ﰡ
(أدوم بودي للصديق تكرُّماً | ولا خير فيمن كان في الود أعوجا) |
أحدها : أنه المستقيم المعتدل، وهذا قول ابن عباس والضحاك.
الثاني : أنه قيم على سائر كتب الله تعالى يصدقها وينفي الباطل عنها.
الثالث : أنه المعتمد عليه والمرجوع إليه كقيم الدار الذي يرجع إليه في أمرها، وفيه تقديم وتأخير في قول الجميع وتقديره : أنزل الكتاب على عبده قيماً ولم يجعل له عوجاً ولكن جعله قيماً.
﴿ لينذر بأساً شديداً من لدنه ﴾ يحتمل وجهين :
أحدهما : أنه عذاب الاستئصال في الدنيا.
الثاني : أنه عذاب جهنم في الآخرة.
(ألا أيهذا الباخع الوجد نفسه | بشيء نحتَهُ عن يديك المقادِرُ) |
(أرى رجلاً منهم أسيفاً كأنما | تضُمُّ إلى كشحيه كفّاً مخضبَّا) |
٨٩ (قد جرفتهن السُّنون الأجراز} ٩
أحدها : أنها الأشجار والأنهار التي زين الله الأرض بها، قاله مقاتل.
الثاني : أنهم الرجال لأنهم زينة الأرض، قاله الكلبي.
الثالث : أنهم الأنبياء والعلماء، قاله القاسم.
الرابع : أن كل ما على الأرض زينة لها، قاله مجاهد.
الخامس : أن معنى ﴿ زينة لها ﴾ أي شهوات لأهلها تزين في أعينهم وأنفسهم.
﴿ لنبلوهم أيهم أحْسَنُ عملاً ﴾ فيه ثلاثة أوجه : أحدها : أيهم أحسن إعراضاً عنها وتركاً لها، قاله ابن عطاء.
الثاني : أيهم أحسن توكلاً علينا فيها، قاله سهل بن عبد الله.
الثالث : أيهم أصفى قلباً وأهدى سمتاً.
ويحتمل رابعاً : لنختبرهم أيهم أكثر اعتباراً بها.
ويحتمل خامساً : لنختبرهم في تجافي الحرام منها.
أحدها : الأرض المستوية، قاله الأخفش ومقاتل.
الثاني : هو وجه الأرض لصعوده، قاله ابن قتيبة.
الثالث : أنه التراب، قاله أبان بن تغلب.
وفي الجُرُز أربعة أوجه :
أحدها : بلقعاً، قاله مجاهد.
الثاني : ملساء، وهو قول مقاتل.
الثالث : محصورة، وهو قول ابن بحر.
الرابع : أنها اليابسة التي لا نبات بها ولا زرع قال الراجز :
قد جرفتهن السُّنون الأجراز١
أحدهما : أنهم قوم هربوا بدينهم إلى الكهف، قاله الحسن. ﴿ فقالوا ربنا آتنا من لدنك رحمة وهيئ لنا من أمرِنا رشداً ﴾.
الثاني : أنهم أبناء عظماء وأشراف خرجوا فاجتمعوا وراء المدينة على غير ميعاد، فقال أسَنُّهم : إني أجد في نفسي شيئاً ما أظن أحداً يجده، إن ربي رب السماوات والأرض، ﴿ فقالوا ﴾ جميعاً ﴿ ربُّنا ربُّ السماوات والأرض لن ندعوا من دونه إلهاً لقد قلنا إذاً شَطَطَاً ﴾ ثم دخلوا الكهف فلبثوا فيه ثلاثمائةٍ سنين وازدادوا تسعاً، قاله مجاهد.
قال ابن قتيبة : هم أبناء الروم دخلوا الكهف قبل عيسى، وضرب الله تعالى على آذنهم فيه، فلما بعث الله عيسى أخبر بخبرهم، ثم بعثهم الله تعالى بعد عيسى في الفترة التي بينه وبين النبي صلى الله عليه وسلم. وفي ﴿ شططاً ﴾ ثلاثة أوجه :
أحدها : كذباً، قاله قتادة.
الثاني : غلوّاً، قاله الأخفش.
الثالث : جوراً، قاله الضحاك.
أحدهما : إحصاء.
الثاني : سنين كاملة ليس فيها شهور ولا أيام.
وإنما ضرب الله تعالى على آذانهم وإن لم يكن ذلك من أسباب النوم لئلا يسمعوا ما يوقظهم من نومهم.
﴿ لنِعلَم ﴾ أي لننظر ﴿ أي الحزبين أحصى لما لبثوا أمداً ﴾ فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : عدداً، قاله مجاهد.
الثاني : أجلاً، قاله مقاتل.
الثالث : الغاية، قاله قطرب.
وفي الحزبين أربعة أقاويل :
أحدها : أن الحزبين هما المختلفان في أمرهم من قوم الفتية، قاله مجاهد. الثاني : أن أحد الحزبين الفتية، والثاني : من حضرهم من أهل ذلك الزمان. الثالث : أن أحد الحزبين مؤمنون، والآخر كفار.
الرابع : أن أحد الحزبين الله تعالى، والآخر الخلق، وتقديره : أنتم أعلم أم الله.
أحدهما : ثبتناها.
الثاني : ألهمناها صبراً، قاله اليزيدي.
﴿. . . لقد قلنا إذاً شططاً ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : غُلّواً.
الثاني : تباعداً.
أحدها : بحجة بينة، قاله مقاتل.
الثاني : بعذر بيّن، قاله قتادة.
الثالث : بكتاب بيّن، قاله الكلبي.
الثاني : معاشاً.
ويحتمل ثالثاً : يعني خلاصاً، ويقرأ ﴿ مِرْفقاً ﴾ بكسر الميم وفتح الفاء، ﴿ ومَرفِقاً ﴾ بفتح الميم وكسر الفاء، والفرق بينهما أنه بكسر الميم وفتح الفاء إذا وصل إليك من غيرك، وبفتح الميم وكسر الفاء إذا وصل منك إلى غيرك.
(ونحن ملأنا كلَّ وادٍ وفجوةٍ | رجالاً وخيلاً غير ميلٍ ولا عُزْلِ) |
(قد وجدوا إخوانهم أيقاظا | والسيف غياظ لهم غياظا) |
(بأرض فضاءَ لا يُسَدُّ وَصيدها | عليَّ ومعروفي بها غيرُ مُنْكَرِ) |
(إياك أدعو فتقبل مَلَقي | كَفِّرْ خطاياي وثمِّرْ ورقي) |
(وما الحرب إلاَّ ما علمتم وذقتم | وما هو عنها بالحديث المرجّم.) |
أحدهما : أن العزم ربما صد عنه بمانع فيصير في وعده مخلفاً في قوله كاذباً، قال موسى عليه السلام :﴿ ستجدني إن شاء الله صابراً ﴾ [ الكهف : ٧٠ ] ولم يصبر ولم يكن كاذباً لوجود الاستثناء في كلامه.
الثاني : إذعاناً لقدرة الله تعالى، وإنه مدبر في أفعاله بمعونة الله وقدرته.
الثالث : يختص بيمينه إن حلف وهو سقوط الكفارة عنه إذا حنث.
﴿ واذكر ربك إذا نسيت ﴾ فيه ثلاثة تأويلات :
أحدها : أنك إذا نسيت الشيء فاذكر الله ليذكرك إياه، فإن فعل فقد أراد منك ما ذكرك، وإلا فسيدلك على ما هو أرشد لك مما نسيته، قاله بعض المتكلمين.
الثاني : واذكر ربك إذا غضبت، قاله عكرمة، ليزول عنك الغضب عند ذكره.
