تفسير سورة سورة الطلاق من كتاب تحرير المعنى السديد وتنوير العقل الجديد من تفسير الكتاب المجيد
المعروف بـالتحرير والتنوير.
لمؤلفه
ابن عاشور
.
المتوفي سنة 1393 هـ
سورة ﴿ يا أيها النبي إذا طلقتم النساء ﴾ الخ شاعت تسميتها في المصاحف وفي كتب التفسير وكتب السنة : سورة الطلاق ولم ترد تسميتها بهذا في حديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم موسوم بالقبول.
وذكر في الإتقان أن عبد الله بن مسعود سماها سورة النساء القصرى أخذا مما أخرجه البخاري وغيره عن مالك بن عامر قال : كنا عند عبد الله بن مسعود فذكر عنده أن الحامل المتوفى عنها تعتد أقصى الأجلين أي أجل وضع الحمل إن كان أكثر من أربعة أشهر وعشر، وأجل الأربعة الأشهر وعشر فقال : أتجعلون عليها التغليظ ولا تجعلون عليها الرخصة لنزلت سورة النساء القصرى بعد الطولى ﴿ وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن ﴾ اه. وفي الاتقان عن الداودي إنكار أن تدعى هذه السورة بالقصرى للتنزه عن وصف القرآن بصفة نقص ورده ابن حجر بأن القصر أمر نسبي أي ليس مشعرا بنقص على الإطلاق. وابن مسعود وصفها بالقصرى احترازا عن السورة المشهورة باسم سورة النساء التي هي السورة الرابعة في المصحف التي أولها ﴿ يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة ﴾. وأما قوله الطولى فهو صفة لموصوف محذوف أي بعد السورة الطولى يعني سورة البقرة لأنها أطول سور القرآن ويتعين أن ذلك مراده لأن سورة البقرة هي التي ذكرت فيها عدة المتوفى عنها. وقد يتوهم أن سورة البقرة تسمى سورة النساء الطولى من مقابلتها بسورة النساء القصرى في كلام ابن مسعود. وليس كذلك كما تقدم في سورة النساء.
وهي مدنية بالاتفاق.
وعدد آيها اثنتا عشرة آية في عدد الأكثر. وعدها أهل البصرة إحدى عشرة آية.
وهي معدودة السادسة والتسعين في ترتيب نزول السور عند جابر بن زيد نزلت بعد سورة الإنسان وقبل سورة البينة.
وسبب نزولها ما رواه مسلم عن طريق ابن جريج عن أبي الزبير أنه سمع عبد الرحمان بن أيمن يسأل ابن عمر كيف ترى في الرجل طلق امرأته حائضا فقال طلق ابن عمر امرأته حائضا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأل عمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له : ليراجعها، فردها وقال : إذا طهرت فليطلق أو ليمسك. قال ابن عمر وقرأ النبي :﴿ يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن ﴾.
وظاهر قوله وقرأ النبي صلى الله عليه وسلم الخ. إنها نزلت عليه ساعتئذ. ويحتمل أن تكون نزلت قبل هذه الحادثة. وقال الواحدي عن السدي : أنها نزلت في قضية طلاق ابن عمر وعن قتادة أنها نزلت بسبب أن النبي صلى الله عليه وسلم طلق حفصة ولم يصح. وجزم أبو بكر بن العربي بأن شيئا من ذلك لم يصح وأن الأصح أن الآية نزلت بيانا لشرع مبتدإ.
أغراضها
الغرض من آيات هذه السورة تحديد أحكام الطلاق وما يعقبه من العدة والإرضاع والإنفاق والإسكان. تتميما للأحكام المذكورة في سورة البقرة.
والإيماء إلى حكمة شرع العدة والنهي عن الإضرار بالمطلقات والتضييق عليهن.
والإشهاد على التطليق وعلى المراجعة وإرضاع المطلقة ابنها بأجر على الله.
والأمر بالائتمار والتشاور بين الأبوين في شأن أولادهما.
وتخلل ذلك الأمر بالمحافظة الوعد بأن الله يؤيد من يتقي الله ويتبع حدوده ويجعل له من أمره يسرا ويكفر عنه سيئاته.
وأن الله وضع لكل شيء حكمه لا يعجزه تنفيذ أحكامه.
وأعقب ذلك بالموعظة بحال الأمم الذين عتوا عن أمر الله ورسله وهو حث للمسلمين على العمل بما أمرهم به الله ورسوله صلى الله عليه وسلم لئلا يحق عليهم وصف العتو عن الأمر.
وتشريف وحي الله تعالى بأنه منزل من السماوات وصادر عن علم الله وقدرته تعالى.
وذكر في الإتقان أن عبد الله بن مسعود سماها سورة النساء القصرى أخذا مما أخرجه البخاري وغيره عن مالك بن عامر قال : كنا عند عبد الله بن مسعود فذكر عنده أن الحامل المتوفى عنها تعتد أقصى الأجلين أي أجل وضع الحمل إن كان أكثر من أربعة أشهر وعشر، وأجل الأربعة الأشهر وعشر فقال : أتجعلون عليها التغليظ ولا تجعلون عليها الرخصة لنزلت سورة النساء القصرى بعد الطولى ﴿ وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن ﴾ اه. وفي الاتقان عن الداودي إنكار أن تدعى هذه السورة بالقصرى للتنزه عن وصف القرآن بصفة نقص ورده ابن حجر بأن القصر أمر نسبي أي ليس مشعرا بنقص على الإطلاق. وابن مسعود وصفها بالقصرى احترازا عن السورة المشهورة باسم سورة النساء التي هي السورة الرابعة في المصحف التي أولها ﴿ يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة ﴾. وأما قوله الطولى فهو صفة لموصوف محذوف أي بعد السورة الطولى يعني سورة البقرة لأنها أطول سور القرآن ويتعين أن ذلك مراده لأن سورة البقرة هي التي ذكرت فيها عدة المتوفى عنها. وقد يتوهم أن سورة البقرة تسمى سورة النساء الطولى من مقابلتها بسورة النساء القصرى في كلام ابن مسعود. وليس كذلك كما تقدم في سورة النساء.
وهي مدنية بالاتفاق.
وعدد آيها اثنتا عشرة آية في عدد الأكثر. وعدها أهل البصرة إحدى عشرة آية.
وهي معدودة السادسة والتسعين في ترتيب نزول السور عند جابر بن زيد نزلت بعد سورة الإنسان وقبل سورة البينة.
وسبب نزولها ما رواه مسلم عن طريق ابن جريج عن أبي الزبير أنه سمع عبد الرحمان بن أيمن يسأل ابن عمر كيف ترى في الرجل طلق امرأته حائضا فقال طلق ابن عمر امرأته حائضا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأل عمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له : ليراجعها، فردها وقال : إذا طهرت فليطلق أو ليمسك. قال ابن عمر وقرأ النبي :﴿ يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن ﴾.
وظاهر قوله وقرأ النبي صلى الله عليه وسلم الخ. إنها نزلت عليه ساعتئذ. ويحتمل أن تكون نزلت قبل هذه الحادثة. وقال الواحدي عن السدي : أنها نزلت في قضية طلاق ابن عمر وعن قتادة أنها نزلت بسبب أن النبي صلى الله عليه وسلم طلق حفصة ولم يصح. وجزم أبو بكر بن العربي بأن شيئا من ذلك لم يصح وأن الأصح أن الآية نزلت بيانا لشرع مبتدإ.
أغراضها
الغرض من آيات هذه السورة تحديد أحكام الطلاق وما يعقبه من العدة والإرضاع والإنفاق والإسكان. تتميما للأحكام المذكورة في سورة البقرة.
والإيماء إلى حكمة شرع العدة والنهي عن الإضرار بالمطلقات والتضييق عليهن.
والإشهاد على التطليق وعلى المراجعة وإرضاع المطلقة ابنها بأجر على الله.
والأمر بالائتمار والتشاور بين الأبوين في شأن أولادهما.
وتخلل ذلك الأمر بالمحافظة الوعد بأن الله يؤيد من يتقي الله ويتبع حدوده ويجعل له من أمره يسرا ويكفر عنه سيئاته.
وأن الله وضع لكل شيء حكمه لا يعجزه تنفيذ أحكامه.
وأعقب ذلك بالموعظة بحال الأمم الذين عتوا عن أمر الله ورسله وهو حث للمسلمين على العمل بما أمرهم به الله ورسوله صلى الله عليه وسلم لئلا يحق عليهم وصف العتو عن الأمر.
وتشريف وحي الله تعالى بأنه منزل من السماوات وصادر عن علم الله وقدرته تعالى.
ﰡ
وَأَنَّ اللَّهَ وَضَعَ لِكُلِّ شَيْءٍ حُكْمَهُ لَا يُعْجِزُهُ تَنْفِيذُ أَحْكَامِهِ.
وَأُعْقِبَ ذَلِكَ بِالْمَوْعِظَةِ بِحَالِ الْأُمَمِ الَّذِينَ عَتَوْا عَنْ أَمْرِ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَهُوَ حَثٌّ
لِلْمُسْلِمِينَ عَلَى الْعَمَلِ بِمَا أَمَرَهُمْ بِهِ الله وَرَسُوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِئَلَّا يَحِقَّ عَلَيْهِمْ وَصْفُ الْعُتُوِّ عَنِ الْأَمْرِ.
وَتَشْرِيفُ وَحْيِ اللَّهِ تَعَالَى بِأَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِنَ السَّمَاوَاتِ وَصَادِرٌ عَنْ عِلْمِ اللَّهِ وَقُدْرَتِهِ تَعَالَى.
[١]
[سُورَة الطَّلَاق (٦٥) : آيَة ١]
يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ.
تَوْجِيهُ الْخِطَابِ إِلَى النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُسْلُوبٌ مِنْ أَسَالِيبِ آيَاتِ التَّشْرِيعِ الْمُهْتَمِّ بِهِ فَلَا يَقْتَضِي ذَلِكَ تَخْصِيصَ مَا يُذْكَرُ بعده النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتالِ [الْأَنْفَال: ٦٥] لِأَن النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي يَتَوَلَّى تَنْفِيذَ الشَّرِيعَةِ فِي أُمَّتِهِ وَتَبْيِينَ أَحْوَالِهَا. فَإِنْ كَانَ التَّشْرِيعُ الْوَارِدُ يَشْمَلُهُ وَيَشْمَلُ الْأُمَّةَ جَاءَ الْخِطَابُ مُشْتَمِلًا عَلَى مَا يُفِيدُ ذَلِكَ مِثْلَ صِيغَةِ الْجَمْعِ فِي قَوْلِهِ هُنَا إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ وَإِنْ كَانَ التَّشْرِيعُ خَاصّا بالرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَاءَتْ بِمَا يَقْتَضِي ذَلِكَ نَحْوَ يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ [الْمَائِدَة: ٦٧].
قَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ: «وَهَذَا قَوْلُهُمْ أَنَّ الْخِطَابَ لَهُ لَفْظًا. وَالْمَعْنَى لَهُ وَلِلْمُؤْمِنِينَ، وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ الْخِطَابَ لِلْمُؤْمِنِينَ لَاطَفَهُ بِقُولِهِ: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ، وَإِذَا كَانَ الْخِطَابُ بِاللَّفْظِ وَالْمَعْنَى جَمِيعًا لَهُ قَالَ: يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ [الْمَائِدَة: ٦٧] اه. وَوَجْهُ الِاهْتِمَامِ بِأَحْكَامِ الطَّلَاقِ وَالْمُرَاجَعَةِ وَالْعِدَّةِ سَنَذْكُرُهُ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ.
فَالْأَحْكَامُ الْمَذْكُورَةُ فِي هَذِهِ السُّورَةِ عَامَّةٌ لِلْمُسْلِمِينَ فَضَمِيرُ الْجَمْعِ فِي قَوْلِهِ: إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ وَمَا بَعْدَهُ مِنَ الضَّمَائِرِ مِثْلُهُ مُرَادٌ بِهَا هُوَ وَأُمَّتُهُ. وَتَوْجِيهُ الْخِطَابِ إِلَيْهِ لِأَنَّهُ الْمُبَلِّغُ لِلنَّاسِ وَإِمَامُ أُمَّتِهِ وَقُدْوَتُهُمْ وَالْمُنَفِّذُ لِأَحْكَامِ اللَّهِ فِيهِمْ فِيمَا بَيْنَهُمْ مِنَ الْمُعَامَلَاتِ فَالتَّقْدِيرُ إِذَا طَلَّقْتُمْ أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ.
وَظَاهِرُ كَلِمَةِ إِذا أَنَّهَا لِلْمُسْتَقْبَلِ وَهَذَا يُؤَيِّدُ مَا قَالَهُ أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ مِنْ أَنَّهَا
وَأُعْقِبَ ذَلِكَ بِالْمَوْعِظَةِ بِحَالِ الْأُمَمِ الَّذِينَ عَتَوْا عَنْ أَمْرِ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَهُوَ حَثٌّ
لِلْمُسْلِمِينَ عَلَى الْعَمَلِ بِمَا أَمَرَهُمْ بِهِ الله وَرَسُوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِئَلَّا يَحِقَّ عَلَيْهِمْ وَصْفُ الْعُتُوِّ عَنِ الْأَمْرِ.
وَتَشْرِيفُ وَحْيِ اللَّهِ تَعَالَى بِأَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِنَ السَّمَاوَاتِ وَصَادِرٌ عَنْ عِلْمِ اللَّهِ وَقُدْرَتِهِ تَعَالَى.
[١]
[سُورَة الطَّلَاق (٦٥) : آيَة ١]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ إِلاَّ أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذلِكَ أَمْراً (١)يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ.
تَوْجِيهُ الْخِطَابِ إِلَى النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُسْلُوبٌ مِنْ أَسَالِيبِ آيَاتِ التَّشْرِيعِ الْمُهْتَمِّ بِهِ فَلَا يَقْتَضِي ذَلِكَ تَخْصِيصَ مَا يُذْكَرُ بعده النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتالِ [الْأَنْفَال: ٦٥] لِأَن النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي يَتَوَلَّى تَنْفِيذَ الشَّرِيعَةِ فِي أُمَّتِهِ وَتَبْيِينَ أَحْوَالِهَا. فَإِنْ كَانَ التَّشْرِيعُ الْوَارِدُ يَشْمَلُهُ وَيَشْمَلُ الْأُمَّةَ جَاءَ الْخِطَابُ مُشْتَمِلًا عَلَى مَا يُفِيدُ ذَلِكَ مِثْلَ صِيغَةِ الْجَمْعِ فِي قَوْلِهِ هُنَا إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ وَإِنْ كَانَ التَّشْرِيعُ خَاصّا بالرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَاءَتْ بِمَا يَقْتَضِي ذَلِكَ نَحْوَ يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ [الْمَائِدَة: ٦٧].
قَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ: «وَهَذَا قَوْلُهُمْ أَنَّ الْخِطَابَ لَهُ لَفْظًا. وَالْمَعْنَى لَهُ وَلِلْمُؤْمِنِينَ، وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ الْخِطَابَ لِلْمُؤْمِنِينَ لَاطَفَهُ بِقُولِهِ: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ، وَإِذَا كَانَ الْخِطَابُ بِاللَّفْظِ وَالْمَعْنَى جَمِيعًا لَهُ قَالَ: يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ [الْمَائِدَة: ٦٧] اه. وَوَجْهُ الِاهْتِمَامِ بِأَحْكَامِ الطَّلَاقِ وَالْمُرَاجَعَةِ وَالْعِدَّةِ سَنَذْكُرُهُ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ.
فَالْأَحْكَامُ الْمَذْكُورَةُ فِي هَذِهِ السُّورَةِ عَامَّةٌ لِلْمُسْلِمِينَ فَضَمِيرُ الْجَمْعِ فِي قَوْلِهِ: إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ وَمَا بَعْدَهُ مِنَ الضَّمَائِرِ مِثْلُهُ مُرَادٌ بِهَا هُوَ وَأُمَّتُهُ. وَتَوْجِيهُ الْخِطَابِ إِلَيْهِ لِأَنَّهُ الْمُبَلِّغُ لِلنَّاسِ وَإِمَامُ أُمَّتِهِ وَقُدْوَتُهُمْ وَالْمُنَفِّذُ لِأَحْكَامِ اللَّهِ فِيهِمْ فِيمَا بَيْنَهُمْ مِنَ الْمُعَامَلَاتِ فَالتَّقْدِيرُ إِذَا طَلَّقْتُمْ أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ.
وَظَاهِرُ كَلِمَةِ إِذا أَنَّهَا لِلْمُسْتَقْبَلِ وَهَذَا يُؤَيِّدُ مَا قَالَهُ أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ مِنْ أَنَّهَا
294
شَرْعُ مُبْتَدَإٍ قَالُوا: إِنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ إِذَا طَلَّقْتُمْ فِي الْمُسْتَقْبَلِ فَلَا تَعُودُوا إِلَى مَثْلِ مَا فَعَلْتُمْ وَلَكِنْ طَلَّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ، أَيْ فِي أَطْهَارِهِنَّ كَمَا سَيَأْتِي.
وَتَكْرِيرُ فِعْلِ فَطَلِّقُوهُنَّ لِمَزِيدِ الِاهْتِمَامِ بِهِ فَلَمْ يَقُلْ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَلِطُهْرِهِنَّ وَقَدْ
تَقَدَّمَ نَظِيرُ ذَلِكَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَإِذا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ فِي سُورَةِ الشُّعَرَاءِ [١٣٠]، وَقَوْلِهِ: وَإِذا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِراماً فِي سُورَةِ الْفُرْقَانِ [٧٢].
وَاللَّامُ فِي لِعِدَّتِهِنَّ لَامُ التَّوْقِيتِ وَهِيَ بِمَعْنَى عِنْدَ مِثْلَ كُتِبَ لِيَوْمِ كَذَا مَنْ شَهْرِ كَذَا. وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ [الْإِسْرَاء: ٧٨] لَا تَحْتَمِلُ هَذِهِ اللَّامُ غَيْرَ ذَلِكَ مِنَ الْمَعَانِي الَّتِي تَأْتِي لَهَا اللَّامُ. وَلَمَّا كَانَ مَدْخُولُ اللَّامِ هُنَا غَيْرَ زَمَانٍ عُلِمَ أَنَّ الْمُرَادَ الْوَقْتُ الْمُضَافِ إِلَى عِدَّتِهِنَّ أَيْ وَقْتُ الطُّهْرِ.
وَمَعْنَى التَّرْكِيبِ أَنَّ عِدَّةَ النِّسَاءِ جُعِلَتْ وَقْتًا لِإِيقَاعِ طَلَاقِهِنَّ فَكُنِّيَ بِالْعِدَّةِ عَنِ الطُّهْرِ لِأَنَّ الْمُطَلَّقَةَ تَعْتَدُّ بِالْأَطْهَارِ.
وَفَائِدَةُ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ إِيمَاءً إِلَى حِكْمَةِ هَذَا التَّشْرِيعِ وَهِيَ أَنْ يَكُونَ الطَّلَاقُ عِنْدَ ابْتِدَاءِ الْعِدَّةِ وَإِنَّمَا تُبْتَدَأُ الْعِدَّةُ بِأَوَّلِ طُهْرٍ مِنْ أَطْهَارٍ ثَلَاثَةٍ لِدَفْعِ الْمَضَرَّةِ عَنِ الْمُطَلَّقَةِ بِإِطَالَةِ انْتِظَارِ تَزْوِيجِهَا لِأَنَّ مَا بَيْنَ حَيْضِهَا إِذَا طُلِّقَتْ فِيهِ وَبَيْنَ طُهْرِهَا أَيَّامٌ غَيْرُ مَحْسُوبَةٍ فِي عِدَّتِهَا فَكَانَ أَكْثَرُ الْمُطَلِّقِينَ يَقْصِدُونَ بِذَلِكَ إِطَالَةَ مُدَّةِ الْعِدَّةِ لِيُوَسِّعُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ زَمَنَ الِارْتِيَاءِ لِلْمُرَاجَعَةِ قبل أَن يبنّ مِنْهُمْ.
وَفِعْلُ طَلَّقْتُمُ مُسْتَعْمَلٌ فِي مَعْنَى أَرَدْتُمُ الطَّلَاقَ وَهُوَ اسْتِعْمَالٌ وَارِدٌ وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ [الْمَائِدَة: ٦] الْآيَةَ وَالْقَرِينَةُ ظَاهِرَةٌ.
وَالْآيَةُ تَدُلُّ عَلَى إِبَاحَةِ التَّطْلِيقِ بِدَلَالَةِ الْإِشَارَةِ لِأَنَّ الْقُرْآنَ لَا يُقَدِّرُ حُصُولَ فِعْلٍ مُحَرَّمٍ مِنْ دُونِ أَنْ يُبَيِّنَ مَنْعَهُ.
