تفسير سورة الطلاق

الوجيز للواحدي

تفسير سورة سورة الطلاق من كتاب الوجيز في تفسير الكتاب العزيز المعروف بـالوجيز للواحدي.
لمؤلفه الواحدي . المتوفي سنة 468 هـ
مدنية وهي احدى عشرة آية

﴿يا أيها النبيُّ إذا طلقتم النساء﴾ هذا خطابٌ للنبي ﷺ والمؤمنون داخلون معه في الخطاب ومعنى قوله: ﴿إذا طلقتم﴾ : إذا أردتم طلاق النِّساء ﴿فطلقوهنَّ لعدتهنَّّ﴾ أَيْ: لطهرهنَّ الذي يحصينه من عدتهنَّ وهذا سنَّةُ الطَّلاق ولا تُطلقوهنَّ لحيضتهنَّ التي لا يعتدون بها من زمان العِدَّة ﴿وأحصوا العدة﴾ أَيْ: عدد أقرائها واحفظوها لتعلموا وقت الرَّجعة إن أردتم أن تُراجعوهنَّ وذلك أنَّ الرجعة إنَّما تجوز في زمان العِدَّة ﴿واتقوا الله ربكم﴾ وأطيعوه فيما يأمركم وينهاكم ﴿لا تخرجوهنَّ من بيوتهن﴾ حتى تنقضي عدَّتهنَّ ﴿ولا يخرجن﴾ من البيوت في زمان العِدَّة ﴿إلاَّ أن يأتين بفاحشة مبينة﴾ وهي الزِّنا فيخرجن حينئذٍ لإِقامة الحدِّ عليهنَّ ﴿وتلك حدود الله﴾ يعني: ما ذكر من طلاق السُّنَّة ﴿ومَنْ يتعدَّ حدود الله﴾ ما حدَّ الله له من الطَّلاق وغيره ﴿فقد ظلم نفسه لا تدري لعلَّ الله يحدث بعد ذلك أمراً﴾ بعد الطَّلاق مراجعةً وهذا يدلُّ على كراهية التَّطليق ثلاثاً بمرَّةٍ واحدةٍ لأنَّ إحداث الرَّجعة لا يكون بعد الثَّلاث
﴿فإذا بلغن أجلهنَّ﴾ قاربن انقضاء العدَّة ﴿فأمسكوهنَّ﴾ برجعةٍ تراجعونهنَّ بها ﴿بمعروف﴾ وهو أن لا يريد بالرَّجعة ضرارها ﴿أو فارقوهنَّ بمعروف﴾ أي: اتركوهن حتى تنقضي عدتهن فتبين ولا تضروهن بمراجعتهنَّ ﴿وأشهدوا ذوي عدل منكم﴾ على الرَّجعة أو الفراق ﴿ومَنْ يتَّق الله﴾ يُعطه فيما يأمره وينهاه ﴿يجعل له مخرجاً﴾ من الشدَّة إلى الرَّخاء ومن الحرام إلى الحلال ومن النَّار إلى الجنَّة يعني: من صبر على الضِّيق واتَّقى الحرام جعل الله له مخرجاً من الضِّيق
﴿ويرزقه من حيث لا يحتسب﴾ ويروى أنَّ هذا نزل في عوف بن مالك الأشجعيِّ أتى رسول الله ﷺ فقال: إنَّ العدو أسر ابني وشكا إليه الفاقة فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم اتَّق الله واصبر وأَكْثِرْ من قول: لا حول ولا قوة إلاَّ بالله ففعل الرَّجل ذلك فبينا هو في بيته إذ أتاه ابنه وقد غفل عنه العدو وأصابَ إبلاً لهم وغنماً فساقها إلى أبيه ﴿ومَن يتوكل على الله﴾ ما أهمَّه يتوثق به ويسكن قلبه إليه ﴿فهو حسبه﴾ كافيه ﴿إنَّ الله بالغ أمره﴾ يبلغ أمره فيما يريد وينفذه ﴿قد جعل الله لكل شيء قدراً﴾ ميقاتاً وأجلاً
﴿واللائي يئسن من المحيض من نسائكم﴾ أَيْ: القواعد من النِّساء اللاتي قعدن عن الحيض ﴿إن ارتبتم﴾ إنْ شككتم في حكمهنَّ ولم تعلموا عدَّتهنَّ وذلك أنَّهم سألوا فقالوا: قد عرفنا عدَّة التي تحيض فما عِدَّة التي لا تحيض والتي لم تحض بعده؟ فبيَّن الله تعالى ذلك فقال: ﴿فعدتهنَّ ثلاثة أشهر واللائي لم يحضن﴾ يعني: الصِّغار ﴿وأولات الأحمال﴾ ذوات الحمل من النِّساء ﴿أجلهنَّ﴾ عدتهنَّ ﴿أن يضعن حملهنَّ﴾ فإذا وضعت الحامل انقضت عدَّتها مُطلَّقةً كانت أو مُتوفَّى عنها زوجها ﴿ومن يتق الله﴾ بطاعته في أوامره ونواهيه ﴿يجعل له من أمره يسراً﴾ أتاه باليسر في أموره