الثالث : واذكر ربك إذا نسيت الاستثناء بمشيئة الله في يمينك. وفي الذكر المأمور به قولان :
أحدهما : أنه ما ذكره في بقية الآية ﴿ وقل عسى أن يهديني ربي لأقرب من هذا رشداً ﴾
الثاني : أنه قول إن شاء الله الذي كان نسيه عند يمينه.
واختلفوا في ثبوت الاستثناء بعد اليمين على خمسة أقاويل :
أحدها : أنه يصح الاستثناء بها إلى سنة، فيكون كالاستثناء بها مع اليمين في سقوط الكفارة ولا يصح بعد السنة، قاله ابن عباس.
الثاني : يصح الاستثناء بها في مجلس يمينه، ولا يصح بعد فراقه، قاله الحسن وعطاء.
الثالث : يصح الاستثناء بها ما لم يأخذ في كلام غيره.
الرابع : يصح الاستثناء بها مع قرب الزمان، ولا يصح مع بعده.
الخامس : أنه لا يصح الاستثناء بها إلا متصلاً بيمينه وهو الظاهر من مذهب مالك والشافعي رحمهما الله.
أحدهما : بما لبثوا بعد مدتهم إلى نزول القرآن فيهم.
الثاني : الله أعلم بما لبثوا في الكهف وهي المدة التي ذكرها عن اليهود إذ ذكروا زيادة ونقصاناً.
قوله عز وجل :﴿. . . أبصر به وأسمع ﴾ فيه تأويلان :
أحدهما : أن الله أبصر وأسمع، أي أبصر بما قال وأسمع لما قالوا. الثاني : معناه أبصرهم وأسمعهم ما قال الله فيهم.
﴿ ما لهم من دونه من وَليّ ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : من ناصر.
الثاني : من مانع.
﴿ ولا يشرك في حكمه أحداً ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : ولا يشرك في علم غيبه أحداً.
الثاني : أنه لم يجعل لأحد أن يحكم بغير حكمه فيصير شريكاً له في حكمه.
(لا تحفيا يا أخانا من مودّتنا | فما لنا عنك في الأقوام مُلتحد) |
(يا لهف نفسي ولهفٌ غير مغنيةٍ | عني وما مِنْ قضاء الله ملتحدُ) |
أحدهما : يريدون تعظيمه. الثاني : يريدون طاعته. قال قتادة : نزلت هذه الآية على النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة فلما نزلت عليه قال :" الحمد لله الذي جعل من أمتي من أمرت أن أصبر معهم ".
﴿ يدعون ربهم بالغداة والعشي ﴾ فيه ثلاثة تأويلات :
أحدها : يدعونه رغبة ورهبة.
الثاني : أنهم المحافظون على صلاة الجماعة، قاله الحسن.
الثالث : أنها الصلاة المكتوبة، قاله ابن عباس ومجاهد.
ويحتمل وجهاً رابعاً : أن يريد الدعاء في أول النهار وآخره ليستفتحوا يومهم بالدعاء رغبة في التوفيق، ويختموه بالدعاء طلباً للمغفرة.
﴿ يريدون وجهه ﴾ يحتمل وجهين :
أحدهما : بدعائهم.
الثاني : بعمل نهارهم. وخص النهار بذلك دون الليل لأن عمل النهار إذا كان لله تعالى فعمل الليل أولى أن يكون له.
﴿ ولا تعد عيناك عنهم. . ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : ولا تتجاوزهم بالنظر إلى غيرهم من أهل الدنيا طلباً لزينتها، حكاه اليزيدي. الثاني : ما حكاه ابن جريج أن عيينة بن حصن قال للنبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يسلم : لقد آذاني ريح سلمان الفارسي وأصحابه فاجعل لنا مجلساً منك لا يجامعونا فيه، واجعل لهم مجلساً لا نجامعهم فيه، فنزلت.
﴿ ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذِكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطاً ﴾.
قوله :﴿ أغفلنا ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : جعلناه غافلاً عن ذكرنا.
الثاني : وجدناه غافلاً عن ذكرنا.
وفي هذه الغفلة لأصحاب الخواطر ثلاثة أوجه :
أحدها : أنها إبطال الوقت بالبطالة، قاله سهل بن عبد الله.
الثاني : أنها طول الأمل.
الثالث : أنها ما يورث الغفلة.
﴿ واتبع هواه ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : في شهواته وأفعاله.
الثاني : في سؤاله وطلبه التمييز عن غيره.
﴿ وكان أمرُه فُرُطاً ﴾ فيه خمسة تأويلات :
أحدها : ضيقاً، وهو قول مجاهد.
الثاني : متروكاً، قاله الفراء.
الثالث : ندماً، قاله ابن قتيبة.
الرابع : سرفاً وإفراطاً، قاله مقاتل.
الخامس : سريعاً، قاله ابن بحر. يقال أفرط إذا أسرف وفرط إذا قصر.
(شاب بالماء منه مهلاً كريهاً | ثم علّ المتون بعد النهال) |
(نامَ الخَلِيُّ وَبِتُّ الليْلَ مُرْتَفِقاً | كَأَنَّ عَيْنِي فيها الصَّابُ مَذْبُوحُ) |
(تراهُنَّ يَلبْسنَ المشاعِرَ مرة | وإسْتَبْرَقَ الديباج طوراً لباسُها) |
(خدوداً جفت في السير حتى كأنما | يباشرْن بالمعزاء مَسَّ الأرائكِ) |
تراهُنَّ يَلبْسنَ المشاعِرَ مرة | وإسْتَبْرَقَ الديباج طوراً لباسُها |
﴿ متكئين فيها على الأرائك ﴾ فيه ثلاثة أقاويل :
أحدها : أنها الحجال١، قاله الزجاج.
الثاني : أنها الفُرُش في الحجال.
الثالث : أنها السرر في الحجال، وقد قال الشاعر٢ :
خدوداً جفت في السير حتى كأنما | يباشرْن بالمعزاء مَسَّ الأرائكِ |
٢ هو ذو الرمة..
﴿ ولم تظلم منه شيئاً ﴾ أي استكمل جميع ثمارها وزرعها.
﴿ وفجرنا خِلالهما نهراً ﴾ يعني أن فيهما أنهاراً من الماء، فيكون ثمرها وزرعها بدوام الماء فيهما أوفى وأروى، وهذه غاية الصفات فيما يجدي ويغل.
وفي ضرب المثل في هاتين الجنتين قولان :
أحدهما : ما حكاه مقاتل بن سليمان أنه إخبار الله تعالى عن أخوين كانا في بني إسرائيل ورثا عن أبيهما مالاً جزيلاً، قال ابن عباس ثمانية آلاف دينار. فأخذ أحدهما حقه وهو مؤمن فتقرب به إلى الله تعالى، وأخذ الآخر حقه منه وهو كافر فتملك به ضياعاً منها هاتان الجنتان، ولم يتقرب إلى الله تعالى بشيء منه، فكان من حاله ما ذكره الله من بعد، فجعله الله تعالى مثلاً لهذه الأمة.
والقول الثاني : أنه مثل ضربه الله تعالى لهذه الأمة، وليس بخبر عن حال متقدمة، ليزهد في الدنيا ويرغب في الآخرة، وجعله زجراً وإنذاراً.
أحدهما : معناهما واحد، فعلى هذا فيه ثلاثة تأويلات :
أحدها : أنه الذهب والفضة، قاله قتادة، لأنها أموال مثمرة.