وَالطَّلَاقُ مُبَاحٌ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ حَاجِيًّا لِبَعْضِ الْأَزْوَاجِ فَإِنَّ الزَّوْجَيْنِ شَخْصَانِ اعْتَشَرَا اعْتِشَارًا حَدِيثًا فِي الْغَالِبِ لَمْ تَكُنْ بَيْنَهُمَا قَبْلَهُ صِلَةٌ مِنْ نَسَبٍ وَلَا جِوَارٍ وَلَا تَخَلُّقٍ بِخُلُقٍ مُتَقَارِبٍ أَوْ مُتَمَاثِلٍ فَيَكْثُرُ أَنْ يَحْدُثَ بَيْنَهُمَا بَعْدَ التَّزَوُّجِ تَخَالُفٌ فِي بَعْضِ نَوَاحِي الْمُعَاشَرَةِ قَدْ يَكُونُ شَدِيدًا وَيَعْسُرُ تَذْلِيلُهُ، فَيَمَلُّ أَحَدُهُمَا وَلَا يُوجَدُ سَبِيلٌ إِلَى
وَتَكْرِيرُ فِعْلِ فَطَلِّقُوهُنَّ لِمَزِيدِ الِاهْتِمَامِ بِهِ فَلَمْ يَقُلْ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَلِطُهْرِهِنَّ وَقَدْ
تَقَدَّمَ نَظِيرُ ذَلِكَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَإِذا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ فِي سُورَةِ الشُّعَرَاءِ [١٣٠]، وَقَوْلِهِ: وَإِذا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِراماً فِي سُورَةِ الْفُرْقَانِ [٧٢].
وَاللَّامُ فِي لِعِدَّتِهِنَّ لَامُ التَّوْقِيتِ وَهِيَ بِمَعْنَى عِنْدَ مِثْلَ كُتِبَ لِيَوْمِ كَذَا مَنْ شَهْرِ كَذَا. وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ [الْإِسْرَاء: ٧٨] لَا تَحْتَمِلُ هَذِهِ اللَّامُ غَيْرَ ذَلِكَ مِنَ الْمَعَانِي الَّتِي تَأْتِي لَهَا اللَّامُ. وَلَمَّا كَانَ مَدْخُولُ اللَّامِ هُنَا غَيْرَ زَمَانٍ عُلِمَ أَنَّ الْمُرَادَ الْوَقْتُ الْمُضَافِ إِلَى عِدَّتِهِنَّ أَيْ وَقْتُ الطُّهْرِ.
وَمَعْنَى التَّرْكِيبِ أَنَّ عِدَّةَ النِّسَاءِ جُعِلَتْ وَقْتًا لِإِيقَاعِ طَلَاقِهِنَّ فَكُنِّيَ بِالْعِدَّةِ عَنِ الطُّهْرِ لِأَنَّ الْمُطَلَّقَةَ تَعْتَدُّ بِالْأَطْهَارِ.
وَفَائِدَةُ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ إِيمَاءً إِلَى حِكْمَةِ هَذَا التَّشْرِيعِ وَهِيَ أَنْ يَكُونَ الطَّلَاقُ عِنْدَ ابْتِدَاءِ الْعِدَّةِ وَإِنَّمَا تُبْتَدَأُ الْعِدَّةُ بِأَوَّلِ طُهْرٍ مِنْ أَطْهَارٍ ثَلَاثَةٍ لِدَفْعِ الْمَضَرَّةِ عَنِ الْمُطَلَّقَةِ بِإِطَالَةِ انْتِظَارِ تَزْوِيجِهَا لِأَنَّ مَا بَيْنَ حَيْضِهَا إِذَا طُلِّقَتْ فِيهِ وَبَيْنَ طُهْرِهَا أَيَّامٌ غَيْرُ مَحْسُوبَةٍ فِي عِدَّتِهَا فَكَانَ أَكْثَرُ الْمُطَلِّقِينَ يَقْصِدُونَ بِذَلِكَ إِطَالَةَ مُدَّةِ الْعِدَّةِ لِيُوَسِّعُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ زَمَنَ الِارْتِيَاءِ لِلْمُرَاجَعَةِ قبل أَن يبنّ مِنْهُمْ.
وَفِعْلُ طَلَّقْتُمُ مُسْتَعْمَلٌ فِي مَعْنَى أَرَدْتُمُ الطَّلَاقَ وَهُوَ اسْتِعْمَالٌ وَارِدٌ وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ [الْمَائِدَة: ٦] الْآيَةَ وَالْقَرِينَةُ ظَاهِرَةٌ.
وَالْآيَةُ تَدُلُّ عَلَى إِبَاحَةِ التَّطْلِيقِ بِدَلَالَةِ الْإِشَارَةِ لِأَنَّ الْقُرْآنَ لَا يُقَدِّرُ حُصُولَ فِعْلٍ مُحَرَّمٍ مِنْ دُونِ أَنْ يُبَيِّنَ مَنْعَهُ.
وَالطَّلَاقُ مُبَاحٌ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ حَاجِيًّا لِبَعْضِ الْأَزْوَاجِ فَإِنَّ الزَّوْجَيْنِ شَخْصَانِ اعْتَشَرَا اعْتِشَارًا حَدِيثًا فِي الْغَالِبِ لَمْ تَكُنْ بَيْنَهُمَا قَبْلَهُ صِلَةٌ مِنْ نَسَبٍ وَلَا جِوَارٍ وَلَا تَخَلُّقٍ بِخُلُقٍ مُتَقَارِبٍ أَوْ مُتَمَاثِلٍ فَيَكْثُرُ أَنْ يَحْدُثَ بَيْنَهُمَا بَعْدَ التَّزَوُّجِ تَخَالُفٌ فِي بَعْضِ نَوَاحِي الْمُعَاشَرَةِ قَدْ يَكُونُ شَدِيدًا وَيَعْسُرُ تَذْلِيلُهُ، فَيَمَلُّ أَحَدُهُمَا وَلَا يُوجَدُ سَبِيلٌ إِلَى
295
إِرَاحَتِهِمَا مِنْ ذَلِكَ إِلَّا التَّفْرِقَةَ بَيْنَهُمَا فَأَحَلَّهُ اللَّهُ لِأَنَّهُ حَاجِيٌّ وَلَكِنَّهُ مَا أَحَلَّهُ إِلَّا لِدَفْعِ الضُّرِّ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُجْعَلَ الْإِذْنُ فِيهِ ذَرِيعَةً لِلنِّكَايَةِ مِنْ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ بِالْآخَرِ. أَوْ مِنْ ذَوِي قَرَابَتِهِمَا، أَوْ لِقَصْدِ تَبْدِيلِ الْمَذَاقِ. وَلِذَلِكَ
قَالَ النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَبْغَضُ الْحَلَالِ إِلَى اللَّهِ الطَّلَاقُ»
. وَتَعْلِيقُ طَلَّقْتُمُ بِإِذَا الشَّرْطِيَّةِ مُشْعِرٌ بِأَنَّ الطَّلَاقَ خِلَافُ الْأَصْلِ فِي عَلَاقَةِ الزَّوْجَيْنِ
الَّتِي قَالَ اللَّهُ فِيهَا: وَمِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْها وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً [الرّوم: ٢١].
وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي أَن النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَلَّقَ وَجَزَمَ بِهِ الْخَطَّابِيُّ فِي «شَرْحِ سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ» : وَلَمْ يَثْبُتْ تطليق النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِحَدِيثٍ صَحِيحٍ وَالْمَرْوِيُّ فِي ذَلِكَ خَبَرَانِ، أَوَّلَهُمَا مَا
رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ عَنْ سُوَيْدِ بْنِ سَعِيدٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرِ بْنِ زُرَارَةَ وَمَسْرُوقِ بْنِ الْمَرْزُبَانِ بِسَنَدِهِمْ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّ رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَلَّقَ حَفْصَةَ ثُمَّ رَاجَعَهَا
. وَفِي هَذَا السَّنَدِ ضَعْفٌ لِأَنَّ سُوَيْدَ بْنَ سَعِيدٍ ضَعِيفٌ نَسَبَهُ ابْنُ مَعِينٍ إِلَى الْكَذِبِ وَضَعَّفَهُ ابْنُ الْمَدِينِيِّ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ عَدِيِّ. وَقَبِلَهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَأَبُو حَاتِمِ. وَكَذَلِكَ مَسْرُوقُ بْنُ الْمَرْزُبَانِ يُضَعَّفُ أَيْضًا. وَبَقِيَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَامِرِ بْنِ زُرَارَةَ لَا مُتَكَلَّمَ فِيهِ فَيَكُونُ الْحَدِيثُ صَحِيحًا لَكِنَّهُ غَرِيبٌ وَهُوَ لَا يُقْبَلُ فِيمَا تَتَوَفَّرُ الدَّوَاعِي عَلَى رِوَايَتِهِ كَهَذَا. وَهَذَا الْحَدِيثُ غَرِيبٌ فِي مَبْدَئِهِ وَمُنْتَهَاهُ لِانْفِرَادِ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ بِرِوَايَتِهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَانْفِرَادِ ابْنِ عَبَّاسٍ بِرِوَايَتِهِ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ مَعَ عَدَمِ إِخْرَاجِ أَهْلِ الصَّحِيحِ إِيَّاهُ فَالْأَشْبَهُ أَنَّهُ لَمْ يَقَعْ طَلَاق النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَفْصَةَ وَلَكِنْ كَانَتْ قَضِيَّةُ الْإِيلَاءِ بِسَبَبِ حَفْصَةَ.
وَالْمَعْرُوفُ
فِي «الصَّحِيحِ» عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّ رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آلَى مِنْ نِسَائِهِ فَقَالَ النَّاسُ طَلَّقَ رَسُولُ اللَّهِ نِسَاءَهُ. قَالَ عُمَرُ: «فَقَلَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَطَلَّقْتَ نِسَاءَكَ؟، قَالَ: «لَا آلَيْتُ مِنْهُنَّ شَهْرًا»
. فَلَعَلَّ أَحَدَ رُوَاةِ الْحَدِيثِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَبَّرَ عَنِ الْإِيلَاءِ بِلَفْظِ التَّطْلِيقِ وَعَنِ الْفَيْئَةِ بِلَفْظِ رَاجَعَ عَلَى أَنَّ ابْنَ مَاجَهْ يَضْعُفُ عِنْدَ أَهْلِ النَّقْدِ.
