك فينا، فقال: ما شأنُكم؟ قُلْنا: يا رسولَ اللهِ، ذكَرْتَ الدَّجَّالَ غَداةً، فخفَّضْتَ فيه ورفَّعْتَ، حتى ظنَنَّاه في طائفةِ النَّخلِ، فقال: غيرُ الدَّجَّالِ أخوَفُني عليكم، إن يخرُجْ وأنا فيكم فأنا حَجِيجُه دُونَكم، وإن يخرُجْ ولستُ فيكم فامرؤٌ حَجِيجُ نفسِه، واللهُ خليفتي على كلِّ مسلِمٍ، إنَّه شابٌّ قَطَطٌ، عَيْنُه طافئةٌ، كأنِّي أُشبِّهُه بعبدِ العُزَّى بنِ قَطَنٍ، فمَن أدرَكَه منكم فَلْيَقرأْ عليه فواتحَ سورةِ الكهفِ ...». أخرجه مسلم (٢٩٣٧).

وقريبٌ منه ما صحَّ عن أبي الدَّرْداءِ رضي الله عنه، أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «مَن حَفِظَ عَشْرَ آياتٍ مِن أوَّلِ سورةِ الكهفِ، عُصِمَ مِن الدَّجَّالِ». أخرجه مسلم (٨٠٩).

* مَن قرَأها يوم الجمعة أضاءت له ما بين الجمعتَينِ:

عن أبي سعيدٍ الخُدْريِّ رضي الله عنه، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: «مَن قرَأَ سورةَ الكهفِ يومَ الجُمُعةِ، أضاءَ له مِن النُّورِ ما بين الجُمُعتَينِ». أخرجه البيهقي (6209).

جاءت موضوعاتُ سورة (الكهف) على الترتيب الآتي:

1. الحمد الله /التبشير والإنذار (١-٨).

2. قصة أصحاب الكهف (٩-٣١).

3. قصة صاحب الجنَّتَينِ (٣٢-٤٤).

4. تعقيب على صاحب القصة (٣٢-٤٤).

5. من مشاهد يوم القيامة (٤٥-٤٩).

6. فتنة إبليس (٥٠-٥٣).

7. الاعتصام بالكتاب والسُّنة (٥٤-٥٩).

8. رحلة موسى والخَضِر (٦٠-٨٢).

9. قصة ذي القَرْنَينِ (٨٣-٩٨).

10. جزاءُ مَن غَرِق في الفِتَن ومَن نجا منها (٩٩-١١٠).

ينظر: "التفسير الموضوعي للقرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (4 /289).

افتُتِحت السورة بمقصدٍ عظيم؛ وهو وصفُ الكتاب بأنه قيِّمٌ؛ لكونه زاجرًا عن الشريك الذي هو خلافُ ما قام عليه الدليلُ في سورةِ (سُبْحانَ).

ومِن المقاصد العظيمة لهذه السورةِ: الاعتصامُ بحبلِ الله المتين، وبالاعتقادِ الصحيح في زمنِ الفتن؛ وقد وصَّلتِ السورةُ هذا المقصدَ عن طريقِ قَصِّ مجموعةٍ من القِصَص، على رأسها قصةُ (فتية الكهف).

ينظر: "مصاعد النظر للإشراف على مقاصد السور" للبقاعي (2 /243).