الثاني : أنه المال الكثير من صنوف الأموال، قاله ابن عباس لأن تثميره أكثر
الثالث : أنه الأصل الذي له نماء، قاله ابن زيد، لأن في النماء تثميراً.
والقول الثاني : أن معناهما بالضم وبالفتح مختلف، فعلى هذا في الفرق. بينهما، أربعة أوجه :
أحدها : أنه بالفتح جمع ثمرة، وبالضم جمع ثمار.
الثاني : أنه بالفتح ثمار النخيل خاصة، وبالضم جميع الأموال، قاله ابن بحر.
الثالث : أنه بالفتح ما كان ثماره من أصله، وبالضم ما كان ثماره من غيره.
الرابع : أن الثمر بالضم الأصل، وبالفتح الفرع، قاله ابن زيد.
وفي هذا الثمر المذكور قولان :
أحدهما : أنه ثمر الجنتين المتقدم ذكرهما، وهو قول الجمهور.
الثاني : أنه ثمر ملكه من غير جنتيه، وأصله كان لغيره كما يملك الناس ثماراً لا يملكون أصولها، قاله ابن عباس، ليجتمع في ملكه ثمار أمواله وثمار غير أمواله فيكون أعم مِلكا.
﴿ فقال لصاحبه ﴾ يعني لأخيه المسلم الذي صرف ماله في القُرب طلباً للثواب في الآخرة، وصرف هذا الكافر ماله فيما استبقاه للدنيا والمكاثرة.
﴿ وهو يحاوره ﴾ أي يناظره، وفيما يحاوره فيه وجهان :
أحدهما : في الإيمان والكفر.
الثاني : في طلب الدنيا وطلب الآخرة، فجرى بينهما ما قصه الله تعالى من قولهما.
أحدهما : خيراً من جنتك في الدنيا فأساويك فيها.
الثاني : وهو الأشهر خيراً من جنتك في الآخرة، فأكون أفضل منك فيها.
﴿ ويرسل عليها حُسْباناً من السماء ﴾ فيه خمسة تأويلات :
أحدها : يعني عذاباً، قاله ابن عباس وقتادة.
الثاني : ناراً.
الثالث : جراداً.
الرابع : عذاب حساب بما كسبت يداك، قاله الزجاج، لأنه جزاء الآخرة. والجزاء من الله تعالى بحساب.
الخامس : أنه المرامي الكثيرة، قاله الأخفش وأصله الحساب وفي السهام التي يرمى بها في طلق واحد، وكان من رَمي الأساورة١.
﴿ فتصبح صعيداً زلقاً ﴾ يعني أرضاً بيضاء لا ينبت فيها نبات ولا يثبت عليها قدم، وهي أضر أرض بعد أن كانت جنة أنفع أرض.
﴿ فلن تستطيع له طلباً ﴾ ويحتمل وجهين :
أحدهما : فلن تستطيع رد الماء الغائر. الثاني : فلن تستطيع طلب غيره بدلاً منه وإلى هذا الحد انتهت مناظرة أخيه وإنذاره.
أحدهما : أن الفئة الجند، قاله الكلبي.
الثاني : العشيرة، قاله مجاهد.
﴿ وما كان منتصراً ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : وما كان ممتنعاً، قاله قتادة.
الثاني : وما كان مسترداً بدل ما ذهب منه.
قال ابن عباس : هما الرجلان اللذان ذكرهما الله تعالى في سورة الصافات حيث يقول :﴿ إني كان لي قرين ﴾ إلى قوله ﴿ في سواء الجحيم ﴾ وهذا مثل قيل إنه ضرب لسلمان وخباب وصهيب مع أشراف قريش من المشركين.
أحدها : أنهم يتولون الله تعالى في القيامة فلا يبقى مؤمن ولا كافر إلا تولاه، قاله الكلبي.
الثاني : أن الله تعالى يتولى جزاءهم، قاله مقاتل.
الثالث : أن الولاية مصدر الولاء فكأنهم جميعاً يعترفون بأن الله تعالى هو الوليّ، قاله الأخفش.
الرابع : أن الولاية النصر، قاله اليزيدي.
وفي الفرق بين الولاية بفتح الواو وبين الولاية بكسرها وجهان :
أحدهما : أنها بفتح الواو : للخالق، وبكسرها : للمخلوقين، قاله أبو عبيدة.
الثاني : أنها بالفتح في الدين، وبكسرها في السلطان.
(فأصبحت نيّماً أجسادهم | يشبهها من رآها الهشيما) |
﴿ والباقيات الصالحات خيرٌ عند ربك ثواباً وخيرٌ أملاً ﴾ فيها أربعة تأويلات :
أحدها : أنها الصلوات الخمس، قاله ابن عباس وسعيد بن جبير.
الثاني : أنها الأعمال الصالحة، قاله ابن زيد.
الثالث : هي الكلام الطيب. وهذا مروي عن ابن عباس أيضاً، وقاله عطية العوفي.
الرابع : هو قول سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، قاله عثمان بن عفان رضي الله عنه. وروى أبو هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر هي الباقيات الصالحات " ١.
وفي ﴿ الصالحات ﴾ وجهان :
أحدهما : أنها بمعنى الصالحين لأن الصالح هو فاعل الصلاح.
الثاني : أنها بمعنى النافعات فعبر عن المنفعة بالصلاح لأن المنفعة مصلحة. وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :" لما عُرج بي إلى السماء أريت إبراهيم فقال : مر أمتك أن يكثروا من غراس الجنة فإن تربتها طيبة وأرضها واسعة، فقلت وما غراس الجنة ؟ قال : لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم٢ ".
﴿ خير عند ربك ثواباً ﴾ يعني في الآخرة، ﴿ وخير أملاً ﴾ يعني عند نفسك في الدنيا، ويكون معنى قوله :﴿ وخيرٌ أملاً ﴾ يعني أصدق أملاً، لأن من الأمل كواذب وهذا أمل لا يكذب.
٢ رواه أحمد في المسند ٥/٤١٨..
أحدهما : أنها كتب الأعمال في أيدي العباد، قاله مقاتل.
الثاني : أنه وضع الحساب، قاله الكلبي، فعبر عن الحساب بالكتاب لأنهم يحاسبون على أعمالهم المكتوبة.
﴿ فترى المجرمين مشفقين مما فيه ﴾ لأنه أحصاه الله ونسوه.
﴿ ويقولون يا ويلتنا ما لهذا الكتاب لا يُغادِرُ صغيرةً ولا كبيرةً إلاّ أحصاها ﴾
وفي الصغيرة تأويلان :
أحدهما : أنه الضحك، قاله ابن عباس.
الثاني : أنها صغائر الذنوب التي تغفر باجتناب كبائرها.
وأما الكبيرة ففيها قولان :
أحدهما : ما جاء النص بتحريمه.
الثاني : ما قرن بالوعيد والحَدِّ.
ويحتمل قولاً ثالثاً : أن الصغيرة الشهوة، والكبيرة العمل.
قال قتادة : اشتكى القوم الإحْصاء وما اشتكى أحد ظلماً، وإياكم المحقرات من الذنوب فإنها تجتمع على صاحبها حتى تهلكه.
﴿ ووجَدوا ما عَملوا حاضِراً ﴾ يحتمل تأويلين :
أحدهما : ووجدوا إحصاء ما عملوا حاضراً في الكتاب.
الثاني : ووجدوا جزاء ما عملوا عاجلاً في القيامة.
﴿ ولا يظلم ربك أحداً ﴾ يعني من طائع في نقصان ثوابه، أو عاص في زيادة عقابه.