وَثَانِيهُمَا:
حَدِيثُ الْجُونِيَّةِ أَسْمَاءَ أَوْ أُمَيْمَةَ بِنْتِ شَرَاحِيلَ الْكِنْدِيَّةِ فِي «الصَّحِيحِ» : أَنَّ رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَزَوَّجَهَا وَأَنَّهُ لَمَّا دَخَلَ يَبْنِي بِهَا قَالَتْ لَهُ: «أَعُوذُ بِاللهِ مِنْكَ، فَقَالَ:
قَالَ النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَبْغَضُ الْحَلَالِ إِلَى اللَّهِ الطَّلَاقُ»
. وَتَعْلِيقُ طَلَّقْتُمُ بِإِذَا الشَّرْطِيَّةِ مُشْعِرٌ بِأَنَّ الطَّلَاقَ خِلَافُ الْأَصْلِ فِي عَلَاقَةِ الزَّوْجَيْنِ
الَّتِي قَالَ اللَّهُ فِيهَا: وَمِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْها وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً [الرّوم: ٢١].
وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي أَن النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَلَّقَ وَجَزَمَ بِهِ الْخَطَّابِيُّ فِي «شَرْحِ سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ» : وَلَمْ يَثْبُتْ تطليق النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِحَدِيثٍ صَحِيحٍ وَالْمَرْوِيُّ فِي ذَلِكَ خَبَرَانِ، أَوَّلَهُمَا مَا
رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ عَنْ سُوَيْدِ بْنِ سَعِيدٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرِ بْنِ زُرَارَةَ وَمَسْرُوقِ بْنِ الْمَرْزُبَانِ بِسَنَدِهِمْ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّ رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَلَّقَ حَفْصَةَ ثُمَّ رَاجَعَهَا
. وَفِي هَذَا السَّنَدِ ضَعْفٌ لِأَنَّ سُوَيْدَ بْنَ سَعِيدٍ ضَعِيفٌ نَسَبَهُ ابْنُ مَعِينٍ إِلَى الْكَذِبِ وَضَعَّفَهُ ابْنُ الْمَدِينِيِّ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ عَدِيِّ. وَقَبِلَهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَأَبُو حَاتِمِ. وَكَذَلِكَ مَسْرُوقُ بْنُ الْمَرْزُبَانِ يُضَعَّفُ أَيْضًا. وَبَقِيَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَامِرِ بْنِ زُرَارَةَ لَا مُتَكَلَّمَ فِيهِ فَيَكُونُ الْحَدِيثُ صَحِيحًا لَكِنَّهُ غَرِيبٌ وَهُوَ لَا يُقْبَلُ فِيمَا تَتَوَفَّرُ الدَّوَاعِي عَلَى رِوَايَتِهِ كَهَذَا. وَهَذَا الْحَدِيثُ غَرِيبٌ فِي مَبْدَئِهِ وَمُنْتَهَاهُ لِانْفِرَادِ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ بِرِوَايَتِهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَانْفِرَادِ ابْنِ عَبَّاسٍ بِرِوَايَتِهِ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ مَعَ عَدَمِ إِخْرَاجِ أَهْلِ الصَّحِيحِ إِيَّاهُ فَالْأَشْبَهُ أَنَّهُ لَمْ يَقَعْ طَلَاق النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَفْصَةَ وَلَكِنْ كَانَتْ قَضِيَّةُ الْإِيلَاءِ بِسَبَبِ حَفْصَةَ.
وَالْمَعْرُوفُ
فِي «الصَّحِيحِ» عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّ رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آلَى مِنْ نِسَائِهِ فَقَالَ النَّاسُ طَلَّقَ رَسُولُ اللَّهِ نِسَاءَهُ. قَالَ عُمَرُ: «فَقَلَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَطَلَّقْتَ نِسَاءَكَ؟، قَالَ: «لَا آلَيْتُ مِنْهُنَّ شَهْرًا»
. فَلَعَلَّ أَحَدَ رُوَاةِ الْحَدِيثِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَبَّرَ عَنِ الْإِيلَاءِ بِلَفْظِ التَّطْلِيقِ وَعَنِ الْفَيْئَةِ بِلَفْظِ رَاجَعَ عَلَى أَنَّ ابْنَ مَاجَهْ يَضْعُفُ عِنْدَ أَهْلِ النَّقْدِ.
وَثَانِيهُمَا:
حَدِيثُ الْجُونِيَّةِ أَسْمَاءَ أَوْ أُمَيْمَةَ بِنْتِ شَرَاحِيلَ الْكِنْدِيَّةِ فِي «الصَّحِيحِ» : أَنَّ رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَزَوَّجَهَا وَأَنَّهُ لَمَّا دَخَلَ يَبْنِي بِهَا قَالَتْ لَهُ: «أَعُوذُ بِاللهِ مِنْكَ، فَقَالَ:
296
قَدْ عُذْتِ بِمَعَاذٍ أَلْحَقِي بِأَهْلِكِ»
وَأَمَرَ أَبَا أُسَيْدٍ السَّاعِدِيَّ أَنْ يَكْسُوَهَا ثَوْبَيْنِ وَأَنْ يُلْحِقَهَا بِأَهْلِهَا، وَلَعَلَّهَا أَرَادَتْ إِظْهَارَ شَرَفِهَا وَالتَّظَاهُرَ بِأَنَّهَا لَا تَرْغَبُ فِي الرِّجَالِ وَهُوَ خُلُقٌ شَائِعٌ فِي النِّسَاءِ.
وَالْأَشْبَهُ أَنَّ هَذَا طَلَاقٌ وَأَنَّهُ كَانَ عَلَى سَبَبِ سُؤَالِهَا فَهُوَ مِثْلُ التَّخْيِيرِ الَّذِي قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِ: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَياةَ الدُّنْيا فِي سُورَةِ الْأَحْزَابِ [٢٨]. فَلَا يُعَارِضُ ذَلِكَ
قَوْلَهُ: «أَبْغَضُ الْحَلَالِ إِلَى اللَّهِ الطَّلَاقُ»
. إِذْ يَكُونُ قَوْلُهُ ذَلِكَ مَخْصُوصًا بِالطَّلَاقِ الَّذِي يَأْتِيهِ الزَّوْجُ بِدَاعٍ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِهِ لِأَنَّ عِلَّةَ الْكَرَاهِيَةِ هِيَ مَا يُخَلِّفُهُ الطَّلَاقُ مِنْ بَغْضَاءِ الْمُطَلَّقَةِ مَنْ يُطَلِّقُهَا فَلَا يَصْدُرُ من النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ابْتِدَاءً تَجَنُّبًا مِنْ أَنْ تَبْغَضَهُ الْمُطْلَقَةُ فَيَكُونُ ذَلِكَ وَبَالًا عَلَيْهَا، فَأَمَّا إِذَا سَأَلَتْهُ فَقَدِ انْتَفَتِ الذَّرِيعَةُ الَّتِي يَجِبُ سَدُّهَا.
وَعُلِمَ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: لِعِدَّتِهِنَّ أَنَّهُنَّ النِّسَاءُ الْمَدْخُولُ بِهِنَّ لِأَنَّ غَيْرَ الْمَدْخُولِ بِهِنَّ لَا عِدَّةَ لَهُنَّ إِجْمَاعًا بِنَصِّ آيَةِ الْأَحْزَابِ.
وَهَذِهِ الْآيَةُ حُجَّةٌ لِمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَالْجُمْهُورِ أَنَّ الْعِدَّةَ بِالْأَطْهَارَ لَا بِالْحَيْضِ فَإِنَّ الْآيَةَ دَلَّتْ عَلَى أَنْ يَكُونَ إِيقَاعُ الطَّلَاقِ عِنْدَ مَبْدَإِ الِاعْتِدَادِ فَلَوْ كَانَ مَبْدَأُ الِاعْتِدَادِ هُوَ الْحَيْضُ لَكَانَتِ الْآيَةُ أَمْرًا بِإِيقَاعِ الطَّلَاقِ فِي الْحَيْضِ وَلَا خِلَافَ فِي أَنَّ ذَلِكَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ لِحَدِيثِ عُمَرَ فِي قَضِيَّةِ طَلَاقِ ابْنِهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ زَوْجَهُ وَهِيَ حَائِضٌ. وَاتَّفَقَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى الْأَخْذِ بِهِ فَكَيْفَ يُخَالِفُ مُخَالِفٌ فِي مَعْنَى الْقَرْءِ خِلَافًا يُفْضِي إِلَى إِبْطَالِ حُكْمِ الْقَضِيَّةِ فِي ابْنِ عُمَرَ وَقَدْ كَانَتِ الْعِدَّةُ مَشْرُوعَةً مِنْ قَبْلُ بِآيَةِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ وَآيَاتِ الْأَحْزَابِ فَلِذَلِكَ كَانَ نَوْطُ إِيقَاعِ الطَّلَاقِ بِالْحَالِ الَّتِي تَكُونُ بِهَا الْعِدَّةُ إِحَالَةً عَلَى أَمْرٍ مَعْلُومٍ لَهُمْ.
وَحِكْمَةُ الْعِدَّةِ تَقَدَّمَ بَيَانُهَا.
وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ.
الْإِحْصَاءُ: مَعْرِفَةُ الْعَدِّ وَضَبْطُهُ. وَهُوَ مُشْتَقٌّ مِنَ الْحَصَى وَهِيَ صِغَارُ الْحِجَارَةِ لِأَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا كَثُرَتْ أَعْدَادُ شَيْءٍ جَعَلُوا لِكُلِّ مَعْدُودٍ حَصَاةً ثُمَّ عَدُّوا ذَلِكَ الْحَصَى، قَالَ تَعَالَى:
وَأَحْصى كُلَّ شَيْءٍ عَدَداً [الْجِنّ: ٢٨].
وَأَمَرَ أَبَا أُسَيْدٍ السَّاعِدِيَّ أَنْ يَكْسُوَهَا ثَوْبَيْنِ وَأَنْ يُلْحِقَهَا بِأَهْلِهَا، وَلَعَلَّهَا أَرَادَتْ إِظْهَارَ شَرَفِهَا وَالتَّظَاهُرَ بِأَنَّهَا لَا تَرْغَبُ فِي الرِّجَالِ وَهُوَ خُلُقٌ شَائِعٌ فِي النِّسَاءِ.