﴿ذلك﴾ يعني: ما ذكر من أحكام العِدَّة ﴿أمر الله أنزله إليكم﴾ الآية
﴿أسكنوهنَّ﴾ أَيْ: المطلَّقات ﴿من حيث سكنتم﴾ أَيْ: من منازلكم وبيوتكم ﴿من وُجدكم﴾ : من سعتكم وطاقتكم ﴿ولا تضاروهنَّ﴾ لا تؤذوهن ﴿لتضيقوا عليهن﴾ مساكنهن فيحتجن إلى الخروج ﴿وإن كنّ﴾ أي المطلقات ﴿أولات حَمْلٍ فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن فإن أرضعن لكم﴾ أولادكم منهنَّ ﴿فآتوهن أجورهنّ﴾ على إرضاعهن ﴿وأتمروا بينكم بمعروف﴾ أَيْ: ليقبل بعضكم من بعضٍ إذا أمره بمعروف ﴿وإن تعاسرتم﴾ تضايقتم ولم تتوافقوا على إرضاع الأمِّ ﴿فسترضع﴾ الصَّبيَّ ﴿له﴾ لوالده مرضعةٌ أخرى سوى الأُمَّ ولا تُكرَهُ الأمُّ على الإِرضاع
﴿لينفق ذو سعة من سعته﴾ أمر أهل التَّوسعة أن يُوسِّعوا على نسائهم المرضعات أولادهنَّ ﴿ومَنْ قدر عليه رزقه﴾ مَنْ كان رزقه بمقدار القوت ﴿فلينفق﴾ على قدر ذلك ﴿لا يكلف الله نفسا إلا ما آتاها﴾ أعطاها ﴿سيجعل الله بعد عسرٍ يُسْراً﴾ أعلم الله تعالى المؤمنين أنَّهم - وإن كانوا في حالٍ ضيقةٍ - سَيُوَسِّرهم ويفتح عليهم وكان الغالب عليهم في ذلك الوقت الفقر والفاقة ثمَّ فتح الله عليهم وجاءهم باليسر
﴿وكأين﴾ وكم ﴿من قرية عتت عن أمر ربها ورسله﴾ عتا أهلها عمَّا أمر الله تعالى به ورسله ﴿فحاسبناها﴾ في الآخرة ﴿حساباً شديداً وعذَّبناها عذاباً نكراً﴾ فظيعاً يعني: عذاب النَّار
﴿فذاقت وبال أمرها﴾ ثقل عاقبة أمرها ﴿وكان عاقبة أمرها خسراً﴾ خساراً وهلاكاً وقوله:
﴿قد أنزل الله إليكم ذكراً﴾ أَيْ: القرآن
﴿رسولاً﴾ أَيْ: وأرسل رسولاً ﴿يتلو عليكم آياتِ الله مبينات ليخرج الذين آمنوا وعملوا الصالحات من الظلمات إلى النور﴾ من ظلمات الكفر إلى نور الإيمان وقوله: ﴿قد أحسن الله له رزقاً﴾ أَيْ: رزقهُ الجنَّة التي لا ينقطع نعيمُها وقوله:
﴿يتنزل الأمر بينهنَّ﴾ يعني: إن من كلِّ سماء وكلِّ أرض خلقاً من خلقه وأمراً نافذاً من أمره ﴿لتعلموا﴾ أَيْ: أعلمكم ذلك وبيَّنه لتعلموا قدرته على كلّ شيء وأنَّه علم كلَّ شيءٍ
سورة الطلاق
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورة (الطَّلاق) من السُّوَر المدنية، نزلت بعد سورة (الإنسان)، وقد تحدثت عن أحكامِ الطلاق، وعن الأحكام المترتِّبة عليه؛ من العِدَّة، والإرضاع، وغير ذلك، وخُتمت السورة بالعِبَر والعظات، وكانت تُسمَّى بسورة (النِّساء الصُّغْرى)؛ لِما فيها من أحكامٍ تتعلق بالمرأة، وسورة (النِّساء الكُبْرى): هي سورة (النِّساء).