(يهوين من نجدٍ وغورٍ غائرا | فواسقاً عن قصدها جوائرا) |
(إذا ما الفتى طاح في غيّه | فَرَجِّ الفتى للتُّقى رَجّه) |
(فقد يغلط الركب نهج الط | ريق ثم يعود إلى نهجه) |
(استغفر الله أعمالي التي سلفت | من عثرةٍ إن تؤاخذني بها أبق) |
(ومن يشتري حسن الثناء بماله | يصن عرضَه من كل شنعاء موبق) |
(أزهير هل عن شيبةٍ من مصرِف | أم لا خلود لباذل متكلفِ) |
أحدهما : أنهم عاينوا في المحشر.
الثاني : أنهم علموا بها عند العرض.
﴿ فظنُّوا أنهم مُواقعوها ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : أنهم أمّلوا العفو قبل دخولها فلذلك ظنوا أنهم مواقعوها.
الثاني : علموا أنهم مواقعوها لأنهم قد حصلوا في دار اليقين وقد يعبر عن العلم بالظن لأن الظن مقدمة العلم.
﴿ ولم يجدوا عنها مصرفاً ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : ملجأ، قاله الكلبي.
الثاني : معدلاً ينصرفون إليه، قاله ابن قتيبة، ومنه قول أبي كبير الهذلي :
أزهير هل عن شيبةٍ من مصرِف | أم لا خلود لباذل متكلفِ١ |
أحدهما : ولم يجد المشركون عن النار مصرفاً.
الثاني : ولم تجد الأصنام مصرفاً للنار عن المشركين.
ويحتمل ثالثاً: من قبل الله تعالى بعذاب من السماء، لا من قبل المخلوقين، لأنه يعم ولا يبقى فهو أشد وأعظم. قوله عز وجل: ﴿.. ليُدحضوا به الحقَّ﴾ فيه ثلاثة أوجه: أحدها: ليذهبوا به الحق، ويزيلوه، قاله الأخفش. الثاني: ليبطلوا به القرآن ويبدلوه، قاله الكلبي. الثالث: ليهلكوا به الحق. والداحض الهالك، مأخوذ من الدحض وهو الموضع المزلق من الأرض الذي لا يثبت عليه خف ولا حافر ولا قدم، قال الشاعر:
(ردَيت ونجَى اليشكري حِذارُه | وحادَ كما حادَ البعير عن الدحض) |
أحدها : ليذهبوا به الحق، ويزيلوه، قاله الأخفش.
الثاني : ليبطلوا به القرآن ويبدلوه، قاله الكلبي.
الثالث : ليهلكوا به الحق.
والداحض الهالك،
مأخوذ من الدحض وهو الموضع المزلق من الأرض الذي لا يثبت عليه خف ولا حافر ولا قدم، قال الشاعر١ :
ردَيت ونجَى اليشكري حِذارُه | وحادَ كما حادَ البعير عن الدحض |
أحدهما : أن الآية البرهان، وما أنذروا القرآن.
الثاني : الآيات القرآن وما أنذروا الناس.
ويحتمل قوله :﴿ هزواً ﴾ وجهين :
أحدهما : لعباً.
الثاني : باطلاً.
(لا وألت نفسك خلّيْتها | للعامريّين ولم تُكْلَمِ) |
﴿ ذو الرّحمة. . . ﴾ فيها أربعة أوجه :
أحدها : ذو العفو.
الثاني : ذو الثواب، وهو على هذين الوجهين مختص بأهل الإيمان دون الكفرة.
الثالث : ذو النعمة.
الرابع : ذو الهدى، وهو على هذين الوجهين يعم أهل الإيمان وأهل الكفر لأنه ينعم في الدنيا على الكافر كإنعامه على المؤمن، وقد أوضح هذه للكافر كما أوضحه للمؤمن، وإن اهتدى به المؤمن دون الكافر.
﴿ بل لهم موعدٌ ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : أجل مقدر يؤخرون إليه.
الثاني : جزاء واجب يحاسبون عليه.
﴿ لن يجدوا مِن دونه مَوْئلاً ﴾ فيه أربعة تأويلات :
أحدها : ملجأ، قاله ابن عباس وابن زيد.
الثاني : محرزاً، قاله مجاهد.
الثالث : ولياً، قاله قتادة.
الرابع : منجى، قاله أبو عبيدة. قال والعرب تقول : لا وألَت نفسه، أي لا نجت، ومنه قول الشاعر :
لا وألت نفسك خلّيْتها | للعامريّين ولم تُكْلَمِ |
الثاني : أهلكناهم بأن وكلناهم إلى سوء تدبيرهم لما ظلموا بترك الشكر.
أحدهما : أجلا يؤخرون إليه، قاله مجاهد.
الثاني : وقتاً يهلكون فيه. وقرىء بضم الميم وفتحها، فهي بالضم من أُهلك وبالفتح من هَلَك.
(نحن الملوك وأبناء الملوك، لنا | مِلكٌ به عاش هذا الناس أحقابا) |
(إذا أنت لم تبرح تؤدي أمانةً | وتحمل أُخرى أثقلتك الودائع) |
(وأبرح ما أدام اللهُ قومي | بحمد الله منتطقاً مجيداً) |
أحدهما : أنه ضل عنهما حتى اتخذ سبيله في البحر سرباً، فسمي ضلاله عنهما نسياناً منهما.
الثاني : أنه من النسيان له والسهو عنه.
ثم فيه وجهان :
أحدهما : أن الناسي له أحدهما وهو يوشع بن نون وحده وإن أضيف النسيان إليهما، كما يقال نسي القوم زادهم إذا نسيه أحدهم.
الثاني : أن يوشع نسي أن يحمل الحوت ونسي موسى أن يأمره فيه بشيء، فصار كل واحد منهما ناسياً لغير ما نسيه الآخر.
﴿ فاتّخذ سبيله في البحر سَرَباً ﴾ فيه ثلاثة تأويلات :
أحدها : مسلكاً، قاله مجاهد وابن زيد.
الثاني : يبساً، قاله الكلبي.
الثالث : عجباً، قاله مقاتل.
﴿ قال لفَتاهُ ﴾ يعني موسى قال لفتاه يوشع بن نون.
﴿ آتِنا غداءَنا ﴾ والغداء الطعام بالغداة كما أن العشاء طعام العشي والإنسان إلى الغداء أشد حاجة منه إلى العشاء.
﴿ لقد لقينا من سفرنا هذا نصباً ﴾ فيه وجهان : أحدهما : أنه التعب.
الثاني : الوهن.
أحدهما : قاله مقاتل، إن الصخرة بأرض تسمى شره إن على ساحل بحر أيلة، وعندها عين تسمى عين الحياة.
الثاني : أنها الصخرة التي دون نهر الزيت على الطريق.
﴿ فإني نسيت الحُوت ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : فإني نسيت حمل الحوت.
الثاني : فإني نسيت أن أخبرك بأمر الحوت.
﴿ وما أنسانيه إلاّ الشيطان أن اذكُره ﴾ أي أنسانيه بوسوسته إليّ وشغله لقلبي.
﴿ واتخذ سبيله في البحر عجباً ﴾ فيه قولان :
أحدهما : أنه كان لا يسلك طريقاً في البحر إلا صار ماؤه صخراً فلما رآه موسى عجب من مصير الماء صخراً.
الثاني : أن موسى لما أخبره يوشع بأمر الحوت رجع إلى مكانه فرأى أثر الحوت في البحر ودائرته التي يجري فيها فعجب من عود الحوت حياً.
﴿ فارتدَّا على آثارهما قَصصاً ﴾ أي خرجا إلى آثارهما يقصان أثر الحوت ويتبعانه.
أحدها : النبوة، قاله مقاتل :
الثاني : النعمة.