وَالْأَشْبَهُ أَنَّ هَذَا طَلَاقٌ وَأَنَّهُ كَانَ عَلَى سَبَبِ سُؤَالِهَا فَهُوَ مِثْلُ التَّخْيِيرِ الَّذِي قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِ: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَياةَ الدُّنْيا فِي سُورَةِ الْأَحْزَابِ [٢٨]. فَلَا يُعَارِضُ ذَلِكَ
قَوْلَهُ: «أَبْغَضُ الْحَلَالِ إِلَى اللَّهِ الطَّلَاقُ»
. إِذْ يَكُونُ قَوْلُهُ ذَلِكَ مَخْصُوصًا بِالطَّلَاقِ الَّذِي يَأْتِيهِ الزَّوْجُ بِدَاعٍ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِهِ لِأَنَّ عِلَّةَ الْكَرَاهِيَةِ هِيَ مَا يُخَلِّفُهُ الطَّلَاقُ مِنْ بَغْضَاءِ الْمُطَلَّقَةِ مَنْ يُطَلِّقُهَا فَلَا يَصْدُرُ من النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ابْتِدَاءً تَجَنُّبًا مِنْ أَنْ تَبْغَضَهُ الْمُطْلَقَةُ فَيَكُونُ ذَلِكَ وَبَالًا عَلَيْهَا، فَأَمَّا إِذَا سَأَلَتْهُ فَقَدِ انْتَفَتِ الذَّرِيعَةُ الَّتِي يَجِبُ سَدُّهَا.
وَعُلِمَ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: لِعِدَّتِهِنَّ أَنَّهُنَّ النِّسَاءُ الْمَدْخُولُ بِهِنَّ لِأَنَّ غَيْرَ الْمَدْخُولِ بِهِنَّ لَا عِدَّةَ لَهُنَّ إِجْمَاعًا بِنَصِّ آيَةِ الْأَحْزَابِ.
وَهَذِهِ الْآيَةُ حُجَّةٌ لِمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَالْجُمْهُورِ أَنَّ الْعِدَّةَ بِالْأَطْهَارَ لَا بِالْحَيْضِ فَإِنَّ الْآيَةَ دَلَّتْ عَلَى أَنْ يَكُونَ إِيقَاعُ الطَّلَاقِ عِنْدَ مَبْدَإِ الِاعْتِدَادِ فَلَوْ كَانَ مَبْدَأُ الِاعْتِدَادِ هُوَ الْحَيْضُ لَكَانَتِ الْآيَةُ أَمْرًا بِإِيقَاعِ الطَّلَاقِ فِي الْحَيْضِ وَلَا خِلَافَ فِي أَنَّ ذَلِكَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ لِحَدِيثِ عُمَرَ فِي قَضِيَّةِ طَلَاقِ ابْنِهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ زَوْجَهُ وَهِيَ حَائِضٌ. وَاتَّفَقَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى الْأَخْذِ بِهِ فَكَيْفَ يُخَالِفُ مُخَالِفٌ فِي مَعْنَى الْقَرْءِ خِلَافًا يُفْضِي إِلَى إِبْطَالِ حُكْمِ الْقَضِيَّةِ فِي ابْنِ عُمَرَ وَقَدْ كَانَتِ الْعِدَّةُ مَشْرُوعَةً مِنْ قَبْلُ بِآيَةِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ وَآيَاتِ الْأَحْزَابِ فَلِذَلِكَ كَانَ نَوْطُ إِيقَاعِ الطَّلَاقِ بِالْحَالِ الَّتِي تَكُونُ بِهَا الْعِدَّةُ إِحَالَةً عَلَى أَمْرٍ مَعْلُومٍ لَهُمْ.
وَحِكْمَةُ الْعِدَّةِ تَقَدَّمَ بَيَانُهَا.
وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ.
الْإِحْصَاءُ: مَعْرِفَةُ الْعَدِّ وَضَبْطُهُ. وَهُوَ مُشْتَقٌّ مِنَ الْحَصَى وَهِيَ صِغَارُ الْحِجَارَةِ لِأَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا كَثُرَتْ أَعْدَادُ شَيْءٍ جَعَلُوا لِكُلِّ مَعْدُودٍ حَصَاةً ثُمَّ عَدُّوا ذَلِكَ الْحَصَى، قَالَ تَعَالَى:
وَأَحْصى كُلَّ شَيْءٍ عَدَداً [الْجِنّ: ٢٨].
297
وَالْمَعْنَى: الْأَمْرُ بِضَبْطِ أَيَّامِ الْعِدَّةِ وَالْإِتْيَانُ عَلَى جَمِيعِهَا وَعَدَمُ التَّسَاهُلِ فِيهَا لِأَنَّ التَّسَاهُلَ فِيهَا ذَرِيعَةٌ إِلَى أَحَدِ أَمْرَيْنِ إِمَّا التَّزْوِيجِ قَبْلَ انْتِهَائِهَا فَرُبَّمَا اخْتَلَطَ النَّسَبُ، وَإِمَّا تَطْوِيلِ الْمُدَّةِ عَلَى الْمُطَلَّقَةِ فِي أَيَّامِ مَنْعِهَا مِنَ التَّزَوُّجِ لِأَنَّهَا فِي مُدَّةِ الْعِدَّةِ لَا تَخْلُو مِنْ حَاجَةٍ إِلَى مَنْ يَقُومُ بِهَا.
وَأَمَّا فَوَاتُ أَمَدِ الْمُرَاجَعَةِ إِذَا كَانَ الْمُطَلِّقُ قَدْ ثَابَ إِلَى مُرَاجَعَةِ امْرَأَتِهِ.
وَالتَّعْرِيفُ فِي الْعِدَّةِ لِلْعَهْدِ فَإِنَّ الِاعْتِدَادَ مَشْرُوعٌ مِنْ قَبْلُ كَمَا عَلِمْتَهُ آنِفًا وَالْكَلَامُ عَلَى تَقْدِيرٍ مُضَافٍ لِأَنَّ الْمُحْصَى أَيَّامُ الْعِدَّةِ.
وَالْمُخَاطَبُ بِضَمِيرِ أَحْصُوا هُمُ الْمُخَاطَبُونَ بِضَمِيرِ إِذا طَلَّقْتُمُ فَيَأْخُذُ كُلُّ مَنْ يَتَعَلَّقُ بِهِ هَذَا الْحُكْمُ حَظَّهُ مِنَ الْمُطَلِّقِ وَالْمُطَلَّقَةِ وَمَنْ يَطَّلِعُ عَلَى مُخَالَفَةِ ذَلِكَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَخَاصَّةً وُلَاةَ الْأُمُورِ مِنَ الْحُكَّامِ وَأَهْلِ الْحِسْبَةِ فَإِنَّهُمُ الْأَوْلَى بِإِقَامَةِ شَرَائِعِ اللَّهِ فِي الْأُمَّةِ وَبِخَاصَّةٍ إِذَا رَأَوْا تَفَشِّيَ الِاسْتِخْفَافِ بِمَا قَصَدَتْهُ الشَّرِيعَةُ. وَقَدْ بَيِّنَّا ذَلِكَ فِي بَابِ مَقَاصِدِ الْقَضَاءِ مِنْ كِتَابِي «مَقَاصِدُ الشَّرِيعَةِ».
فَفِي الْعِدَّةِ مَصَالِحُ كَثِيرَةٌ وَتَحْتَهَا حُقُوقٌ مُخْتَلِفَةٌ اقْتَضَتْهَا تِلْكَ الْمَصَالِحُ الْكَثِيرَةُ وَأَكْثَرُ تِلْكَ الْحُقُوقِ لِلْمُطَلِّقِ وَالْمُطْلَقَةِ وَهِيَ تَسْتَتْبِعُ حُقُوقًا لِلْمُسْلِمِينَ وَوُلَاةِ أُمُورِهِمْ فِي الْمُحَافَظَةِ عَلَى تِلْكَ الْحُقُوقِ وَخَاصَّةً عِنْدَ التَّحَاكُمِ.
وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ.
اعْتِرَاضٌ بَيْنَ جُمْلَةِ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَجُمْلَةِ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَالْوَاوُ اعْتِرَاضِيَّةٌ.
وَحُذِفَ مُتَعَلَّقُ اتَّقُوا اللَّهَ لِيَعُمَّ جَمِيعَ مَا يُتَّقَى اللَّهُ فِيهِ فَيَكُونُ هَذَا مِنْ قَبِيلِ الِاعْتِرَاضِ التَّذْيِيلِيِّ وَأَوَّلُ مَا يُقْصَدُ بِأَنْ يُتَّقَى اللَّهُ فِيهِ مَا سِيقَ الْكَلَامُ لِأَجْلِهِ.
فَقَوْلُهُ: وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ تَحْذِيرٌ مِنَ التَّسَاهُلِ فِي أَحْكَامِ الطَّلَاقِ وَالْعِدَّةِ. ذَلِك أَنَّ أَهْلَ الْجَاهِلِيَّةِ لَمْ يَكُونُوا يُقِيمُونَ لِلنِّسَاءِ وَزْنًا وَكَانَ قُرَابَةُ الْمُطَلَّقَاتِ قَلَّمَا يُدَافِعْنَ عَنْهُنَّ فَتَنَاسَى النَّاسُ تِلْكَ الْحُقُوقَ وَغَمَصُوهَا فَلِذَلِكَ كَانَتْ هَذِهِ الْآيَاتُ
وَأَمَّا فَوَاتُ أَمَدِ الْمُرَاجَعَةِ إِذَا كَانَ الْمُطَلِّقُ قَدْ ثَابَ إِلَى مُرَاجَعَةِ امْرَأَتِهِ.
وَالتَّعْرِيفُ فِي الْعِدَّةِ لِلْعَهْدِ فَإِنَّ الِاعْتِدَادَ مَشْرُوعٌ مِنْ قَبْلُ كَمَا عَلِمْتَهُ آنِفًا وَالْكَلَامُ عَلَى تَقْدِيرٍ مُضَافٍ لِأَنَّ الْمُحْصَى أَيَّامُ الْعِدَّةِ.
وَالْمُخَاطَبُ بِضَمِيرِ أَحْصُوا هُمُ الْمُخَاطَبُونَ بِضَمِيرِ إِذا طَلَّقْتُمُ فَيَأْخُذُ كُلُّ مَنْ يَتَعَلَّقُ بِهِ هَذَا الْحُكْمُ حَظَّهُ مِنَ الْمُطَلِّقِ وَالْمُطَلَّقَةِ وَمَنْ يَطَّلِعُ عَلَى مُخَالَفَةِ ذَلِكَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَخَاصَّةً وُلَاةَ الْأُمُورِ مِنَ الْحُكَّامِ وَأَهْلِ الْحِسْبَةِ فَإِنَّهُمُ الْأَوْلَى بِإِقَامَةِ شَرَائِعِ اللَّهِ فِي الْأُمَّةِ وَبِخَاصَّةٍ إِذَا رَأَوْا تَفَشِّيَ الِاسْتِخْفَافِ بِمَا قَصَدَتْهُ الشَّرِيعَةُ. وَقَدْ بَيِّنَّا ذَلِكَ فِي بَابِ مَقَاصِدِ الْقَضَاءِ مِنْ كِتَابِي «مَقَاصِدُ الشَّرِيعَةِ».