ترتيبها المصحفي
65
نوعها
مدنية
ألفاظها
289
ترتيب نزولها
99
العد المدني الأول
12
العد المدني الأخير
12
العد البصري
11
العد الكوفي
12
العد الشامي
12

* سورة (الطَّلاق):

سُمِّيت سورة (الطَّلاق) بهذا الاسم؛ لأنَّها بيَّنتْ أحكامَ الطَّلاق والعِدَّة، ولأنه جاء في فاتحتِها؛ قال تعالى: {يَٰٓأَيُّهَا اْلنَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ اْلنِّسَآءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُواْ اْلْعِدَّةَۖ وَاْتَّقُواْ اْللَّهَ رَبَّكُمْۖ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنۢ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّآ أَن يَأْتِينَ بِفَٰحِشَةٖ مُّبَيِّنَةٖۚ وَتِلْكَ حُدُودُ اْللَّهِۚ وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اْللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُۥۚ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اْللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَٰلِكَ أَمْرٗا} [الطلاق: 1].

* (النِّساء الصُّغْرى) أو (القُصْرى):

وسُمِّيت بذلك تمييزًا لها عن سورة (النساء الكبرى)، ولاشتمالها على بعضِ أحكام النساء، وقد ورَدتْ هذه التسميةُ عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، قال: «نزَلتْ سورةُ النِّساءِ القُصْرى بعد الطُّولى». أخرجه البخاري (4532).

1. من أحكام الطلاق (١-٣).

2. من الأحكام المترتِّبة على الطلاق (٤-٧).

3. عِبَرٌ وعِظَات (٨-١٢).

ينظر: "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (8 /217).

مقصدُ هذه السورة هو بيانُ حُكْمٍ من الأحكام التي تتعلق بالعلاقات الزوجية.

يقول البقاعي: «مقصودها: تقديرُ حُسْنِ التدبير في المفارَقة والمهاجَرة بتهذيب الأخلاق بالتقوى، لا سيما إن كان ذلك عند الشِّقاق، لا سيما إن كان في أمر النساء، لا سيما عند الطلاق؛ ليكونَ الفِراق على نحوِ التواصل والتَّلاق.
واسمها (الطلاق): أجمَعُ ما يكون لذلك؛ فلذا سُمِّيت به.
وكذا سورة (النساء القُصْرى)؛ لأن العدلَ في الفِراق بعضُ مطلَقِ العدل، الذي هو محطُّ مقصود سورة (النساء)». "مصاعد النظر للإشراف على مقاصد السور" للبقاعي (3 /95).

وينظر: "التحرير والتنوير" لابن عاشور (28 /293).