الثالث : الطاعة.
الرابع : طول الحياة.
﴿ وعلّمناه من لدُنا عِلْماً ﴾ قال ابن عباس : لما اقتفى موسى أثر الحوت انتهى إلى رجل راقد وقد سجي عليه ثوبه، فسلم عليه موسى، فكشف ثوبه عن وجهه وردّ عليه السلام وقال : من أنت ؟ قال : موسى. قال صاحب بني إسرائيل ؟ قال : نعم. قال : وما لك في بني إسرائيل شغل، قال : أمرت أن آتيك وأصحبك.
واختلفوا في الخضر هل كان مَلَكاً أو بشراً على قولين :
أحدهما : أنه كان ملكاً أمر الله تعالى موسى أن يأخذ عنه مما حمّله إياه من علم الباطن.
الثاني : أنه كان بشراً من الإنس.
واختلف من قال هذا على قولين :
أحدهما : كان نبياً لأن الإنسان لا يتعلم ولا يتبع إلا من هو فوقه، ولا يجوز أن يكون فوق النبي من ليس بنبي، قال مقاتل : هو ليسع لأنه وسع علمه ست سماوات وست أرضين.
الثاني : أنه لم يكن نبياً وإنما كان عبداً صالحاً أودعه الله تعالى مِن علْم باطن الأمور ما لم يودع غيره، لأن النبي هو الداعي، والخضر كان مطلوباً ولم يكن داعياً طالباً، وقد ذكر أن سبب تسميته بالخضر لأنه كان إذا صلى في مكان اخضرّ ما حوله.
أحدهما : صبراً عن السؤال.
الثاني : صبراً عن الإنكار.
أحدهما : لم تجد له سبباً.
الثاني : لم تعرف له علماً، لأن الخضر علم أن موسى لا يصبر إذا رأى ما بنكر ظاهره.
أحدهما : لا ابدأ بالإنكار حتى تبدأ بالإخبار.
الثاني : لا أفشي لك سراً ولا أدل عليك بشراً. فعلى الوجه الأول يكون مخالفاً. وعلى الوجه الثاني : يكون موافقاً.
(قد لقي الأقران مِنّي نُكْرا | داهيةً دهياء إدّاً إمْرا) |
(شفاها من الداء العُضال الذي بها | غُلامٌ إذا هزَّ القَناةَ سقاها) |
(وما أخرتَ من دُنياك نقص | وإن قدّمْتَ عادَ لَك الزّكاءُ) |
أحدها : بما نسيته وغفلت عنه فلم أذكره، وقد رفعه أبي بن كعب.
الثاني : بما كأني نسيته، ولم أنسه في الحقيقة. حكى سعيد بن جبير عن ابن عباس أنه قال : لم ينس ولكنها معاريض الكلام.
الثالث : بما تركته من عهدك، قاله ابن عباس، مأخوذ من النسيان الذي هو الترك لا من النسيان الذي هو من السهو.
﴿ ولا تُرهقني مِنْ أمري عُسْراً ﴾ فيه أربعة أوجه :
أحدها : لا تعنفني على ما تركت من وصيتك، قاله الضحاك.
الثاني : لا يغشني منك العسر، من قولهم غلام مراهق إذا قارب أن يغشاه البلوغ، ومنه حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" ارهقوا القبلة " أي اغشوها واقربوا منها.
الثالث : لا تكلفني ما لا أقدر عليه من التحفظ عن السهو والنسيان، وهو معنى قول مقاتل :
الرابع : لا يلحقني منك طردي عنك.
واختلف في الغلام المقتول هل كان بالغاً، فقال ابن عباس : كان رجلاً شاباً قد قبض على لحيته لأن غير البالغ لا يجري عليه القلم بما يستحق به القتل، وقد يسمى الرجل غلاماً، قالت ليلى الأخيلية في الحجّاج :
شفاها من الداء العُضال الذي بها | غُلامٌ إذا هزَّ القَناةَ سقاها |
وفي سبب قتله قولان :
أحدهما : لأنه طبع على الكفر.
الثاني : لأنه أصلح بقتله حال أبويه. وفي صفة قتله قولان :
أحدهما : أنه أخذه من بين الصبيان فأضجعه وذبحه بالسكين، قاله سعيد بن جبير.
الثاني : أنه أخذ حجراً فقتل به الغلام، قاله مقاتل فاستعظم موسى ما فعله الخضر من قتل الغلام من غير سبب.
ف ﴿ قال أقتلت نَفْساً زَكيةً بغير نفْسٍ ﴾ فاختلف هل قاله استخباراً أو إنكاراً على قولين :
أحدهما : أنه قال ذلك استخباراً عنه لعلمه بأنه لا يتعدى في حقوق الله تعالى.
الثاني : أنه قاله إنكاراً عليه لأنه قال :﴿ لقد جئت شيئاً نُكراً ﴾
قرأ أبو عمرو ونافع وابن كثير ﴿ زاكية ﴾ وقرأ حمزة وابن عامر وعاصم والكسائي زكيّة بغير ألف.
واختلف في زاكية - وزكية على قولين : أحدهما : وهو قول الأكثرين أن معناهما واحد، فعلى هذا اختلف في تأويل ذلك على ستة أوجه :
أحدها : أن الزاكية التائبة، قاله قتادة.
الثاني : أنها الطاهرة، حكاه ابن عيسى.
الثالث : أنها النامية الزائدة، قاله كثير من المفسرين، قال نابغة بني ذبيان :
وما أخرتَ من دُنياك نقص | وإن قدّمْتَ عادَ لَك الزّكاءُ |
الرابع : الزاكية المسلمة، قاله ابن عباس لأن عنده أن الغلام المقتول رجل.
الخامس : أن الزاكية التي لم يحل دمها، قاله أبو عمرو بن العلاء.
السادس : أنها التي لم تعمل الخطايا، قاله سعيد بن جبير. والقول الثاني : أن بين الزاكية والزكية فرقاً، وفيه ثلاثة أوجه : أحدها : أن الزاكية في البدن، والزكية في الدين، وهذا قول أبي عبيدة.
الثاني : أن الزكية أشد مبالغة من الزاكية، قاله ثعلب.
الثالث : أن الزاكية التي لم تذنب، والزكية التي أذنبت ثم تابت فغفر لها،
قاله أبو عمرو بن العلاء.
﴿ لَّقَدْ جِئْتَ شَيْئاً نُّكْراً ﴾ فيه أربعة أوجه :
أحدها : شيئاً منكراً، قاله الكلبي.
الثاني : أمراً فظيعاً قبيحاً، وهذا معنى قول مقاتل.
الثالث : أنه الذي يجب أن ينكر ولا يفعل.
الرابع : أنه أشد من الإِمْر، قاله قتادة.
أحدها : فلا تتابعني.
الثاني : فلا تتركني أصحبك، قاله الكسائي.
الثالث : فلا تصاحبني.
الرابع : فلا تساعدني على ما أريد.
﴿ قَدْ بَلَغْتَ مِن لَّدُنِّي عُذراً ﴾ قد اعتذرت حين أنذرت.
(يريد الرمح صدر أبي براءٍ.. | . ويرغب عن دماءِ بني عقيل) |
أحدهما : هذا الذي قلته فِرَاقٌ بَيْنِي وَبَيْنِكَ.
الثاني : هذا الوقت فِرَاقٌ بَيْنِي وَبَيْنِكَ.
﴿ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِع عَّلَيْهِ صَبْراً ﴾ يحتمل وجهين :
أحدهما : لم تستطع على المشاهدة له صبراً.