فَفِي الْعِدَّةِ مَصَالِحُ كَثِيرَةٌ وَتَحْتَهَا حُقُوقٌ مُخْتَلِفَةٌ اقْتَضَتْهَا تِلْكَ الْمَصَالِحُ الْكَثِيرَةُ وَأَكْثَرُ تِلْكَ الْحُقُوقِ لِلْمُطَلِّقِ وَالْمُطْلَقَةِ وَهِيَ تَسْتَتْبِعُ حُقُوقًا لِلْمُسْلِمِينَ وَوُلَاةِ أُمُورِهِمْ فِي الْمُحَافَظَةِ عَلَى تِلْكَ الْحُقُوقِ وَخَاصَّةً عِنْدَ التَّحَاكُمِ.
وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ.
اعْتِرَاضٌ بَيْنَ جُمْلَةِ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَجُمْلَةِ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَالْوَاوُ اعْتِرَاضِيَّةٌ.
وَحُذِفَ مُتَعَلَّقُ اتَّقُوا اللَّهَ لِيَعُمَّ جَمِيعَ مَا يُتَّقَى اللَّهُ فِيهِ فَيَكُونُ هَذَا مِنْ قَبِيلِ الِاعْتِرَاضِ التَّذْيِيلِيِّ وَأَوَّلُ مَا يُقْصَدُ بِأَنْ يُتَّقَى اللَّهُ فِيهِ مَا سِيقَ الْكَلَامُ لِأَجْلِهِ.
فَقَوْلُهُ: وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ تَحْذِيرٌ مِنَ التَّسَاهُلِ فِي أَحْكَامِ الطَّلَاقِ وَالْعِدَّةِ. ذَلِك أَنَّ أَهْلَ الْجَاهِلِيَّةِ لَمْ يَكُونُوا يُقِيمُونَ لِلنِّسَاءِ وَزْنًا وَكَانَ قُرَابَةُ الْمُطَلَّقَاتِ قَلَّمَا يُدَافِعْنَ عَنْهُنَّ فَتَنَاسَى النَّاسُ تِلْكَ الْحُقُوقَ وَغَمَصُوهَا فَلِذَلِكَ كَانَتْ هَذِهِ الْآيَاتُ
298
شَدِيدَةَ اللَّهْجَةِ فِي التَّحَدِّي، وَعَبَّرَ عَنْ تِلْكَ الْحُقُوقِ بِالتَّقْوَى وَبِحُدُودِ اللَّهِ وَلِزِيَادَةِ الْحِرْصِ عَلَى التَّقْوَى اتْبُعَ اسْمُ الْجَلَالَةِ بِوَصْفِ رَبَّكُمُ لِلتَّذْكِيرِ بِأَنَّهُ حَقِيقٌ بِأَنْ يُتَّقَى غَضَبُهُ.
لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ.
اسْتِئْنَافٌ أَوْ حَالٌ مِنْ ضَمِيرِ أَحْصُوا الْعِدَّةَ، أَيْ حَالَةَ كَوْنِ الْعِدَّةِ فِي بِيُوتِهِنَّ، وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ بَدَلَ اشْتِمَالٍ مِنْ مَضْمُونِ جُمْلَةِ أَحْصُوا الْعِدَّةَ لِأَنَّ مَكْثَهُنَّ فِي بُيُوتِهِنَّ فِي مُدَّةِ الْعِدَّةِ يُحَقِّقُ مَعْنَى إِحْصَاءِ الْعِدَّةِ.
وَلِكِلَا الْوَجْهَيْنِ جُرِّدَتِ الْجُمْلَةُ عَنِ الِاقْتِرَانِ بِالْوَاوِ جَوَازًا أَوْ وُجُوبًا.
وَفِي إِضَافَةِ الْبُيُوتِ إِلَى ضَمِيرِ النِّسَاءِ إِيمَاءٌ إِلَى أَنَّهُنَّ مُسْتَحِقَّاتٌ الْمَكْثَ فِي الْبُيُوتِ مُدَّةَ الْعِدَّةِ بِمَنْزِلَةِ مَالِكِ الشَّيْءِ وَهَذَا مَا يُسَمَّى فِي الْفِقْهِ مِلْكَ الِانْتِفَاعِ دُونَ الْعَيْنِ وَلِأَنَّ بَقَاءَ الْمُطَلَّقَاتِ فِي الْبُيُوتِ اللَّاتِي كُنَّ فِيهَا أَزْوَاجًا اسْتِصْحَابٌ لِحَالِ الزَّوْجِيَّةِ إِذِ الزَّوْجَةُ هِيَ الْمُتَصَرِّفَةُ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا وَلِذَلِكَ يَدْعُوهَا الْعَرَبُ «رَبَّةَ الْبَيْتِ» وَلِلْمُطَلَّقَةِ حُكْمُ الزَّوْجَةِ مَا دَامَتْ فِي الْعِدَّةِ إِلَّا فِي اسْتِمْتَاعِ الْمُطَلِّقِ.
وَهَذَا الْحُكْمُ سَبَبُهُ مُرَكَّبٌ مِنْ قَصْدِ الْمُكَارَمَةِ بَيْنَ الْمُطَلِّقِ وَالْمُطَلَّقَةِ. وَقَصْدُ الِانْضِبَاطِ فِي عِلَّةِ الِاعْتِدَادِ تَكْمِيلًا لِتَحَقُقِ لِحَاقِ مَا يَظْهَرُ مِنْ حَمْلٍ بِأَبِيهِ الْمُطَلِّقِ حَتَّى يَبْرَأَ النَّسَبُ مِنْ
كُلِّ شَكٍّ.
وَجُمْلَةُ وَلا يَخْرُجْنَ عَطْفٌ عَلَى جُمْلَةٍ لَا تُخْرِجُوهُنَّ وَهُوَ نَهْيٌ لَهُنَّ عَنِ الْخُرُوجِ فَإِنَّ الْمُطَلِّقَ قَدْ يُخْرِجُهَا فَتَرْغَبُ الْمُطَلَّقَةُ فِي الْخُرُوجِ لِأَنَّهَا تَسْتَثْقِلُ الْبَقَاءَ فِي بَيْتٍ زَالَتْ عَنْهُ سِيَادَتُهَا فَنَهَاهُنَّ اللَّهُ عَنِ الْخُرُوجِ. فَإِذَا كَانَ الْبَيْتُ مُكْتَرًى سَكَنَتْهُ الْمُطَلَّقَةُ وَكِرَاؤُهُ عَلَى الْمُطَلِّقِ وَإِذَا انْتَهَى أَمَدُ كَرَائِهِ فَعَلَى الْمُطَلِّقِ تَجْدِيدُهُ إِلَى انْتِهَاءِ عِدَّةِ الْمُطَلَّقَةِ.
وَهَذَا التَّرْتِبُ بَيْنَ الْجُمْلَتَيْنِ يُشْعِرُ بِالسَّبَبِيَّةِ وَأَنَّ لِكُلِّ امْرَأَةٍ مُعْتَدَّةٍ حَقَّ السُّكْنَى فِي بَيْتِ زَوْجِهَا مُدَّةَ الْعِدَّةِ لِأَنَّهَا مُعْتَدَّةٌ لِأَجْلِهِ أَيْ لِأَجْلِ حِفْظِ نَسَبِهِ وَعِرْضِهِ فَهَذَا
لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ.
اسْتِئْنَافٌ أَوْ حَالٌ مِنْ ضَمِيرِ أَحْصُوا الْعِدَّةَ، أَيْ حَالَةَ كَوْنِ الْعِدَّةِ فِي بِيُوتِهِنَّ، وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ بَدَلَ اشْتِمَالٍ مِنْ مَضْمُونِ جُمْلَةِ أَحْصُوا الْعِدَّةَ لِأَنَّ مَكْثَهُنَّ فِي بُيُوتِهِنَّ فِي مُدَّةِ الْعِدَّةِ يُحَقِّقُ مَعْنَى إِحْصَاءِ الْعِدَّةِ.
وَلِكِلَا الْوَجْهَيْنِ جُرِّدَتِ الْجُمْلَةُ عَنِ الِاقْتِرَانِ بِالْوَاوِ جَوَازًا أَوْ وُجُوبًا.
وَفِي إِضَافَةِ الْبُيُوتِ إِلَى ضَمِيرِ النِّسَاءِ إِيمَاءٌ إِلَى أَنَّهُنَّ مُسْتَحِقَّاتٌ الْمَكْثَ فِي الْبُيُوتِ مُدَّةَ الْعِدَّةِ بِمَنْزِلَةِ مَالِكِ الشَّيْءِ وَهَذَا مَا يُسَمَّى فِي الْفِقْهِ مِلْكَ الِانْتِفَاعِ دُونَ الْعَيْنِ وَلِأَنَّ بَقَاءَ الْمُطَلَّقَاتِ فِي الْبُيُوتِ اللَّاتِي كُنَّ فِيهَا أَزْوَاجًا اسْتِصْحَابٌ لِحَالِ الزَّوْجِيَّةِ إِذِ الزَّوْجَةُ هِيَ الْمُتَصَرِّفَةُ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا وَلِذَلِكَ يَدْعُوهَا الْعَرَبُ «رَبَّةَ الْبَيْتِ» وَلِلْمُطَلَّقَةِ حُكْمُ الزَّوْجَةِ مَا دَامَتْ فِي الْعِدَّةِ إِلَّا فِي اسْتِمْتَاعِ الْمُطَلِّقِ.
وَهَذَا الْحُكْمُ سَبَبُهُ مُرَكَّبٌ مِنْ قَصْدِ الْمُكَارَمَةِ بَيْنَ الْمُطَلِّقِ وَالْمُطَلَّقَةِ. وَقَصْدُ الِانْضِبَاطِ فِي عِلَّةِ الِاعْتِدَادِ تَكْمِيلًا لِتَحَقُقِ لِحَاقِ مَا يَظْهَرُ مِنْ حَمْلٍ بِأَبِيهِ الْمُطَلِّقِ حَتَّى يَبْرَأَ النَّسَبُ مِنْ
كُلِّ شَكٍّ.