الثاني : لم تستطع على الإِمساك عن السؤال عنه صبراً. فروى ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :" رَحِمَ اللَّهُ مُوسَى لَو صَبَرَ لاَقْتَبَسَ مِنْهُ أَلْفَ بَابٍ ".
(أيرجو بنو مروان سمعي وطاعتي | وقومي تميم والفلاة ورائيا) |
(طريدٌ تلافاه يزيد برحمةٍ | فلم يُلْف من نعمائه يتعذَّرُ) |
(وكيف بظلم جارية...... ومنها اللين والرحم)
الثالث: أقرب أن يرحما به، والرُّحم الرحمة، قاله أبو عَمْرو بن العلاء، ومنه قول الشاعر:
(أحنى وأرحمُ مِن أمٍّ بواحدِها | رُحْماً وأشجع من ذي لبدةٍ ضاري) |
(قد كان ذو القرنين قبلي مسلماً.. | ملكاً تدين له الملوك وتسجد) |
(بلغ المشارق والمغارب يبتغي | أسباب أمرٍ من حكيم مرشد) |
(فرأى مغيب الشمس عند غروبها | في عين ذي خُلُبٍ وثاطٍ حرمد) |
أحدهما : عين ماء ذات حمأة، قاله مجاهد وقتادة.
الثاني : يعني طينة سوداء، قاله كعب.
وقرأ بن الزبير والحسن :﴿ فِي عَيْنٍ حَامِيَةٍ ﴾ وهي قراءة الباقين يعني حارة.
فصار قولاً ثالثاً : وليس بممتنع أن يكون ذلك صفة للعين أن تكون حمئة سوداء حامية، وقد نقل مأثوراً في شعر تُبَّع وقد وصف ذا القرنين بما يوافق هذا فقال :
قد كان ذو القرنين قبلي مسلماً | ملكاً تدين له الملوك وتسجد |
بلغ المشارق والمغارب يبتغي | أسباب أمرٍ من حكيم مرشد |
فرأى مغيب الشمس عند غروبها | في عين ذي خُلُبٍ وثاطٍ حرمد |
ثم فيها وجهان : أحدهما : أنها تغرب في نفس العين.
الثاني : أنه وجدها تغرب وراء العين حتى كأنها تغيب في نفس العين١.
﴿ وَوَجَدَ عِندَهَا قَوْماً قُلْنَا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَن تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَن تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْناً ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : أنه خيره في عقابهم أو العفو عنهم.
الثاني : إما أن تعذب بالقتل لمقامهم على الشرك وإما أن تتخذ فيهم حُسناً بأن تمسكهم بعد الأسر لتعلمهم الهدى وتستنقذهم من العَمَى، فحكى مقاتل أنه لم يؤمن منهم إلا رجل واحد.
أحدهما : معناهما واحد.
الثاني : معناهما مختلف. وهي بفتح اللام الطلوع، وبكسرها الموضع الذي تطلع منه. والمراد بمطلع الشمس ومغربها ابتداء العمارة وانتهاؤها.
﴿ وَجَدَهَا تَطْلُعُ عَلَى قَوْمٍ لمْ نَجْعَل لهُم من دُونِهَا سِتْراً ﴾ يعني من دون الشمس ما يسترهم منها من بناء أو شجر أو لباس. وكانوا يأوون إذا طلعت عليهم إلى أسراب لهم، فإذا زالت عنهم خرجوا لصيد ما يقتاتونه من وحش وسمك.
قال ابن الكلبي : وهم تاريس وتأويل ومنسك١.
وهذه الأسماء والنعوت التي نذكرها ونحكيها عمن سلف إن لم تؤخذ من صحف النبوة السليمة لم يوثق بها، ولكن ذكرت فذكرتها. وقال قتادة : هم الزنج.
(وأيام أتين على المطايا | كأن سمومهن أجيج نارٍ) |
(ولقد صبرت ليعلموه وحولهم | زبر الحديد عشيةً ونهاراً) |
(كلا الصدفين ينفذه سناها | توقد مثل مصباح الظلام) |
(وألقى في مراجل من حديد | قدور الصُّفر ليس من البُرام) |
(حُساماً كلون الملح صار حديده | حراراً من أقطار الحديد المثقب) |
أحدهما : أنهما لغتان معناهما واحد.
الثاني : أن معناهما مختلف.
وفي الفرق بينهما ثلاثة١ أوجه :
أحدها : أن السد بالضم من فعل الله عز وجل " وبالفتح " من فعل الآدميين.
الثاني : أنه بالضم الاسم، وبالفتح المصدر، قاله ابن عباس وقتادة والضحاك. والسدان جبلان، قيل إنه جعل الروم بينهما، وفي موضعهما قولان :
أحدهما : فيما بين إرمينية وأذربيجان.
الثاني : في منقطع الترك مما يلي المشرق.
﴿ وَجَدَ مِن دُونِهِمَا قَوْماً لا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلاً ﴾ أي من دون السدين، وفي ﴿ يَفْقَهُونَ ﴾ قراءتان :
إحداهما : بفتح الياء والقاف يعني أنهم لا يفهمون كلام غيرهم.
والقراءة الثانية : بضم الياء وكسر القاف، أي لا يفهم كلامهم غيرهم.
وأيام أتين على المطايا | كأن سمومهن أجيج نارٍ |
واختلف في تكليفهم على قولين :
أحدهما : أنهم مكلفون لتمييزهم.
الثاني : أنهم غير مكلفين لأنهم لو كلفوا لما جاز ألاَّ تبلغهم دعوة الإسلام.
﴿ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجاً عَلَى أَن تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدّاً ﴾ قرأ حمزة والكسائي :﴿ خَرَاجاً ﴾ وقرأ الباقون ﴿ خَرْجاً ﴾ وفي اختلاف القراءتين ثلاثة أوجه :
أحدها : أن الخراج الغلة، والخرج الأجرة.
الثاني : أن الخراج اسم لما يخرج من الأرض، والخرج ما يؤخذ عن الرقاب، قاله أبو عمرو بن العلاء.
الثالث : أن الخرج ما يؤخذ دفعة، والخراج ثابت مأخوذ في كل سنة، قاله ثعلب.
﴿ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : بآلة، قاله الكلبي.
الثاني : برجال، قاله مقاتل.
﴿ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْماً ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : أنه الحجاب الشديد.
الثاني : أنه السد المتراكب بعضه على بعض فهو أكبر من السد.
أحدها : أنها قطع الحديد، قاله ابن عباس ومجاهد.
الثاني : أنه فلق الحديد، قاله قتادة.
الثالث : أنه الحديد المجتمع، ومنه الزَّبور لاجتماع حروفه في الكتابة، قال تبع اليماني :
ولقد صبرت ليعلموه وحولهم | زبر الحديد عشيةً ونهاراً |
كلا الصدفين ينفذه سناها | توقد مثل مصباح الظلام |
أحدهما : أن كل واحد منهما محاذ لصاحبه، مأخوذ من المصادفة في اللقاء، قاله الأزهري.
الثاني : قاله ابن عيسى، هما جبلان كل واحد منهما منعزل عن الآخر كأنه قد صدف عنه.
ثم فيه وجهان :
أحدهما :: أن الصدفين اسم لرأسي الجبلين
الثاني : اسم لما بين الجبلين.
ومعنى قوله :﴿ سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ ﴾ أي بما جعل بينهما حتى وارى رؤوسهما وسوّى بينهما.
﴿ قَالَ انفُخُوا ﴾ يعني أي في نار الحديد.
﴿ حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَاراً ﴾ يعني ليناً كالنار في الحر واللهب.
﴿ قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْراً ﴾ فيه أربعة أوجه :
أحدها : أن القطر النحاس، قاله ابن عباس ومجاهد وقتادة والضحاك.
الثاني : أنه الرصاص حكاه ابن الأنباري.
الثالث : أنه الصفر المذاب، قاله مقاتل، ومنه قول الحطيئة :
وألقى في مراجل من حديد | قدور الصُّفر ليس من البُرام |
حُساماً كلون الملح صار حديده | حراراً من أقطار الحديد المثقب |
٨٩ (هل غيرغادٍ غاراً فانهدم} ٩
قوله عز وجل: ﴿وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ﴾ فيه ثلاثة أقاويل: أحدها: أنهم القوم الذين ذكرهم ذو القرنين يوم فتح السد يموج بعضهم في بعض.
أحدهما : أن عمله رحمة من الله تعالى لعباده.
الثاني : أن قدرته على عمله رحمة من الله تعالى له.
﴿ فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ ﴾ قال ابن مسعود : وذلك يكون بعد قتل عيسى عليه السلام الدجال في حديث مرفوع. وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" إِنَّهُم يَدْأَبُونَ فِي حَفْرِهِم نَهَارُهُم حَتَّى إِذَا أَمْسَوْا وَكَادُواْ يُبْصِرُونَ شُعَاعَ الشَّمْسِ قَالُوا نَرْجِعُ غَداً فَنَحْفُرُ بَقِيَّتَهُ، فَيَعُودُونَ مِنَ الغَدِ وَقَدِ اسْتَوَى كَمَا كَانَ، حَتَّى إِذَا جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ قَالُواْ : غَداً إِنْ شَاءَ اللَّهُ نَنْقُبُ بَقيَّتَهُ، فَيَرْجِعُونَ إِلَيهِ فَيَنْقُبُونَهُ فِإِذِنِ اللَّهِ، فَيَخْرُجُونَ مِنهُ عَلَى النَّاسِ مِن حُصُونِهِم، ثُمَّ يَرْمُونَ نبلاً إِلَى السَّمَاءِ فِيَرْجِعُ إِلَيهِم فِيهَا أَمْثَالُ الدِّمَاءِ، فَيَقُولُونَ قَدْ ظَفَرْنَا عَلَى أَهْلِ ألأَرْضِ وَقَهَرْنَا أَهْلَ السَّمَاءِ، فَيُرْسِلُ اللَّهُ تَعالَى عَلَيهِم ما يَهْلِكُهُم ".
﴿ فَإِذَا جاء وَعْدُ رَبِّي ﴾ فيه قولان :
أحدهما : يوم القيامة، قاله ابن بحر.
الثاني : هو الأجل الذي يخرجون فيه.
﴿ جَعَلَهُ دَكَّاءَ ﴾ يعني السد، وفيه ثلاثة أوجه :
أحدها : أرضاً، قاله قطرب.
الثاني : قطعاً، قاله الكلبي.
الثالث : هدماً حتى اندك بالأرض فاستوى معها، قاله الأخفش، ومنه قول الأغلب :
هل غير غادٍ غاراً فانهدم.
أحدها : أنهم القوم الذين ذكرهم ذو القرنين يوم فتح السد يموج بعضهم في بعض.
الثاني : الكفار في يوم القيامة يموج بعضهم في بعض.
الثالث : أنهم الإِنس والجن عند فتح السد.
وفيه وجهان :
أحدهما : يختلط بعضهم ببعض.
الثاني : يدفع بعضهم بعضاً، مأخوذ من موج البحر.
أحدهما : أن الضلال كالمغطي لأعينهم عن تَذَكُّر الانتقام.
الثاني : أنهم غفلوا عن الاعتبار بقدرته الموجبة لذكره.
﴿ وَكَانُوا لاَ يَسْتَطِيعُونَ سَمْعاً ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : أن المراد بالسمع هاهنا العقل، ومعناه لا يعقلون الثاني : أنه معمول على ظاهره في سمع الآذان. وفيه وجهان :
أحدهما : لا يستطيعونه استثقالاً.
الثاني : مقتاً.
أحدهما : أن النزل الطعام، فجعل جهنم طعاماً لهم، قاله قتادة.
الثاني : أنه المنزل، قاله الزجاج.
أحدها : لهوانهم على الله تعالى بمعاصيهم التي ارتكبوها يصيرون محقورين لا وزن لهم.
الثاني : أنهم لخفتهم بالجهل وطيشهم بالسفه صاروا كمن لا وزن لهم. الثالث : أن المعاصي تذهب بوزنهم حتى لا يوازنوا من خفتهم شيئاً. روي عن كعب أنه قال : يجاء بالرجل يوم القيامة. فيوزن بالحبة فلا يزنها، يوزن بجناح البعوضة فلا يزنها، ثم قرأ :﴿ فَلاَ نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْناً١ ﴾
الرابع : أن حسناتهم تُحبَط بالكفر فتبقى سيئاتهم. فيكون الوزن عليهم لا لهم.
أحدها : بدلاً، قاله الضحاك.
الثاني : تحويلاً، قاله مقاتل.
الثالث : حيلة، [ أي لا ] يحتالون منزلاً غيرها.
وقيل إنه يقول أولهم دخولاً إنما أدخلني الله أولهم لأنه ليس أحد أفضل مني، ويقول آخرهم دخولاً إنما أخرني الله لأنه ليس أحد أعطاه الله مثل ما أعطاني.
أحدها : يعني فمن كان يخاف لقاء ربه، قاله مقاتل، وقطرب.
الثاني : من كان يأمل لقاء ربه.
الثالث : من كان يصدّق بلقاء ربه، قاله الكلبي.
وفي لقاء ربه وجهان :
أحدهما : معناه ثواب ربه، قاله سعيد بن جبير.
الثاني : من كان يرجو لقاء ربه إقراراً منه بالبعث إليه والوقوف بين يديه.
﴿ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً ﴾ فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : أنه الخالص من الرياء، قاله ذو النون المصري.
الثاني : أن يلقى الله به فلا يستحي منه، قاله يحيى بن معاذ.
الثالث : أن يجتنب المعاصي ويعمل بالطاعات.
﴿ وَلاَ يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : أن الشرك بعبادته الكفر، ومعناه لا يُعْبَد معه غيرُه، قاله الحسن.
الثاني : أنه الرياء، ومعناه ولا يرائي بعمله أحداً، قاله سعيد بن جبير، ومجاهد.
روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال١ :" أَخْوَفُ مَا أَتَخَوَّفُ عَلَى أُمَّتِي الشِّرْكَ وَالشَّهْوَةَ الخَفِيَّةَ٢ " قيل : أتشرك أمتك بعدك ؟ قال :" لاَ، أَمَّا أَنَّهُم لاَ يَعْبُدونَ شَمْساً وَلاَ قَمَراً وَلاَ حَجراً وَلاَ وَثَناً وَلكِنّهُم يُرَاءُونَ بِعَمَلِهِم " فقيل : يا رسول الله وذلك شرك ؟ فقال :" نَعَم ". قيل : وما الشهوة الخفية، قال :" يُصْبِحُ أَحَدُهُم صَائِماً فَتَعْرِضُ لَهُ الشَّهْوَةُ مِن شَهَواتِ الدُّنْيَا فَيُفْطِرَ لَهَا وَيَتْرُكَ صَوْمَهُ ".