وَجُمْلَةُ وَلا يَخْرُجْنَ عَطْفٌ عَلَى جُمْلَةٍ لَا تُخْرِجُوهُنَّ وَهُوَ نَهْيٌ لَهُنَّ عَنِ الْخُرُوجِ فَإِنَّ الْمُطَلِّقَ قَدْ يُخْرِجُهَا فَتَرْغَبُ الْمُطَلَّقَةُ فِي الْخُرُوجِ لِأَنَّهَا تَسْتَثْقِلُ الْبَقَاءَ فِي بَيْتٍ زَالَتْ عَنْهُ سِيَادَتُهَا فَنَهَاهُنَّ اللَّهُ عَنِ الْخُرُوجِ. فَإِذَا كَانَ الْبَيْتُ مُكْتَرًى سَكَنَتْهُ الْمُطَلَّقَةُ وَكِرَاؤُهُ عَلَى الْمُطَلِّقِ وَإِذَا انْتَهَى أَمَدُ كَرَائِهِ فَعَلَى الْمُطَلِّقِ تَجْدِيدُهُ إِلَى انْتِهَاءِ عِدَّةِ الْمُطَلَّقَةِ.
وَهَذَا التَّرْتِبُ بَيْنَ الْجُمْلَتَيْنِ يُشْعِرُ بِالسَّبَبِيَّةِ وَأَنَّ لِكُلِّ امْرَأَةٍ مُعْتَدَّةٍ حَقَّ السُّكْنَى فِي بَيْتِ زَوْجِهَا مُدَّةَ الْعِدَّةِ لِأَنَّهَا مُعْتَدَّةٌ لِأَجْلِهِ أَيْ لِأَجْلِ حِفْظِ نَسَبِهِ وَعِرْضِهِ فَهَذَا
299
مُقْتَضَى الْآيَةِ.
وَلِذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ وَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ بِوُجُوبِ السُّكْنَى لِلْمُطَلَّقَةِ الْمَدْخُولِ بِهَا سَوَاءً كَانَ الطَّلَاقُ رَجْعِيًّا أَوْ بَائِنًا وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى: لَا سُكْنَى إِلَّا لِلْمُطَلَّقَةِ الرَّجْعِيَّةِ، وَعَلَّلَ وُجُوبَ الْإِسْكَانِ لِلْمُطَلَّقَةِ الْمَدْخُولِ بِهَا بِعِدَّةِ أُمُورٍ: حَفِظُ النَّسَبِ، وَجَبْرُ خَاطِرِ الْمُطَلَّقَةِ وَحِفْظُ عِرْضِهَا. وَسَيَجِيءُ فِي هَذِهِ السُّورَةِ قَوْلُهُ تَعَالَى: أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ [الطَّلَاق: ٦] الْآيَةَ. وَتَعْلَمُ أَن ذَلِك تَأْكِيدًا لِمَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ مِنْ وُجُوبِ الْإِسْكَانِ فِي الْعِدَّةِ أُعِيدَ لِيُبَيَّنَ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: مِنْ وُجْدِكُمْ [الطَّلَاق: ٦] وَمَا عُطِفَ عَلَيْهِ.
وَالِاسْتِثْنَاءُ فِي قَوْلِهِ: إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُحْتَمَلُ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى الْجُمْلَتَيْنِ اللَّتَيْنِ قَبْلَهُ كَمَا هُوَ الشَّأْنُ فِيهِ إِذَا وَرَدَ بَعْدَ جُمَلٍ عَلَى أَصَحِّ الْأَقْوَالِ لِعُلَمَاءِ الْأُصُولِ.
وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى الْأَخِيرَةِ مِنْهُمَا وَهُوَ مُقْتَضَى كَوْنِهِ مُوَافِقًا لِضَمِيرِهَا إِذْ كَانَ الضَّمِيرُ فِي كِلْتَيْهِمَا ضَمِيرَ النِّسْوَةِ. وَهُوَ اسْتِثْنَاءٌ مِنْ عُمُومِ الْأَحْوَالِ الَّتِي اقْتَضَاهَا عُمُومُ الذَّوَاتِ فِي قَوْلِهِ: لَا تُخْرِجُوهُنَّ وَلا يَخْرُجْنَ. فَالْمَعْنَى: إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ فَأَخْرَجُوهُنَّ أَوْ لِيَخْرُجْنَ، أَيْ يُبَاحُ لَكُمْ إِخْرَاجُهُنَّ وَلَيْسَ لَهُنَّ الِامْتِنَاعُ مِنَ الْخُرُوجِ وَكَذَلِكَ عَكْسُهُ.
وَالْفَاحِشَةُ: الْفِعْلَةُ الشَّدِيدَةُ السُّوءِ بِهِذَا غَلَبَ إِطْلَاقُهَا فِي عُرْفِ اللُّغَةِ فَتَشْمَلُ الزِّنَا كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفاحِشَةَ مِنْ نِسائِكُمْ الْآيَةُ فِي سُورَةِ النِّسَاءِ [١٥].
وَشَمِلَ غَيْرَهُ مِنَ الْأَعْمَالِ ذَاتِ الْفَسَادِ كَمَا فِي قَوْلِهِ: وَإِذا فَعَلُوا فاحِشَةً قالُوا وَجَدْنا عَلَيْها آباءَنا [الْأَعْرَاف: ٢٨]. وَقَوْلِهِ تَعَالَى: قُلْ إِنَّما حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَواحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ فِي سُورَةِ الْأَعْرَافِ [٣٣]. قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: قَالَ بَعْضُ النَّاسِ: الْفَاحِشَةُ مَتَى وَرَدَتْ فِي الْقُرْآنِ مُعَرَّفَةً فَهِيَ الزِّنَا (يُرِيدُ أَوْ مَا يُشْبِهُهُ) كَمَا فِي قَوْلِهِ: أَتَأْتُونَ الْفاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِها مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعالَمِينَ [الْأَعْرَاف: ٨٠] وَمَتَى وَرَدَتْ مُنَكَّرَةً فَهِيَ الْمَعَاصِي.
وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ مُبَيِّنَةٍ بِكَسْرِ الْيَاءِ التَّحْتِيَّةِ، أَيْ هِيَ تُبَيِّنُ لِمَنْ تَبْلُغُهُ أَنَّهَا فَاحِشَةٌ عَظِيمَةٌ فَإِسْنَادُ التَّبْيِينِ إِلَيْهَا مَجَازٌ بِاسْتِعَارَةِ التَّبْيِينِ لِلْوُضُوحِ أَوْ تَبْيِينٌ لِوُلَاةِ الْأُمُورِ صُدُورَهَا مِنَ الْمَرْأَةِ فَيَكُونُ إِسْنَادُ التَّبْيِينِ إِلَى الْفَاحِشَةِ مَجَازًا عَقْلِيًّا وَإِنَّمَا الْمُبِيِّنُ
وَلِذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ وَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ بِوُجُوبِ السُّكْنَى لِلْمُطَلَّقَةِ الْمَدْخُولِ بِهَا سَوَاءً كَانَ الطَّلَاقُ رَجْعِيًّا أَوْ بَائِنًا وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى: لَا سُكْنَى إِلَّا لِلْمُطَلَّقَةِ الرَّجْعِيَّةِ، وَعَلَّلَ وُجُوبَ الْإِسْكَانِ لِلْمُطَلَّقَةِ الْمَدْخُولِ بِهَا بِعِدَّةِ أُمُورٍ: حَفِظُ النَّسَبِ، وَجَبْرُ خَاطِرِ الْمُطَلَّقَةِ وَحِفْظُ عِرْضِهَا. وَسَيَجِيءُ فِي هَذِهِ السُّورَةِ قَوْلُهُ تَعَالَى: أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ [الطَّلَاق: ٦] الْآيَةَ. وَتَعْلَمُ أَن ذَلِك تَأْكِيدًا لِمَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ مِنْ وُجُوبِ الْإِسْكَانِ فِي الْعِدَّةِ أُعِيدَ لِيُبَيَّنَ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: مِنْ وُجْدِكُمْ [الطَّلَاق: ٦] وَمَا عُطِفَ عَلَيْهِ.
وَالِاسْتِثْنَاءُ فِي قَوْلِهِ: إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُحْتَمَلُ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى الْجُمْلَتَيْنِ اللَّتَيْنِ قَبْلَهُ كَمَا هُوَ الشَّأْنُ فِيهِ إِذَا وَرَدَ بَعْدَ جُمَلٍ عَلَى أَصَحِّ الْأَقْوَالِ لِعُلَمَاءِ الْأُصُولِ.
وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى الْأَخِيرَةِ مِنْهُمَا وَهُوَ مُقْتَضَى كَوْنِهِ مُوَافِقًا لِضَمِيرِهَا إِذْ كَانَ الضَّمِيرُ فِي كِلْتَيْهِمَا ضَمِيرَ النِّسْوَةِ. وَهُوَ اسْتِثْنَاءٌ مِنْ عُمُومِ الْأَحْوَالِ الَّتِي اقْتَضَاهَا عُمُومُ الذَّوَاتِ فِي قَوْلِهِ: لَا تُخْرِجُوهُنَّ وَلا يَخْرُجْنَ. فَالْمَعْنَى: إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ فَأَخْرَجُوهُنَّ أَوْ لِيَخْرُجْنَ، أَيْ يُبَاحُ لَكُمْ إِخْرَاجُهُنَّ وَلَيْسَ لَهُنَّ الِامْتِنَاعُ مِنَ الْخُرُوجِ وَكَذَلِكَ عَكْسُهُ.
وَالْفَاحِشَةُ: الْفِعْلَةُ الشَّدِيدَةُ السُّوءِ بِهِذَا غَلَبَ إِطْلَاقُهَا فِي عُرْفِ اللُّغَةِ فَتَشْمَلُ الزِّنَا كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفاحِشَةَ مِنْ نِسائِكُمْ الْآيَةُ فِي سُورَةِ النِّسَاءِ [١٥].
وَشَمِلَ غَيْرَهُ مِنَ الْأَعْمَالِ ذَاتِ الْفَسَادِ كَمَا فِي قَوْلِهِ: وَإِذا فَعَلُوا فاحِشَةً قالُوا وَجَدْنا عَلَيْها آباءَنا [الْأَعْرَاف: ٢٨]. وَقَوْلِهِ تَعَالَى: قُلْ إِنَّما حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَواحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ فِي سُورَةِ الْأَعْرَافِ [٣٣]. قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: قَالَ بَعْضُ النَّاسِ: الْفَاحِشَةُ مَتَى وَرَدَتْ فِي الْقُرْآنِ مُعَرَّفَةً فَهِيَ الزِّنَا (يُرِيدُ أَوْ مَا يُشْبِهُهُ) كَمَا فِي قَوْلِهِ: أَتَأْتُونَ الْفاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِها مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعالَمِينَ [الْأَعْرَاف: ٨٠] وَمَتَى وَرَدَتْ مُنَكَّرَةً فَهِيَ الْمَعَاصِي.
وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ مُبَيِّنَةٍ بِكَسْرِ الْيَاءِ التَّحْتِيَّةِ، أَيْ هِيَ تُبَيِّنُ لِمَنْ تَبْلُغُهُ أَنَّهَا فَاحِشَةٌ عَظِيمَةٌ فَإِسْنَادُ التَّبْيِينِ إِلَيْهَا مَجَازٌ بِاسْتِعَارَةِ التَّبْيِينِ لِلْوُضُوحِ أَوْ تَبْيِينٌ لِوُلَاةِ الْأُمُورِ صُدُورَهَا مِنَ الْمَرْأَةِ فَيَكُونُ إِسْنَادُ التَّبْيِينِ إِلَى الْفَاحِشَةِ مَجَازًا عَقْلِيًّا وَإِنَّمَا الْمُبِيِّنُ
300
مُلَابِسُهَا وَهُوَ الْإِقْرَارُ وَالشَّهَادَةُ فَيُحْمَلُ فِي كُلِّ حَالَةٍ عَلَى مَا يُنَاسِبُ مَعْنَى التَّبْيِينِ.
وَقَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ وَأَبُو بَكْرٍ عَنْ عَاصِمٍ مُبِيَّنَةٍ بِفَتْحِ التَّحْتِيَّةِ، أَيْ كَانَتْ فَاحِشَةً بِيَّنَتْهَا الْحُجَّةُ أَوْ بِيَّنَهَا الْخَارِجُ وَمَحْمِلُ الْقِرَاءَتَيْنِ وَاحِد.
ووصفها ب مُبَيِّنَةٍ إِمَّا أَنْ يُرَادَ بِهِ أَنَّهَا وَاضِحَةٌ فِي جِنْسِ الْفَوَاحِشِ، أَيْ هِيَ فَاحِشَةٌ عَظِيمَةٌ وَهَذَا الْمَقَامُ يُشْعِرُ بِأَنَّ عِظَمَهَا هُوَ عِظَمُ مَا يَأْتِيهِ النِّسَاءُ مِنْ أَمْثَالِهَا عُرْفًا. وَإِمَّا أَنْ يُرَادَ بِهِ مُبِيَّنَةَ الثُّبُوتِ لِلْمُدَّةِ الَّتِي تَخْرَجُ.
وَقَدِ اخْتَلَفُوا فِي الْمُرَادِ مِنَ الْفَاحِشَةِ هُنَا وَفِي مَعْنَى الْخُرُوجِ لِأَجْلِهَا فَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَالشَّعْبِيِّ وَالْحَسَنِ وَزَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ وَالضَّحَّاكِ وَعِكْرِمَةَ وَحَمَّادٍ وَاللَّيْث بن سعدود أبي يُوسُفَ: أَنَّ الْفَاحِشَةَ الزِّنَا، قَالُوا: وَمُعَادُ الِاسْتِثْنَاءِ الْإِذْنُ فِي إِخْرَاجِهِنَّ، أَيْ لِيُقَامَ عَلَيْهِنَّ الْحَدُّ.
وَفُسِّرَتِ الْفَاحِشَةُ بِالْبَذَاءِ عَلَى الْجِيرَانِ وَالْإِحْمَاءِ أَوْ عَلَى الزَّوْجِ بِحَيْثُ أَنَّ بَقَاءَ أَمْثَالِهِنَّ فِي جِوَارِ أَهْلِ الْبَيْتِ يُفْضِي إِلَى تَكَرُّرِ الْخِصَامِ فَيَكُونُ إِخْرَاجُهَا مِنِ ارْتِكَابِ أَخَفِّ الضَّرَرَيْنِ وَنُسِبَ هَذَا إِلَى أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ لِأَنَّهُ قَرَأَ «إِلَّا أَنْ يَفْحُشْنَ عَلَيْكُمْ» (بِفَتْحِ التَّحْتِيَّةِ وَضَمِّ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ أَيِ الِاعْتِدَاءُ بِكَلَامٍ فَاحِشٍ) وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَيْضًا وَاخْتَارَهُ الشَّافِعِيُّ.
وَفُسِّرَتِ الْفَاحِشَةُ بِالْمَعْصِيَةِ مِنْ سَرِقَةٍ أَوْ سَبٍّ أَوْ خُرُوجٍ مِنَ الْبَيْتِ فَإِنَّ الْعِدَّةَ بَلْهَ الزِّنَا وَنُسِبَ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ أَيْضًا وَابْنِ عُمَرَ وَقَالَهُ السُّدِّيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ.
وَعَنْ قَتَادَةَ الْفَاحِشَةُ: النُّشُوزُ، أَيْ إِذَا طَلَّقَهَا لِأَجْلِ النُّشُوزِ فَلَا سُكْنَى لَهَا.
وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ وَالسُّدِّيِّ إِرْجَاعُ الِاسْتِثْنَاءِ إِلَى الْجُمْلَةِ الَّتِي هُوَ مُوَالٍ لَهَا وَهِيَ جُمْلَةُ وَلا يَخْرُجْنَ أَي هن مَنْهِيَّاتٌ عَنِ الْخُرُوجِ إِلَّا أَنْ يُرِدْنَ أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ، وَمَعْنَى ذَلِكَ إِرَادَةُ تَفْظِيعِ خُرُوجِهِنَّ، أَيْ إِنْ أَرَدْنَ أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ يَخْرُجْنَ وَهَذَا بِمَا يُسَمَّى تَأْكِيدَ الشَّيْءِ بِمَا يُشْبِهُ ضِدَّهُ كَذَا سَمَّاهُ السَّكَّاكِيُّ تَسْمِيَةً عِنْدَ الْأَقْدَمِينَ تَأْكِيدَ الْمَادِحِ بِمَا يُشْبِهُ الذَّمَّ وَمِنْهُ قَوْلُ النَّابِغَةِ:
وَقَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ وَأَبُو بَكْرٍ عَنْ عَاصِمٍ مُبِيَّنَةٍ بِفَتْحِ التَّحْتِيَّةِ، أَيْ كَانَتْ فَاحِشَةً بِيَّنَتْهَا الْحُجَّةُ أَوْ بِيَّنَهَا الْخَارِجُ وَمَحْمِلُ الْقِرَاءَتَيْنِ وَاحِد.
ووصفها ب مُبَيِّنَةٍ إِمَّا أَنْ يُرَادَ بِهِ أَنَّهَا وَاضِحَةٌ فِي جِنْسِ الْفَوَاحِشِ، أَيْ هِيَ فَاحِشَةٌ عَظِيمَةٌ وَهَذَا الْمَقَامُ يُشْعِرُ بِأَنَّ عِظَمَهَا هُوَ عِظَمُ مَا يَأْتِيهِ النِّسَاءُ مِنْ أَمْثَالِهَا عُرْفًا. وَإِمَّا أَنْ يُرَادَ بِهِ مُبِيَّنَةَ الثُّبُوتِ لِلْمُدَّةِ الَّتِي تَخْرَجُ.
وَقَدِ اخْتَلَفُوا فِي الْمُرَادِ مِنَ الْفَاحِشَةِ هُنَا وَفِي مَعْنَى الْخُرُوجِ لِأَجْلِهَا فَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَالشَّعْبِيِّ وَالْحَسَنِ وَزَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ وَالضَّحَّاكِ وَعِكْرِمَةَ وَحَمَّادٍ وَاللَّيْث بن سعدود أبي يُوسُفَ: أَنَّ الْفَاحِشَةَ الزِّنَا، قَالُوا: وَمُعَادُ الِاسْتِثْنَاءِ الْإِذْنُ فِي إِخْرَاجِهِنَّ، أَيْ لِيُقَامَ عَلَيْهِنَّ الْحَدُّ.
وَفُسِّرَتِ الْفَاحِشَةُ بِالْبَذَاءِ عَلَى الْجِيرَانِ وَالْإِحْمَاءِ أَوْ عَلَى الزَّوْجِ بِحَيْثُ أَنَّ بَقَاءَ أَمْثَالِهِنَّ فِي جِوَارِ أَهْلِ الْبَيْتِ يُفْضِي إِلَى تَكَرُّرِ الْخِصَامِ فَيَكُونُ إِخْرَاجُهَا مِنِ ارْتِكَابِ أَخَفِّ الضَّرَرَيْنِ وَنُسِبَ هَذَا إِلَى أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ لِأَنَّهُ قَرَأَ «إِلَّا أَنْ يَفْحُشْنَ عَلَيْكُمْ» (بِفَتْحِ التَّحْتِيَّةِ وَضَمِّ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ أَيِ الِاعْتِدَاءُ بِكَلَامٍ فَاحِشٍ) وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَيْضًا وَاخْتَارَهُ الشَّافِعِيُّ.
وَفُسِّرَتِ الْفَاحِشَةُ بِالْمَعْصِيَةِ مِنْ سَرِقَةٍ أَوْ سَبٍّ أَوْ خُرُوجٍ مِنَ الْبَيْتِ فَإِنَّ الْعِدَّةَ بَلْهَ الزِّنَا وَنُسِبَ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ أَيْضًا وَابْنِ عُمَرَ وَقَالَهُ السُّدِّيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ.
وَعَنْ قَتَادَةَ الْفَاحِشَةُ: النُّشُوزُ، أَيْ إِذَا طَلَّقَهَا لِأَجْلِ النُّشُوزِ فَلَا سُكْنَى لَهَا.
وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ وَالسُّدِّيِّ إِرْجَاعُ الِاسْتِثْنَاءِ إِلَى الْجُمْلَةِ الَّتِي هُوَ مُوَالٍ لَهَا وَهِيَ جُمْلَةُ وَلا يَخْرُجْنَ أَي هن مَنْهِيَّاتٌ عَنِ الْخُرُوجِ إِلَّا أَنْ يُرِدْنَ أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ، وَمَعْنَى ذَلِكَ إِرَادَةُ تَفْظِيعِ خُرُوجِهِنَّ، أَيْ إِنْ أَرَدْنَ أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ يَخْرُجْنَ وَهَذَا بِمَا يُسَمَّى تَأْكِيدَ الشَّيْءِ بِمَا يُشْبِهُ ضِدَّهُ كَذَا سَمَّاهُ السَّكَّاكِيُّ تَسْمِيَةً عِنْدَ الْأَقْدَمِينَ تَأْكِيدَ الْمَادِحِ بِمَا يُشْبِهُ الذَّمَّ وَمِنْهُ قَوْلُ النَّابِغَةِ:
وَلَا عَيْبَ فِيهِمْ غَيْرَ أَنَّ سُيُوفَهُمْ | بِهِنَّ فُلُولٌ مِنْ قِرَاعِ الْكَتَائِبِ |