وحكى الكلبي ومقاتل : أن هذه الآية نزلت في جندب بن زهير العامري أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له : إنا لنعمل العمل نريد به وجه الله فيثنى به علينا فيعجبنا، وأني لأصلي الصلاة فأطولها رجاء أن يثنى بها عليّ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ أَنَا خَيرُ شَرِيكٍ فَمَنْ أَشَرَكَنِي فِي عَمَلٍ يَعْمَلُهُ لِي أَحَداً مِن خَلْقِي تَرَكْتُهُ وذلِكَ الشَّرِيكَ " ونزلت فيه هذه الآية :﴿ فَمَن كَانَ يَرْجُواْ لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلاَ يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً ﴾ فتلاها عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم٣، وقيل إنها آخر آية نزلت من القرآن٤.
٢ وفسر شداد بن أوس وعبادة بن الصامت الشهوة الخفية أنها من قبل النساء. وروى ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب قال سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الشهوة الخفية فقال: هو الرجل يتعلم العلم يحب أن يجلس إليه..
٣ أخرجه الواحدي في أسباب النزول عن ابن عباس..
٤ هذه العبارة من ك. وقد جاء في تفسير القرطبي ١١/٧٢ ما يلي: قال عمر بن قيس الكندي: سمعت معاوية تلا هذه الآية على المنبر "فمن كان يرجو لقاء ربه" فقال: إنها لآخر آية نزلت من السماء. ومثل هذا لا يقال بالرأي، لكن المشهور أن آخر آية هي قوله تعالى: (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا". إلا أن يقال أن هذه آخر آية نزلت بمكة لأن الكهف كلها مكية باتفاق.
.
سورة الكهف
سورةُ (الكهف) من السُّوَر المكية العظيمة التي اهتمت بالعقيدةِ، والاعتصامِ بحبل الله المتين، وأنْ لا ملجأَ من اللهِ إلا إليه، وقد أصَّلتِ السورةُ لفكرة التمسك بالعقيدة والتوحيد من خلالِ ضربِ الأمثلة، وقَصِّ القَصص، واشتملت السورةُ على أربعِ قِصَصٍ: قصةِ (فِتْيةِ الكهف)، وقصةِ (صاحب الجنَّتَينِ)، وقصةِ (موسى والخَضِرِ عليهما السلام)، وقصةِ (ذي القَرْنَينِ)، وتدعو كلُّ هذه القِصص إلى الاعتصام بالكتاب والسُّنة وأمرِ الله عز وجل، وقد احتوت السورةُ على الكثير من العِبَر والعظات، وحاجةُ المسلم إليها في زمن الفِتَن كبيرة؛ لتُثبِّتَه على هذا الدِّين وتُصبِّرَه، وقد ثبَت فضلُها وفضل قراءتها في كلِّ جمعة، وكذا فإن مَن حَفِظ أوَّلَ عَشْرِ آياتٍ منها عُصِم من فتنة الدَّجَّال؛ كما صح في الخبر.
ترتيبها المصحفي
18نوعها
مكيةألفاظها
1584ترتيب نزولها
69العد المدني الأول
105العد المدني الأخير
105العد البصري
111العد الكوفي
110العد الشامي
106* سورةُ (الكهف):
سُمِّيتْ سورةُ (الكهف) بذلك؛ لاحتوائها على قصَّةِ (أصحاب الكهف)، وهي أبرَزُ ما ورَد في هذه السورة.
مما جاء في فضلِ سورة (الكهف):
* نزولُ الملائكةِ مستمِعةً لها:
عن البَراءِ بن عازبٍ رضي الله عنهما، قال: «قرَأَ رجُلٌ الكهفَ وفي الدَّارِ الدَّابَّةُ، فجعَلتْ تَنفِرُ، فسلَّمَ، فإذا ضَبابةٌ أو سحابةٌ غَشِيَتْهُ، فذكَرَه للنبيِّ صلى الله عليه وسلم، فقال: «اقرَأْ فلانُ؛ فإنَّها السَّكينةُ نزَلتْ للقرآنِ، أو تنزَّلتْ للقرآنِ»». أخرجه البخاري (3614)، ومسلم (795).
* مَن حَفِظ أوَّلَ عَشْرِ آياتٍ منها عُصِم من فتنة الدَّجَّال:
عن النَّوَّاسِ بن سَمْعانَ الأنصاريِّ رضي الله عنه، قال: «ذكَرَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم الدَّجَّالَ ذاتَ غَداةٍ، فخفَّضَ فيه ورفَّعَ، حتى ظنَنَّاه في طائفةِ النَّخلِ، فلمَّا رُحْنا إليه عرَفَ ذلك فينا، فقال: ما شأنُكم؟ قُلْنا: يا رسولَ اللهِ، ذكَرْتَ الدَّجَّالَ غَداةً، فخفَّضْتَ فيه ورفَّعْتَ، حتى ظنَنَّاه في طائفةِ النَّخلِ، فقال: غيرُ الدَّجَّالِ أخوَفُني عليكم، إن يخرُجْ وأنا فيكم فأنا حَجِيجُه دُونَكم، وإن يخرُجْ ولستُ فيكم فامرؤٌ حَجِيجُ نفسِه، واللهُ خليفتي على كلِّ مسلِمٍ، إنَّه شابٌّ قَطَطٌ، عَيْنُه طافئةٌ، كأنِّي أُشبِّهُه بعبدِ العُزَّى بنِ قَطَنٍ، فمَن أدرَكَه منكم فَلْيَقرأْ عليه فواتحَ سورةِ الكهفِ ...». أخرجه مسلم (٢٩٣٧).
وقريبٌ منه ما صحَّ عن أبي الدَّرْداءِ رضي الله عنه، أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «مَن حَفِظَ عَشْرَ آياتٍ مِن أوَّلِ سورةِ الكهفِ، عُصِمَ مِن الدَّجَّالِ». أخرجه مسلم (٨٠٩).
* مَن قرَأها يوم الجمعة أضاءت له ما بين الجمعتَينِ:
عن أبي سعيدٍ الخُدْريِّ رضي الله عنه، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: «مَن قرَأَ سورةَ الكهفِ يومَ الجُمُعةِ، أضاءَ له مِن النُّورِ ما بين الجُمُعتَينِ». أخرجه البيهقي (6209).
جاءت موضوعاتُ سورة (الكهف) على الترتيب الآتي:
1. الحمد الله /التبشير والإنذار (١-٨).
2. قصة أصحاب الكهف (٩-٣١).
3. قصة صاحب الجنَّتَينِ (٣٢-٤٤).
4. تعقيب على صاحب القصة (٣٢-٤٤).
5. من مشاهد يوم القيامة (٤٥-٤٩).
6. فتنة إبليس (٥٠-٥٣).
7. الاعتصام بالكتاب والسُّنة (٥٤-٥٩).
8. رحلة موسى والخَضِر (٦٠-٨٢).
9. قصة ذي القَرْنَينِ (٨٣-٩٨).
10. جزاءُ مَن غَرِق في الفِتَن ومَن نجا منها (٩٩-١١٠).
ينظر: "التفسير الموضوعي للقرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (4 /289).
افتُتِحت السورة بمقصدٍ عظيم؛ وهو وصفُ الكتاب بأنه قيِّمٌ؛ لكونه زاجرًا عن الشريك الذي هو خلافُ ما قام عليه الدليلُ في سورةِ (سُبْحانَ).
ومِن المقاصد العظيمة لهذه السورةِ: الاعتصامُ بحبلِ الله المتين، وبالاعتقادِ الصحيح في زمنِ الفتن؛ وقد وصَّلتِ السورةُ هذا المقصدَ عن طريقِ قَصِّ مجموعةٍ من القِصَص، على رأسها قصةُ (فتية الكهف).
ينظر: "مصاعد النظر للإشراف على مقاصد السور" للبقاعي (2 /243).